إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة هود

مفاتيح سورة هود
أولاً:اسم السورة
هذه السورة تسمى باسم نبى من أنبياء الله تعالى وهو : هود عليه السلام ، الذى أرسله الله تعالى إلى قوم عاد بمساكنهم التى كانت فى أرض الأحقاف جهة اليمن والذى عاش 464 عاماً(1) .
وقد أضيفت إليه : لتضمنها نبأه مع قومه ، وتمييزا لها عن غيرها ، وإن تضمنت أنباء غيره من الأنبياء عليهم السلام(2) .
وقال الهايمىَّ : سميت به لقوله تعالى (إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم) [هود 56] الدال على توحيد الأفعال ، مع استقامته بإعطاء كل مستعد ما يستعد له ، المقتضية للأحكام والجزاء ، وهى من أعظم المقاصد(2) .
هذا ..
وقد ذكر هود عليه السلام – صراحة – فى القرآن الكريم (سبع مرات) .
فى الأعراف : مرة واحدة ، وقد استغرقت قصته فيها آيات ثمان .
وفى الشعراء : كذلك مرة واحدة ، وقد استغرقت قصته عليه السلام فيها ثمان عشرة آية .
وفى هود : خمس مرات ، وقد استغرقت قصته فيها إحدى عشرة آية .
وكانت قصته عليه السلام مع قومه ، ودعوتهم لهم ، وعنادهم له ، فى هذه السورة ، أوضح وأكمل مما فى غيرها من السور .. !! .
فلا غرابة أن سميت السورة باسمه عليه السلام ، والله أعلم .
فإن قيل : قد ورد – فى سورة هود – ذكر .. نوح ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وموسى عليهم السلام .. !! .
فلم تختص باسم هود وحده .. ؟
وما وجه تسميتها به .. خاصة : وأن قصة "نوح" عليه السلام فيها ، أطوال وأوعب .
قيل : تكررت هذه القصص فى .. سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، بأوعب مما وردت فى غيرها ، ولم يتكرر فى واحدة من هذه السور الثلاث – كما رأينا – اسم "هود" عليه السلام ، كتكرره فى هذه السورة .
والتكرار من أقوى الأسباب فى تسمية السورة .
فإن قيل أيضاً : قد تكرر اسم "نوح" عليه السلام – فى هذه السورة – فى ستة مواضع فيها ، وذلك أكثر من تكرار اسم "هود" عليه السلام .. !! .
فلم لم تسم باسم "نوح" عليه السلام .. ؟
قيل : لما حددت لذكر "نوح" وقصته مع قومه .. سورة برأسها ، فلم يقع فيها غير ذلك – وهى سورة نوح – كانت أولى أن تسمى باسمه عليه السلام من سورة تضمنت قصته وقصة غيره ، وإن تكرر اسمه فيها .
وأما هود فكانت – هذه السورة – أولى السور بأن تسمى باسمه عليه السلام(3) .



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

وعدد آيات هذه السورة : 123 آية .
وعدد كلماتها : 1911 كلمة .
وعدد حروفها : 7650 حرف .



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

أ-فى المصحف .. بعد : سورة "هود" ، وقبل : سورة "يوسف" .
ب-فى النزول .. بعد : سورة "يونس" ، وقبل : سورة "يوسف".



رابعاً : سبب نزول السورة

نزلت هذه السورة بمكة ، قبل الهجرة بثلاث سنوات تقريباً كما أنها نزلت بعد "يونس" ، التى نزلت بعد الإسراء .
وهذا – كما يقول شهيد الإسلام السيد قطب(5) – يحدد معالم الفترة التى نزلت فيها ، وهى من أحرج الفترات وأشقها فى تاريخ الدعوة بمكة .
فقد سبقها :
موت أبى طالب وخديجة .
وجرأة المشركين على ما لم يكونوا ليجرؤوا عليه فى حياة أبى طالب – خاصة بعد حادث الإسراء وغرائبه ، واستهزاء المشركين به ، وارتداد بعض من كانوا أسلموا قبله – مع وحشة رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضى الله تعالى عنها – فى الوقت الذى تجرأت فيه قريش عليه وعلى دعوته . وبلغت فى الوقت الذى قرأت فيه قريش عليه وعلى دعوته – وبلغت الحرب المعلنة عليه وعلى دعوته أقس وأقصى مداها .
وتجمدت حركة الدعوة حتى ما كان يدخل فى الإسلام أحد من مكه وما حولها وذلك : قبيل أن يفتح الله على رسوله وعلى القلة المسلمة مع بيعة العقبة الأولى ثم الثانية .
قال ابن اسحق : ثم إن خديجة وأبا طالب ماتا فى عام واحد 00 وذلك قبل مهاجرته إلى المدينة بثلاث سنين .
ونالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به فى حياة أبى طالب .
وقد اعترضه – فى هذه الظروف – سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه تراباً ، ... ، فلما دخل صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه ، قامت إليه إحدى بناته ، فجعلت تغسل عنه التراب وهى تبكى ، وهو صلى الله عليه وسلم يقول لها : "لاتبكى يا بنية ، فإن الله مانع أباك" ... ويقول بين ذلك "مانالت منى قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب" .
قال المقريزى فى "امتاع الاسماع" :
فعظمت المصيبة بموتهما – على رسول الله صلى الله عليه وسلم – وسماه "عام الحزن" ، لأنه لم يكن فى عشيرته وأعمامه حامياً له ، ولا ذابا عنه غيره .
ففى هذه الفترة : نزلت "هود" و "يونس" قبلها ، وقبلهما سورة الإٍسراء .
وكلها تحمل طابع هذه الفترة ، وتحدث عن مدى تحدى قريش وتعديها(1).



خامساً : مكية السورة و مدنيتها

أ-أسند أبو محمد الدرامى فى مسنده عن كعب قال :
"فاتحة التوراة : الأنعام ، وخاتمتها : "هود" .
وأسند عنه أيضاً وعن عبد الله بن رباح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اقرؤا سورة هود يوم الجمعة"(6) .
ب- وروى عن الترمذى – كما ذكر القرطبى – عن ابن عباس قال : قال أبو بكر رضى الله عنه : يا رسول الله قد شبت ! قال "شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت"(7) .
يقول القرطبى رضى الله عنه : وسبب ذلك ، ما ذكر من قصص الأمم ، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى(8) .
فأهل اليقين إذا تلوها : ترائى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ... والبطش بأعدائه ، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم ، ولكن الله تبارك وتعالى يلطف بهم فى تلك الأحايين حتى يقرؤا كلاً من : وأما أخواتها –.. الخ .
وقد قيل : إن الذى شيب النبى صلى الله عليه وسلم منها قوله تعالى (فاستقم كما أمرت .. ) [هود 112] .
وذلك : لما روى عن أبى عبد الرحمن السلمى قال : سمعت أبا على السَّرى يقول : رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقلت : يا رسول الله روى عنك أنك قلت "شيبتنى هود" فقال : نعم ، فقلت : ما الذى شيبك فيها ؟ .. قصص الأنبياء وهلاك الأمم !! فقال : لا ، ولكن قوله تعالى (فاستقم كما أمرت) .



سادساً : فضل السورة

أ‌- عرفت أنها نزلت بعد سورة "يونس" ، وهى نفسها التى تسبقها فى المصحف الشريف .
وهما تشتركان فى الهدف والموضوعات تقريباً ، وهو : أصول عقائد الإسلام فى الالهيات والنبوات والبعث والجزاء وعمل الصالحات .
وهى بذلك مناسبة لها كل المناسبة ، بصفة عامة .
ب‌- هذا 00 وبصف خاصة(11)
1) ففيهما براعة المطلع .
فإذا كانت يونس قد افتتحت بذكر القرآن
وذكر الإمام القرطبى أيضاً : أن يزيد بن أبان قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامى ، فقرأت عليه سورة هود ، فلما ختمتها ، قال – صلى الله عليه وسلم 000 يا يزيد هذه القراءة 00 فأين البكاء" ؟(8).
يقول الإمام الآلوس :
وكل ذلك يدل على : خطرها ، وعظم ما اشتملت عليه ، وأشارت إليه ، وهو الذى صار سبباً لإسراع الشيب إليه صلى الله عليه وسلم(9) .
الكريم بعد (الر) فى قوله تعالى (الر تلك آيات الكتاب الحكيم) .
فإن هود قد افتتحت بذكر القرآن الكريم – كذلك – بعد (الر) فى قوله تعالى (الر كتاب أحكمت آياته) .
2) وفيهما شدة الارتباط بين خاتمة يونس ومطلع هود .
فإذا كانت يونس قد ختمت بنفى الشرك فى قوله تعالى (ولا تكونن من المشركين)(1) [يونس 10] واتباع الوحى فى قوله تعالى (واتبع ما يوحى إليك) [يونس 109] .
فإن سورة هود قد افتتحت ببيان الوحى والتحذير من الشرك فى قوله تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله) .
3) أن فيهما قصة نوح عليه السلام
وبينما كانت مختصرة جداً فى يونس ، حينما ذكرت فى قوله تعالى (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه 00) [يونس 71-74] .
فقد جاءت مبسوطة مشروحة فى سورة هود على نحو لم تبسط عليه فى غيرها من السور ، ولا سورة الأعراف على طولها [الأعراف 59-64] ، ولا سورة (إنا أرسلنا نوحاً) التى أفردت لقصته [عدد آياتها 28 آية].
وذلك فى قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنى لكم نذير مبين 00) [هود 5-48] .
4) فى السورتين قصص من القرآن
وإذا كانت يونس تحتوى على جانب من القصص مجمل ، إشارة إلى قصة نوح – كما ذكرنا – وإشارة إلى الرسل من بعده ، وشىء من التفصيل فى قصة موسى ، وإشارة مجملة إلى قصة يونس 00 !! .
فإن هذا القصص : إنما يجئ فيها شاهداً ومثالاً لتصديق الحقائق الاعتقادية التى تستهدفها السورة .
وإذا كانت هود تحتوى – كذلك – على القصص الذى يكون جسمها وهيكلها الرئيسى 00 !! .
وهو وإن جاء شاهداً ومثالاً لتصديق الحقائق الاعتقادية التى تستهدفها السورة 00 !! .
فإن هذا القصص : يبدو فيه أن استعراض حركة العقيدة الربانية فى التاريخ البشرى هو الهدف الواضح البارز .
وبالجملة فقد أجمل فى كل منهما بأفضل فى الأخرى ، مع فوائد انفردت بها كل منهما(12) .
فهما باتفاق الموضوع ، واختلاف النظم والأسلوب : آيتان من آيات الاعجاز ، تخر لتلاوتهما الوجوه للأذقان ، ساجدة للرحمن(10) .



سابعاً : صلة السورة بما قبلها

أ‌- عرفت أنها نزلت بعد سورة "يونس" ، وهى نفسها التى تسبقها فى المصحف الشريف .
وهما تشتركان فى الهدف والموضوعات تقريباً ، وهو : أصول عقائد الإسلام فى الالهيات والنبوات والبعث والجزاء وعمل الصالحات .
وهى بذلك مناسبة لها كل المناسبة ، بصفة عامة .
ب‌- هذا .. وبصف خاصة(11)
1) ففيهما براعة المطلع .
فإذا كانت يونس قد افتتحت بذكر القرآن
وذكر الإمام القرطبى أيضاً : أن يزيد بن أبان قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى منامى ، فقرأت عليه سورة هود ، فلما ختمتها ، قال – صلى الله عليه وسلم ... يا يزيد هذه القراءة .. فأين البكاء" ؟(8).
يقول الإمام الآلوس :
وكل ذلك يدل على : خطرها ، وعظم ما اشتملت عليه ، وأشارت إليه ، وهو الذى صار سبباً لإسراع الشيب إليه صلى الله عليه وسلم(9) .
الكريم بعد (الر) فى قوله تعالى (الر تلك آيات الكتاب الحكيم) .
فإن هود قد افتتحت بذكر القرآن الكريم – كذلك – بعد (الر) فى قوله تعالى (الر كتاب أحكمت آياته) .
2) وفيهما شدة الارتباط بين خاتمة يونس ومطلع هود .
فإذا كانت يونس قد ختمت بنفى الشرك فى قوله تعالى (ولا تكونن من المشركين)(1) [يونس 10] واتباع الوحى فى قوله تعالى (واتبع ما يوحى إليك) [يونس 109] .
فإن سورة هود قد افتتحت ببيان الوحى والتحذير من الشرك فى قوله تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله) .
3) أن فيهما قصة نوح عليه السلام
وبينما كانت مختصرة جداً فى يونس ، حينما ذكرت فى قوله تعالى (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه 00) [يونس 71-74] .
فقد جاءت مبسوطة مشروحة فى سورة هود على نحو لم تبسط عليه فى غيرها من السور ، ولا سورة الأعراف على طولها [الأعراف 59-64] ، ولا سورة (إنا أرسلنا نوحاً) التى أفردت لقصته [عدد آياتها 28 آية].
وذلك فى قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنى لكم نذير مبين .. ) [هود 5-48] .
4) فى السورتين قصص من القرآن
وإذا كانت يونس تحتوى على جانب من القصص مجمل ، إشارة إلى قصة نوح – كما ذكرنا – وإشارة إلى الرسل من بعده ، وشىء من التفصيل فى قصة موسى ، وإشارة مجملة إلى قصة يونس .. !! .
فإن هذا القصص : إنما يجئ فيها شاهداً ومثالاً لتصديق الحقائق الاعتقادية التى تستهدفها السورة .
وإذا كانت هود تحتوى – كذلك – على القصص الذى يكون جسمها وهيكلها الرئيسى .. !! .
وهو وإن جاء شاهداً ومثالاً لتصديق الحقائق الاعتقادية التى تستهدفها السورة .. !! .
فإن هذا القصص : يبدو فيه أن استعراض حركة العقيدة الربانية فى التاريخ البشرى هو الهدف الواضح البارز .
وبالجملة فقد أجمل فى كل منهما بأفضل فى الأخرى ، مع فوائد انفردت بها كل منهما(12) .
فهما باتفاق الموضوع ، واختلاف النظم والأسلوب : آيتان من آيات الاعجاز ، تخر لتلاوتهما الوجوه للأذقان ، ساجدة للرحمن(10) .



ثامناً : هدف السورة

تهدف السورة إلى :
1) أن ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم وما جاء به الرسل من
قبله حقيقة واحدة موحى بها من الله سبحانه .
وهى تقوم على :
الدينونة لله وحده بلا شريك
والتلقى فى هذه الدينونة عن رسل الله وحدهم ، كذلك .
والمفاصلة بين الناس على أساس هذه الحقيقة .
2)بيان أن الناس جميعاً فى قبضة الله تعالى – الذى تتولى السورة تعريفهم به – فى هذه الدنيا – وأنهم راجعون إليه يوم القيامة ، ليجزيهم الجزاء الأخير .
وذلك : ليدينوا جميعاً لله تعالى وحده بالربوبية .
ويتم للتعريف بحقيقة الألوهية ، وحقيقة الآخرة فى سياق السورة ، وهى تقرر الربوبية .
ويلاحظ جيداً : أنها لا تستهدف إثبات وجود الله سبحانه ، إنما تستهدف تقرير الربوبية التى كانت تواجهها الرسالات ، وهى التى كانت - كذلك – تواجهها الرسالة الأخيرة .
إنها قضية الدينونة لله وحده بلا شريك ، والخضوع لله وحده بلا منازع ، ورد أمر الناس كلهم إلى بسلطانه ، وقضائه ، وشريعته ، وأمره .
2)استعراض حركة العقيدة الربانية التى رسختها السورة السابقة ، فى التاريخ البشرى .



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

تتكون آيات هذه السورة الكريمة من مقدمة وستة أقسام .
المقدمة .. عبارة عن آية واحدة ، وهى الآية الأولى .
وفيها : الحديث عن القرآن الكريم ، وحكمة آياته ، وتفصيلها من لدنه عز وجل.
والقسم الأول .. عبارة عن (23) آية
من الآية (2) إلى نهاية الآية (24) .
وفيه : تقرير أن هذا القرآن أحكم وفصل من أجل عبادة الله واستغفاره ، وقد فصل هذا القسم كثيراً من مضامين العبادة ومظاهرها ، كما بين الكثير مما تقتضيه العبادة له فى كل حال ، وقدم – كذلك – نماذج على ندارته وبشارته .
والقسم الثانى .. عبارة عن (44) آية .
من الآية (25) حتى نهاية الآية (68) .
وفيه : الحديث عن ثلاث قصص الأنبياء دعوا قومهم إلى عبادة الله ، وهم: نوح ، وهود ، وصالح ، وقد قدم هذا القسم خلال ذك انذارات وبشارات من خلال عرضه لقصص هؤلاء الأنبياء ، ومواقف أقوامهم معهم ، وما آل إليه أمر هؤلاء وهؤلاء ، وذلك يعمق قضية العبادة والاستغفار .
والقسم الثالث : عبارة عن (15) آية .
من (69) إلى (83) وفيه : الحديث عن قصة إبراهيم عليه السلام وقصة لوط عليه السلام ، ومن خلال ذلك الحديث : يرينا الله تعالى رعايته لعِبَاده وعُبَّادِه.
والقسم الرابع : وهو عبارة عن (12) آية .
من (84) حتى نهاية الآية (95) .
وفيه الحديث عن قصة شعيب الذى دعا إلى عبادة الله وحده وإلى الاستغفار وسلوك نظيف يكون أثراً عن عبارة الله ، وكيف رد عليه قومه ؟ وماذا كانت عاقبة هذا الرد ؟ .
والقسم الخامس : عبارة عن (13) آية .
من (96) حتى نهاية الآية 108) .
وفيه : الحديث عن موسى عليه السلام ، ورسالته إلى فرعون ، وبيان عاقبة فرعون وقومه ، وكذلك : تهديد ووعيد لكل ظالم .
والقسم السادس والأخير .. عبارة عن (15) آية .
من (109) حتى نهاية السورة بالآية (123) .
وفيه : تعقيبات وتوجيهات .. تنسجم مع جو السورة وهدفها وسياقها ، خاصة وأنه جاء عقيب الأقسام السابقة التى تجعل عند الإنسان الاستعداد للتطبيق الخالص .
ولذلك : فهو قسم عملى تطبيقى فى الغالب .



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

يقول المرحوم سيد قطب :
إذا كانت سورة الأنعام – وهى مكية – تتبادل حقيقة العقيدة ذاتها ، وتواجه الجاهلية بها ، وتقيد هذه الجاهلية ، عقيدة وشعوراً ، وعبادة وعملاً .
بينما سورة الأعراف – المكية التالية لها فى المصحف تتناول حركة هذه العقيدة فى الأرض وقصتها فى مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ .
فنحن هنا مع سورتى يونس وهود – المكيتان ، المتتاليتان فى النزول والمصحف - : فى شبة كبير فى الموضوعات ، وفى طريقة العرض أيضاً .
وعلى هذا : فإن سورة هود تتناول – كذلك – حركة العقيدة فى الأرض ، وقصتها فى مواجهة الجاهلية على مدار التاريخ .
وهى بهذه الحركة ، وتلك المواجهة تضع الأسس لمواجهة كل جاهلية ، قديمة كانت ، أو معاصرة ، أو مستقبلية .
وموضوعات السورة العديدة تسير فى هذا الإطار العام ، والخط الرئيسى.
وتركيب السورة : يحتوى على ثلاثة قطاعات متميزة .
القطاع الأول : يتضمن حقائق العقيدة فى مقدمة السورة ، ويشغل حيزاً محدوداً .
القطاع الثانى : يتضمن حركة هذه العقيدة فى التاريخ ، ويشكل معظم سياق السورة .
القطاع الثالث : يتضمن التعقيب على هذه الحركة ، فى حيز – كذلك - محدود .
وهذه القطاعات تمتلئ الكثير من الموضوعات التى تخدم بطريق مباشر وغير مباشر ، هذه بالأغراض الرئيسية فى السورة .
ونذكر بعضاً منها على النحو التالى :
1)توحيد الألوهية .
فى مثل قوله تعالى (ألا تعبدوا إلا الله إننى لكم منه نذير وبشير) [الآية 2].
2)توحيد الربوبية .
فى مثل قوله تعالى (إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مسقيم)(3) [الآية 156] .
3) إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
فى مثل قوله تعالى (أمْ يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم يستجيبوا لك فاعم أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون) [الآيتان 13،14] .
4)إثبات البعث والجزاء
فى مثــل قوله تعالى (إلى الله مرجعكم وهو وعلى كل شئ قدير
[الآية 4] .
5) بيان حركة هذه العقيدة فى التاريخ البشرى . وذلك بذكر .
قصة نوح مع قومه [هود 25-49] .
وقصة هود مع قومه [هود 50-60] .
وقصة صالح مع قومه [هود 61-68] .
وقصة لوط مع قومه [هود 77-83] .
وقصة شعيب مع قومه [هود 84-95] .
وقصة موسى مع قومه [هود 96-101] .
6) قاعدة إهلاك الله الأمم بسبب ظلمها .
فى مثل قوله تعالى (وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد) [هود 102] .
7)الكثير من الترغيب والترهيب .
فى مثل قوله تعالى (وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً ويؤت كل ذى فضل فضله) [هود 3] .
وفى مثل قوله تعالى (ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون أولئك لم يكونوا معجزين فى الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لاجرم أنهم فى الآخرة هم الأخسرون) .
8)عرض بعض صور النفس البشرية فى مواجهة الأحداث الجارية بالنعماء والبأساء .
فى مثل قوله تعالى (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب عنى السيئات عنى إنه لفرح فخور) .
9) عرض بعض مشاهد القيامة ، وصور المكذبين فيها ، وصور المصدقين بها .
فى مثل قوله تعالى (إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد .
فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد .
وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ .
10) بيان الكثير من مساوئ النفس البشرية ، وعاداتها .
أ‌- مثل : التقليد .
فى مثل قوله تعالى عن ثمود (أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا).
ب‌- ومثل : الطغيان .
فى مثل ... تعالى قائلاً (ولا تطغوا انه يما تعملون بصير) [الآية 112] .
جـ- الظلم .
فى مثل قوله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد وهؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين) .
د- والركون إلى الذين ظلموا
فى مثل قوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) [الآية 113] .
11) بيان الفضائل النفسية
أ‌- مثل : الاستغفار والتوبة .
فى مثل قوله تعالى :(واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه) [الآية 90] .
ب‌- الصبر .
فى مثل قوله تعالى :(فاصبر إن العاقبة للمتقين) [الآية 49] .
جـ- الاخبات إلى الله تعالى
فى مثل قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) .
د- التوكل على الله .
فى مثل قوله تعالى : (إنى توكلت على الله ربى وربكم) [الآية 56] .



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

1)أن الاستغفار والتوبة : طريق إلى الرخاء والمتعة والقوة (17).
فى مثل قوله تعالى (وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذى فضل فضله) .
وفى مثل قوله تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ..) [الآية 52] .
2) أن الله تعالى قد تكفل بقضية الرزق لكل من على وجه الأرض.
فى مثل قوله تعالى (وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ..) [الآية 6] .
3)أن الغنى والفقر فى الدنيا ، ليس مرتبطاً بالإيمان والكفر ، وأن السر فيما عليه الكفار من رخاء : هو أن همتهم وعملهم وإرادتهم قد انصرفت إلى الدنيا فقط ، وليس لهم فى الآخرة إلا النار فقد انصرفت همتهم وإرادتهم عنها .
4)أن اتباع الرسل والصالحين عادة ما تكون غالبيتهم من الفقراء .
يقول الملأ الذين كفروا من قوم نوح عليه السلام له (ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) .
5) أن الإيمان ، وهو ما وفر فى القلب : وصدقه العمل ، لا يكون بالإكراه ، إنما يكون فقط بالاقناع والاقتناع .
يقول نوح عليه السلام (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتانى رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) [الآية 28].
6)أن فلاح الجماعات والأمم بتكافل وترابط المصلحين والدعاة فيها.
يقول نوح عليه السلام (ويا قوم لا أسألكم عليه مالاً إن أجرى إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا) [الآية 29] .
7)أن حب الأولاد فطرة ، وبالرغم من ذلك فمصلحة الدعوة مقدمة على هذه الفطرة .
يقول تعالى (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابنى من أهلى وأن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) .
فقال تعالى (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين) .
وهنا يقول نوح عليه السلام : (رب إنى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم وإلا تغفر لى وترحمنى أكن من الخاسرين) [هود 45-47] .
7) فى قوله تعالى :
(قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم) [الآية 48] .
ذهب العلماء ، فى الطوفان ، مذاهب شتى . فالأكثرون على أنه عمّ الأرض بأسرها ، ومن ذاهب إلى أنه لم يعم إلا الأرض المأهولة وقتئذ بالبشر ، ومن جانح إلى أنه لم يعمها كلها ولم يهلك البشر كلهم . ولكل فريق حجيج يدعم بها مذهبه(2) .
قال تقىّ الدين المقريزىّ فى (الخطط) : إن جميع أهل الشرائع ، أتباع الأنبياء ، من المسلمين واليهود والنصارى قد أجمعوا على أن نوحاً هو الأب الثانى للبشر ، وأن العقب من آدم عليه السلام انحصر فيه ، ومنه ذرأ الله جميع أولاد آدم ، فليس أحد من بنى آدم إلا وهو من أولاد نوح ، وخالفت القبط والمجوس وأهل الهند والصين ذلك ، فأنكروا الطوفان. وزعم بعضهم أن الطوفان إنما حدث فى إقليم بابل وما وراءه من البلاد الغربية فقط ، وأن أولاد (كيرموت) الذى هو عندهم (الإنسان الأول)، كانوا بالبلاد الشرقية من بابل ، فلم يصل الطوفان إليهم ، ولا إلى الهند والصين . والحق عليه أهل الشرائع ، وأن نوحاً عليه السلام ، لما أنجاه الله ومن معه بالسفينة ، نزل بهم ، وهم ثمانون رجلاً سوى أولاده ، فماتوا بعد ذلك ، ولم يعقبوا ، وصار العقب من نوح فى أولاده الثلاثة . ويؤيد هذا قول الله تعالى عن نوح(1) : (وجعلنا ذريته هم الباقين) [الصافات 77] ونحوه فى الكامل لابن الأثير .
وقد قال ابن خلدون : اتفقوا على أن الطوفان الذى كان فى زمن نوح وبدعوته ، ذهب بعمران الأرض أجمع ، بما كان من خراب المعمور، وهلك الذين يركبوا فى السفينة ، ولم يعقبوا ، فصار أهل الأرض كلهم من نسله ، وعاد أباً ثانياً للخليفة – انتهى - .
قال بعضهم (فى تقرير عموم الطوفان ، مبرهناً عليه) إن مياه الطوفان قد تركت آثاراً عجيبة فى طبقات الأرض الظاهرة ، فيشاهد فى أماكن رواسب بحرية ممتزجة بالأصداف ، حتى فى قمم الجبال ، ويرى فى السهول والمفاوز بقايا حيوانية ونباتية مختلطة بمواد بحرية ، بعضها ظاهر على سطحها ، وبعضها مدفون على مقربة منه . واكتشف فى الكهوف عظام حيوانية متخالفة الطباع ، بعيدة الائتلاف ، معها بقايا آلات صناعية ، وآثار بشرية ، مما يثبت أن طوفاناً قادها إلى ذاك المكان ، وجمعها قسراً فأبادها ، فتغلغلت بين طبقات الطين فتحجرت ، وظلت شهادةً على ما كان ، بأمر الخالق تعالى – انتهى - .
وقد سئل مفتى مصر الإمام الشيخ محمد عبده عن تحقيق عموم الطوفان ، وعموم رسالة نوح ، فأجاب بما صورته :
أما القرآن الكريم فلم يرد فيه نص قاطع على عموم الطوفان ، ولا عموم رسالة نوح عليه السلام ، وما ورد من الأحاديث ، على فرض صحة سنده ، فهو آحاد لا يوجب اليقين . والمطلوب فى تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن ، إذا عدّ اعتقادها من عقائد الدين وأما المؤرخ ، ومريد الإطلاع ، فله أن يحلصل من الظن ما ترجحه عنده ثقته بالراوى أو المؤرخ ، أو صاحب الرأى . وما يذكره المؤرخون والمفسرون فى هذه المسألة لا يخرج من حد الثقة بالرواية ، أو عدم الثقة بها ، ولا يتخذ دليلاً قطعياً على معتقد دينىّ . أما مسألة عموم الطوفان فى نفسها ، فهى موضوع نزاع بين أهل الأديان ، وأهل النظر فى طبقات الأرض . وموضوع خلاف بين مؤرخى الأمم : فأهل الكتاب ، وعلماء الأمة الإسلامية على أن الطوفان كان عاماً لكل الأرض ، ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر ، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة فى أعالى الجبال ، لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا فى البحر ، فظهورها فى رؤوس الجبال على أن الماء صعد إليها مرة من المرات ، وأن يكون ذلك حتى يكون قد عمّ الأرض . ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عاماً ، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها. غير أنه لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عاماً ، لمجرد حكايات عن أهل الصين ، أو لمجرد احتمال التأويل فى آيات الكتاب العزيز . بل على كل من يعتقد بالدين ، ألا ينفى شيئاً مما يدل على ظاهر الآيات والأحاديث التى صح سندها ، وينصرف عنها إلى التأويل ، إلا بدليل عقلى يقطع بأن الظاهر غير مراد ، والوصول إلى ذلك فى مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحث طويل ، وعناء شديد ، وعلم غزير فى طبقات الأرض ، وما تحتوى عليه ، وذلك يتوقف على علوم شتى ، نقلية وعقلية . ومن هدى برأيه بدون علم يقينىّ ، فهو مجازف ، ولا يسمع له قول ، ولا يسمح له ببث جهالاته ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
واستظهر بعضهم أن الطوفان كان عاماً ، إذ لم يكن العمران قائماً إلا بقوم نوح ، فكان عاماً لهم ، وإن كان من جهةٍ خاصاً بهم ، إذ ليس ثم غيرهم ، قال :
هبط آدم إلى الأرض ، وهو ليس بأمة إذا مضت عليها قرون ولدت أمماً ، بل هو واحد تمضى عليه السنون ، بل القرون ، ونموّ عشيرته لا يكاد يكون إلا كما يتقاضى الظل قليلاً قليلاً . من آدم إلى نوح ثمانية آباء . فإن كان ثمانية آباء يعطون من الذرية أضعافاً وآلافاً ، حتى يطؤوا وجه الأرض بالأقدام ، وينشروا العمران فى تلك الأيام ، فتلك قضية من أعظم ما يذكره التاريخ أعجوبة للعالين ؟ أما تلك الجبال التى وجدت فوقها عظام الأسماك ، فإن كانت مما وصل إليه الطوفان ، من المكان الخاص الذى سبق به البيان ، فلا برهان . وإن كانت فى غير ذلك المكان ، فإن لم يكن وضعها إنسان ، كما وجدها إنسان ، كان نقل الجوارح والكواسر لتلك العظام ، إلى تلك الجبال مما يسوغه الإمكان . بهذا وبغيره مما لا يغيب عن الأفهام ، تعلم أن الطوفان خاصّ عامّ : خاصّ بمكان ، عامّ سائر المكان – والله أعلم .
9)تقرير حقيقة ربانية وهى "أن العاقبة للمتقين" .
فى قوله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك فاصبر إن العاقبة للمتقين) .
10) فى قوله تعالى: (ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ..) [الآيات 69] .
فوائد :
قال بعض المفسرين : لهذه الآيات ثمرات : وهى أن حصول الولد المخصص بالفضل نعمة ، وهلاك العاصى نعمة ، لأن البشرى قد فُسرت بولادة إسحاق ، كما فى آخر الآية ، وهى (فبشرناها بإسحاق ..) الخ وفُسرت بهلاك قوم لوط .
ومنها : استحباب نزول البشر على البشر : لأن الملائكة أرسلهم الله بذلك .
ومنها : أنه يستحب للمبشّر تلقى ذلك الطاعة ، شكراً لله تعالى على ما بُشر به .
وحكى الأصمّ أنهم جاؤوه فى أرض يعمل فيها ، فلما فرغ غرز سبحانه ، وصلى ركعتين .
ومنها : أن السلام مشروع ، وأنه ينبغى أن يكون الردّ أفضل ، لقول إبراهيم : (سلام) بالرفع ، كما تقدم سره .
ومنها : مشروعية الضيافة ، والمبادرة إليها ، واستحباب مبادرة الضيف بالأكل منها .
ومنها : استحباب خدمة الضيف ، ولو للمرأة ، لقول مجاهد : وامرأته قائمة – أى فى خدمة أضياف إبراهيم . قال فى (الوجيز) : وكن لا يحتجبن ، كعادة العرب ونازلة البوادى ، أو كانت عجوزاً ، وخدمة الضيفان من مكارم الأخلاق .
ومنها : جواز مراجعة المرأة الأجانب فى القول ، وأن صوتها ليس بعورة . كذا فى (الإكليل) .
ومنها : أن امرأة الرجل من أهل بيته ، فيكون أزواجه عليه الصلاة والسلام من أهل بيته .
11) أن تنازع رجال المصالح وأضرابهم مع المصلحين والدعاة : أمر متوقع ، بل واقع بالفعل .
يقول تعالى (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما تشاء إنك لأنت الحكيم الرشيد) [الآية 87] .
12) أن الطغيان والتبعية لغير الله تعالى : سببان للحرمان من التقدم والنصر .
فى مثل قوله تعالى (ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون إله من أولياء ثم لا تنصرون) .
13) أنه لا ولى ولا نصير من دون الله .
يقول تعالى (وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) [الآية 113] .
أى : إن كنتم طغاة ، أو أتباعاً أولاء لغير الله تعالى .
14) لذلك فى قوله تعالى :
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكن من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون) [الآية 113] .
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا" أى أنفسهم بالشرك والمعاصى . أى : لا تسكنوا إليهم . ولا تطمئنوا إليهم ، لما يفضى الركون من الرضا بشركهم وتقويتهم ، وتوهين جانب الحق . "فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء" أى أنصار يمنعون عذابه عنكم بركونكم إليهم . "ثم لا تنصرون" أى لا تمتنعون مما يراد بكم . والقصد تبعيد المؤمنين عن موادّة المشركين المحادّين لله ولرسوله ، والثقة بهم ، وهم أعظم عقبة فى الصدّ عن سبيل الله ، لأن ذلك ينافى الإيمان(2) .
قيل : الآية أبلغ ما يتصور فى النهى عن الظالم ، والتهديد عليه ، لأن هذا الوعيد الشديد إذا كان فيمن يركن إلى أهله ، فكيف بمن ينغمس فى حمأته ؟ .
تنبيه :
قال بعض المفسرين اليمانين : الآية صريحة بأن الركون إلى الظلمة محرّم وكبيرة ، لأنه تعالى توعد بالنار . ولكن ما هو والركون الذى أراده تعالى ؟ قلنا : فى ذلك وجوه ؟
فروى عن ابن عباس والأصمّ أن المعنى : لا تميلوا إلى الظلمة فى شئ من دينكم .
وقيل : ترضوا بأعمالهم – عن أبى العالية - .
وقيل : تلحنوا بالمشركين – عن قتادة - .
وقيل : تداهنوا الظلمة – عن السدّىً وابن زيد .
وقيل : الدخول معهم فى ظلمهم ، وإظهار الرضا بفعلهم ، وإظهار موالاتهم . فأما إذا دخل عليهم لدفع شرهم ، فيجوز ، لأنه تعالى أمر بالرفق فى مخالطة الكفار ، والظلمة أولى .
قال الزمشخرىّ : النهى يتناول الانحطاط فى هواهم ، والانقطاع إليهم ، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم ، والتزّيى يزيهم ، ومدّ العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم . وتأمل قوله : (ولا تركنوا) فإن الركون هو الميل اليسير . وقوله : (إلى الذين ظلموا) أى إلى الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل : إلى الضالين .
وحكى أن الموفق صلى خلف الإمام ، فقرأ بهذه الآية ، فغشى عليه، فلما أفاق قيل له ، فقال : هذا فيمن ركن إلى من ظلم ، فكيف بالظالم ؟ انتهى .
قال اليمانى : قد وسع العلماء فى ذلك وشدّدوا ، والحالات تختلف ، والأعمال بالنيات ، والتفصيل أولى ، فإن كانت المخالطة لدفع منكر ، أو استعانة عليه ، أو رجاء تركهم الظالم ، أو استكفاء شرورهم فلا حرج فى ذلك ، وربما وجب . وإن كان لإيناسهم وإقرارهم فلا
15) فى قوله تعالى :
(وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) [الآية 114] .
"وأقم الصلاة طرفى النهار" أى غدوة وعشية "وزلفاً من الليل" أى وساعات منه ، وهى ساعاته القريبة من آخر النهار(2) .
والآية كقوله تعالى :(أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرءان الفجر) [الإسراء 78] .
"إن الحسنات" أى التى من جملتها ، بل عمدتها ، ما أمرت به من الصلوات "يذهبن السيآت" أى التى فلما يخلو منها البشر ، أى يكفرنها . "ذلك" أى إقامة الصلوات فى الأوقات المذكورة ، "ذكرى للذاكرين" أى ذكرى له تعالى ، وإحضار للقلب معه ، وتصفية من كدورات اللهو والنسيان لعظمته .
وقد روى عن ابن مسعود رضى الله عنه ؛ أن رجلاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنى عالجت امرأة فى أقصى المدينة ، وإنى أصبت منها ما دون أن أمسها ، وأنا هذا . فاقض فىّ ما شئت ! فقال له عمر رضى الله عنه : لقد سترك الله تعالى لو سترت على نفسك . قال فلم يردّ النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً : فقام الرجل ، فانطلق فأتبعه النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه ، وتلا عليه هذه الآية (وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يُذهبن السيئات) إلخ .
فقال رجل من القوم : يا رسول الله ! هذا له خاصة ؟ قال : بل للناس كافة .
وفى رواية عن أبى أمامة قال له صلى الله عليه وسلم : أتممت الوضوء وصليت معنا ؟ قال : نعم . قال : فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ، فلا تعد . وقرأ الآية(19) .
وفى رواية : فنزلت الآية ، والمراد بالنزول شمولها ، بنزولها المتقدم ، لما وقع ، لأنها كانت سبباً فى النزول – كما بيناه غير مرة - .
وفى الصحيح عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شئ ؟ قالوا : لا . قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا(20) .
وللإمام أحمد عن معاذ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن .
وله – كذلك - عن أبى ذر مرفوعاً (إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها) قلت : يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله ؟ قال (هى أفضل الحسنات) أى : فالحسنات مثل الصلاة والذكر والصدقة والاستغفار ، ونحو ذلك من أعمال البرّ .
لطيفة :
أشار الفاشانىّ عليه الرحمة ، إلى سر الصلوات الخمس فى أوقاتها بما يجدر الوقوف عليه ، فقال :
لما كانت الحواس شواغل تشغل القلب بما يرد عليه من الهيئات الجسمانية ،وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ، وتحجبه عن النور والحضور، بالإعراض عن جناب القدس ، والتوجه إلى معدن الرجس ، وتبدله الوحشة بالأنس ، والكدورة بالصفاء – فرضت خمس صلوات ، يتفرغ فيها السيد للحضور ، ويسد أبواب الحواس ، لئلا يرد على القلب شاغل يشمله ، ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية ، لوصول مدد النور ، ويجمع همة عن التفرق ، ويستأنس بربه عن التوحش ، مع اتحاد الوجهة ، وحصول الجمعية ، فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب ، على جناب الرب ، يدخل عليه بها النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جانب الغرور ، وداراً للعين الغرور ، التى تدخل بها الظلمة ليذهب النور الوارد آثار ظلماتها ، ويكسح غبار كدوراتها . وهذا معنى قوله : (إن الحسنات يذهبن السيئات) :
وقد ورد فى الحديث(21) (إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر) وأمر بإقامتها طرفى النهار ، لينسحب حكمها ببقاء الجمعية ، واستيلاء الهيأة النورية ، فى أوله إلى سائر الأوقات ، فعسى أن يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون ، لدوام ذلك الحضور ، وبقاء ذلك النور ، ويكسح ويزيل فى آخره ما حصل فى سائر الأوقات من التفرقة والكدورة . ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة لأمر الغذاء ، سلطانها فى الليل ، وهى تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحانىّ ، وتججزها عن شأنها الخاص بها ، الذى هو مطالعة عالم القدس يشغلها باستعمال آلات الغذاء ، لعمارة الجسد ، فتسلبها للطاقة ، وتكدرها بالغشاوة – احتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة ، وتنويرها بالصلاة ، فقال : (وزلفاً من الليل) انتهى .
16) ان اختلاف الأمم فى العقيدة أمر طبيعى مثل اختلافهم فى التكوين ، وأن ذلك من تقدير الله تعالى
قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحد ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) [118 ، 119] .



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

1- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/36
الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز (سورة هود)
الزركشى .. البرهان (النوع 14)
الجمل .. الفتوحات الإلهية (تفسير هود)
2- القاسمى .. محاسن التأويل (تفسير هود)
3- الزركشى .. البرهان (النوع 14)
4- أنظر : مكى بن أبى طالب .. التبصرة ص 222
السخاوى .. جمال القراء 1/204
الفيروزابادى .. بصائر (سورة هود)
الآلوس .. روح المعانى (تفسير هود)
5- سيد قطب .. فى ظلال القرآن (تفسير هود)
6- الدرامى .. كتاب : فضائل القرآن ،
باب : فضائل الأنعام والسور.
7- قال الترمذى : هذا حديث حسن غريب .
8- القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير هود)
9- الآلوس .. روح المعانى (تفسير هود)
10- رشيد رضا .. تفسير المنار (تفسير هود)
11- أنظر : .. روح المعانى ( " " )
رشيد رضا .. تفسير المنار ( " " )
المراغى .. تفسير المراغى ( " " )
12- ففى يونس : من التفصيل – فى مواجة المشركين : فى التوحيد ، والقرآن ، والرسالة : ما أجمل فى هود .
وفى هود : من التفصيل – فى قصص المرسلين – ما أجمل فى يونس .
13- إقرأ الآيات 1-2 ، 13-14 ، 25-26 ، 28 ، 45-46 ، 50 ، 61 ، 63 ، 84 ، 88 ، 113 ، 123 .
14- اقرأ الآيات 5-8 ، 15-16 ، 56-57 ، 61 ، 102 ، 111 ، 117-119 .
15- سعيد جوى .. الأساس فى التفسير (تفسير هود)
16- أنظر : رشيد رضا .. تفسير المنار (تفسير هود)
المراغى .. تفسير المراغى ( " " )
سيد قطب .. فى ظلال القرآن ( " " )
17- أنظر : رشيد رضا .. تفسير المنار ( " " )
سيد قطب .. فى ظلال القرآن ( " " )
18- رواه : البخارى .. ك : التفسير ، باب
سورة هود
19- مسلم : ك : التوبة
20- البخارى : ك : مواقيت الصلاة ، باب : الصلوات الخمس كفارة .
21- مسلم : كتاب الطهارة .



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .