مفاتيح سورة النمل
مفاتيح سورة النمل |
|
أولاً:اسم السورة
وتسمى هذه السورة بـ :
1- سورة النمل (1).
وذلك : لاشتمال السورة على مقالة النمل، الدالة على نزاهة الأنبياء وأتباعهم عن ارتكاب المكارة عمداً.
وهذا : مما يوجب الثقة بهم (2).
2- سورة سليمان.(3)
وذلك ـ فيما يبدو ـ لأن قصة سليمان عليه السلام، هي التي أخذت المساحة الكبيرة في السورة الكريمة، كما أنها احتوت على دلائل قدرة الله تعالى، وإنعامه على نبي من أنبيائه.
3- طـس (4).
وذلك ـ فيما يبدو كذلك ـ لافتتاح السورة بها؛ ولأنه لا يوجد غيرها في القرآن الكريم.
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
وعدد آياتها(5) : (93) ثلاث وتسعون آية.
كلماتها : (1149) ألف ومائة وتسع وأربعون كلمة.
حروفها : (4799) أربعة آلاف وسبعمائة وتسعة وتسعون حرفاً.
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
أ- في المصحف.. بعد : سورة "الشعـراء"، وقبل : سورة "القصص".
ب- في النزول.. بعد : سورة "الشعراء"، وقبل: سورة "القصص".
رابعاً : سبب نزول السورة
لم نعثر على أثر في ذلك.
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
نزول السورة :
نزلت هذه السورة بمكة.
وقد نزلها قبل سورة الشعراء كما نزل بعدها سورة القصص(6).
وهذه السور الثلاث هي :
المعروفة بالطواسين.
وهي: مكية.
سادساً : فضل السورة
لم نعثر على آثار خاصة بها في ذلك : سوى حديث وائلة بن الأسقع، الذي سبق ذكره وتخريجه في سورة الأنعام، فانظره هناك.
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
هذه السورة متناسبة مع ما قبلها غاية التناسب.
فهي ـ فوق أنها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد سورة الشعراء ـ واضحة العلاقة والارتباط بها من عدة وجوه، منها(7):
1- أنها كالتتمة لها، إذ جاء فيها زيادة على ما تقدم في الشعراء من قصص الأنبياء : قصص داود وسليمان.
2- أن فيها بسطاً وتفصيلاً لبعض القصص ـ الذي ورد ذكره في الشعراء ـ كقصص موسى ولوط عليهما السلام.
3- أن كلاً منهما قد اشتمل على نعت القرآن, وأنه منزل من عند الله.
4- أن فيها تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من أذى قومه وعنتهم وإصرارهم على الكفر به، والإعراض عنه.
5- أن كلاً منهما بدأت بمقدمة وانتهت بخاتمة وما بينهما موضوع قصص المرسلين, مع ما في المقدمتين والخاتمتين من تشابه.
ثامناً : هدف السورة
لهذه السورة الكريمة ـ فيما يبدو لنا قدر طاقتنا البشرية ـ هدفان :
الأول : عرض دعوة الإسلام.
الثاني : التركيز على العلم، ولفت الأنظار لأهميته ومكانته في رحاب هذا الدين.
وفي محاولة السورة إبراز الهدف الأول نرى ما يلي(8):
1- تركز المقدمة على بيان دعوة الإسلام بإيجاز شديد.
فهذه الدعوة : آيات للهداية وطريق للنجاة.
وهـي : من عند الله تعالى {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ * هُدًى ..}
وهـي : دلائل هداية لمن ينتفعون بها، وبشارات خير لمن يؤمنون بها.
{هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}
وهي : نذير سوء لمن عاند وكابر ولم يخضع نفسه لموجباتها.
{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ}
2- ثم تواجه السورة بهذه الدعوة أهل الكتاب من بني إسرائيل (وكل أهل الكتاب). ولحرص السورة على إيمانهم، أو لإلزامهم الحجة الناصعة، تذكرهم السورة ببعض أنبيائهم الذين يؤمنون بهم، والذين هم على طريق هذه الدعوة.
فتذكر لهم:
قصة موسى ورسالته إلى فرعون [الآيات 7-14].
وقصة سليمان بن داود [الآيات 15-44].
3- ثم تواجه ـ ثانياً ـ بهذه الدعوة مشركي مكة (وكل المشركين).
ولحرص السورة على إيمانهم، أو لإلزامهم الحجة الناصعة، تسوق السورة بعض الأدلة من الوجود الطبيعي لكل ذي عقل بهدف إقناعه بهذه الدعوة.
فتذكر لهم :
أ- خلق السموات والأرض وإنزال المطر ... إلخ.
{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا....} [الآيتان 60-61].
ب- تثبيت الأرض وإرساء الجبال فيها، وشق الأنهار خلالها، والفصل بين الماء العذب والماء الملح.
{أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا....} [الآية 61].
جـ- نجدة المضطر، وخلافة الإنسان على الأرض.
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ.....} [الآية 62]
د- إرسال الرياح محملة بالأمطار إلى الأماكن البعيدة عن مساقط المياه.
{أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ...} [الآية 63].
هـ- الخلق في بداية أمره، وإعادة ما خلقه الله بعد فنائه 000 إلخ.
{أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ...} [الآية 64].
4- وفي الخاتمة تبين السورة موقف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته هذه بعد عرضها واضحة على أهل الكتاب والمشركين في هذه الفترة من تاريخ الإسلام وهي الفترة المكية.
ويتلخص موقفه بدعوته في شيئين:
أولهما : التزامه الشخصي بهذه الدعوة وما جاء فيها من عبادة الله وحده.
{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الآية 91].
ثانيهما : مواصلته عرض هذه الدعـوة، كما تلقاها وأوحيت إليه، دون إكـراه أو عنـف، لهـذا أو لذاك.
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} [الآية 92].
5- وهذه الدعوة، التي هي الإسلام في وضوحها..
وبمواجهتها لأهل الكتاب والمشركين وبثبات موقف صاحبها عليه تقصد مباشرة إلى إسلام الناس وجوههم لله تعالى.
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [الآيتان 30، 31].
{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الآية 44].
{وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} [الآية 81].
{... وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الآية 91].
وهذا الهدف : يبين لنا منهج القرآن في عرض دعوة الإسلام، وأسلوبه الذي يستجلب نجاح الدعاة، وبلوغ الدعوة إلى القلوب بعد فهم العقول.
* * *
هذا... وفي محاولة السورة إبراز الهدف الثاني نرى ما يلي (9):
1- التأكيد على علم الله المطلق بالظاهر والباطن، بصفة عامة.
{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [الآية 6]
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الآيتان 74، 75]
وفي ذلك ما فيه: من وجوب الإذعان لله تعالى، والخضوع لتشريعه وتنزيله.
2- التأكيد على علم الله بالغيب بصفة خاصة.
{قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ....} [الآية 65].
وفي ذلك ما فيه : من توجيه الإنسان إلى صرف قدراته وطاقاته إلى ما ينفعه البحث فيه، ويفيده التوجه إليه، ووجوب التسليم بهذا الغيب الذي اختص الله بعلمه وأمر بالإيمان به.
3- بيان أن ما أوتيه الإنسان من علم فهو من الله تعالى وبتوفيقه له وتعليمه إياه.
{....وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ....} [الآية 16].
{فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا...} [الآية 42].
{.... وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [الآية 93].
وفي ذلك ما فيه من إرشاد إلى عدم الاغترار بما يعلمه الإنسان مهما بلغ فيه وأوتي منه.
4- وجوب طلب العلم الدال على موجبات الإيمان والمؤدية إليه.
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}
5- امتنان الله على الإنسان بفضيلة العلم.
{.... وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [الآية 6].
{..... وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا...} [الآية 15].
{... سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} [الآية 93].
وفي ذلك ما فيه : من الإشادة بأهمية ومكانة العلم, هذه الفضيلة والنعمة الإلهية، التي تستحق ما يلي:
6- وجوب شكر الله تعالى على هذه النعمة.
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية 15] أي: بهذه النعمة.
ومن ألوان شكر نعمة العلم :
7- حسن استخدام العلم.
ويكون ذلك بعمارة الكون به، وعدم الإفساد في الأرض، ونشر الدعوة بوسائله، وإقناع المعاندين بأساليبه، وتطويعه للمعاونة على طاعة الله تعالى.
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [الآية 40].
وفي ذلك ما فيه: من إلزام الحجة، وإقناع الخصم، وتبليغ الدعوة.
وبدون الاستخدام الطيب النافع للعلم، فإنه من المؤكد أنه......
8- لا وزن للعلم غير النافع.
إذْ إنه مع عدم الاهتداء به فهو والجهل سواء.
{.... وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الآيتان 54، 55] أي ما انتفعتم ببصيرتكم ولا استفدتم بعلمكم، بل أنتم والجهلة سواء بسواء.
وكذلك : فهمهما تعلمتم، ومهما فعلتم بعلمكم فلا وزن له ولا فائدة منه.
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف 103 – 105].
وغاية انحطاط علمهم عدم الوصول به إلى الإيمان باليوم الآخر وشكهم في ذلك.
{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ} [الآية 66].
هذا... وينبغي أن يكون واضحاً أن اهتمام السورة الكريمة بهذين الهدفين معاً : فيه: لفت للأنظار إلى تعانق هذه الدعوة منذ فجر تاريخها وفي سطور كتابها الخالد القرآن الكريم.
وإلى أن الإسلام قام منذ بزغ فجره على احترام العقل والدعوة إلى النظر والتأمل في الأنفس والآفاق وفي ملكوت السموات والأرض.
ومن هنا(10) : فإن الإسلام يرفض العداء التقليدي بين الدين والعلم.
ذاك العداء : الذي نشأ في غير بلاد الإسلام، بين الكنيسة والعلماء، حينما حجرت الكنيسة على الأفكار وعارضت العلم، وتبنت نظريات علمية قديمة، أضفت عليها القداسة والعصمة, وحاربت هنـاك كل من انتهى بحثه إلى مخالفتها ورمته بالزندقة والإلحاد, ثم حاول المقلدون في الشرق الإسلامي أن يلصقوها بالإسلام.
وعلى ذلك(11) : فإن قصة العزلة بين الدين والعلم لم تنبت في العالم الإسلامي، ولم يعرفها الإسلام.
وقصة تخدير الدين للمشاعر لم تكن يوماً وليدة هذا الدين, ولم تعرفها طبيعته، ولكنهم يتلقفونها تلقفاً كالببغاء، ويحاكونها محاكاة كالقردة ولا يحاولون أن يفتشوا عن أصلها ونشأتها ولا أن يعرفوا مصدرها وموردها.
ذلك : أن الدين(12) في الإسلام علم والعلم في الإسلام دين، كما تشهد أصول الإسلام وتاريخه جميعاً.
وهذه حقيقة شهدها وشهد بها كثير من الباحثين والمؤرخين الغربيين.
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون هذه السورة من(13):
مقدمة [من الآية 1 حتى نهاية الآية 6]
وخاتمة [من الآية 70 حتى نهاية الآية 93 خاتمة السورة].
يتمثل فيهما موضوع السورة الذي تعالجه.
ثم محتوى السورة بين هذه المقدمة وتلك الخاتمة.
وهذا المحتوى عبارة عن فقرتين:
الفقرة الأولى: عبارة عن [52] آية [من الآية 7 حتى نهاية الآية 58].
وفيها : قصص يعين على تصور موضوع السورة ويؤكده، ويبرز فيه مواقف معينة للعبرة والتدبر في سنن الله وسنن الدعوات. (قصص : موسى، داود، سليمان، صالح، لوط، عليهم السلام).
وكذلك يتحقق بهذا القصص غرض الدعوة في مواجهة أهل الكتاب من بني إسرائيل.
الفقرة الثانية : عبارة عن [11 آية]، [من الآية 59 حتى نهاية الآية 69] وفيها :
بعض الأدلة من الوجود الطبيعي على وحدة الألوهية.
وحديث عن اليوم الآخر وبعض ما يكون فيه.
وبيان من محمد صلى الله عليه وسلم عن مهمته.
وبهذا : يتحقق عرض الدعوة واضحة في مواجهة المشركين في مكة، وكل من شابههم، في أي مصر، وفي أي عصر.
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
وموضوع السورة الرئيسي ـ كسائر السور المكية ـ هو :
العقيدة:
وهي الإيمـان بالله، وعبادته وحده.
والإيمـان بالآخرة وما فيها من ثواب وعقـاب.
والإيمان بالوحي، وأن الغيب كله لله، لا يعلمه سواه.
والإيمان بأن الله هو الخالق الرازق واهب النعم، وتوجيه القلب إلى شكر أنعم الله على البشر.
والإيمان بأن الحول والقوة كلها لله، وأن لا حول ولا قوة إلا بالله(14).
ويوضح هذا الموضوع الرئيسي ويثبته موضوعات فرعية كثيرة في السورة.
منها :(7)
1- وصف القرآن بأنه هدى ورحمة للمؤمنين.
2- قصص موسى وسليمان وثمود وقوم لوط.
3- النعي على المشركين في عبادة الأصنام وإقامة الأدلة على وحدانية الله.
4- إنكار المشركين للبعث والنشور، والرد عليهم.
5- علم الله بما في الصدور.
6- حكم القرآن على ما اختلف فيه بنو إسرائيل.
7- قطع الأطماع في إيمان المشركين وتشبيههم بالعمى الصم.
8- بعض أشراط الساعة كخروج الدابة من الأرض، وحشر فوج من كل أمة، وتسيير الجبال.
9- الجزاء على العمل خيراً كان أو شراً.
10- أمر الرسول أن يوضح منهجه وموقفه {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ....}.
11- أن الله تعالى يري المشركين آياته فيعرفونها حق المعرفة حين لا يفيدهم ذلك شيئاً.
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
كل القرآن سورة وآياته وكلماته : فوائد.
ونختار من سورة النمل ما يلي :
1- بمناسبة ذكر النمل في السورة :
ذكر ابن كثير، قال(15): روى أن سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ خرج يستسقى، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول : "اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
2- فى قول النملة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بعد قولها {لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} كما حكى القرآن....!!
دليل(16) على أن جند سليمان كانوا في الذروة من الالتزام السلوكي المعروف ـ حتى عند الحيوان ـ وأنهم لا يتجاوزون إطار الحق والعدل المباح إلى غيره.
وهذا درس في السياسة مهم.
فعلى رئيس الدولة ـ كما يقول المرحوم سعيد حوى ـ أن يضبط جنده بضابط العدل.
وهذا لا يتم إلا بفقه وتربية وإلزام للمخالف.
فليلاحظ هذا الدرس، وليضع الذين يكرمهم الله بالملك مثل هذا الدرس موضع التطبيق.
3- بمناسبة قوله تعالى {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى(15) أنه كان ينشد هذين البيتين، إمّا له أو لغيره :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
4- ........... في قوله تعالى :
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الآيتان 43، 44]
تنبيهات(2) :
الأول ـ روى كثير من المفسرين ههنا أقاصيص لم تصحّ سنداً ولا مخبراً, وما هذا سبيله، فلا يسوغ نقله وروايته.
قال الحافظ ابن كثير، بعد أن ساق ما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء مستحسناً له، ما مثاله: قلت: بل هو منكر غريب جداً, ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم.
ثم قال: والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم, كرويات كعب ووهب، سامحهما الله تعالى، فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب, مما كان ومما لم يكن, ومما حرف وبدل ونسخ.
وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة.
الثاني ـ أشير في (التوراة) في الفصل الرابع من سفر الملوك الثالث إلى تفصيل نبأ سليمان عليه السلام وعظمة ملكه وسلطانه.
ومما جاء فيه أن سليمان كان متسلطاً على جميع الممالك من نهر الفرات إلى أرض فلسطين وإلى تخم مصر, وإن ملوك الأطراف كانوا يحملون له الهدايا خاضعين له كل أيام حياته أي أنها تؤدى له الجزية، وإن كان ملكه محصوراً في فلسطين.
وأن الله تعالى آتاه حكمة وفهما ذكياً جداً، وسعة صدر, ففاقت حكمته حكمة جميع أهل المشرق وأهل مصر, وقال ثلاثة آلاف مثل, وتكلم في الشجر، من الأرز الذي على لبنان إلى الزوفى التي تخرج في الحائط, وتكلم في البهائم والطير والزحافات والسمك.
وأما صرحه وبيته عليه السلام، فقد جاء وصفه في الفصل الخامس من السفر المتقدم, وأنه أكمل بناءه في ثلاث عشرة سنة, وأنه بنى جازَرَ وبيت حورون السفلى وبعلت وتدمر في أرض البرية. وجاء في الفصل العاشر من هذا السفر أيضاً قصة ملكة سبأ ومقدمها من اليمن على سليمان لتخبر حكمته وعظمة ملكه، ودهشتها مما رأته وتحققته، وإيمانها بربه تعالى, ثم إعطاؤه إياها بغيتها, ثم انصرافها إلى أرضها.
وقد ذكرنا غير مرة أن القرآن الكريم لا يسوق أنباء ما تقدم سوق مؤرخ، بل يقصها موجزة ليتحقق أنه مصداق ما بين يديه، ومهيمن عليه، ولينبه على أن القصد منها موضع العبرة والحكمة, ومثار التبصر والفطنة.
الثالث ـ مما استنبط من آيات هذه القصة الجليلة، أن في قوله تعالى {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا} أنه لا بأس بالتبسم والضحك عند التعجب وغيره.
وفي قوله تعالى {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} استحباب تفقد الملك أحوال رعيته. وأخذ منه بعضهم تفقد الإخوان، فأنشد:
تفقدُ الإخوانِ مُسْتَحْسَنُ
فمـن بَدَاهُ نِعْمَ مَاقدْ بَدَا
سَنَّ سليمانُ لنا سُنَّةً
وكان فيما سنّه مُقتْدَى
تفقَّدَ الطير على مُلْكِهِ
فقال: مَالِي لَا أرَ الْهُدْهُدَا
وأن في قوله تعالى {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} الآية، دليلاً على أن العذاب على قدر الذنب، لا على قدر الجسد. وعلى جواز تأديب الحيوانات والبهائم بالضرب عند تقصيرها في المشي وإسراعها ونحو ذلك.
وأن في قوله تعالى {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أن الصغير يقول للكبير والتابع للمتبوع: عندي من العلم ما ليس عندك، إذا تحقق ذلك.
وأن في قوله تعالى {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} قبول الوالي عذر رعيته، ودرءه العقوبة عنهم، وامتحان صدقهم فيما اعتذروا به.
وأن في قوله تعالى {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} إرسال الطير بالكتب.
وأن في قوله تعالى {كِتَابٌ كَرِيمٌ} استحباب ختم الكتب، لقول السّدّى: كريم بمعنى مختوم.
وأن في قوله تعالى {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} المشورة والاستعانة بالآراء في الأمور المهمة.
وأن في قوله تعالى {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} الآية، استحباب رد هدايا المشركين.
ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث
1- انظر : السخاوي، القرطبي، السيوطي، الشوكاني، الألوسي، القاسمي "مصادر سابقة"
2- انظر : القاسمي / محاسن التأويل "تفسير سورة النمل"
3- انظر : السخاوي، السيوطي، الألوسي.... "مصادر سابقة"
4- انظر : السخاوي / جمال القراء 1/37
الزركشي / البرهان (النوع 14)
الشوكاني / فتح القدير "تفسير سورة النمل"
الألوسي / روح المعاني "تفسير سورة النمل"
5- انظر : مكي بن أبي طالب / التبصرة ص 281
السخاوي / جمال القراء 1/210
اليروزابادي / بصائر ذوي التمييز 1/348
الألوسي... نثر المرجان 5/75 "تفسير سورة النمل"
6- انظر : السيوطي / الإتقان 1/26، 27.
7- انظر : المراغي / تفسير المراغي "تفسير سورة النمل"
8- انظر : د. محمد البهي / تفسير سورة النمل ص3 وما بعدها (بتصرف)
9- انظر : الشهيد/سيد قطب / في ظلال القرآن "تفسير سورة النمل" (بتصرف كبير)
10- انظر : الشهيد/حسن البنا رسالة "دعوتنا في طور جديد"
11- انظر : الشهيد / سيد قطب / مقدمة كتاب الإسلام والعلم ص8
12- انظر : د/ يوسف القرضاوي / مقدمة كتاب الإسلام والعلم ص11
13- انظر : الشهيد/سيد قطب / في ظلال القرآن "تفسير سورة النمل"
د/ محمد البهي / تفسير سورة النمل ص3 وما بعدها
سعيد حوى / الأساس في التفسير "تفسير سورة النمل"
14- انظر : الشهيد/سيد قطب / في ظلال القرآن "تفسير سورة النمل"
15- انظر : ابن كثير / تفسير القرآن العظيم "تفسير سورة النمل"
16- انظر : سعيد حوى / الأساس في التفسير "تفسير سورة النمل"
فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
|
 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق