إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الأربعاء، 23 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة البقرة

مفاتيح سورة البقرة
أولاً:اسم السورة


لسورة البقرة أكثر من اسم فهي تسمي:

1ــ سورة البقرة
وذلك:لورود قصة بقرة بني إسرائيل وما احتوت عليه من الدلالات فيها وحدها دون غيرها من باقي السور في الآيات من قوله تعالي (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)[البقرة: من الآية67]

إلي قوله تعالي ( كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(البقرة: من الآية73)

هذا وقد ورد ما يدل علي كراهة أن يقول القائل : سورة البقرة ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذا القرآن كله .

ولكن يقال : السوره التي تذكر فيها البقرة, والسورة التي يذكر فيها آل عمران , وهكذا في جميع القرآن

ويحتج أصحاب هذا القول بأحاديث لا تنهض لهم

وروي عن جماعه من الصحابة خلاف ذلك :بما يفيد جواز أن يقول القائل : سورة البقرة ........ الخ (2)

وأجاز الجمهور من العلماء أن يقال سورة البقرة من غير كراهة .

ويحاول صاحب روح المعاني الجمع بين القولين بقوله: (( ويمكن أن نوفق, بأنه كان مكروهاً في بدء الإسلام, للاستهزاء الكفار, ثم بعد سطوع نوره نسخ النهي عنه, فشاع من غير نكير.(3)

2ــ فسطاط القرآن(4)

وذلك: لعظمها, وبهائها, وكثرة أحكامها, ومواعظها حتي قال بعض العلماء: إن فيها ألف أمر, وألف نهي, وألف خبر, وفيها خمسة عشر مثلاً(3), ويذكر صاحب تفسيرالمنار من الأحوال والقواعد الشرعية العامة فيها ثلاثة وثلاثين قاعدة.(5)

3ــ سنام القرآن (6)

لما رواه الدرامي عن عبد الله قال: (( إن لكل شيء سناما وإن سنام القرآن سورة البقرة )) (7).....وسنام كل شيء أعلاه .

4ــ الزهراء (6)

لما روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم(( أقرأوا القرآن , فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابة أقرأوا,الزهراوين: البقرة وآل عمران...)) (8)

وقد سميتا:الزهراوين لنورهما, وهدايتهما, وعظيم أجرهما.

5ــ سورة الكرسي(9)

لإشتمالها علي آية الكرسي,التي هي أعظم آيات القرآن الكريم.(9)

ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها


أــ عدد آياتها: (286) مائتان وست وثمانون.

ب ــ عدد كلماتها: (6121) ست آلاف و مائة وإحدى عشر كلمة .

جـ ــ حروفها : (25500) خمسة عشر ألفا وخمسمائة حرف .

وينبغي أن نلاحظ جيداً: اننا نذكر عدد آيات السورة حسب ما أتفقت عليه المصاحف العثمانية, وقال بذلك العلماء, أما إذا كان ثمت خلاف في ذلك: فنذكر فقط العدد كما هو في الكوفي,أو عند علماء الكوفة , وذلك : لأنه الأصح, حيث إن إسناده متصل بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه, كما صرح بذلك مجد الدين الفيروز بادي في كتابة النفيس "بصائر ذوي التمييزفي لطائف الكتاب العزيز " (11)

ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول


أــ في النزول.

بعد سورة "الناس".....وقبل سورة"الأنفال"

ب ــ في المصحف.

بعد سورة "الفاتحة".....وقبل سورة "آل عمران"

رابعاً : سبب نزول السورة


عن مجاهد:أربع آيات من أول هذه السورة... نزلت في المؤمنين.
وآيتان بعدها نزلت في الكافرين
وثلاث عشرة بعدهانزلت في المنافقين (1)

وهكذا...آيات , آيات
ولكن ليس للسورة جميعها سبب نزول.

خامساً : مكية السورة و مدنيتها


هذه السورة: أول سورة نزلت بالمدينة
ولذلك : فهي مدنية : بلا خلاف.
وقالوا: (13 )

هي أطول سورة في القرآن.

وفيها أطول آية في القرآن, وهي آية الدين.

وفيها أعظم آية في القرآن, وهي آية الكرسي.

وفيها أخر آية نزلت في القرآن, وهي{ وأتقوا يوما ترجعون فيه إلي الله...} [ البقرة 281].

سادساً : فضل السورة


روي أئمة الحديث في فضائل هذه السورة أحاديث كثيرة وأثاراعن الصحابة وفيرة .

منها:ما هو خاص بآية الكرسي.

ومنها:ما هو خاص بخواتم هذه السورة.

ومنها:ما هو في فضلها وفضل سورة آل عمران.

ومنها:ما هو خاص بها.

وسوف نتعرض هنا فقط إلي ما ورد خاصاً بها وحدها خشية التطويل.

فمن ذلك :

أــ ما أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر, وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان )(14)

ب ــ وأخرج الترمذي أيضاً عن أبي هريرة قال: ( بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم بعثاً وهم ذو عدد , فأستقرأهم,فأستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن, فأتي علي رجل منهم, من أحدثهم سنا, فقال ما معك يا فلان ؟ قال معي كذا وكذا وسورة البقرة, قال: أمعك سورة البقرة ؟ فقال: نعم, قال:
فاذهب فأنت أميرهم )

ج ــ وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والدرامي ومحمد بن نصر والحاكم وصححه عن بريدة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( تعلموا سورة البقرة , فإن أخذها بركة , وتركها حسرة , ولا يستطيعها البطلة ) (15).... أي السحرة.

وأخرج الدارمي عن عبد الرحمن بن الأسود قال : من قرأ سورة البقرة توج بها تاجا في الجنة . (15)
ولفضلها: تعلمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشر سنة , وابنه عبد الله في ثماني سنين.

سابعاً : صلة السورة بما قبلها


قال الأمام الآلوسي في روح المعاني:ووجه مناسبتها لسورة الفاتحة:
أــ أن الفاتحة مشتملة علي بيان الربوبية أولا ًو العبودية ثانياً, وطلب الهداية في المقاصد الدينية والطالب اليقينية ثالثاً.
وكذا سورة البقرة: مشتملة على معرفة الرب أولاً كما في(يؤمنون بالغيب) وأمثاله, وعلي العبادات وما يتعلق بها ثانياً .
وعلي طلب ما يحتاج إليه في العاجل والآجل آخراً.

ب- وأيضاً في آخر الفاتحه طلب الهدايه وفي أول البقره : إيماء إلي ذلك بقوله ( هدي للمتقين ) [ البقرة : 2 ]
ولما افتتح سبحانه الفاتحه بالأمر الظاهر وكان وراء كل ظاهر باطن افتتح هذه السورة بما بطن سره وخفي إلا علي من شاء الله تعالي وقال (بسم الله الرحمن الرحيم *آلم ) (3)

ج_ وروي صاحب تفسيرالمنار:
أنه لا حاجه إلي بيان التناسب بينها وبين الفاتحه .
وإن كان التناسب ظاهرا :فإنها لم توضع لأجله وإنما وضعت في أول القرآن بعد فاتحته ( التي كانت فاتحته بما لها من الخصائص المعروفه ) لأنها أطول سوره وتليها بقية السبع الطوال.0(5)

ثامناً : هدف السورة


وتهدف سورة البقرة إلى :

إثبات سمو هذا الدين علي ما سبقه, وعلو هديه, وأصول تطهيره للنفوس, خلال دعوته العامة للإسلام .
ويحقق الوصول لهذا الهدف : الآيات من صدر السورة إلي الآية رقم 142أي نصف السورة تقريباً.
وطابع هذا القسم (18) .

أنه خطاب عام لجميع الناس.
فقد بدأت السورة بالكلام علي القرآن , وأثره ، ثم بيان موقف الناس منه, فمنهم المؤمن المسالم , والكافر المجاهر, والمنافق المخادع .
ثم اتجهت لخطاب أمة الدعوة ــ الناس جميعاًــ حيث دعاهم الله تعالي إلى الإيمان الصحيح, مبيناً لهم :إعجاز القرآن , وصدق الرسول .
ثم...ثم التفت إلى بني إسرائيل ـ الطبقة الواعية في المجتمع المدني ـ فدعاهم إلى ما فيه خيرهم ، وذكرهم بنعم الله عليهم ، وحذرهم من نقمته ، وبين لهم: قبائحهم ، وسيئات آبائهم ، وأطال في ذلك 0
وتعرض لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ، وإلى علاقته بالعرب ، وإلى موقفهم منه 0
وكل هذا لا يعرفه الرسول صلى الله عليه وسلم إلا عن طريق الوحي 0

2ـ تبيان شرائع هذا الدين لأتباعه ، وإصلاح مجتمعهم ، خلال خطابه لأمة الإجابة ـ المسلمين ـ بموضوع الدعوة (17)
ويحقق هذا الهدف : القسم الثاني من السورة.

وطابع هذا القسم :
أنه خطاب للمسلمين 0
وقد بدئ بالكلام على أول حادثة دينية تمس المسلمين وأهل الكتاب : وهو تحويل القبلة
ثم عالجت السورة المجتمع الإسلامي ، فذكرت الكثير من التشريعات والقوانين ، وما يجب أن يكون عليه المجتمع الأمثل المسلم 0

وكان الأساس الأول : الدعوة إلى التوحيد الخالص لله 0

وتعرضت لأحكام : القصاص ، والوصية ، والقتال ، والإنفاق في سبيل الله

كما تعرضت لبيان بعض العبادات : كالصيام والحج ، وظهرت أحكام الخمر ، ونكاح المشركات ، والعدة ، والإيلاء ، والطلاق ، والرضاع، والربا ، وأحكام التداين ، والمعاملات ، وخاصة : الرهن 0
وفي خلال ذلك : قصص ، وحكم
ثم ختمت السورة بالدعاء الإسلامي الكامل 0 (18)

تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا


تتكون سورة " البقرة " من : مقدمة ، وثلاثة أقسام ، وخاتمة (19)

ويلاحظ : أن كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة تحته مجموعات وفقرات كثيرة ، ولو تحدثنا عنها تفصيلا لطال بنا الكلام عن حدود المجال
ولذلك : سيكون حديثنا عن هذه الأقسام وما فيها إجمالا فقط 00 اعتمادا على فطنة القارئ ، وتوفيق الله لنا وله في فهم ذلك 0

فالمقدمة عبارة (20) آية 0
من الآية الأولي ... حتى نهاية الآية (20)
ذكر أقسام الناس ، حسب التقسيم الرباني الإسلامي ، وهذه الأقسام هي :
المؤمنون المتقون 0
الكافرون المعاندون 0
المنافقون 0
وتوضيح ملامح وصفات كل قسم من هؤلاء 0

والقسم الأول : عبارة عن ( 147) آية
من الآية (21) حتى نهاية الآية (167) ، وفيه :
دعوة عامة إلى الناس جميعا كي يسلكوا الطريق الموصل إلى تقوى الله تعالى ، ويتركوا كل ما ينافي ذلك 0
وذلك من خلال : مناقشة الكفر وأهله ، وتأكيد وجوب طاعة الأمر واجتناب النهي 0
وكذلك من خلال : عرض الآثار الخطيرة لمخالفة الأمر، والوقوع في النهي ، في قصة آدم عليه السلام وإبليس 0
وثالثا من خلال : عرض نماذج الانحراف في قصة بني إسرائيل 0
ورابعا من خلال : عرض نماذج الاستقامة في قصة إبراهيم عليه السلام .

والقسم الثاني : عبارة عن (40) آية 0
من الآية (168) حتى نهاية الآية (207) :
وفيه :

تأكيد قضية التقوى ، ورسم طرق التحقق بها ، على مستوى الفرد ، وعلى مستوى الأمة 0
وكذلك : توضيح مفهوم العبادة ، وقضية الصراط المستقيم ، وقضية الانحراف عنه ، واتجاهات المنحرفين 0
وثالثا : تعميق مفهوم شكر الله تعالى ، وبيان طرائق هذا الشكر 0
وخلال ذلك : يتم الكلام عن أركان الإسلام 00 الإيمان ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج 0
وبذلك : تصبح أرضية النفس والقلب والعقل جاهزة للسير في الإسلام كله ، ومهيأة لسلوك الطريق الموصل إلى التقوى 0

والقسم الثالث : عبارة عن ( 77 ) آية
من الآية (208) حتى نهاية الآية (284)
وفيه :
الدعوة إلى الدخول في الإسلام كله ، وتبيان ما يلزم لإقامة صرح هذا الدين 0
وذلك من خلال : توضيح شرائعه الكثيرة ، وتوجيهاته الرئيسة في جميع القضايا ومجالات الحياة 0
إذ يعرض الملامح الرئيسة في قضايا الحرب والسلام ، والعلاقات الاجتماعية في محيط الأسرة ، كما يعرض الملامح الرئيسة لنظام الاقتصاد في الإسلام ، وهو النظام غير الربوي ، القائم على التوجيهات الربانية ، التي تضبطه ، وتجعل المالكية فيه لله تعالى ، فلا أثرة ، ولا أنانية ، ولا بغضاء ... الخ 0

وأخيرا .. الخاتمة :
وهي عبارة عن ( آيتين ) فقط وهما : 285 ، 286
وفيها : ربط كل شئ بقضايا الإيمان ، والتوجه إلى الله ، معلمة في ذلك ، مربية عليه ، مفصلة فيه 0
حيث إن كل ما تعرضت له السورة ، وعرضته يعود إلى الإيمان والسمع والطاعة والتوبة من التقصير
وهذا هو الذي عرضته الآية الأولى في الخاتمة (285) 0
ومرجع ما مر كله : يعود إلى التكليف المستطاع للإنسان ، وأن هذا التكليف بسببه يكون الجزاء والعقاب ،
وهذا هو الذي ذكرته الآية الثانية من الخاتمة (286) 0
وهذا والذي قبله : لا يتأتى إلا بعبودية كاملة ، وتوفيق من الله ، وهذا الذي علمتنا إياه هذه الدعوات 0
(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) 0
لقد جمعت هذه الدعوات الخاتمة : كل التطلعات التي يتطلع إليها المؤمنون .
وكان ذلك ختام السورة 0

عاشراً : أبرز موضوعات السورة


عاشرا : أبرز موضوعات السورة :
وسورة البقرة تدور موضوعاتها حول محورين رئيسين :

أولهما : الدعوة العامة إلى الإسلام ، وبيان أصوله للناس أجمعين 0

وثانيهما : توضيح منهج الإسلام ونظامه ، وبيان شرائعه وأحكامه لأتباعه 0

ويندرج تحت كل محور منهما موضوعات شتى :

أما الأول فهو : الدعوة العامة للإسلام ، وهي التي تستغرق من الموضوعات الكثيرة مثل :
1ـ بيان دعوة القرآن ، وكونه حقا لا مجال فيه لشك ولا ارتياب ، وأن الناس تجاه دعوته هذه ثلاثة أقسام :
المؤمنون ـ الكافرون ـ المنافقون

2ـ دعوة الناس جميعا إلى عبادة ربهم وعدم اتخاذ الأنداد له 0

3ـ دعوة الوحي والرسالة 00 وما يستتبع ذلك من :
التحدي ، وعجز الناس أجمعين عن الإتيان بسورة من مثل هذا الكتاب0

4ـ دعوة بني إسرائيل إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه 000 وما يستتبع ذلك ويوضحه 0
وأما الثاني : وهو بيان منهج الإسلام ونظامه ، وشرائعه ، وأحكامه ، وهو القسم الذي يوجه فيه مباشرة للمسلمين ـ أمة الإجابة ـ والذي يستغرق النصف الأخير من السورة ، فيتناول من الموضوعات الكثير مثل: 1ـ ذكر ما هو مشترك بين قوم موسى وقوم محمد صلى الله عليه وسلم عليهما ، من نسب إبراهيم والاتفاق على فضله وهدايته 0

2ـ ذكر أول مسألة يختلف حولها القومان ، وهي مسألة القبلة 0

3ـ ذكر وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم كما وردت في دعوة إبراهيم عليه السلام ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) ( البقرة 151) 0

4ـ ذكر الأساس الأعظم للدين ، توحيد الألوهية ، وذلك : بتخصيص الخالق وحده بالعبودية ( وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) 000 (البقرة 163)

5ـ ذكر كليات الدين المجملة لإبطال ما كان عليه المشركون وأهل الكتاب من تحكيم الأهواء ، في التحليل والتحريم ، الذي هو حق الله تعالي وحده 0

6ـ ذكر وجوب الدعوة ، وبيان الحق على كل من آمن بالله ، عن طريق وعيد الذين يكتمون ما أنزل الله 0

7ـ ذكر أصول البر ومجامعه ، في الآية المعجزة الجامعة لكليات العقائد والآداب والأعمال ( ليس البرأن تولوا وجوهكم 000) الآية ( البقرة163)

8ـ ذكر الأحكام الشرعية الفرعية مثل : أحكام القصاص في القتلى ، وأحكام القتال ، وأمور الاجتماع وقواعده 0

9ـ ذكر العقائد العامة : من : الرسالة ، والتوحيد ، وحججه ، والبعث 0

10ـ ذكر الأحكام الفرعية العملية إلى ما قبل ختم السورة كلها بالدعاء المعروف 0

وعلى كل :
فخلاصة ما في هذه السورة من أمهات الشريعة ما يلي (21 ): ـ
(1) دعوة الناس جميعا إلى عبادة ربهم 0
(2) عدم اتخاذ أنداد له 0
(3) ذكر الوحي والرسالة ، والاستدلال على ذلك بهذا الكتاب المنزل على عبده ، وتحدي الناس كافة بالإتيان بمثله 0
(4) ذكر أس الدين وهو توحيد الله 0
(5) إباحة الأكل من جميع الطيبات 0
(6) ذكر الأحكام العملية من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وأحكام الصيام ، والحج والعمرة ، وأحكام القتال والقصاص 0
(7) الأمر بإنفاق المال في سبيل الله 0
(8) تحريم الخمر والميسر 0
(9) معاملة اليتامى ومخالطتهم في المعيشة 0
(10) أحكام الزوجية من طلاق ورضاعة وعدة 0
(11) تحريم الربا والأمر بأخذ ما بقى منه 0
(12) أحكام الَديْن من كتابة وإشهاد وشهادة وحكم النساء والرجال في ذلك 0
(13) وجوب أداء الأمانة 0
(14) تحريم كتمان الشهادة0
(15) خاتمة ذلك كله : الدعاء الذي طلب منا أن ندعوه به 0
وعلى الجملة : فقد فصلت فيها أحكام ، وضربت الأمثال ، وأقيمت الحجج ، ولم تشتمل سورة على مثل ما اشتملت عليه ، ومن ثم سميت فسطاط القرآن 0

حادى عشر : بعض الدروس المستفادة


إن سورة البقرة : سورة زاخرة بالفوائد الجليلة والمنافع العظيمة لأمة الرسالة الخاتمة ، وكذلك للناس أجمعين 0
وقد هدانا الله تعالى خلال البحث إلى مجموعة من الأصول والقواعد الشرعية العامة ، التي استنبطها صاحب تفسير" المنار " من هذه السورة (22)0
ونحن نقدمها هنا ـ نقلا منه مع اختصار يسير ـ تحت عنوان " الدروس المستفادة " على النحو التالي ، راجين من الله تعالى بها النفع العام لنا ولجميع المسلمين 0

( الفائدة الأولى) إن إتباع هدى الله المنزل على رسله وهو الدين موجب للسعادة بأن أصحابه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وهذا وعد يشمل الدنيا والآخرة لإطلاقه 0

( الفائدة الثانية ) قوله تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) [الآية 44 ] وهي صريحة في أن هذا مخالف للمنقول الشرعي وهو الكتاب ، وللمعقول الفطري ، إذ لا يخف على عاقل قبح عمل من يأمر غيره بالخير وهو يتركه ، أو ينهاه عن فعل ما يضره من الشر وهو يفعله ، وأنه يقيم بذلك الحجة على نفسه ، ولا يكون أهلا لأن يمتثل أمره ونهيه 0

( الفائدة الثالثة ) : قوله تعالى في مقام الإنكار على بني إسرائيل : (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ( البقرة 61) صريح في وجوب ترجيح الأعلى على الأدنى وإيثار الخير على الشر والإرشاد إلى طلب ما هو خير وأفضل مما يقابله ، وفي طلب المعالي والكمال في أمور الدنيا والآخرة 0 وفي معناه قوله تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) ( البقرة 130 ) 0

( الفائدة الرابعة ) قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا )[ الآية : 62) في أن أصول دين الله تعالى على ألسنة جميع رسله هذه الثلاثة : الإيمان بالله ، والإيمان باليوم الآخر وما فيه من الجزاء ، والعمل الصالح 0 ومنه ذكر في الآية 83 من ميثاق بني إسرائيل فثمرة الإيمان منوطة بالثلاثة

( الفائدة الخامسة ) أن الجزاء على الإيمان والعمل معا ، لأن الدين إيمان وعمل 0 ومن الغرور أن يظن المنتمي إلى دين نبي من الأنبياء ، أنه ينجو من الخلود في النار بمجرد الانتماء ، والشاهد عليه ما حكاه الله لنا عن بني إسرائيل من غرورهم بدينهم وما رد به عليهم حتى لا تتبع سَنَنَهُم فيه ، وهو: ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ) الآيات ( البقرة 80 ـ 82 ) وما حكاه عن اليهود والنصارى جميعا من قولهم : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ) الخ [الآيتين: 111 ، 112)
ولكننا قد اتبعنا سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع مصداقا لما ورد في الحديث الصحيح 0 وإنما نمتاز عليهم بأن المتبعين لهم بعض الأمة لا كلها0 وبحفظ نص كتابنا كله وضبط سنة نبينا في بيانه ، وبأن حجة أهل العلم والهدى منا قائمة إلى يوم القيامة

( الفائدة السادسة ) أن شرط الإيمان : الإذعان النفسي لكل ما جاء به الرسول الذي يلزمه العمل عند انتفاء المانع ، ومأخذه قوله تعالى :(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ) [الآيات: 83 ـ 86) وقوله : ( أو كلما عاهدوا عهدا ) [الآية : 100) فمن ترك بعض العمل بجهالة فهو فاسق إلى أن يتوب ؛ ومن تركه لعدم الإذعان له كان كافرا به ، والكفر بالبعض كالكفر بالكل ، وشاهد عليه قوله تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ) [البقرة 85 ]

(الفائدة السابعة ) النسخ أو الإنساء للآيات الإلهية التي يؤيد الله بها رسله كما يقتضيه سياق قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) اقرأها وما بعدها ( 106 و 107) أو للآيات التشريعية كما فهم الجمهور 0 كلاهما من رحمة الله بجعل البدل خيرا من الأصل ، أو مثله على الأقل ، وتكون الخيرية في المثل التنويع وكثرة الآيات 0

( الفائدة الثامنة ) قوله تعالى : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) [ البقرة 120 ] آية للنبي صلي الله عليه وسلم كاشفة عن حال أهل الملتين في عصره ، ولا تزال مطردة في أمته من بعده ، وقد اغتر زعماء بعض الشعوب الإسلامية فحاولوا إرضاء بعض الدول بما دون اتباع ملتهم من الكفر فلم يرضوا عنهم ، ولو اتبعوا ملتهم لاشترطوا أن يتبعوهم في فهمها وصور العمل بها ، حتى لا يبقى لهم أدنى استقلال في دينهم ولا في أنفسهم

( الفائدة التاسعة ) أن الولاية العامة الشرعية حق أهل الإيمان والعدل ، وأن الله تعالى لن يعهد بإمامة الناس وتولى أمورهم للظالمين ، فكل حاكم ظالم فهو ناقض لعهد الله تعالى، راجع قول الله تعالى في إبراهيم عليه السلام بعد ابتلائه مما ظهر به استحقاقه للإمامة : ( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [الآية 124]

( الفائدة العاشرة ) أن الإيمان الحق والاعتصام بدين الله تعالى المنزل كما أنزله يقتضي الوحدة والاتفاق ، وترك الاهتداء به يورث الاختلاف والشقاق،
وشواهده من السورة قوله تعالى : ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق ) [ الآية 137] ، وقوله : ( ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) [الآية176] ، وقوله : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) (الآية 213)

( الفائدة الحادية عشرة ) الاستعانة على النهوض بمهمات الأمور بالصبر والصلاة ، قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) [ الآية 45 ]
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) [الآية 153] وهذه قاعدة جليلة راجع تفصيلها في تفسير الآيتين وأمثالهما 0

( الفائدة الثانية عشرة ) بطلان التقليد للآباء والأجداد والمشايخ والمعلمين والرؤساء ، لأنه جهل وعصبية جاهلية ،
والشواهد عليه في هذه السورة وغيرها عديدة أظهرها هنا ما حكاه الله تعالى لنا عن تبرؤ المتبوعين من الأتباع يوم القيامة في الآيتين [ 166 ، 167] وقوله عز وجل : ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) [ البقرة 170]

( الفائدة الثالثة عشرة ) إباحة جميع طيبات المطعم الطبيعية بحسب أفرادها وإيجاب الأكل منها بحسب جنسها ، وامتناع التحريم الديني العام لما لم يحرم الله تعالى منها ، وذلك قوله تعالى : ( يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ) [ الآية 168] وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ) [الآية 172] وقوله بعدها : ( إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ) [ الآية 173] فحصر المحرمات في هذه الأربعة ، ومثله في سورة الأنعام والنحل [ في الآية 115] السور المكية ، وفي سورة المائدة المدنية تفصيل في الميتة بجعل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع منها ، إذا ماتت بذلك ولم تدرك تذكيتها [الآية 3 ]، وقيدت آية الأنعام الدم بالمسفوح 0 (الآية 145 ]

( الفائدة الرابعة عشرة ) إباحة المحرمات للمضطر إليها ، بشرط أن يكون غير باغ لها ولا عاد فيها بتجاوز قدر الضرورة أو الحاجة منها ،
وذلك قوله تعالى في تتمة الآية الأخيرة من شواهد القاعدة التي قبل هذه الفائدة التي قبل هذه : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) [البقرة 173] وليست الفائدة مقصورة على محرمات المطاعم بل عامة لكل ما يتحقق الاضطرار إليه لأجل الحياة واتقاء الهلاك ، ولم يعارضه مثله أو ما هو أقوى منه ، فالزنا ليس مما يضطر الناس إليه لذلك كما قال العلماء ، ومن اضطر إلى رغيف مضطر مثله فليس له أن يرجح نفسه على صاحب اليد وهو مالك الرغيف 0

( الفائدة الخامسة عشرة ) بناء الدين عباداته وغيرها على أساس اليسر ، ورفع الحرج والعسر ـ كما علل سبحانه رخصة الفطر في رمضان بقوله : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) [ البقرة 185] ومثله تعليل رخصة التيمم برفع الحرج كما في سورة المائدة [ المائدة 65] ،وهذه الفائدة أوسع مما قبلها لأن هذه في ترك الواجب ، إلى بدل عاجل أو آجل ، وتلك في استباحة المحرم ولو مؤقتا ، فإن ترك الواجبات أهون من فعل المنهيات ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه مااستطعتم ، وإذا نهيتكم عن شئ فدعوه " (23)
وسبب هذا أن الترك أهون على غير المضطر من الفعل لأن الأصل عدمه 0

( الفائدة السادسة عشرة ) عدم تكليف ما لا يطاق ، وهذا أصل للفائدتين اللتين سبقتا قبلها والنص فيها قوله تعالى في آخر الآية من السورة : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [ البقرة 286] ووسع الإنسان ما لا حرج فيه عليه ولا عسر ، لأنه ضد الضيق ، ولذلك كانت هذه أوسع مما قبلها وأصلا لهما ، فالله لم يكلفنا في دينه وشرعه ما لا طاقة لنا به ، ولا يدخل في وسعنا امتثاله بغير عسر ولا حرج فإذا عرض العسر عروضا بأسبابه العادية كالاضطرارية لأكل الميتة والدم المسفوح ، وكالمرض والسفر اللذين يشق فيهما الصوم ، واستعمال الماء في الغسل والوضوء ، لو يضر ترك الأول بنية القضاء ، والثاني إلى التيمم المبيح للصلاة ، ولا تترك الصلاة نفسها لعسر أحد شروطها وعدم عسرها في نفسها ، وهي لا تعسر من حيث هي توجه إلى الله تعالى ومناجاة له بكتابه وذكره ودعائه ، فإن شق على المصلي بعض أفعالها كالقيام استبدل به القعود ، فإن شق عليه القعود صلى مضطجعا أو مستلقيا 0

(الفائدة السابعة عشرة ) حظر التعرض للهلكة في قوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) [ البقرة 195]
فلا يجوز للمؤمنين ولا سيما جماعتهم أن يتعمدوا إلقاء أنفسهم إلى الهلاك بسعيهم واختيارهم ، ويلزمه وجوب اجتناب أسباب التهلكة من فعلية وتركية ـ وبتعبير المناطقة من سلبية وإيجابية ـ ويدل عليه ذكر هذا النهي عقب الأمر بالإنفاق في سبيل الله لما يحتاج إليه الدفاع من النفقات الكثيرة ، ولا سيما في هذا العصر الذي تعددت فيه آلات القتال ووسائله وعظمت نفقاتها فصارت الأمم العزيزة تنفق الملايين من الجنيهات على وسائل الحرب البرية والبحرية والجوية ، وفروع هذه الفائدة كثيرة 0

( الفائدة الثامنة عشرة ) إتيان البيوت من أبوابها لا من ظهورها ، أي طلب الأشياء بأسبابها دون غيرها ، فلا تجعل العادة عبادة ، ولا العبادة عادة ، ولا تطلب فنون الدنيا من نصوص الدين " أنتم أعلم بأمر دنياكم " (24) كما قال خاتم النبيين ، وأصل هذه الفائدة ما يدل عليه قوله تعالى : ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ) [البقرة 89 ]
فللزراعة والتجارة والصناعة وفنون الحرب وآلاته وأسلحته .. أبواب لا يصل إليها ، إلا من يدخل منها ، ولعقائد الدين وعباداته وآدابه وحلاله وحرامه .. أبواب معروفة من كتاب الله وسنة رسوله ، ولأصول تشريعه السياسي أبواب من النصوص والاجتهاد معروفة أيضا .

( الفائدة التاسعة عشرة ) حرية الدين والاعتقاد ومنع الاضطهاد الديني ولو بالقتال حتى يكون الدين كله لله ، وذلك قوله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) [ البقرة 193]
الفتنة : اضطهاد الإنسان لأجل دينه بالتعذيب والقتل والنفي كما فعل المشركون بالمسلمين في صدر الإسلام ، ولذلك قال في آيات القتال التي نزلت قبل هذه في سورة الحج : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير 0 الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) [ الحج 39 ، 40 ]
ولذلك مهد لهذه الغاية هنا بقوله قبلها : ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ) [ الآية 191] ثم قفى عليها بقوله : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) [ البقرة 217] 0

وأما النهي عن الإكراه في الدين حتى الإسلام فقوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) [ البقرة 256 ]

وملخصه : أنه كان لدى بني النضير من يهود المدينة أولاد من أبناء الصحابة ربوهم وهودوهم ، فلما أمر النبي صل الله عليه وسلم بإجلائهم لتواتر إيذائهم أراد المسلمون أن يأخذوا أبناءهم منهم ويكرهوهم على الإسلام فنزلت الآية 0

ومع هذه النصوص لا يزال يوجد حتى في المسلمين من يصدق افتراء أعداء الإسلام بأنه قام بالسيف والإكراه على الدين ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ المشركين بالقتال 0

( الفائدة العشرون ) أن القتال شرع في الإسلام لمصلحتين أو ثلاث :
" الأولى " الدفاع عن المسلمين وأوطانهم ، فإن المشركين أخرجواالنبي ومن كان آمن معه من أهل مكة ثم بدءوهم بالقتال وساعدوهم عليهم أهل الكتاب ، وما زالوا يبدءونهم ويقاتلونهم حتى عجزوا ، وذلك قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) [البقرة 190 ]

" الثانية " تأمين حرية الدين ومنع الاضطهاد فيه وهو قوله : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) [ البقرة 193] هذا ما نزل في هذه السورة 0

" الثالثة " ما في سورة التوبة من تأمين سلطان الإسلام وسيادته .

( الفائدة الحادية والعشرون ) أن من شأن المسلمين طلب ما هو أثر لازم للإسلام من سعادة الدنيا والآخرة معا ـ كما تقدم في الفائدة الأولى ـ وإنما تتحقق الغايات ولوازم الأمور بطلبها والسعي لها 0

فليس من هديه أن يترك المسلمون الدنيا ومعايشها وسياستها ويكونوا فقراء أذلاء تابعين للمخالفين لهم من الأقوياء ، ولا أن يكونوا كالأنعام لا هم لهم إلا في شهواتهم البدنية ، وكالوحوش التي يفترس قويها ضعيفها 0
وهذا الجمع بين الأمرين مقتضى الفطرة ، والإسلام دين الفطرة ، وذلك هو ما أرشدنا الله إليه بقوله : ( فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق 0 ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) [ البقرة 200 ، 201] الخ 0

( الفائدة الثانية والعشرون ) أن الأحكام الاجتهادية التي لم تثبت بالنص القطعي الصريح رواية ودلالة لا تجعل تشريعا عاما إلزاميا بل تفوض إلى اجتهاد الأفراد في العبادات الشخصية والتحريم الديني الخاص بهم ، وإلى اجتهاد أولى الأمر من الحكام وأهل الحل والعقد في الأمور السياسية والقضائية والإدارية ، ومأخذه الآية ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) [ البقرة 9 ] ووجهه : أن هذه الآية تدل على تحريم الخمر والميسر بضرب من الاجتهاد في الاستدلال ، وهو أن ما كان إثمه وضرره أكبر من نفعه فهو محرم يجب اجتنابه ،
وذلك ما فهمه بعض الصحابة فامتنعوا من الخمر والميسر ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الأمة هذا ، بل أقر من تركهما ومن لم يتركهما على اجتهادهما إلى أن نزل النص القطعي الصريح بتحريمهما والأمر باجتنابهما في سورة المائدة فحينئذ بطل الاجتهاد فيهما ، وأهرق كل واحد من الصحابة ما كان عنده من الخمر وصار النبي صلى الله عليه وسلم يعاقب من شربها 0

وبناء على هذه الفائدة كان يعذر كل أحد من سلف الأمة من خالفه أو خالف بعض الأخبار والآثار الاجتهادية غير القطعية رواية ودلالة ، ولم يوجبوا على أحد أن يتبع أحدا في اجتهاده كما يفعل الخلف المقلدون 0

وبناء على هذه الفائدة : لم يقبل الإمام مالك رحمه الله تعالى من المنصور أولا ، ولا من هارون الرشيد ثانيا أن يحمل المسلمين على العمل بكتبه ولا بالموطأ الذي هو أصح ما رواه من الأخبار المرفوعة وآثار الصحابة ، وواطأه عليه جمهور من علماء عصره 0

( الفائدة الثالثة والعشرون ـ إلى السادسة والعشرين ) بناء أمور الزوجية والبيوت وتربية الأولاد على أربع دعائم :
1ـ قيام النساء بالأمور التي تقتضيها وظيفتهن كالرضاعة وغيرها من أمور تربية الأطفال ويقوم الزوج بالنفقة كلها 0
2ـ ألا يكلف كل منهما ما ليس في وسعه مما يدخل في حدود وظيفته والواجب عليه 0
3ـ لا يضار أحد منهما بالولد ، ولا بغيره بالأولى ، والمضارة دون تكليف ما ليس في الوسع 0
4ـ إبرام الأمور غير القطعية بالتراضي والتشاور 0

وهذه الفوائد ظاهرة صريحة في الآية : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) [ البقرة 233 ] ، ولو عمل المسلمون بهذه القواعد وأمثالها من أحكام الكتاب والسنة لكانوا أسعد الأمم في بيوتهم ، ولما وجد من أعدائهم ولا من زنادقتهم من يهذي بإسناد ظلم النساء إلى الإسلام ، أو حاجة المسلمين إلى تقليد غيرهم في شئ من إصلاح البيوت (العائلات ) 0

( الفائدة السابعة والعشرون ) جعل سد الذرائع الفساد والشر وتقرير المصالح وإقامة الحق والعدل في تنازل الناس بعضهم مع بعض مناطا للتشريع ، وأصلا من أصول الأحكام الاجتهادية ، وذلك أن الله تعالى علل به شرعه للقتال ، ومنته على نبيه داود وجنده بالنصر على عدوهم ، وما ترتب عليه من إيتائه الحكم والنبوة إذ قال : ( فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) [ البقرة251] ، وفي معناه تعليل الإذن للمسلمين في القتال أول مرة بآيات سورة الحج التي استشهدنا بها في قبل ذلك ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ) [الحج 40] ، وما هنا أعم ، لأنه يشمل درء هذه المفسدة في الدين وغيرها من الفساد الديني والدنيوي ، وهو المتأخر في النزول 0

( الفائدة الثامنة والعشرون ) : إن الإيمان بلقاء الله تعالى في الآخرة ، والاعتصام بالصبر الذي هو من أركان البر وكماله من ثمرات الإيمان ـ سببان من أسباب نصر العدد القليل على العدد الكثير
وذلك قوله عز وجل : ( قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) [ البقرة 249 ]

( الفائدة التاسعة والعشرون ) : تحريم أكل أموال الناس بالباطل في ( الآية 188) وهي أصل لكل المحرمات ، ومن أدلتها تعليل تحريم الربا بعد الأمر بترك ما كان باقيا لأصحابه منه لدى المدينين بقوله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) [ البقرة 279] ، فإن الذي كان يقرض المحتاج بالربا إلى أجل كان يقول له إذا حل الأجل : إما أن تقضي وإما أن تربي ، فإن لم يجد ما يقضي به أنسأ له في الدين إلى أجل آخر بمثل الربا الأول فإذا حل الأجل الثاني قال له : إما أن تقضي وإما أن تربي ـ وهلم جرا ـ فكل ما يأخذه من هذه الزيادات باطل لا مقابل له وهو ظلم ، وأما العقود والمعاملات التي لا ظلم فيها يأكل مال أحد المتعاقدين بالباطل فليست من الربا 0

( الفائدة الثلاثون ) أن عمل كل إنسان له أو عليه لا يجزي إلا به ولا يجزي به سواه ، فلا ينفعه عمل غيره ولا يضره ،
وذلك قوله تعالى في خاتمة هذه السورة : ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) [ البقرة 286] ويعززها قوله تعالى في الآية التي ورد أنها آخر آية نزلت من القرآن ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها بعد آيات الربا من هذه السورة وهي : ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) [ البقرة281] ، وإن لم ترد بصيغة الحصر ، وفيه آيات كثيرة ؛
فقد سبق بيان هذه الفائدة من فوائد العقائد في بعض السور المكية التي نزلت قبلها ، كقوله تعالى في سورة النجم : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) [ النجم 38 ، 39 ] وكقوله في سورة الأنعام : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ( الأنعام 64) ويجد القارئ في تفسير هذه الآية ما يؤيد هذه القاعدة من الشواهد وما جعلوه معارضا لها مخصصا لعمومها من انتفاع الميت والحي بعمل غيره وما يصح منه وما لا يصح ، وكون الصحيح منه لا ينافي عموم القاعدة 0

( الفائدة الحادية والثلاثون ) بيان بطلان الشفاعة الوثنية التي كانت أساس شرك العرب ومن قبلهم وهي التقرب إلى غير الله تعالي بالدعاء وغيره ؛ ليشفعوا لهم عند الله تعالي ، فيكشف ما بهم من ضر ، ويؤتيهم ما طلبوا من نفع ، وزاد عليهم مشركوا أهل الكتاب والمؤمنون بالبعث الاعتماد على الشفعاء بالنجاة من عذاب الآخرة ، قال تعالى : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [ يونس 18] الآية ، وقد نفى الله تعالى هذه الشفاعة بقوله من هذه السورة خطابا لهذه الأمة : ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) [ البقرة254]
وقوله في خطاب بني إسرائيل ( واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ) [البقرة 48] ، وفي معناها ( آية 123 ) وأما الشفاعة الثابتة في الأحاديث فهي غير هذه ولا تنافي التوحيد 0

( الفائدة الثانية والثلاثون ) بناء أصول الدين في العقائد وحكمة التشريع على إدراك العقل لها واستبانته لما فيها من الحق والعدل ومصالح العباد ، وسد ذرائع الفساد ،
والشاهد عليه من هذه السورة قوله تعالى في الاستدلال على توحيده بآياته في السموات والأرض وما بينهما : ( إن في خلق السموات والأرض ـ إلى قوله ـ لآيات لقوم يعقلون ) [ البقرة 164] ، ثم قوله في إبطال التقليد ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) [ البقرة 170] وكذلك قوله تعالى بعد ذكر طائفة من الأحكام العملية ( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون ) [ البقرة 242] 0
رحم الله الشيخ محمد رشيد رضا ، وكل علماء سلفنا الصالح ، رحمة واسعة 0


ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث


(1) انظر : القرطبي 00 الحامع لأحكام القرن ( تفسير سورة البقرة )
السخاوي 00 جمال القراء 1/36
الفيروزابادي00 بصائر ذوى التمييز 1/134
الألوسي 00 روح المعاني ( تفسير سورة البقرة )
السيوطي 00 الاتقان ( النوع 17)
(2) انظر : الشوكاني 00 فتح القدير ( تفسير سورة البقرة )
(3) الآلوسي 00 روح المعاني ( تفسير سورة البقرة )
(4) القرطبي ، الآلوسي ( تفسير سورة البقرة ) ، السيوطي( النوع17)
(5) رشيد رضا 00 تفسير المنار ( تفسير سورة البقرة )
(6) الفيروزابادي 00 بصائر ذوي التمييز الاتقان ( النوع 17)
(7) الدارمي 00 السنن ، كتاب فضائل القرآن ، باب " فضل سورة البقرة ) وقال : حسن صحيح 0
(8) مسلم 00 كتاب صلاة المسافرين ، باب : فضل قراءة سورة البقرة 0
(9) بصائر ذوي التمييز 1/134
(10) انظر : السخاوي 00 جمال القراء 1/90
الفيروزابادي 00 بصائر ذوي التمييز 1/133
الآلوسي 00 روح المعاني ( تفسير سورة البقرة )
نثر المرجان 1/99
(11) انظر : 1/128 ، 133
(12) الواحدي 00 أسباب النزول ص 57
(13) انظر : الفيروزابادي 00 بصائر ذوي التمييز 1/133
القرطبي 00 الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة البقرة)
(14) الترمذي 00 كتاب : فضائل القرآن ، باب ما جاء في فضل سورة البقرة ، وقال : حديث حسن صحيح 0
(15) الدارمي 00 السنن 00 كتاب فضائل القرآن ، باب فضل سورة البقرة 0
الشوكاني 00 فتح القدير 1/27
(16) القرطبي 00 الجامع لأحكام القرآن ( تفسير سورة البقرة )
(17) محمد الطاهر بن عاشور 00 تفسير التحرير والتنوير 1/189
(18) د/ محمد حجازي 00 التفسير الواضح 1/12
(19) انظر / سعيد حوى 00 الأساس في التفسير 1/61 وما بعدها (بتصرف )
(20) رشيد رضا 00 تفسير المنار 1/8 8 وما بعدها ( باختصار)
(21) المراغي 00 تفسير المراغي ( تفسير سورة البقرة )
(22) رشيد رضا 00 تفسير المنار 1/93ـ 102 ( باختصار يسير)
(23) رواه : الشيخان ، واللفظ لمسلم 0
(24) أخرجه : مسلم : كتاب الفضائل ، باب : وجوب امتثال ما قاله شرعا 00 الخ 0

فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .