إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الاثنين، 21 نوفمبر 2011

سورة يونس

سورة يونس

الكاتب: الشيخ // عبد الخالق حسن الشريف
        تمهــــــــــــــيد:
        سورة يونس أول المئين من سور القرآن العظيم, قال رسول : «أعطيت مكان التوراة السبع, وأعطيت مكان الزبور المئين, وأعطيت مكان الإنجيل المثاني, وفضلت بالمفصل».
        ومن هنا نستشعر أن كل مجموعة من هذه السور القرآنية العظيمة لها خصائص تجمعها.
        1-الإيمان بالله:
        وسورة يونس بداية لرحلة طويلة مع القرآن المكي, والذي يتميز بالحديث عن العقيدة بأركانها من الإيمان بالله الواحد الأحد فاطر السماوات والأرض خالق كل شيء ومليكه, الذي لا شريك له, ومن الإيمان بالدار الآخرة والبعث والحساب, والإيمان بالكتب التي أنزلها الله، والأنبياء,والملائكة.
        ويكثر الحديث في القرآن عن الصراع بين الحق ممثلاً في الرسل وأتباعهم, والباطل ممثلاً في تبعية جاهلية وعقول لا تفقه للخير سبيلاً, ونفوس ملأها الكبر عاشت على أن تسخر من الآخرين، استنوا لأنفسهم قواعد وقوانين ووقفوا داخلها لا يعقلون ولا يسمعون ولا يدركون, وتظهر السور المكية هذا الصراع في مناقشة المبادئ, واستعراض النتائج.
        وبداية نقرر أن الإسلام, هو الدين الذي بعث به جميع الأنبياء والمرسلين واجه نوعين من المجتمعات: مجتمع القبائل, ومجتمع الدولة المنظمة, ولقد استعرض كلا من المجتمعين في هذا الصراع, ولقد أخذت السور المكية في بعضها أسلوب المجادلة والحوار وإظهار حقائق المبادئ, وفي أخرى استعراض جانب أو أكثر من التاريخ, وفي الغالب تجمع بينهما, إلا أن القرآن- تأسيسًا على أن الله مالك كل شيء وناصر الحق- يركز على أن النصر من عند الله للفئة المؤمنة.
        ورغم هذا كله فإن لكل سورة صفاتها المتميزة, وشخصيتها التي يمكن التعرف عليها, وسورة يونس هي السورة التي انفردت بالحديث عن (أولياء الله) بهذا الوصف وكأني بها ترشد إلى هذا المنهج الذي تحقق في هؤلاء حتى استحقوا هذا الوصف العظيم، وهي في سبيلها لذلك استعرضت قدرة الله ونعمه وفضله وسلطانه ورحمته التي عمت الخلق أجمعين بإنزال الكتب, وهداية الإنسان وحقائقها التي يجهلها هو ويعلمها من يعلم السر وأخفى, وإذا تحققت في قلب المؤمن العظمة لله, وقلب عينيه في بديع قدرته وكثير نعمه, ثم رأي العجز الذي هو فيه والضعف المحيط به تحقق في قلبه نور وحلاوة للإيمان, ورغبة في الله ورهبة منه, فمكنهم ذلك من حبه تعالى واستبشروا بنعمة منه وفضل, فأمضوا أعمارهم في طاعته وحافظوا على شكره والثناء عليه, وأولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
        والله: تبدأ سورة يونس بالحديث عن الله إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ  إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًا إِنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ  هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3-5).
        ثم تتحدث السورة بأسلوب استفهامي  قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ  فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (31-32) وفي آية أخرى يقول الله تعالى  قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ  قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (34-35). فالله خالق السماوات والأرض، ومدبر الأمر، ولا شافع إلا بعد إذنه، وإليه ترجعون. والله يبدأ الخلق ثم يعيده، والله جعل الشمس ضياء والقمر نورًا. والله يملك الرزق، ويملك الحياة والموت. ويهدي إلى الحق.
        هذا كله وغيره من الأوصاف والصفات والأفعال والأسماء والقدرة التي لا مثيل لها تدخل إلى قلب المؤمن, وهو يتلو هذه الآيات فلا يجد إلا قلبا تزداد نبضاته رهبة, ثم تسكن محبة, ثم تزداد شوقًا ثم تسكن طمأنينة, ثم تزداد خوفًا, ثم تسكن أنسا ثم تزداد، ثم تسكن، إلى أن يسمع صاحبها: إلى الجنة فقد غفرت لك, هنا يأتي النعيم الذي لا شقاء بعده.
        2-الشرك والشركاء:
        في مقابل الإيمان بالله يأتي الشرك بالله وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَالاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(18).
         قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (68)
        شركاء لا يملكون ضرًا ولا نفعًا، شركاء لا يملكون الشفاعة، شركاء ليس لهم دليل على وجودهم  وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ  فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (28-29)
        3-نعم الله:
        علاوة على ما ذكر من الحديث عن الله وقدرته وما أفاء به من آيات دالة على وحدانيته, نري أن سورة يونس احتوت على الكثير من نعم الله تعالى.
        إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ... (22) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) ومن رحمة الله أن لا يعجل للناس حسابهم على ما يفعلون وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ...(11)
        "الوحي"من أجل النعم:
        إن كثيرا من هذه النعم- وكلها فضل من الله- تيسر على هذا الإنسان هذه الحياة الدنيا ولكن أجلَّ نعمة هي (الوحي) الذي هو الهداية لهذا الإنسان والحماية له في نفسه من الضلال. ونجد أن سورة يونس في صدرها وفي نهايتها تتحدث عن الوحي، فقد افتتحت بقوله تعالى الـر تِلْكَ آيَاتُ الكِتَابِ الحَكِيمِ  أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ(2,1)، واختتمت بقوله تعالى في نهايتها  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ  وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ (109,108).
        إن بداية السورة ونهايتها تظهران موقف الناس من هذا الوحي المنزل وموقف كل من المؤمنين والكافرين, فأهل الإيمان يقبلون بهذه الحقيقة الجلية الواضحة التي فيها صلاحهم ونجاتهم, ولكن الكافرين لا يقبلون الحق، ويطلبون من النبي  أن يغيره وكأنه ليس وحيًا من الله وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15).
        ثم يسوق إليهم الحجة على أن هذا ليس من عنده قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(16)، وَمَا كَانَ هَذَا القُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العَالَمِينَ (37).
        ويأتي التحدي بعد البيان: ألستم فصحاء العرب؟ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38).
        والقرآن موعظة وشفاء يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ  (57), ولكن الكافرين يكذبون بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39).
        4-النفس البشرية:
        الله خالق الإنسان ولذلك فهو يعلم ما به, ومن رحمته سبحانه وتعالى بهذا الإنسان أن يكشفه لنفسه حتى يعينه على هداية السبيل:
        (أ) الإنسان ظالم: ِإنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44 وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ(106). وأهل الإيمان لا يحبون أهل الظلم ولا يحبون أن يكونوا سببا للظلم وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ  فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85,84) ومصداق ذلك قول النبي  في الدعاء « اللهم إني أعوذ بك من أن أَظْلِم أو أُظْلَم » فكره الظلم وتمني أن لا يقع عليه, وأن لا يكون سببًا فيه.
        (ب)الإنسان يغتر بالنعم والرخاء: تلك صفة تتكرر كثيرًا في الإنسان ويتكرر ذكرها هنا وفي سورة هود، إذا أنعم الله عليه نسي مصدر النعمة, ونسي حق النعمة, وعاش في فساد فإذا ضاقت به السبل واشتدت به الأيام ذكر الله, فإذا منَّ الله عليه وأنجاه من الضيق عاد إلى ما كان عليه وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(12) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ  هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ  فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(23,21)
        (ج) الإنسان جاهل ولا يتبع إلا الظن: الإنسان كما وصفه الله وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(النحل:78). ولكنه لا يقف عند هذه الحقيقة من نفسه، بل يسعى ليتعلم النافع المفيد, لكنه ينحرف إلى الظن وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ(36) َألاَ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (يونس:66).
        (د)الاستعجال بدلا من التروي والتدبر: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) والإجابة قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ المُجْرِمُونَ  أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ(51,50)
        5-أوليـــــــاء الله:
        وإذا تحقق في قلب العبد نور الله الذي بيده ملكوت كل شيء, الله الذي يحيي ويميت, والذي منّ على هذا الإنسان بالقرآن والوحي، وعلم الإنسان ضعفه وعجزه وما يحيط به من قصر الأجل وما ينتظره من الحساب أمام الغني الذي له ما في السماوات والأرض؛ تولدت في النفوس محبة وخوف، وعلم المؤمن أنه ما من تصرف يصدر منه إلا والله يعلمه وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(61). إنه الإحساس الحقيقي بقدرة الله وإطلاعه كما ورد في الحديث الصحيح «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
        أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ(64,62).
        والمراد بالولي العالم بالله, المواظب على طاعته, المخلص في عبادته, روي البخاري عن أبي هريرة: قال رسول الله : إن الله قال « من عادي لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه, وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بهت ورجله التي يمشي بها, وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذ بي لأعيذنه, وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته».
        وروي أبو داود وابن جرير أن رسول الله  قال « إن لله عبادًا يغبطهم الأنبياء والشهداء» قيل: ومن هم يا رسول الله لعلنا نحبهم؟ قال « هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب، وجوههم نور على منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس » ثم قرأ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ثم يؤكد سبحانه وتعالى هذا كله لهم لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
        6-الــــدار الآخــرة:
        وتشتمل سورة يونس على حديث طويل عن الدار الآخرة وأصناف الخلق فيها ِّللَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وَجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وَجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(27,26)ويومها وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ(54).
        حقا إنه أمر شديد, كيف يفتدي نفسه من عذاب يوم القيامة؟
        إنه يوم شديد العقاب, حتى يتمني لو افتدي نفسه بكل من في الأرض, ولقد طُلب من الإنسان أقل من ذ لك, ولكنه أبي فكان هذا المصير.
        ومن المعاني الهامة التي احتوتها السورة:
        (أ)الحديث عن الاستخلاف في الأرض لتربط مع عقد القرآن الذي بدأت به سورة البقرة. هنا يقول الله تعالى ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ  (14) هو استخلاف لغاية.
        (ب)التحليل والتحريم لله وحده,ليس لأحد أن يتدخل فيه قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ(59).
        (ج)وقبل ختام السورة استعرضت حديثًا عن قوم نوح وموسي, وذكَّرت بمهلك فرعون وغرقه ليكون علامة لهلاك الظالمين, كما نجد سورة يونس تمهد لما بعدها من السور المكية وكأنها اشتملت على كل مفاتيح ما سيرد في السور التالية.
        (د) انفردت بما أنعم الله به على يونس من إيمان قومه كافة فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ(يونس:98).

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .