مفاتيح سورة المنافقون
مفاتيح سورة المنافقون |
|
63 ـ المنافقون
اسم السورة
وسميت هذه السورة بـ :
سورة المنافقين(1)
وذلك : من قوله تعالي (إذا جاءك المنافقون قالوا ..) الآيات .!!
وما فيها من الإشارة إلي كمال التحذير : مما يجرح الإيمان .. من الأعمال الباطنة .
والترهيب : مما يقدح في الإسلام من الأحوال الظاهرة ؛ بمخالفة الفعل للقول ؛ حيث إنه نفاق في الجملة .
فيوشك ـ هذا وذاك ـ أن يجر إلي كمال النفاق ، فيخرج من الدين ، ويدخل في الهاوية .
وليكون هذا التحذير، وذاك الترهيب : سببا في صدق الأقوال، ثم صدق الأعمال ، ثم صدق الأخلاق ، ثم صدق الأحوال ، ثم صدق الأنفاس .
وصدق القول : أن لا يقول القائل إلا عن برهان .
وصدق العمل : أن لا يكون للبدعة عليه سلطان .
وصدق الأخلاق : أن يلاحظ ما يبدو منه من الإحسان ـ بعد المبالغة ـ بعين النقصان .
وصدق الأحوال : أن يكون علي كشف وبيان .
وصدق الأنفاس : أن لا يتنفس إلا عن وجود كالعيان .(2)
عدد(3) آياتها ،
آياتها : (11) إحدى عشر آية .
سبب نزول سورة المنافقون
أخرج البخاري وغيره عن زيد بن أرقم قال : سمعت عبد الله ابن أبيّ يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فلئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي فذكر ذلك عمي للنبي صلي الله عليه وسلم فدعاني النبي صلي الله عليه وسلم فحدثته، فأرسل رسول الله عليه وسلم إلي عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا ، فكذبني وصدقه، فأصابني شيء لم يصبني قط مثله فجلست في البيت ، فقال عمي ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلي الله عليه وسلم ومقتك ، فأنزل الله ـ إذا جاءك المنافقون ـ فبعث إليّ رسول صلي الله عليه وسلم فقرأها ثم قال : إن الله قد صدقك .
له طرق كثيرة عم زيد وفي بعضها أن ذلك في غزو تبوك وأن نزول السورة ليلاً(4) .
ترتيبها
مدنية
أ ـ في المصحف
بعد : سورة "الجمعة" ، وقبل : سورة "التغابن".
ب ـ في النزول .. بعد سورة "الحج" وقبل سورة "المجادلة"
تناسبها مع ما قبلها
أولاً : تناسبها مع سورة الجمعة
قبلها .
1 ـ لما ذكر الله تعالي "المؤمنين" في سورة "الجمعة" ؛ أتبع ذلك بذكر "المنافقين" في هذه السورة .
وذلك :للترغيب في الأولي والتنفير في الثانية .
2 ـ إذا كانت سورة "الجمعة"(5) : قد ذكر فيها المؤمنين .
فإن سورة "المنافقون" قد ذكر فيها أضدادهم ، وهم المنافقون .
ولهذا : أخرج سعيد بن منصور ، والطبراني في الأوسط ـ بسند حسن ـ عن أبي هريرة ، قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم ، يقرأ في صلاة "الجمعة" بسورة "الجمعة" فيحرض بها المؤمنين، وفي الثانية : بسورة "المنافقون" : فيقرع بها المنافقين .
ثانيا : تناسبها مع السور الثلاث قبلها .
1 ـ لما نهى سبحانه وتعالي في "الممتحنة" : عن اتخاذ عدوه ولياً، ولما ذم سبحانه وتعالي في "الصف" علي المخالفة بين القول والفعل ، ولما حذر سبحانه وتعالي في آخر "الجمعة" من الإعراض عن حال من أحوال النبي صلي الله عليه وسلم ، على حال من الأحوال ، ولو مع الوفاق .
لأن صورة ذلك كله : صورة النفاق .. !!
قبح عز وجل في أول هذه حال من أقبل عليه صلى الله عليه وسلم علي حال النفاق؛ لأنه يكون كاليهود، الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها .
وقد استمرت السورة كلها : في ذم المنافقين بأقبح الذم ؛ ليكون زاجراً عن كل ما ظاهره نافق .
ويقول الشيخ المراغي
ووجه اتصالها بما قبلها ـ أنه ذكر في الأولي حال المؤمنين الذين بعث إليهم النبي الأمي يتلو عليهم كتابه ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأمرهم بالصلاة وترك البيع حين أدائها، وفي هذه ذكر أضدادهم وهم المنافقون الذين يشهدون كذبا بأن محمداً رسول الله ويحلفون الأيمان المحرجة علي ذلك ، ومن ثم كان النبي يقرأ في صلاة الجمعة في الركعة الأولي بسورة الجمعة ، فيحرض بها المؤمنين علي العبادة ، وفي الركعة الثانية بسورة المنافقين فيقرع بها المنافقين(7) .
هدفها
1 ـ كمال التحذير : مما يثلم الإيمان من الأعمال الباطنة ، والترهيب مما يقدح في الإسلام من الأحوال الظاهرة .
وذلك : بمخالفة الفعل للقول .
حيث إنه نفاق في الجملة .. فيوشك أن يجر إلي كمال النفاق ؛ فيخرج من الدين، ويدخل الهاوية .
والمقصد : أن يكون هذا التحذير ، وذاك الترهيب .. سبباً في صدق الأقوال ، ثم صدق الأعمال ، ثم صدق الأخلاق ، ثم صدق الأحوال ، ثم صدق الأنفاس .
وصدق الأقوال : أن لا يقول القائل إلا عن برهان .
وصدق الأعمال : أن لا يكون للبدعة عليه سلطان .
وصدق الأخلاق : أن لا يلاحظ ما يبدو منه من الإحسان ـ بعد المبالغة فيه من النقصان .
وصدق الأحوال : أن يكون عن كشف وبيان .
وصدق الأنفاس : أن لا يتنفس إلا عن وجود كالعيان(8)
2 ـ الحملة على أخلاق المنافقين وأكاذيبهم ودسائسهم ، وما في نفوسهم من البغض والكيد للمسلمين .
تحذير المؤمنين من كل ما يلصق بهم صفة من صفات المنافقين .
تقسيمها
تتكون هذه السورة ، من :فقرتين(9)
الفقرة الأولي : عبارة عن "8" آيات
من الآية الأولي ، إلي نهاية الآية"8"
وفيها :
تعريف من الله تعالي : على مظهر من مظاهر الطبيعة المنافقة ، وعلى حقيقة بواطنها ، وعلى الخطر الذي يهب منها علي الصف الإسلامي ، وعلى الدعوة إلي الله .
وبيان للعقوبة التي يعاقبهم الله بها، وهي الطبع علي قلوبهم .
وتوضيح آخر لهذه الطبيعة المنافقة : من كونها تحسن الكلام في أمور الدنيا ، ومن كونها كثيرة الجبن ، شديدة الشدة ، لا حياة فيها، ولا عمل صالح لها .. فهم مصروفون عن الخير صرفاً تاماً، معادون للإسلام وأهله عداء كاملاً .
ولذا .. فهي تحذر منهم ، وتدعو عليهم .
وكشف لفسقهم ، الذي تظهر علاماته فيهم وعليهم بكل جلاء، فهم يتصفون بالكبر والصدود عن أية دعوة خيرة لصالحهم الأخروي .
ولذا .. فإنه لا ينفع فيهم ولا لهم أي استغفار ، حتى ولو كان سن النبي صلي الله عليه وسلم .
ثم تقدم الفقرة .. نموذجين لعدائهم وكيدهم للإسلام وأهله من خلال نقضهم للمواثيق ، أو قطعهم لما أمر الله به أن يوصل، أو إفسادهم في الأرض .
ولذا .. فهي : تحذر منهم ـ مرة أخري ، وتثبت العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وبالتالي : فالهوان والذلة للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين .
والفقرة الثانية : عبارة عن "3" آيات
من الآية "9" حتى نهاية الآية "11" وهي خاتمة آيات السورة.
وفيها :
نهي للمؤمنين عن الإنشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله، وأن يقع في ذلك : فهو من الخاسرين .
ثم أمر لهم بالإنفاق في سبيل الله .
وفي هذا : بيان للمؤمنين ، وتعريف .. بطريق الخلاص من أخلاق المنافقين ، الذين شغلتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، بل دفعهم حب أموالهم وأولادهم إلي معادة الدعاة إلي الله .
وهو ـ في ذات الوقت ـ تعريف بالمنافقين ، وصفاتهم .
أبرز موضوعات السورة
1 ـ وصف المنافقين ، وبيان سيء خصالهم : من الكذب ، والإيمان الفاجرة والجبن .
2 ـ حث المؤمنين علي الطاعة ، وإنفاق المال قبل انقضاء الأجل(10)
الدروس:
(1) (اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله)
(2) (هم الذين يقولون : لا تنفقوا علي من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون)
خطة التجويع ..
هي : خطة قريش .. خطة المنافقين .. خطة الشيوعيين .. خطة الدول الكبرى .. خطة الحكام الطغاة .
(3) (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين..)
تفيد سؤال الرجعة بعد الموت من المؤمنين كما يفيد ذلك من الكفار .
قوله تعالي في سورة النور (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلي يوم يبعثون) [99،100]
(4) قوله تعالي (..ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها..)
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ذكرنا عند رسول الله
صلي الله عليه وسلم "الزيادة في العمر" فقال : "إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها ، وإنما الزيادة في العمر :أن يرزق الله العبد ذرية صالحة يدعون له؛ فيلحقه دعاؤهم في قبره" رواه ابن أبي حاتم
(4) لطيفة :
قال الشهاب : قوله تعالي (هُمُ الذين يقولون ...) الخ تعليل لرسوخهم في الفسق، لا لعدم المغفرة . لأنه معلل بما قبله . وقوله : (على من عند رسول الله) الظاهر أنه حكاية ما قالوه بعينه ، لأنهم منافقون مقرون برسالته ظاهراً ، ولا حاجة إلي أنهم قالوه تهكماً ، أو لغلبة عليه ، حتى صار كالعلم، كما قيل . ويحتمل أنهم عبروا بغير هذه العبارة ، فغيرها الله إجلالاً لنبيه صلي الله عليه وسلم وإكراماً . انتهي.
5 ـ التنبيه الثاني ـ قال الزمخشري : معني قوله تعالي : (ولله العِزة) الخ أي : الغلبة والقوة ، ولمن أعزه وأيده من رسوله ومن المؤمنين . وهم الأخصاء بذلك . كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين .
وعن بعض الصالحات ـ وكانت في هيئة رثة ـ ألستُ على الإسلام ، وهو العز الذي لا ذل معه، والغني الذي لا فقر معه ؟
وعن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما ؛ أن رجلاً قال له إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً؟
قال : ليس بتيه ، ولكنه عزة وتلا هذه الآية . انتهي .
قال الرازي : قال بعض العارفين في تحقيق هذا المعني : العزة غير الكبر، ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه، فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه، وإكرامها عن أن يضعها لأقسام عاجلة دنيوية . كما أن الكبر جهل الإنسان بنفسه ، وإنزالها فوق منزلها . فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة ، كاشتباه التواضع بالضعة ، والتواضع محمود ، والضعة مذمومة . والكبر مذموم ، والعزة محمودة. ولما كانت غير مذمومة ، وفيها مشاكلة للكبر، قال تعالي (11) (بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق) وفيه إشارة خفية لإثبات العزة بالحق، والوقوف علي حد التواضع، من غير انحراف إلي الضعة ، وقوف علي صراط العزة المنصوب علي نار الكبر .
6 ـ "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله" أي: لا يشغلكم الاغتباط بها عن ذكر أمره ونهيه، ووعده ووعيده ، أو ذكر ما أنزله وأوحي به .
ومنه أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين . فإن مقتضي الإيمان أن لا يبالي المؤمن بعزة المال والولد، مع عزة الله "ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون" أي: المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته ، كما قال سبحانه(12) (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) . "وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلي أجل قريب فأصدق" أي: أتصدق وأخرج حقوق مالي "وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها" أي لن يؤخر في أجل أحد إذا حضر ، ولكن يخترمه .
قال القاشاني : معني قوله: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) إن صدقتم في الإيمان ، فإن قضية الإيمان غلبة حب الله علي محبة كل شيء، فلا تكن محبتهم ومحبة الدنيا، من شدة التعلق بهم وبالأموال، غالبة في قلوبكم علي محبة ، فتحجبوا بهم عنه، فتصيروا إلي النار ، فتخسروا نور الاستعداد الفطري بإضاعته فيما يفني سريعاً، وتجردوا عن الأموال بإنفاقها وقت الصحة والاحتياج إليها، ليكون فضيلة في أنفسكم، وهيأة نورية لها، فإن الإنفاق إنما ينفع إذا كان عن ملكة السخاء، وهيأة التجرد في النفس .
فأما عند حضور الموت ، فالمال للوارث لا له ، فلا ينفعه إنفاقه، وليس له إلا التحسر والتندم، وتمني التأخير في الأجل بالجهل، فإنه لو كان صادقاً في دعوي الإيمان، وموقناً بالآخرة لتيقن أن الموت ضروري، وأنه مقدر في وقت معين قدره الله فيه بحكمته، فلا يمكن تأخره .
"والله خبير بما تعملون" أي : بأعمالكم ونياتكم . فلا ينفع الإنفاق في ذلك الوقت ولا تمني التأخير في الأجل، ووعد التصدق والصلاح، لعلمه بأنه ليس عن ملكة السخاء، ولا عن التجرد والزكاة، بل من غاية البخل وحب المال، كأنه يحسب أنه يذهب به معه، وبأن ذلك التمني والوعد محض الكذب، ومحبة العاجلة، لوجود الهيأة المنافية للتصدق والصلاح في النفس، والميل إلي الدنيا، كما قال تعالي (13) (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) ـ والله أعلم ـ .
تنبيه :
قال الإمام إلكياالهراسي : يدل قوله تعالى (وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت ...) الآية ، على وجوب إخراج الزكاة علي الفور، ومنع تأخيرها .
وأخرج الترمذي (14) عن ابن عباس قال : من كان له مال يبلغه حج بيت ربه، أو تجب عليه فيه زكاة، فلم يفعل، سأل الرجعة عند الموت، فقيل له: إنما يسأل الرجعة الكفار، فقال : سأتلو عليكم بذلك قرآناً . ثم قرأ هذه الآية.(15) .
المراجع والهوامش
1 ـ السخاوي .. جمال القراء 1/37 ، القرطبي .. الجامع لأحكام القرآن (س:63) ، والفيروزابادي .. بصائر التمييز 1/465 ، البقاعي . نظم الدرر، والشوكاني .. فتح القدير ، والألوسي .. روح المعاني : (س:63) .
2 ـ البقاعي (مصدر سابق) .
3 ـ انظر : مكي .. التبصرة ص352 ، السخاوي .. جمال القراء 1/221 الفيروزابادي ـ بصائر 1/465 الألوسي .. روح المعاني (س:63) المرجان 7/347 .
4 ـ لباب النقول ص219 ، 220 ، والواحدي في أسباب النزول .
5 ـ الألوسي : روح المعاني (س:63) .
6 ـ نظم الدرر 20/74 .
7 ـ تفسير المراغي .
8 ـ نظم الدرر 20/72 ، 73 .
9 ـ الأساس في التفسير .
10 ـ المراغي 28/117 .
11 ـ الأحقاف / 20 .
12 ـ الحشر / 19 .
13 ـ الأنعام / 28 .
14 ـ أخرجه في كتاب التفسير، سورة المنافقين ,
15 ـ القاسمي . |
 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق