إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

لا ضرر ولا ضرار

لا ضرر ولا ضرار
       عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ضرر ولا ضرار " حديث حسن رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسندا ، ورواه مالك في الموطأ مرسلا ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسقط أبا سعيد ، وله طرق يقوي بعضها بعضا . (1).
تخريج الحديث : ـ
حديث أبي سعيد لم يخرجه ابن ماجه ، وإنما خرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من رواية عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة : حدثنا الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا ضرر ولا ضرار ، من ضار ضره الله ، ومن شاق شق الله عليه " .
وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسلم ، وقال البيهقي : تفرد به عثمان عن الدراوردي ، وخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا.
وأما ابن ماجه فخرجه من رواية فضيل بن سليمان : حدثنا موسى بن عقبة ، حدثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار .
ترجمة الراوي : ـ
هو أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان بن عبيد ، وقيل : عبد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر ، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري ، وكان أبوه من الصحابة الكرام الذين شهدوا معركة أحد واستصغر يومها فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه كان من بين الذين خرجوا ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجوعه من الغزوة فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "سعد بن مالك ؟ " فقال : نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فدنا منه وقبل ركبته ، فقال : "آجرك الله في أبيك " ؛ لأنه كان من شهداء أحد ، وكان أبو سعيد من نجباء الصحابة ومن حفاظهم وعلمائهم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة غزوة أولها الخندق ، وكان من الرواة المشهورين وهو معدود من أهل الصفة ، روى عنه أنه قال : أصبحت وليس عندنا طعام وقد ربطت حجرا من الجوع ، فقالت امرأتي : ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله فقد أتاه فلان فأعطاه وفلان فأعطاه فقلت : لا ، حتى لا أجد شيئا ، فطلبت فلم أجد شيئا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فأدركت من قوله : " من يستغن يغنه الله ، ومن يستعفف يعفه الله " قال : فما سألت أحدا بعده وما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا .
قلت : كان أبو سعيد من حفاظ الصحابة وعلمائهم حيث بلغت مروياته ألفا ومائة وسبعين حديثا ، اتفق البخاري ومسلم منها على ستة وأربعين ، وانفرد البخاري بستة عشر ، ومسلم باثنين وخمسين ، توفى بالمدينة سنة أربع وسبعين عن عمر يناهز أربع وتسعين سنة ودفن رضى الله عنه بالبقيع .
دروس وعبر من كلام سيد البشر
ـ
الأصولية : ـ
"لا ضرر ولا ضرار " .
استنبط الأصوليون من هذا الحديث قاعدة أصولية شهيرة ، وهي : (الضرر يزال ) وفرعوا عليها كثيرا من المسائل كالرد بالعيب ، وثبوت الخيار في البيع ، ودفع الصائل ، وقتال المشركين والبغاة ، وفسخ النكاح بالعيوب.
ويتعلق بهذه القاعدة ست قواعد :
الأولى : الضرورات تبيح المحظورات ؛ ولذا جازأكل الميتة للمضطر ، والخمر للغاص.
الثانية : ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، فلا يأكل المضطر إلا ما يسد رمقه ، قال تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } [ البقرة :173].
الثالثة : الضرر لا يزال بضرر يساويه ، فلا يأكل مضطر طعام مضطر آخر.
الرابعة : إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما ضررا .
الخامسة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
السادسة : قد تنزل الحاجة العامة والخاصة منزلة الضرورة فتبيح المحظور، والعامة كجواز الإجازة مع عدم المنافع وقت العقد . والجعالة مع ما فيها من الجهالة .
الفقهية : ـ
1ـ المضارة في الوصية :ـ
قال تعالى : { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار } [ النساء:12] وفي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا : "إن العبد ليعمل بطاعة الله ستين سنة ثم يحضره الموت فيضار في الوصية فيدخل النار " ثم تلا : { تلك حدود الله } إلى قوله : { ومن يعض الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } [ النساء :13 ـ 14] .
والإضرار في الوصية يتمثل في صورتين :
ـ الصورة الأولى : تخصيص بعض الورثة بزيادة على نصيبه الذي قدره الله وفرضه ، وبهذا يتضرر بقية الورثة وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث " .
الصورة الثانية : ويحدث الضرر إذا وصى الموصي بأكثر من ثلث لأجنبي غير وارث لأنه ينقص حقوق الورثة ، ومن هنا فوصيته غير ناجزة ما لم يجزها الورثة قال عليه السلام : " . . . . الثلث والثلث كثير " .
2ـ المضارة في الرجعة في النكاح : ـ
كان الطلاق في الجاهلية بلا حدود وكان الرجال يستغلونه تعسفا وتلاعبا بالمرأة ، فأنزل الله تعالى : { الطلاق مرتان } [ البقرة :229] وسبب نزول هذه الآية كما ذكره ابن كثير : أنه كان الرجل في الجاهلية يطلق امرأته ما شاء من الطلاق ثم يراجعها قبل أن تنقضي عدتها ولو طلقها ألف مرة كان له الحق في مراجعتها ، فعمد رجل لأمرأته فقال لها : لا آوبك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضى عدتك راجعتك ، فشكت المرأة أمرها للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { الطلاق مرتان } الآية .
وقال تعالى : { فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } [ البقرة :231]، وقال : {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا } [ البقرة :228].
وذهب مالك إلى أن من راجع امرأته قبل انقضاء عدتها ثم طلقها من غير مسيس أنه إن قصد بذلك مضارتها بتطويل لم تستأنف العدة وبنت على ما مضى منها ، وإن لم يقصد بذلك استأنفت عدة جديدة .
وقيل : تبين مطلقا وهو قول عطاء وقتادة والشافعي في القديم وأحمد في رواية ، وقيل : تستأنف مطلقا وهو قول الأكثرين منهم أبو قلابة والزهري والثوري وأبو حنيفة والشافعي في الجديد ، وأحمد في رواية وإسحاق وأبو عبيدة وغيرهم.
3ـ المضارة في الإياء :
وهو أن يحلف الرجل على امتناعه من وطء زوجته ومدته أربعة أشهر ؛ لقوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } [ البقرة :226 ، 227]، فإن فاء ورجع إلى الوطء كان ذلك توبته وإلا طلق وفق مذهب إمامنا مالك رضى الله عنه ، وهو قول على وابن عمر رضى الله عنهما .
وكما أن الزوج لو أطال السفر من غير عذر وطلبت امرأته قدومه فأبى فقال مالك وأحمد وإسحاق : يفرق الحاكم بينهما .
4ـ المضارة في الرضاع :
قال تعالى : { لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده } [ البقرة :233] قال مجاهد : لا يمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك . وقال عطاء وقتادة والزهري وسفيان والسدي وغيرهم : إذا رضيت ما يرضى به غيرها فهي أحق به .
ويدخل في قوله تعالى : { ولا مولود له بولده } أن المطلقة إذا طلبت إرضاع ولدها بأجر مثلها لزم الأب إجابتها إلى ذلك ، وسواء وجد غيرها أو لم يوجد ، هذا منصوص الإمام أحمد ، فإن طلبت زيادة على أجرة مثلها زيادة كثير ووجد الأب من يرضعه بأجرة المثل لم يلزم الأب إجابتها إلى ما طلبت لأنها تقصد المضارة .
5ـ المضارة في البيع : ـ
خرج الإمام أبو داود من حديث على بن أبي طالب أنه خطب الناس فقال : إنه سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤمر بذلك . قال تعالى : { ولا تنسوا الفضل بينكم } [ البقرة :237] ويبايع المضطرون وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر.
تطبيق
ـ
1ـ طالت أيدي الكثير من مسلمي العصر إلى المحرمات ، وسمحت لنفسها أن تتخطى حدودها غير مكترثة بما تفعل محتجة بالقاعدة الأصولية : الضرورات تبيح المحظورات ، متناسية القاعدة الشائعة القائلة : ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها ، فلا يجوز الاسترسال في الشرب بالنسبة للغاص الذي لم يجد ما يدفع به غصته غير الخمر.
نعم ، يجوز للمضطر ، والمضطر هنا هو الغاص الذي خاف على نفسه الهلاك ، ولم يجد ماء ونحوه أن يشرب جرعة تزيل ما به حفاظا على روحه ، وفي هذا ينص الشيخ خليل بن إسحاق المالكي في مصنفه: وجاز لإكراه وإساغة لا دواء
كما لا يجوز الأكل من الجيفة وغيرها أكثر من سد الرمق بالنسبة للمضطر ؛ لقوله تعالى : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } [ البقرة :173].
2ـ في أيامنا هذه أصبح التجاور في كثير من الأحيان لا معنى له فلا يتخذ الجار حيطته وحذره أكثر مما يتخذها من جاره في سكناه أو في معمله ، أو في مزرعته ، في حين أن الإسلام ينزع الإيمان من رقبة من لا يأمن جاره بوائقه كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والإسلام في تشريعاته عمل على أن لا يضار أحد أحدا بأي حال من الأحوال ، وأوجه المضارة بين الجار وجاره كثيرة غير أننا نورد بعضها في الأمثلة التالية:
أ ـ كأن يكون غرض المضار صحيح بحيث يتصرف في ملكه بما فيه مصلحة له فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره .
فإن كان على غير الوجه المعتاد مثل أن يؤجج في أرضه نارا في يوم عاصف فيحترق ما يليه فإنه متعد بذلك وعليه الضمان .
وإن كان على الوجه المعتاد ففيه للعلماء قولان مشهوران : أحدهما : لا يمنع من ذلك وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما . والثاني : المنع وهو قول أحمد ووافقه إمامنا مالك في بعض الصور ، فمن صور ذلك أن يفتح كوة في بنائه العالي مشرفة على جاره ، ومنها أن يحفر بئرا بالقرب من بئر جاره فيذهب ماؤها فإنها تطم في ظاهر مذهب مالك وأحمد .
ومنها أن يكون له ملك في أرض غيره يتضرر صاحب الأرض بدخوله إلى أرضه فإنه يجبر على إزالته ليندفع به ضرر الدخول ، خرجه أبو داود في سننه من حديث أبي جعفر محمد بن علي أنه : حدث سمرة بن جندب أنه كان له عذق من نخل في حائط رجل من الأنصار ومع الرجل أهله ، وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به وشق عليه فطلب إليه أن يقابله فأبى ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى ، فطلب إليه أن يناقله فأبى ، قال : "فهبه له ولك كذا وكذا " أمرا رغبه فيه ، فأبى فقال : أنت مضار ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "اذهب فاقلع نخله ".
ب ـ الصورة الثانية : أن يضار الجار جاره من الانتفاع بملكه والارتفاق به ، فإن كان ذلك يضر بمن انتفع بملكه فله المنع كمن له جدار واه لا يحمل أن يطرح عليه خشب .
وأما إن لم يضر به فهل يجب عليه التمكين ويحرم عليه الامتناع أم لا ؟
ذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ إلى المنع ، وذهب أحمد في طرح الخشب على جدار دار جاره إلى أنه لا يجوز ، ووافقه الشافعي في القديم وإسحاق وأبو ثور وداود وابن المنذر وعبد الملك بن حبيب المالكي ، وحكاه مالك عن بعض قضاة المدينة .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه على جداره " قال أبو هريرة : ما لي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أكتافكم ، وقضى عمر بن الخطاب رضى الله عنه على محمد بن مسلمة أن يجري ماء جاره في أرضه ، وقال : لتمرن به ولو على بطنك.
والإجبار على إجراء الماء في أرض جاره إذا أجراه في قناة في باطن أرضه كما هو عليه مذهب أبي ثور.
المراجع والهوامش
ـ
1ـ لا : النافية للجنس واسمها بعدها وخبرها محذوف ويقدر تقديران :
ـ فإن قدر ـ جائزان ـ كان الكلام إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن الضرر والضرار غير جائزين شرعا .
ـ وإن قدر ـ موجودان ـ كان المقصود منه النهى أي لا توجد والضرر والضرار ، وعلى التقديرين فالحديث يدل على تحريم الضرر والضرار.
الضرر : أن تلحق الأذى بغيرك ابتداء : في نفسه ، أو عرضه ، أو ماله ، وقيل : الضرر : أن يدخل على غيره ضررا بما ينتفع هو به ، وقيل أيضا: الضرر أن يضر به من لا يضره .
الضرار : أن تلحق الأذى بمن ألحقه بك على سبيل المقابلة ؛ وهذا لا يحرم إلا إذا زاد عن حقه في القصاص .
وقيل : أن يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له به كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع ، ورجح هذا القول طائفة منهم ، ابن عبد البر وابن الصلاح وقيل فيه أيضا : الضرر أن يضر به من لا يضره

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .