مفاتيح سورة الحجر |
أولاً:اسم السورة تسمى هذه السورة "الحجر"(1) وذلك : لاشتمالها على قصتهم(2) ، ولفتا لأنظار أولى التبصر والابتصار ، بمصارع أهل هذا المكان ، ما جرى منهم ، ولهم . {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} [الآيات 80-84] . وذلك : دال على مؤاخذتهم لمجرد تكذيب الرسل الإعراض عن آيات الله بأدنى وجوه المؤاخذه مع غاية تحصنهم . ففيه : غاية تعظيم الرسل والآيات(3) . وآثار مدائن هؤلاء القوم التى تعرف بـ "مدائن صالح ظاهر حتى الآن"(4). يقول المسعودى : وحجر ثمود فى الجنوب الشرقى من أرض مدين وهى وعاقبة الخليج العقبة . هذا .. والحجر : اسم مكان . وهناك من السور ما يسمى بأسماء الأماكن غير هذه السورة ومن ذلك ما يلى : سورة الكهف . سورة الأحقاف . ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها آياتها : (99) تسع وتسعون آية . كلماتها : (654) ستمائة وأربع وخمسون كلمة. حروفها : (2760) ألفان وسبعمائة وستون حرفاً . ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول 1- فى المصحف .. بعد : سورة "إبراهيم" ، وقبل : سورة "النحل" . 2- فى النزول .. بعد : سورة "يوسف" ، وقبل : سورة "الأنعام" . رابعاً : سبب نزول السورة يقول الشهيد سيد قطب : نزلت هذه السورة – المكية بجملتها – بعد سورة يوسف ، فى الفترة الحرجة ، ما بين "عام الحزن" وعام الهجرة . أى : فى تلك الفترة تحدثنا عن طبيعتها ، وملابساتها ، ومعالمها من قبل فى تقديم سورة يونس وتقديم سورة هود ، وتقديم سورة يوسف ، بما فيه الكفاية. وفى هذه الفترة : كانت حركة الدعوة ، تكاد تكون قد تجمدت بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبى صلى الله عليه وسلم ، والعصبة المؤمنة معه، حيث اجترأت قريش على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بما لم تكن تجترئ عليه فى حياة أبى طالب ، واشتد استهزاؤها بدعوته ، كما اشتد ايذاؤها لصحابته. ولذلك : نرى القرآن الكريم جاء فى هذه الفترة ، يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ، ويعرض علهيم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ، ويكشف رسول صلى الله عليه وسلم ، عن علة تكذيبهم وعنادهم ، وهى لا تتعلق به ولا بالحق الذى معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذى لا تجرى معه الآيات البينات ، ومن ثم يسلى الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ويواسيه ، ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذى معه والصدع به بقوة فى مواجهة الشرك وأهله ، والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة وطول الطريق . ولذلك نزلت سورة الحجر فى هذا الجو ، ولتحقيق هذا الغرض . خامساً : مكية السورة و مدنيتها سادساً : فضل السورة سابعاً : صلة السورة بما قبلها التناسب بين هذه السورة وما قبلها : شديد الوضوح ، بارز القوة . وذلك واضح فى جو النزول وظروفه وملابساته التى تشترك فيه مجموعة هذه السور ، التى نزلت معها فى فترة واحدة . ومن جهة ثانية : نجده شديد الوضوح فى مجموعة السور المكية قبلها ، والمبدوءة بحروف التهجى . إذ نجد أن هذه السورة تبدأ بالحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن، وتنتهى كذلك بالحديث عنهما ، وما بين البدء والخاتمة حديث عن أصول العقيدة وموقف المكذبين وبيان مصيرهم إلى غير ذلك مما فيه تثبيت للنبى صلى الله عليه وسلم وموازرة للمؤمنين معه . وهذه السورة كذلك . ومن جهة ثالثة : فإن التناسب بينها وبين سورة إبراهيم واضح جداً فى النقاط التالية . 1) إذا كانت سورة إبراهيم قد بدأت بـ (الر) 00 !! فإن سورة الحجر بدايتها كذلك بـ (الر) . 2) إذا كانت سورة إبراهيم تحدثت عن بعض أحوال الكفار يوم القيامة 00 ثم بينت أنهم يودون – هناك – لو كانوا مسلمين فى قوله تعالى { .. يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [الآية 44] . فإن سورة الحجر – كذلك – تحدثت عنهم مبينة – أيضاً – أنهم يودون – هناك – لو كانوا مسلمين(7) ، فى قوله تعالى {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}[الآية 2] . 3) إذا كانت سورة إبراهيم : ذكرت بعضاً مما يلاقيه الكفار فى الآخرة ، فى مثل قوله تعالى {وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [الآيتان 49 ، 50] . فإن سورة الحجر ذكرت بعضاً مما لاقاه الكفار فى الدنيا(8) ، فى مثل قوله تعالى {فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} [الآيتان 73 ، 74] . 4) إذا كان تعالى فى سورة إبراهيم ذكر أن من نعمه تعالى خلق السماوات والأرض وما فيهن ، بقوله {الله الذى خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار * وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} [الآيات 32-34] . فإن تعالى فى سورة الحجر(1) : بين بعضاً من وجوه الأنعام مما جعله تعالى فى السماوات والأرض (7) ، فى قوله تعالى {ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شئ موزون * وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين * وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم * وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} [الآيات 16-22] . 5) إذا كان تعالى قد تعرض لسيدنا إبراهيم فى سورة إبراهيم ، فى مثل قوله تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام * 00 رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم * ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بينك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون * ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شئ فى الأرض ولا فى السماء * الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربى لسميع الدعاء. رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب *}[الآيات 35-41] . نقول : إذا كان ذلك كذلك : فإن سورة الحجر(1) قد تعرضت لضيف سيدنا إبراهيم (9) وذلك فى قوله تعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتمونى على أن مسنى الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون * قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين * فلما جاء آل لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لها لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منك أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفى فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أو لم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن فى ذلك لآيات للمتوسمين }(1) [الآيات 51-75] . ثامناً : هدف السورة تهدف هذه السورة إلى ما تهدف إليه السور المكية بعامة 00 من ترسيخ المقاصد الأساسية لأركان الدعوة الإسلامية من تقرير الوحى والرسالة ، والبعث والجزاء ، وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله رب العالمين (10) . ثم تهدف بصفة خاصة إلى(6) 1) مواجهة واقع الفترة التى نزلت فيها مواجهة حركية . فهى فى الوقت الذى تثبت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم وتعينه على آلام المواجهة بما تقصه من قصص إخوانه من الرسل وتبرز مصارع مكذبيهم . تعرض مكذبى هذه الفترة ، شريطاً متكاملاً ، وصورة حية ، مما حدث لأمثالهم ، وسوف يحدث لهم إذا استمروا على عنادهم وتكذيبهم . وعلى المؤمنين : فتثبتهم . 2) توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المؤمنة معه ، توجيهاً وافياً مباشراً . فبينما يخبره عن هؤلاء المكذبين بما يريح خاطره ، ويذهب عنه ما يجد من معاناة 0 !! فى مثل قوله تعالى: {ربما يود الذين كذبوا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}(11) [الآيات 2 ، 3] . وفى مثل قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزئين} [الآية 95] . نجدها فى ذات الوقت : توجهه حركياً خلال هذه المواجهة . فنجد من النواهى الحركية . {لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم} [الآية 88] . ونجد من الأوامر الحركية {.. وأعرض عن المشركين} [الآية 94] . {.. واخفض جناحك للمؤمنين} [الآية 88] . {وقل إنى أنا النذير المبين}(4) [الآية 89] . {فاصدع بما تؤمر} [الآية 94] . {فسبح بحمد ربك}(23) [الآية 98] . {وكن من الساجدين} [الآية 98] . {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الآية 99] . 3) مجاهدة المكذبين وذلك فى الرد عليهم حينما طلبوا الآيات بمثل قوله تعالى {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين} [الآية 8] . وبمثل قوله تعالى {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} [الآيتان 14 ، 15] . وكذلك بتهديدهم . فى مثل قوله تعالى {وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الآيتان 43 ، 44] . وفى مثل قوله تعالى {فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} [الآيتان 92 ، 93] . وفى مثل قوله تعالى {الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون} [الآية 96] . وكذلك بيان مصير بعض من كانوا منهم . فى مثل قوله تعالى بالنسبة لقوم لوط عليه السلام {فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} [الآيتان 73 ، 74] . وفى مثل قوله تعالى بالنسبة لمصير أصحاب الحجر المكذبين {فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} [الآيتان 83 ، 84] . تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا هذه السورة تنقسم إلى (6) فقرات(11) الفقرة الأولى : عبارة عن (15) آية من الآية الأولى حتى نهاية الآية (15) . وفيها : بيان موقف الكافرين من الرسالة والرسول والوحى . الفقرة الثانية : عبارة عن (7) آيات من الآية (16) حتى نهاية الآية (22) . وفيها : نسف لمواقف الكافرين من أساسهاه ، بإقامة الحجة عليهم . والفقرة الثالثة : عبارة عن (3) آيات من الآية (23) حتى نهاية الآية (25) . وفيها : التدليل على وجود الله من خلال ظاهرة الحياة ، والتدليل على اليوم الآخر من خلال التعريف على الله وصفاته . الفقرة الرابعة : عبارة عن (23) آية من الآية (26) حتى نهاية الآية (48) وفيها : ذكر خلق الإنسان ، والتعليل لظاهرتى الهداية و الضلال بما يعرف معه سبب الكفر ، كما رسمت المجموعة طريقة الاهتداء . الفقرة الخامسة : عبارة عن (16) آية من الآية (49) حتى نهاية الآية (84) . وفيها : تصحيح لمفاهيم الجهلة بجلال الله ، الذين يستبعدون أن يعذب الله أحداً ، وتقدم نماذج من القرى التى أهلكت بعد الإنذار ، وحل بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل . الفقرة السادسة : عبارة عن (15) آية من الآية (85) حتى نهاية الآية (99) وهى نهاية السورة . وفيها : تعليل لتعذيب الله وإنعامه بأنه ما خلق السموات والأرض إلا بالحق، ثم هو قد أنزل القرآن ، فكيف يترك الناس سدى ؟ وبناءً عليه : فإن على الرسول النذير أن يعمل ، وأن يعلن ، وأن يتخذ مواقف ، وأن يرد على مواقف . عاشراً : أبرز موضوعات السورة موضوعات السورة – كذلك – بعامة : هى موضوعات السور المكية . ثم نجد أن السورة ركزت بصفة خاصة : على بعض الموضوعات . مثل : وصف القرآن الكريم ، إعراض المشركين واستهزائهم ، وإقامة الأدلة على وجود الله ووحدانيته بما يرونه من الآيات فى خلق السماوات والأرض والإنسان ، ثم بيان حالى أهل الجنة ، وأهل النار يوم القيامة ، ثم قصص بعض الأنبياء ...إلخ . وتأخذ السورة فى توضيح هذه الموضوعات فى : مقاطع خمسة : الأول : بيان سنة الله التى لا تتخلف فى الرسالة والإيمان بها أو التكذيب [وذلك فى الآيات من 2 – 15] . بدءاً بذلك الإنذار الضمنى فى قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) [الآيتان 2 ، 3] . وانتهاءً بكشف عنادهم ، فى قوله تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك فى شيع الأولين * وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن * كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين * لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين) [الآيات 10 – 13] . الثانى : بعض آيات الله فى الكون 00 المقدرة بحكمته ، والمنزلة بقدره وقدرته [وذلك فى الآيات من 16 – 22] . بدءاً بقوله تعالى (ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين ..) [الآية 16] . وانتهاءً بقوله تعالى (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) [الآية 25] . الثالث : عرض قصة البشرية ، وأهل الهدى والغواية فى تركيبها وأسبابها الأصيلة ، مصير الغاوين فى النهاية والمهتدين . وذلك : فى قصة آدم .. الخ [وذلك فى الآيات من 26 – 50] . بدءاً من قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) [الآية 6] . وانتهاءً بقوله تعالى (نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم * وأنا عذابى هو العذاب الأليم) [الآيتان 49 ، 50] . الرابع : فى مصارع الغابرين [وذلك فى الآيات من 51 – 84] . بدءاً من قوله تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم). وانتهاءً بقوله تعالى (فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) [الآيتان 83 ، 84] . الخامس : يكشف عن الحق الكامن فى خلق السماوات والأرض المتلبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب ، المفصل بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم . بدءاً من قوله تعالى (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل) [الآية 85] . وانتهاءً بانتهاء السورة (واعبد ربك حتى يأتيك لليقين) [الآية 99] . حادى عشر : بعض الدروس المستفادة ) وصف القرآن الكريم . 2) الإعراض عن المشركين حتى يحل بهم ريب المنون . 3) استهزاء المشركين وإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم لما يرونه من الآيات . 4) إقامة الأدلة على وجود الله بما يرونه من الآيات فى خلق السماوات والأرض وفى خلق الإنسان . 5) عصيان إبليس أمر ربه فى السجود لآدم وذكر الحوار بينهم وبين ربه ، وطلبه الإنظار إلى يوم الدين . 6) بيان حالى أهل الجنة وأهل النار يوم القيامة . 7) قصص بعض الأنبياء وذكر ما أهلك الله به كل أمة من الأمم المكذبة لرسلها . 8) بيان أن الحكمة فى خلق السموات والأرض هى عبادة الله وحده وإقامة العدل والنظام فى المجتمع . 9) ذكر ما أنعم الله به على نبيه من السبع المثانى والقرآن العظيم . 10)نهى نبيه والمؤمنين عن تمنى زخرف الدنيا وزينتها . 11)أمره صلى الله عليه وسلم بخفض الجناح والرفق بمن اتبعه من المؤمنين . 12)الأمر بالدعوة للدين جهراً والصدع بها وعدم المبالاة بالمشركين . 13)أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والعبادة إذا ضاق صدره باستهزاء المشركين والطعن فيه وفى كتابه الكريم . عاشراً : بعض ما يستفاد من السورة إن كل آية فى السورة الكريمة لها أهميتها ، وكل كلمة لها معناها ومغراها، وكل حرف له دلالته . وفى كل من الفائدة والخير ما فيه : وإذا كنا لا نستطيع الإحاطة – هنا – بكل فوائد السورة 00 !! فإننا نحاول – فقط – التعرض لبعض هذه الفوائد ، راجين من الله تعالى الإعانة على حسن الاستفادة بها ، وسرعة العمل بموجبها . ومن هذه الفوائد : 1) عطف الله تعالى على المؤمنين . فعن أبى موسى(12) ، قال : بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة ، واجتمع أهل النار فى النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة . قال الكفار لمن فى النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم ، وقد صرتم معنا فى النار ..؟ قالوا : كانت لنا ذنوب ، فأخذنا بها . فسمع الله ما قالوا .. فأمر بكل من كان من أهل القبلة فى النار فأخرجوا . فقال من فى النار من الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين ..!! ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) [الآيتان 1 ، 2] . 2) التلذذ والتنعم وما يؤدى إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين . قال تعالى (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [الآية 3] . وعن بعض الصالحين : التمرغ فى الدنيا من آخلاق الهالكين . 3) أن حفظ القرآن من التحريف والتبديل هو من الله تعالى ، وليس منا . وهذا هو السر فى دخول التحريف ساحة الكتاب المقدسة السابقة ، وحمايتة ساحة القرآن منه . (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الآية 9] . 4) أن آيات القدرة لا تنفع مهما بلغت فى الظهور عندا فقال الله تعالى للقلوب عن الاهتداء بها . 4) يقول تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) [الآيتان 14 ، 15] . 5) أن الأخوة فى لله تعالى ، تقوم على : المجاهدة فى صفاء القلوب ، ونقاء الصدور من كل غل وحقود وعداوة . (ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخواناً 00) [الآية 47] . قال ابن عباس : أول ما يدخل أهل الجنة الجنة : تعرض لهم عينان ، فيشربون من إحدى العينين ، فيذهب الله ما فى قلوبهم من غل ، ثم يدخلون العين الأخرى ، فيغتسلون ، فتشرق ألوانهم ، وتصفوا وجوههم ، وتجرى عليهم نضرة النعيم. ومن هذا النص نستفيد أن انعدام هذا الغل يكون فى الدار الآخرة . ومعنى هذا : أنه كان يوجد هذا الغل أو بعضه فى الدنيا بينهم بحكم بشريتهم . ومن هنا نفهم : أن الإسلام لا يحاول تغيير طبيعة البشر فى هذه الأرض ، ولا تحويلهم خلق آخر ، إنما يقر بشريتهم ويعالجهم ، ويعمل على تخفيف حدة هذه النوازع البشرية ، وتتسامى بهذه الطبيعة وصفاتها ؛ لتنصرف إلى الحب فى الله والكره فى الله . وهل الإيمان – كما يقول سيد قطب – إلا الحب والبغض 00 ؟ ولكنهم فى الجنة – فقد وصلت بشريتهم إلى منتهى رقيها ، وأدت – كذلك – دورها فى الحياة الدنيا – ينزع الله أصل الإحساس بالغل من صدورهم ، ولا تكون إلا الأخوة الصافية الودود . إنها درجة أهل الجنة : فمن وجدها فى نفسه غالبة فى هذه الأرض ، فليستبشر بأنه من أهلها ، ما دام ذلك وهو ومؤمن ، إذ هو شرط لا نقوم بغيره الأعمال(6) . 6) وجوب العبادة والتسبيح عند المكاره . يقول تعالى لحبيبه القدوة صلى الله عليه وسلم : (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [الآيات 97 – 99]. 7) فى قوله تعالى (لعَمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون) [الآية 72] . قال ابن القيم : فى (أقسام القرآن) : أكثر المفسدين من السلف والخلف بل لا يعرف السلف فيه نزاعاً – أن هذا ، يعنى قوله تعالى (لعمرك) قسم نم الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته . وهذه ميزة لا تعرف لغيره . ولم يوفق الزمشخرىّ لذلك . فصرف القسم إنه بحياة لوط . وإنه من قول الملائكة . فقال : هو على إرادة القول . أى قالت الملائكة للوط عليه السلام : (لعمرك ...) الآية وليس فى اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على أن ما فهمه السلف أطيب ، ولا أهل التعطيل والاعتزال. قال ابن عباس رضى الله عنهما : (لعمرك) أى حياتك . قال : وما أقسم الله تعالى بحياة نبىّ غيره . والعَمر والعُمر واحد . إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف ، لكثرة دور الحلف على ألسنتهم . وأيضاً فإن العمر حياة مخصومة . فهو عمر شريف عظيم أهلّ أن يقسم به ، لمزيته على كل عمر من أعمار بنى آدم . ولا ريب أن عمره وحياته من أعظم النعم والآيات . فهو أهل أن يقسم به . والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات . 8) فى قوله تعالى (إن فى ذلك لآيات للمتوسمين) [الآية 75] , قال السيوطىّ فى (الإكليل) : هذه الآية أصل فى الفراسة . أخرج الترمذىّ من حديث أبى سعيد مرفوعاً(15) : (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ثم قرأ هذه الآية : وقد كان بعض قضاة المالكية يحكم بالفراسة فى الأحكام ، جرياً على طريق إياس بن معاوية . انتهى . وقد أجاد الكلام فى الفراسة ، الراغب الأصفهانىّ فى كتاب (الذريعة) حيث قال فى الباب السابع : وأما الفراسة ، فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله ، على أخلاقه وفضائله ورذائله . وربما يقال : هى صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله . وقد نبه الله تعالى على صدقها بقوله(2) (إن فى ذلك لآيات للمتوسمين) [الحجر : 75] ، وقوله (تعرفهم بسيماهم) [البقرة : 273] ، وقوله (ولتعرفنهم فى لحن القول) [محمد : 30] ولفظها من قولهم (فرس السبع الشاه) فكأن الفراسة اختلاس المعارف . وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه ، وذلك ضرب من الإلهام ، بل ضرب من الونحى . وإياه عنى النبىّ صلى الله عليه وسلم بقوله (15) (المؤمن ينظر بنور الله) وهو الذى يسمى صاحبه المروّع والمحدّث . وقال عليه الصلاة والسلام(16) (إن يكن فى هذه الأمة محدّث ، فهو عمر) . وقيل فى قوله تعالى : (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب) [الشورى : 51] : إنما كان وحياً بإلقائه فى الروع ، وذلك للأنبياء كما قال عز وجل : (نزل به الروح الأمين * على قلبك) وقد يكون بإليهام فى حال اليقظة وقد يكون فى حال المنام . ولأجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)(17) . والضرب الثانى من الفراسة يكون بضاعة متعلمة وهى معرفة ما بين الألوان والأشكال ، وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية . ومن عرف ذلك كان ذاقهم ثاقب الفراسة . وقد عمل فى ذلك كتب . من تتبع الصحيح منها ، اطّلع على صدق ما ضمنوه . والفراسة ضرب من الظن . وسئل بعض محصلة الصوفية عن الفرق بينهما فقال : الظن يتقلب القلب ، والفراسة بنور الرب . ومن قوى فيه نور الروح المذكور فى قوله تعالى : (ونفخت فيه من روحى) [الحجر 29 ، ص 72] كان ممن وصفه بقوله(6) (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) [17] وكان ذلك النور شاهداً ، أصاب فيما حكم به . ومن الفراسة قوله عليه الصلاة والسلام(18) فى المتلاعنين (إن أمرهما بيّن ، لولا حكم الله) . ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث - أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/36 الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/272 القاسمى .. محاسن التأويل (س : 15) الفيروزابادى .. 2- بصائر ذوى التمييز 1/272 القاسمى .. 3- محاسن التأويل (س : 15) 4- الصابونى .. النبوة والأنبياء ص 23. 5- أنظر :مكى بن أبى طالب.. التبصرة ص 238 السخاوى .. جمال القراء 1/2.5 الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/272 .. نثر المرجان 3/377 الآلوس .. روح المعانى (س : 15) 6- سيد قطب .. فى ظلال القرآن (س : 15) 7- أنظر : الآلوس .. روح المعانى (س رقم 15) المراغى .. تفسير المراغى ( " " " ) 8- الآلوس .. روح المعانى (س رقم 15) 9- المراغى .. تفسير المراغى ( " " " ) 10- الصابونى .. إيجاز البيان ص 61 11- سعيد حوى .. الأساس فى التفسير 6/2860 وما بعدها 12- ابن جرير الطبرى.. جامع البيان (س : 15) المراغى .. تفسير المراغى (س : 15) 13- الفخر الرازى .. التفسير الكبير (س : 15) 14- القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (س : 15) 15- الترمذى..ك التفسير ، سورة الحجر ، باب حدثنا محمد بن إسماعيل 16- البخارى .. ك فضائل القرآن ، باب مناقب عمر بن الخطاب . 17- البخارى .. ك التعبير ، باب رؤيا الصالحين . 18- أنظر البخارى .. ك الطلاق ، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم "لو كنت راحماً بغير بينة.." عن ابن عباس . فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الأربعاء، 23 نوفمبر 2011
مفاتيح سورة الحجر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق