إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة الحجر

مفاتيح سورة الحجر
أولاً:اسم السورة
تسمى هذه السورة "الحجر"(1) وذلك : لاشتمالها على قصتهم(2) ، ولفتا لأنظار أولى التبصر والابتصار ، بمصارع أهل هذا المكان ، ما جرى منهم ، ولهم .
{ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين * وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين * وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين * فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} [الآيات 80-84] .


وذلك : دال على مؤاخذتهم لمجرد تكذيب الرسل الإعراض عن آيات الله بأدنى وجوه المؤاخذه مع غاية تحصنهم .



ففيه : غاية تعظيم الرسل والآيات(3) .



وآثار مدائن هؤلاء القوم التى تعرف بـ "مدائن صالح ظاهر حتى الآن"(4).

يقول المسعودى : وحجر ثمود فى الجنوب الشرقى من أرض مدين وهى وعاقبة الخليج العقبة .
هذا ..
والحجر : اسم مكان .
وهناك من السور ما يسمى بأسماء الأماكن غير هذه السورة ومن ذلك ما يلى :
سورة الكهف .
سورة الأحقاف .



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

آياتها : (99) تسع وتسعون آية .
كلماتها : (654) ستمائة وأربع وخمسون كلمة.
حروفها : (2760) ألفان وسبعمائة وستون حرفاً .



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

1- فى المصحف .. بعد : سورة "إبراهيم" ، وقبل : سورة "النحل" .
2- فى النزول .. بعد : سورة "يوسف" ، وقبل : سورة "الأنعام" .



رابعاً : سبب نزول السورة

يقول الشهيد سيد قطب : نزلت هذه السورة – المكية بجملتها – بعد سورة يوسف ، فى الفترة الحرجة ، ما بين "عام الحزن" وعام الهجرة .
أى : فى تلك الفترة تحدثنا عن طبيعتها ، وملابساتها ، ومعالمها من قبل فى تقديم سورة يونس وتقديم سورة هود ، وتقديم سورة يوسف ، بما فيه الكفاية.
وفى هذه الفترة : كانت حركة الدعوة ، تكاد تكون قد تجمدت بسبب موقف قريش العنيد منها ومن النبى صلى الله عليه وسلم ، والعصبة المؤمنة معه، حيث اجترأت قريش على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بما لم تكن تجترئ عليه فى حياة أبى طالب ، واشتد استهزاؤها بدعوته ، كما اشتد ايذاؤها لصحابته.
ولذلك : نرى القرآن الكريم جاء فى هذه الفترة ، يهدد المشركين المكذبين ويتوعدهم ، ويعرض علهيم مصارع المكذبين الغابرين ومصائرهم ، ويكشف رسول صلى الله عليه وسلم ، عن علة تكذيبهم وعنادهم ، وهى لا تتعلق به ولا بالحق الذى معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذى لا تجرى معه الآيات البينات ، ومن ثم يسلى الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ويواسيه ، ويوجهه إلى الإصرار على الحق الذى معه والصدع به بقوة فى مواجهة الشرك وأهله ، والصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة ووحشة العزلة وطول الطريق .
ولذلك نزلت سورة الحجر فى هذا الجو ، ولتحقيق هذا الغرض .



خامساً : مكية السورة و مدنيتها





سادساً : فضل السورة





سابعاً : صلة السورة بما قبلها

التناسب بين هذه السورة وما قبلها : شديد الوضوح ، بارز القوة .
وذلك واضح فى جو النزول وظروفه وملابساته التى تشترك فيه مجموعة هذه السور ، التى نزلت معها فى فترة واحدة .
ومن جهة ثانية : نجده شديد الوضوح فى مجموعة السور المكية قبلها ، والمبدوءة بحروف التهجى .


إذ نجد أن هذه السورة تبدأ بالحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن، وتنتهى كذلك بالحديث عنهما ، وما بين البدء والخاتمة حديث عن أصول العقيدة وموقف المكذبين وبيان مصيرهم إلى غير ذلك مما فيه تثبيت للنبى صلى الله عليه وسلم وموازرة للمؤمنين معه .

وهذه السورة كذلك .


ومن جهة ثالثة : فإن التناسب بينها وبين سورة إبراهيم واضح جداً فى النقاط التالية .



1) إذا كانت سورة إبراهيم قد بدأت بـ (الر) 00 !! فإن سورة الحجر بدايتها كذلك بـ (الر) .

2) إذا كانت سورة إبراهيم تحدثت عن بعض أحوال الكفار يوم القيامة 00 ثم بينت أنهم يودون – هناك – لو كانوا مسلمين فى قوله تعالى { .. يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [الآية 44] .
فإن سورة الحجر – كذلك – تحدثت عنهم مبينة – أيضاً – أنهم يودون – هناك – لو كانوا مسلمين(7) ، فى قوله تعالى {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}[الآية 2] .
3) إذا كانت سورة إبراهيم : ذكرت بعضاً مما يلاقيه الكفار فى الآخرة ، فى مثل قوله تعالى {وترى المجرمين يومئذ مقرنين فى الأصفاد * سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار} [الآيتان 49 ، 50] .
فإن سورة الحجر ذكرت بعضاً مما لاقاه الكفار فى الدنيا(8) ، فى مثل قوله تعالى {فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} [الآيتان 73 ، 74] .
4) إذا كان تعالى فى سورة إبراهيم ذكر أن من نعمه تعالى خلق السماوات والأرض وما فيهن ، بقوله {الله الذى خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار *
وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار *
وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار} [الآيات 32-34] .


فإن تعالى فى سورة الحجر(1) : بين بعضاً من وجوه الأنعام مما جعله تعالى فى السماوات والأرض (7) ، فى قوله تعالى {ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسى وأنبتنا فيها من كل شئ موزون * وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين * وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم * وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين} [الآيات 16-22] .



5) إذا كان تعالى قد تعرض لسيدنا إبراهيم فى سورة إبراهيم ، فى مثل قوله تعالى {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام * 00

رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم *
ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بينك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون *
ربنا إنك تعلم ما نخفى وما نعلن وما يخفى على الله من شئ فى الأرض ولا فى السماء *
الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحق إن ربى لسميع الدعاء.
رب اجعلنى مقيم الصلاة ومن ذريتى ربنا وتقبل دعاء *
ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب *}[الآيات 35-41] .
نقول : إذا كان ذلك كذلك :
فإن سورة الحجر(1) قد تعرضت لضيف سيدنا إبراهيم (9)
وذلك فى قوله تعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم * إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال إنا منكم وجلون * قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم * قال أبشرتمونى على أن مسنى الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون * قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين * إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين * إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين * فلما جاء آل لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لها لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منك أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفى فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أو لم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتى إن كنتم فاعلين * لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل * إن فى ذلك لآيات للمتوسمين }(1) [الآيات 51-75] .



ثامناً : هدف السورة

تهدف هذه السورة إلى ما تهدف إليه السور المكية بعامة 00 من ترسيخ المقاصد الأساسية لأركان الدعوة الإسلامية من تقرير الوحى والرسالة ، والبعث والجزاء ، وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله رب العالمين (10) .
ثم تهدف بصفة خاصة إلى(6)
1) مواجهة واقع الفترة التى نزلت فيها مواجهة حركية .
فهى فى الوقت الذى تثبت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم وتعينه على آلام المواجهة بما تقصه من قصص إخوانه من الرسل وتبرز مصارع مكذبيهم .
تعرض مكذبى هذه الفترة ، شريطاً متكاملاً ، وصورة حية ، مما حدث لأمثالهم ، وسوف يحدث لهم إذا استمروا على عنادهم وتكذيبهم .
وعلى المؤمنين : فتثبتهم .
2) توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المؤمنة معه ، توجيهاً وافياً مباشراً .
فبينما يخبره عن هؤلاء المكذبين بما يريح خاطره ، ويذهب عنه ما يجد من معاناة 0 !!
فى مثل قوله تعالى: {ربما يود الذين كذبوا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون}(11) [الآيات 2 ، 3] .
وفى مثل قوله تعالى {إنا كفيناك المستهزئين} [الآية 95] .
نجدها فى ذات الوقت : توجهه حركياً خلال هذه المواجهة .
فنجد من النواهى الحركية .
{لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم} [الآية 88] .

ونجد من الأوامر الحركية

{.. وأعرض عن المشركين} [الآية 94] .
{.. واخفض جناحك للمؤمنين} [الآية 88] .
{وقل إنى أنا النذير المبين}(4) [الآية 89] .
{فاصدع بما تؤمر} [الآية 94] .
{فسبح بحمد ربك}(23) [الآية 98] .
{وكن من الساجدين} [الآية 98] .
{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الآية 99] .


3) مجاهدة المكذبين

وذلك فى الرد عليهم حينما طلبوا الآيات
بمثل قوله تعالى {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين} [الآية 8] .
وبمثل قوله تعالى {ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} [الآيتان 14 ، 15] .
وكذلك بتهديدهم .
فى مثل قوله تعالى {وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} [الآيتان 43 ، 44] .
وفى مثل قوله تعالى {فوربك لنسألنهم أجمعين * عما كانوا يعملون} [الآيتان 92 ، 93] .
وفى مثل قوله تعالى {الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون} [الآية 96] .
وكذلك بيان مصير بعض من كانوا منهم .
فى مثل قوله تعالى بالنسبة لقوم لوط عليه السلام {فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} [الآيتان 73 ، 74] .
وفى مثل قوله تعالى بالنسبة لمصير أصحاب الحجر المكذبين {فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} [الآيتان 83 ، 84] .



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

هذه السورة تنقسم إلى (6) فقرات(11)
الفقرة الأولى : عبارة عن (15) آية
من الآية الأولى حتى نهاية الآية (15) .
وفيها : بيان موقف الكافرين من الرسالة والرسول والوحى .
الفقرة الثانية : عبارة عن (7) آيات
من الآية (16) حتى نهاية الآية (22) .
وفيها : نسف لمواقف الكافرين من أساسهاه ، بإقامة الحجة عليهم .
والفقرة الثالثة : عبارة عن (3) آيات
من الآية (23) حتى نهاية الآية (25) .
وفيها : التدليل على وجود الله من خلال ظاهرة الحياة ، والتدليل على اليوم الآخر من خلال التعريف على الله وصفاته .
الفقرة الرابعة : عبارة عن (23) آية
من الآية (26) حتى نهاية الآية (48)
وفيها : ذكر خلق الإنسان ، والتعليل لظاهرتى الهداية و الضلال بما يعرف معه سبب الكفر ، كما رسمت المجموعة طريقة الاهتداء .
الفقرة الخامسة : عبارة عن (16) آية
من الآية (49) حتى نهاية الآية (84) .
وفيها : تصحيح لمفاهيم الجهلة بجلال الله ، الذين يستبعدون أن يعذب الله أحداً ، وتقدم نماذج من القرى التى أهلكت بعد الإنذار ، وحل بها جزاؤها بعد انقضاء الأجل .
الفقرة السادسة : عبارة عن (15) آية
من الآية (85) حتى نهاية الآية (99) وهى نهاية السورة .
وفيها : تعليل لتعذيب الله وإنعامه بأنه ما خلق السموات والأرض إلا بالحق، ثم هو قد أنزل القرآن ، فكيف يترك الناس سدى ؟ وبناءً عليه : فإن على الرسول النذير أن يعمل ، وأن يعلن ، وأن يتخذ مواقف ، وأن يرد على مواقف .



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

موضوعات السورة – كذلك – بعامة : هى موضوعات السور المكية .
ثم نجد أن السورة ركزت بصفة خاصة : على بعض الموضوعات .
مثل : وصف القرآن الكريم ، إعراض المشركين واستهزائهم ، وإقامة الأدلة على وجود الله ووحدانيته بما يرونه من الآيات فى خلق السماوات والأرض والإنسان ، ثم بيان حالى أهل الجنة ، وأهل النار يوم القيامة ، ثم قصص بعض الأنبياء ...إلخ .
وتأخذ السورة فى توضيح هذه الموضوعات فى :
مقاطع خمسة :
الأول : بيان سنة الله التى لا تتخلف فى الرسالة والإيمان بها أو التكذيب [وذلك فى الآيات من 2 – 15] .
بدءاً بذلك الإنذار الضمنى فى قوله تعالى (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) [الآيتان 2 ، 3] .
وانتهاءً بكشف عنادهم ، فى قوله تعالى (ولقد أرسلنا من قبلك فى شيع الأولين * وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤن * كذلك نسلكه فى قلوب المجرمين * لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين) [الآيات 10 – 13] .
الثانى : بعض آيات الله فى الكون 00 المقدرة بحكمته ، والمنزلة بقدره وقدرته [وذلك فى الآيات من 16 – 22] .
بدءاً بقوله تعالى (ولقد جعلنا فى السماء بروجاً وزيناها للناظرين ..) [الآية 16] .
وانتهاءً بقوله تعالى (وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) [الآية 25] .
الثالث : عرض قصة البشرية ، وأهل الهدى والغواية فى تركيبها وأسبابها الأصيلة ، مصير الغاوين فى النهاية والمهتدين .
وذلك : فى قصة آدم .. الخ [وذلك فى الآيات من 26 – 50] .
بدءاً من قوله تعالى (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) [الآية 6] .
وانتهاءً بقوله تعالى (نبئ عبادى أنى أنا الغفور الرحيم * وأنا عذابى هو العذاب الأليم) [الآيتان 49 ، 50] .
الرابع : فى مصارع الغابرين [وذلك فى الآيات من 51 – 84] .
بدءاً من قوله تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم).
وانتهاءً بقوله تعالى (فأخذتهم الصيحة مصبحين * فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون) [الآيتان 83 ، 84] .
الخامس : يكشف عن الحق الكامن فى خلق السماوات والأرض المتلبس بالساعة وما بعدها من ثواب وعقاب ، المفصل بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم .
بدءاً من قوله تعالى (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل) [الآية 85] .
وانتهاءً بانتهاء السورة (واعبد ربك حتى يأتيك لليقين) [الآية 99] .



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

) وصف القرآن الكريم .
2) الإعراض عن المشركين حتى يحل بهم ريب المنون .
3) استهزاء المشركين وإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم لما يرونه من الآيات .
4) إقامة الأدلة على وجود الله بما يرونه من الآيات فى خلق السماوات والأرض وفى خلق الإنسان .
5) عصيان إبليس أمر ربه فى السجود لآدم وذكر الحوار بينهم وبين ربه ، وطلبه الإنظار إلى يوم الدين .
6) بيان حالى أهل الجنة وأهل النار يوم القيامة .
7) قصص بعض الأنبياء وذكر ما أهلك الله به كل أمة من الأمم المكذبة لرسلها .
8) بيان أن الحكمة فى خلق السموات والأرض هى عبادة الله وحده وإقامة العدل والنظام فى المجتمع .
9) ذكر ما أنعم الله به على نبيه من السبع المثانى والقرآن العظيم .
10)نهى نبيه والمؤمنين عن تمنى زخرف الدنيا وزينتها .
11)أمره صلى الله عليه وسلم بخفض الجناح والرفق بمن اتبعه من المؤمنين .
12)الأمر بالدعوة للدين جهراً والصدع بها وعدم المبالاة بالمشركين .
13)أمره صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والعبادة إذا ضاق صدره باستهزاء المشركين والطعن فيه وفى كتابه الكريم .

عاشراً : بعض ما يستفاد من السورة

إن كل آية فى السورة الكريمة لها أهميتها ، وكل كلمة لها معناها ومغراها، وكل حرف له دلالته .
وفى كل من الفائدة والخير ما فيه :
وإذا كنا لا نستطيع الإحاطة – هنا – بكل فوائد السورة 00 !!
فإننا نحاول – فقط – التعرض لبعض هذه الفوائد ، راجين من الله تعالى الإعانة على حسن الاستفادة بها ، وسرعة العمل بموجبها .
ومن هذه الفوائد :
1) عطف الله تعالى على المؤمنين .
فعن أبى موسى(12) ، قال : بلغنا أنه إذا كان يوم القيامة ، واجتمع أهل النار فى النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة .
قال الكفار لمن فى النار من أهل القبلة : ألستم مسلمين ؟
قالوا : بلى .
قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم ، وقد صرتم معنا فى النار ..؟
قالوا : كانت لنا ذنوب ، فأخذنا بها .
فسمع الله ما قالوا ..
فأمر بكل من كان من أهل القبلة فى النار فأخرجوا .
فقال من فى النار من الكفار : يا ليتنا كنا مسلمين ..!!
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) [الآيتان 1 ، 2] .
2) التلذذ والتنعم وما يؤدى إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين .
قال تعالى (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون [الآية 3] .
وعن بعض الصالحين : التمرغ فى الدنيا من آخلاق الهالكين .
3) أن حفظ القرآن من التحريف والتبديل هو من الله تعالى ، وليس منا .
وهذا هو السر فى دخول التحريف ساحة الكتاب المقدسة السابقة ، وحمايتة ساحة القرآن منه .
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الآية 9] .
4) أن آيات القدرة لا تنفع مهما بلغت فى الظهور عندا فقال الله تعالى للقلوب عن الاهتداء بها .
4) يقول تعالى (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) [الآيتان 14 ، 15] .
5) أن الأخوة فى لله تعالى ، تقوم على : المجاهدة فى صفاء القلوب ، ونقاء الصدور من كل غل وحقود وعداوة .
(ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخواناً 00) [الآية 47] .
قال ابن عباس : أول ما يدخل أهل الجنة الجنة : تعرض لهم عينان ، فيشربون من إحدى العينين ، فيذهب الله ما فى قلوبهم من غل ، ثم يدخلون العين الأخرى ، فيغتسلون ، فتشرق ألوانهم ، وتصفوا وجوههم ، وتجرى عليهم نضرة النعيم.
ومن هذا النص نستفيد أن انعدام هذا الغل يكون فى الدار الآخرة .
ومعنى هذا : أنه كان يوجد هذا الغل أو بعضه فى الدنيا بينهم بحكم بشريتهم .
ومن هنا نفهم : أن الإسلام لا يحاول تغيير طبيعة البشر فى هذه الأرض ، ولا تحويلهم خلق آخر ، إنما يقر بشريتهم ويعالجهم ، ويعمل على تخفيف حدة هذه النوازع البشرية ، وتتسامى بهذه الطبيعة وصفاتها ؛ لتنصرف إلى الحب فى الله والكره فى الله .
وهل الإيمان – كما يقول سيد قطب – إلا الحب والبغض 00 ؟
ولكنهم فى الجنة – فقد وصلت بشريتهم إلى منتهى رقيها ، وأدت – كذلك – دورها فى الحياة الدنيا – ينزع الله أصل الإحساس بالغل من صدورهم ، ولا تكون إلا الأخوة الصافية الودود .
إنها درجة أهل الجنة : فمن وجدها فى نفسه غالبة فى هذه الأرض ، فليستبشر بأنه من أهلها ، ما دام ذلك وهو ومؤمن ، إذ هو شرط لا نقوم بغيره الأعمال(6) .
6) وجوب العبادة والتسبيح عند المكاره .
يقول تعالى لحبيبه القدوة صلى الله عليه وسلم : (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) [الآيات 97 – 99].
7) فى قوله تعالى (لعَمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون) [الآية 72] .
قال ابن القيم : فى (أقسام القرآن) : أكثر المفسدين من السلف والخلف بل لا يعرف السلف فيه نزاعاً – أن هذا ، يعنى قوله تعالى (لعمرك) قسم نم الله بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته . وهذه ميزة لا تعرف لغيره .
ولم يوفق الزمشخرىّ لذلك . فصرف القسم إنه بحياة لوط . وإنه من قول الملائكة .
فقال : هو على إرادة القول . أى قالت الملائكة للوط عليه السلام : (لعمرك ...) الآية وليس فى اللفظ ما يدل على واحد من الأمرين بل ظاهر اللفظ وسياقه إنما يدل على أن ما فهمه السلف أطيب ، ولا أهل التعطيل والاعتزال.
قال ابن عباس رضى الله عنهما : (لعمرك) أى حياتك . قال : وما أقسم الله تعالى بحياة نبىّ غيره . والعَمر والعُمر واحد . إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإثبات الأخف ، لكثرة دور الحلف على ألسنتهم . وأيضاً فإن العمر حياة مخصومة . فهو عمر شريف عظيم أهلّ أن يقسم به ، لمزيته على كل عمر من أعمار بنى آدم . ولا ريب أن عمره وحياته من أعظم النعم والآيات . فهو أهل أن يقسم به . والقسم به أولى من القسم بغيره من المخلوقات .
8) فى قوله تعالى (إن فى ذلك لآيات للمتوسمين) [الآية 75] ,
قال السيوطىّ فى (الإكليل) : هذه الآية أصل فى الفراسة . أخرج الترمذىّ من حديث أبى سعيد مرفوعاً(15) : (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) ثم قرأ هذه الآية : وقد كان بعض قضاة المالكية يحكم بالفراسة فى الأحكام ، جرياً على طريق إياس بن معاوية . انتهى .
وقد أجاد الكلام فى الفراسة ، الراغب الأصفهانىّ فى كتاب (الذريعة) حيث قال فى الباب السابع : وأما الفراسة ، فالاستدلال بهيئة الإنسان وأشكاله وألوانه وأقواله ، على أخلاقه وفضائله ورذائله .
وربما يقال : هى صناعة صيادة لمعرفة أخلاق الإنسان وأحواله . وقد نبه الله تعالى على صدقها بقوله(2) (إن فى ذلك لآيات للمتوسمين) [الحجر : 75] ، وقوله (تعرفهم بسيماهم) [البقرة : 273] ، وقوله (ولتعرفنهم فى لحن القول) [محمد : 30] ولفظها من قولهم (فرس السبع الشاه) فكأن الفراسة اختلاس المعارف . وذلك ضربان : ضرب يحصل للإنسان عن خاطر لا يعرف سببه ، وذلك ضرب من الإلهام ، بل ضرب من الونحى . وإياه عنى النبىّ صلى الله عليه وسلم بقوله (15) (المؤمن ينظر بنور الله) وهو الذى يسمى صاحبه المروّع والمحدّث . وقال عليه الصلاة والسلام(16) (إن يكن فى هذه الأمة محدّث ، فهو عمر) .
وقيل فى قوله تعالى : (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب) [الشورى : 51] : إنما كان وحياً بإلقائه فى الروع ، وذلك للأنبياء كما قال عز وجل : (نزل به الروح الأمين * على قلبك) وقد يكون بإليهام فى حال اليقظة وقد يكون فى حال المنام . ولأجل ذلك قال عليه الصلاة والسلام (الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)(17) .
والضرب الثانى من الفراسة يكون بضاعة متعلمة وهى معرفة ما بين الألوان والأشكال ، وما بين الأمزجة والأخلاق والأفعال الطبيعية . ومن عرف ذلك كان ذاقهم ثاقب الفراسة . وقد عمل فى ذلك كتب . من تتبع الصحيح منها ، اطّلع على صدق ما ضمنوه . والفراسة ضرب من الظن . وسئل بعض محصلة الصوفية عن الفرق بينهما فقال : الظن يتقلب القلب ، والفراسة بنور الرب . ومن قوى فيه نور الروح المذكور فى قوله تعالى : (ونفخت فيه من روحى) [الحجر 29 ، ص 72] كان ممن وصفه بقوله(6) (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) [17] وكان ذلك النور شاهداً ، أصاب فيما حكم به . ومن الفراسة قوله عليه الصلاة والسلام(18) فى المتلاعنين (إن أمرهما بيّن ، لولا حكم الله) .



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/36
الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/272
القاسمى .. محاسن التأويل (س : 15)
الفيروزابادى ..
2- بصائر ذوى التمييز 1/272
القاسمى ..
3- محاسن التأويل (س : 15)
4- الصابونى .. النبوة والأنبياء ص 23.
5- أنظر :مكى بن أبى طالب.. التبصرة ص 238
السخاوى .. جمال القراء 1/2.5
الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/272
.. نثر المرجان 3/377
الآلوس .. روح المعانى (س : 15)
6- سيد قطب .. فى ظلال القرآن (س : 15)
7- أنظر : الآلوس .. روح المعانى (س رقم 15)
المراغى .. تفسير المراغى ( " " " )
8- الآلوس .. روح المعانى (س رقم 15)
9- المراغى .. تفسير المراغى ( " " " )
10- الصابونى .. إيجاز البيان ص 61
11- سعيد حوى .. الأساس فى التفسير 6/2860 وما بعدها
12- ابن جرير الطبرى.. جامع البيان (س : 15)
المراغى .. تفسير المراغى (س : 15)
13- الفخر الرازى .. التفسير الكبير (س : 15)
14- القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (س : 15)
15- الترمذى..ك التفسير ، سورة الحجر ، باب حدثنا محمد بن إسماعيل
16- البخارى .. ك فضائل القرآن ، باب مناقب عمر بن الخطاب .
17- البخارى .. ك التعبير ، باب رؤيا الصالحين .
18- أنظر البخارى .. ك الطلاق ، باب قول النبى صلى الله عليه وسلم "لو كنت راحماً بغير بينة.." عن ابن عباس .



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .