مفاتيح سورة الإسراء |
أولاً:اسم السورة لهذه السورة الكريمة عدة أسماء تسمى بها ، فهى تسمى بـ : 1) سورة سبحان(1) وذلك : لأنها بدئت بتسبيح المولى عز وجل وتنزيهه عن كل نقص تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فى قوله (سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً 00000) وختمت بذلك كذلك فى قوله (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) [الآيات 107-109] . ولأنها كذلك أكثر سور القرآن الكريم احتواء "لهذه المادة الجليلة ، حيث ذكرت مادة التسبيح "فى القرآن كله ثنتان وتسعون مرة" اختصت هذه السورة بسبع مرات من هذا العدد ، فقد ذكرت فى الآية رقم 1 مرة واحدة ، وفى الآية رقم 43 مرة واحدة ، وفى الآية رقم 44 ثلاث مرات وفى الآية رقم 93 مرة واحدة وفى الآية رقم 108 مرة واحدة ، بينما لم تحط أى سورة من باقى سور القرآن الكريم يمثل هذا العدد ، حيث ذكرت : 6 مرات فى : الأنبياء . 4 مرات فى : سورتين النور والصافات . 3 مرات فى سبع سور "البقرة ، يونس، طه، يس،الزمر، الطور ، الحشر. 2 مرتان فى اثنتا عشرة سورة "آل عمران ، الأعراف ، النحل ، مريم ، الفرقان ، الروم ، غافر ، الزخرف ، ق ، الواقعة ، القلم ، النازعات . (مرة واحدة فى ست وعشرين سورة ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، التوبة ، يوسف ، الرعد ، الحجر ، النحل ، المؤمنون ، القصص ، السجدة ، الأحزاب ، سبأ ، ص ، فصلت ، الشورى ، الفتح ، الحديد ، الصف ، الجمعة ، التغابن ، الحاقة ، المزمل ، الإنسان ، الأعلى ، النصر . بالإضافة إلى أنها قد افتتحت بهذا الاسم "سبحان" لأن هذه السورة كما يذكر السيوطى نقلاً عن ابن الزملكانى 00 اشتملت على الإسراء الذى كذب المشركون به النبى صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه تكذيب لله سبحانه وتعالى ، أتى "سبحان" لتنزيه الله تعالى عما نسب إلى نبيه من الكذب . 2) سورة الإسراء لأنها حظيت بشرف الحديث عن المعجزة الكبرى والآية العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهى اسراؤه من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى بيت المقدس بالشام فى قوله تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) . ويقول الإمام الزركشى : ولا شك أن الحرب تراعى فى الكثير من المسميات أخذ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون فى الشئ من خلق أو صفة تخصه ، أو تكون معه أحكم أو أكثر أو أسبق لإدراك الراضى للمسمى ، ويسمون الجملة من الكلام أو القصيدة الطويلة بما هو وأشهر فيها ، على ذلك جرت أسماء سور الكتاب العزيز . 3) سورة بنى إسرائيل لأنها تحدثت عنهم أحاديث طويلة ، ففى بداية السورة ، تحدثت عنهم فى سبع آيات (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسرائيل 000) [الآيات 2-8] ، وفى نهاية السورة تحدثت عنهم فى أربع آيات (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسئل بنى إسرائيل إذ جاءهم 00000) [الآيات 101-104] . كما أنها انفردت فى حديثها عن بنى إسرائيل – دون باقى سور القرآن الكريم التى تعرضت آياتها للحديث عنهم – بذكر إفسادهم فى الأرض مرتين كما تخبرنا السورة فى قوله تعالى (وقفينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً ...الخ) [الآيات 4-8] . إلى غير ذلك من أحاديثها عنهم . ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها آياتها : (111) مائة وإحدى عشرة آية . كلماتها : (1563) ألف وخمسمائة وثلاث وستون كلمة . حروفها : (6460) ستة آلاف وأربعمائة وستون حرفاً . ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول أ- فى المصحف ..بعد : سورة "النحل" ، وقبل : سورة "الكهف" . ب- فى النزول .. بعد : سورة "القصص" ، وقبل : سورة "يونس" . رابعاً : سبب نزول السورة يروى "أنه لما وصل النبى صلى الله عليه وسلم إلى المراتب العلية فى معراجه ..!! أوحى الله تعالى إليه : يا محمد ..!! بم أشرفك ..؟ فقال : يا رب تنسبنى إلى نفسك بالعبودية . فأنزل الله تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ..)(7) خامساً : مكية السورة و مدنيتها هذه السورة مكية إلا الآيات 26 / 32 ، 33 / 57 / 73 – 80 فمدنية . سادساً : فضل السورة ورد فى فضل هذه السورة : ما يشير إلى مكانتها وعظيم شأنها ، ويلفت الأنظار إلى وجوب الاهتمام والاعتناء بها . من ذلك : 1- أن النبى صلى الله عليه وسلم – كما أخرج أحمد والترمذى وحسنه والنسائى وغيرهم عن عائشة – كان يقرؤها والزمر كل ليلة . 2- وأخرج البخارى وغيره عن ابن مسعود أنه قال : هذه السورة ، والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء ، هن من العتاق الأول ، وهن من تلاوى . 3- وفى الخبر : أنها ختمت بآية العز . وهى قوله تعالى (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً) [الآية 111] . وفى الاتقان للإمام السيوطى : فى مسند أحمد من حديث معاذ مرفوعاً .. آية العز (الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ..) الآية أن هذه السورة الكريمة بداية عدة سور من القرآن الكريم تحوى كل سورة منها واحدة من عجائب قدرة الله تعالى الدالة على بديع صنعه ، وعظيم حكمته ، وآيات وحدانيته . وهذه العجائب : 1) فى سورة الإسراء : حادثة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم . وهى مذكورة فى قوله تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)[الآية 1] . 2) فى سورة الكهف : حادثة أهل الكهف ونومهم فى الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً . وهى مذكورة فى قوله تعالى (أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً * إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشداً فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً * ثم بعثناهم ..) [الآيات 1-26] . 3) فى سورة مريم : حادثة حمل السيدة مريم ابنة عمران بسيدنا عيسى من غير أن يمسسها بشر . وهى مذكورة فى قوله تعالى (واذكر فى الكتاب مريم اذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً * واتخذت من دونهم حجاباً فأرسلنا إليها روحاً فتمثل لها بشراً سوياً ...) [الآيات 16-40] . 4) فى سورة طه : تحول عصا موسى عليه السلام إلى حية تسعى ، ألقاها موسى فى وجه السحرة ، فإذا هى تلقف ما يأفكون . وهى مذكورة فى قوله تعالى (وما تلك بيمينك يا موسى * قال هى عصانى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى * قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هى حية تسعى ..) [الآيات 17-21 / 65-70] ؟ 5) فى سورة الأنبياء : حادثة إلقاء أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام فى النار ، ثم تحولها إلى برد وسلام عليه . وهى مذكورة فى قوله تعالى (قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين) [الآيات 68-70] . سابعاً : صلة السورة بما قبلها إن التناسب بين سورة الإسراء والنحل والتى قبلها شديد الوضوح . وسنذكر من ذلك النقاط التالية . 1) إذا كان تعالى قد ختم سورة النحل : بأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالصبر على إيذائهم ومكرهم ، وكذلك ينهيه عليه الصلاة والسلام عن الحزن وضيق الصدر سبب ذلك ..! فى قوله تعالى (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون * إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) [الآيتان 127 ، 128] . فإنه تعالى بدأ سورة الإسراء ببيان شرفه وعلو منزلته عند ربه ، وعنايته به ، وتكريمه له . فى قوله تعالى (سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من السجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) [الآية 1] . 2) إذا كان تعالى فى سورة النحل قد تحدث عن اليهود إجمالاً وأشار إليهم سريعاً . فى قوله تعالى (وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) [الآية 118] . وفى قوله تعالى (إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) [الآية 124] . فإنه تعالى فى الإسراء قد تحدث عنهم بتفصيل وتوضيح واضح هادئ . إذ بين شريعة أهل السبت التى شرعها الله تعالى لهم فى التوراة ، فى الآيات من 23 إلى 37 . وهى قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ..) [الآيات 23-37] . فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال : "إن التوراة كلها فى خمس عشرة آية من سورة بنى إسرائيل . كما ذكر تعالى فى السورة : عصيان اليهود ، وإفسادهم وتخريب مسجدهم. فى قوله تعالى (وقضينا إلى بنى إسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً) [الآيات 4-8] . كما ذكر تعالى فى السورة : استفزازهم النبى صلى الله عليه وسلم وإرادتهم إخراجه من المدينة . فى قوله تعالى (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذاً لا يلبثون خلافك إلا قليلاً) [الآية 76] . كما ذكر تعالى فيها : سؤالهم إياه عن الروح . فى قوله تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) [الآية 85] . كما ختم تعالى السورة : بذكر آيات موسى عليه السلام التسع ، وخطابه مع فرعون الذى أراد أن يستفزهم من الأرض فأهلكهم الله وورث بنى إسرائيل من بعده . فى قوله تعالى (ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسئل بنى إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنى لأظنك يا موسى مسحوراً * قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإنى لأظنك يا فرعون مبثوراً * فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً * وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً) [الآيات 1.1-104] . وفى هذه الآيات : تعريض بكفار مكة أنهم سيئاتهم ما نال فرعون ، حيث أرادوا بالنبى صلى الله عليه وسلم ما أراد هو بموسى عليه السلام وأصحابه . بل : ورد أن آخران فى سورة الإسراء هو آخر آية فى التوراة . 3) إذا كان تعالى قد بين فى النحل مكانة القرآن ومنزلته . فى قوله تعالى (.. وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إلهيم ولعلهم يتفكرون) [الآية 44] . وفى قوله تعالى (قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين) [الآية 102] . فإنه تعالى قد بين فى الإسراء عموم هداية هذا القرآن الكريم فى كل الأزمان والبينات ولكل الأفراد والجماعات . فى قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً * وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً) [الآيتان 9 ، 10] . 4) إذا كان تعالى قد بين فى النحل إن فى عسل النحل شفاء الناس من أمراضهم الجسدية . فى قوله تعالى (.. يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) [الآية 96] . فقد بين تعالى فى الإسراء أن فى القرآن الكريم شفاء الناس من أمراضهم النفسية والجسدية كذلك . فى قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) [الآية 82] . 5) إذا كن سبحانه قد أمر فى النحل بإيتاء ذى القربى . وذلك فى قوله تعالى (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى ..) [الآية 9.] . فإنه تعالى أمر بذلك فى الإسراء مع الزيادة . كما فى قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً) [الآية 26] . وذلك – كما يقول العلماء – بعد أن أمر جل وعلا بالإحسان بالوالدين الذين هما منشأ القرابى . ثامناً : هدف السورة لا تختلف هذه السورة فى أهدافها عن باقى فى السور المكية ، بيد أنها تركز على بعض الأهداف فتبرزها إبرازاً خاصاً(1) . من ذلك : 1) أنها تعالج العقيدة الإسلامية فى شتى مظاهرها معالجة من يناقش ويقيم الحجة ، ثم يحذر ويأمر . فهى تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم . وفى قوله تعالى – مثلاً – (وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً) [الآية 73] . وفى هذا الإطار : نتحدث عن آيات الرسالة التى طلبوها عناداً . فى قوله تعالى (وقالوا لن نؤمن لنا حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً * أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً..) [الآيات 9.-96]. وتتحدث عن القرآن . أنظر : الآيات أرقام 9، 45، 46، 82 على سبيل المثال من نفس السورة. ونتحدث عن تنزيه الله تعالى عما يقوله المشركون . فى قوله تعالى (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً * سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً * تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده * ولكن لا يفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً) [الآيات 42-44] . وفى قوله تعالى (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريكاً فى الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً) [الآية 111] . 2) أنها تبين النعمة الإلهية المعنوية .. التى هى القرآن المسطور . وكذلك النعمة الإلهية المادية .. التى هى فى الكون المنظور . وذلك فى قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ..) [الآيتان 9 ، 10] . وفى قوله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلاً) [الآية 12] . ثم تعقب على هذه النعم بذكر ما تستوحيه من حسن الإيمان بصاحبها وما يترتب على عدم ذلك . فى قوله تعالى (وكل إناسن ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً ..) [الآيات 13-15] . 3) أنها تضع الإنسان على الطريق المستقيم . إذ تبين له قواعد سلوكه التى ينبغى أن يتحلى بها . فى مثل قوله تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) [الآية 29] . وفى مثل قوله تعالى (ولا تمش فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً) [الآية 37] . كما تبين له أسس المجتمع الإسلامى السليم الذى يجب أن يعمل على خلقه وإيجاد لكى يعيش فى رحابه . فى مثل (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) [الآية 16] . وفى مثل قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً..) [الآية 23] . ولذا : فهى تشق الطريق بشدة لعملية الدخول فى الإسلام كله واجتناب خطوات الشيطان . فى مثل قوله تعالى (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً) [الآية 22] . وفى مثل قوله تعالى (ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً) [الآيتان 26 ، 27] . كما تذكر الإنسان بكل لوازم الدخول فى الإسلام كله ، والاستمرار عليه جميعه ، وعلى مستوى الأمة وعلى مستوى الفرد كذلك . فى مثل قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً) [الآيات 18-20] . تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا هذه السورة تتكون مقدمة وخمسة أقسام المقدمة : عبارة عن (3) آيات من الآية الأولى حتى نهاية الآية (3) . وفيها : الإشارة إلى ما من الله على محمد صلى الله عليه وسلم بالإسراء ، وما من به على موسى عليه السلام فى التوراة ، والإشارة كذلك إلى مقام الشكر ، وسنة الله فيمن لم يشكر . والقسم الأول : عبارة عن (37) آية . من الآية (4) حتى نهاية الآية (40) . وفيه : يقص الله علينا ما عاقب به بنى إسرائيل لانحرافهم ، ويدين خاصية من خواص القرآن ، ثم يأمر عباده وينهاهم . وفى كل ذلك : تعميق لشكر النعمة بالطاعة ، والتخويف من الإنحراف ، والحث على الاهتداء بالقرآن ، والالتزام بآدابه . والقسم الثانى : عبارة عن (29) آية من الآية (41) حتى نهاية الآية (69) . وفيه : علاج المواقع التى تمنع من الهداية ، وإقامة الحجة على الكافرين ، وتهديدهم والرد على مواقفهم . والقسم الثالث : عبارة عن (19) آية من الآية (70) حتى نهاية الآية (88) . وفيه : التذكير بالنعمة ، وبيان عقوبة كفرانها ، والتذبذب على ما يحاوله الكافرين مع الداعية ليتخلى عن الإسلام ، أو شئ منه ، مع بيان العقوبة التى يستحقها من تنازل عن شئ من ذلك ، والإعلام بكيد الكافرين لصاحب الدعوة ، والتعليم بكيفية مقابلة صاحب الدعوة للكيد والإغراء . وفى كل ذلك : تربية على شكر النعمة ، وعلى الإلتزام بكل الإسلام . والقسم الرابع : عبارة عن (12) آية من الآية (89) حتى نهاية الآية (100) . وفيه : الحديث عن مواقف الكافرين وطلباتهم ، وتعنتهم ، ومقابلتهم للنعمة بالكفران ، وجزائهم على ذلك . والقسم الخامس : عبارة عن (11) آية من الآية (101) حتى نهاية الآية (111) وهى خاتمة آيات السورة . وفيه : الحديث عن موسى عليه السلام ، وعن القرآن الكريم . عاشراً : أبرز موضوعات السورة تضم السورة فى ثناياها موضوعات شتى معظمها عن العقيدة ، وبعضها عن قواعد السلوك الفردى والجماعى وآدابه القائمة على العقيدة ، إلى شئ من القصص عن بنى إسرائيل يتعلق بالمسجد الأقصى الذى كان إليه الإسراء ، وطرف من قصة آدم وإبليس وتكريم الله للإنسان . ولكن العنصر البارز بين هذه الموضوعات هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القوم منه فى مكة ، ثم القرآن الذى جاء به ، وطبيعة هذا القرآن وما يهدى إليه ، واستقبال القيم له . وتستطرد بهذه المناسبة إلى طبيعة الرسالة والرسول ، وإلى امتياز الرسالة المحمدية بطابع غير طابع الخوارق الحسية وما يتبعها من هلاك المكذبين بها ، وإلى تقرير التبعية الفردية فى الهدى والضلال الاعتقادى ، والتبعة الجماعلية فى السلوك العملى فى محيط المجتمع . كل ذلك بعد أن يعذر الله سبحانه وتعالى إلى الناس ، فيرسل إليهم الرسل بالتبشير والتحذير والبيان والتفصيل (وكل شئ فصلناه تفصيلاً) [الآية 12] ، ويتكرر فى سياق السورة تنزيه الله تعالى وتسبيحه وحمده وشكرانه ففى مطلعها (سبحان الذى أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى ...) وفى أمر بنى إسرائيل بتوحيد الله بذكرهم بأنهم من ذرية نوح (إنه كان عبداً شكوراً) [الآية 30] . وعند ذكر دعاوى المشركين عن الآلهة يعقب بقلوه (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ، تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ، وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) [الآيات 43 ، 44] . وفى حكاية بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن (ويقولون : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً) [الآية 108] . وتختم السورة بآية العز (وقل الحمد لله الذى لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيراً) [الآية 111] . ومن كان هنا – كما قدمناه – أحد أسماء هذه السورة "سبحان" . ومجمل ما حوته السورة من الأغراض 1) الإسراء من مكة إلى بيت المقدس . 2) تاريخ بنى إسرائيل فى حالى الارتقاء والانحطاط . 3) حكم وعظات للأمة الإسلامية يجب أن تراعيها حتى لا تذهب دولها كما ذهبت دولة بنى إسرائيل . 4) بيان أن كل ما فى السموات والأرض مسبّح لله . 5) الكلام فى البعث مع إقامة الأدلة على إمكانه . 6) الرد على المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة من الأوثان والأصنام . 7) الحكمة فى عدم إنزال الآيات التى اقترحوها على محمد صلى الله عليه وسلم . 8) قصص سجود الملائكة لآدم وامتناع إبليس من ذلك . 9) تعداد بعض نعم الله على عباده . 10) طلب المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم فى بعض معتقداتهم وإلحاقهم فى ذلك . 11) أمر النبى صلى الله عليه وسلم بإقامة الصلاة والتهجد فى الليل . 12) قصص موسى مع فرعون . 13) قصص موسى مع فرعون . 14) الحكمة فى إنزال القرآن منجماً . 15) تنزيه الله عن الولد والشريك والناصر والمعين . حادى عشر : بعض الدروس المستفادة 1)أن السورة تحمل فى ثنايا آياتها مبشرات النصر على اليهود . اقرأ النصوص التالية تصل إلى ما نقصده بعون الله . (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نقيراً) [الآية 6.] . واليهود الآن لديهم أموال العالم وهو أعلى صوتاً وأكثر إعلاماً ونقيراً وضجيجاً . (فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً) [الآية 1.4] . وإذا كان من اللفيف : ما اجتمع من الناس من قبائل شتى .. !! وإذا كان معنى الآية كما يقول ابن عباس : جئنا بكم جميعاً من جهات شتى ..! وإذا كانت هجرة اليهود إلى أرض فلسطين آخذة فى الازدياد ...!! فاقرأ الآية التالية : (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً) [الآية 7] . ولكن من هؤلاء الناس سوف يدخلون المسجد .. الخ اقرأ قوله تعالى لتعرف صفتهم : (بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد ..) [الآية 5] وما على المسلمين اليوم إلا اكتساب هاتين الصفتين ليكتب الله لهم النصر فى حرب العقيدة إلا اكتساب هاتين الصفتين ليكتب الله لهم النصر فى حرب العقيدة بينهم وبين اليهود . والصفتان هما : العبودية لله . إحراز القوة المادية . (إنا لننصر ربنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [....] 2) فى قوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً) . يقرر السورة التبعة الفردية التى تربط كل إنسان نفسه ، إن اهتدى فلها ، وإن ضل فعليها ، وما من نفس تحمل وزر أخرى ، وما من أحد يخفف حمل أحد، إنما يسأل كل عن عمله ، ويجزى كل بعمله ، ولا يسأل حميم حميماً . 3) أن عدم الضرب على أيدى المفسدين والفاسقين والظلمة : يكون سبباً فى هلاك عام للجميع . يقول تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) [الآية 16] . والمترفون فى كل أمة : هم طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال ويجدون الحزم ويجدون الراحة ، فينعمون بالدعة والراحة بالسيادة ، حتى تترهل نفوسهم وتأسن ،وترتع فى الفسق والمجانة ، وتستهتر بالقيم والمقدسات والكرامات وتلغ فى الأعراض والحرمات . وهم إذا لم يجدوا من يضرب على أيديهم : عاثوا فى الأرض فساداً ، ونشروا الفاحشة فى الأمة وأشاعوا . وارخصوا القيم العليا أى لا يعيش الشعوب إلا بها ولها . ومن ثم : تتخلل الأمة وتسترحى ، وتقعد حيويتها ، وعناصر قوتها ، وأسباب بقائها ، فتهلك وتطوى صفحتها . 4) فى قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قربة أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ...) [الآية 16] . تقرير التبعة الجماعية : إذ الجماعة مسئولة عن ترك النظم الفاسدة ، وعدم الضرب على أيدى المترفين فيها كى لا يفسقوا فيها ، فيحق عليها القول فيدمرها تدميراً . وذلك قريب من قوله تعالى (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) [الأنفال 25] . (إن الله تعالى عندما ينزل وحياً على أمة ، ويختارها لحمل رسالة ..! فهذه نعمة يستوجب كفرها عقابه . وقد أنزل وحياً على بنى إسرائيل ، فكفروا به ، فاستحقوا عقابه ..! وقد أنزل على هذه الأمة هذا الإسلام ..! فعليهم أن يتعظوا ببنى إسرائيل من تسليط غيرهم عليهم عندما ابتعدوا عن دينه . 6) فى قوله تعالى (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد ملوماً مخذولاً) [الآية 22] . روى الإمام أحمد والترمذى بسند حسن صحيح غريب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ومن أصابته فاقه فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ، ومن أنزلها بالله أرسل الله له الغنى : إما أجلا وإما عاجلاً". 7) فى قوله تعالى (يوم تدعو كل أناس بإمامهم) عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه ، ويُمد له فى جسمه ، وينبض وجهه ، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤة يتلألأ ، فينطلق إلى أصحابه ، فيرونه من بعيد ، فيقولون : اللهم آتنا بهذا ، وبارك لنا فى هذا ، فيأتيهم ، فيقول لهم : أبشروا فإن لكل رجل منك مثل هذا . وأما الكافر : فيسود وجهه ، ويمد له فى جمسه ويراه أصحابه ، فيقولون : نعوذ بالله من هذا ، أو من شر هذا ، اللهم لا تأتنا به ، فيأتيهم ، فيقولون : اللهم أخرّه ، فيقول : أبعدكم الله ، فإن لكل رجل منكم مثل هذا" . ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث 1- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/37 الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/228 البقاعى .. نظم الدرر (سورة رقم 17) السيوطى .. الاتقان (النوع 17) الآلوس .. روح المعانى (س رقم 17) 2- محمد فؤاد عبد الباقى.. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن 3- السيوطى .. الاتقان (النوع 17) 4- أنظر : السخاوى ، البقاعى ، السيوطى ، الآلوس (مصادر سابقة) 5- الزركشى البرهان 1/270\ 6- أنظر : مكى بن أبى طالب ..التبصرة ص 243 الفيروزابادى .. بصائر 1/288 السخاوى .. جمال القراء 1/206 الآلوس .. روح المعانى (س : 17) نثر المرجان 4/2 النيسابورى .. غرائب القرآن (س 17) 7- أنظر : الآلوس .. روح المعانى (س : 17) الآلوس .. روح المعانى (س : 17) 8- أنظر : الآلوس .. روح المعانى ( " " ) المراغى .. تفسير المراغى ( " " ) 9- القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن ( " " ) 10- السيوطى .. الاتقان 1/163 11- أنظر : د.محمد البهى تفسير سورة الإسراء ص 423 د. محمد حجازى التفسير الواضح (سورة 17) سعيد جوى الأساس (سورة 17) 12- سعيد جوى الأساس فى التفسير ( " " ) 13- سيد قطب فى ظلال القرآن ( " " ) 14- المراغى تفسير المراغى 15/112 فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الأربعاء، 23 نوفمبر 2011
مفاتيح سورة الإسراء
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق