إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 15 ديسمبر 2011

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ

وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ

الكاتب: د./ زغلول النجار
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (265)


هذا النص القراني جاء في العشر الاخير من سوره البقره‏,‏ وهي سوره مدنيه‏,‏ وعدد اياتها‏286‏ بعد البسمله‏,‏ وهي اطول سور القران الكريم علي الاطلاق‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لورود الاشاره فيها الي تلك المعجزه التي اجراها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي يدي نبيه موسي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏)‏ حين تعرض شخص من بني اسرائيل في زمانه للقتل‏,‏ ولم يعرف قاتله‏,‏ فاوحي الله‏(‏ تعالي‏)‏ الي عبده موسي ان يامر قومه بذبح بقره‏,‏ وان يضربوا الميت بجزء منها فيحيا باذن الله‏,‏ ويخبرهم عن قاتله احقاقا للحق‏,‏ وشهاده لله‏(‏ تعالي‏)‏ بالقدره علي احياء الموتي‏.‏

ومن مزايا هذه السوره المباركه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد اوصي بقراءتها في البيوت فقال‏:‏ لا تجعلوا بيوتكم مقابر‏,‏ ان الشيطان ينفر من البيت الذي تقرا فيه سوره البقره‏(‏ اخرجه مسلم والترمذي‏).‏

وقال‏(‏ عليه افضل الصلاه وازكي التسليم‏)‏ ايضا‏:‏ اقراوا سوره البقره‏,‏ فان اخذها بركه‏,‏ وتركها حسره‏,‏ ولايستطيعها البطله‏(‏ رواه مسلم‏).‏

ويدور المحور الرئيسي لسوره البقره

حول قضيه التشريع الاسلامي في العبادات والاخلاق والمعاملات‏,‏ وان لم تغفل ركائز العقيده الاسلاميه من الايمان بالله‏,‏ وملائكته‏,‏ وكتبه‏,‏ ورسله‏,‏ واليوم الاخر‏,‏ وتنزيه الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ عن كل وصف لا يليق بجلاله من نحو افتراض الشريك او الشبيه او المنازع او الصاحبه او الولد‏,‏ وكلها من صفات المخلوقين ولا تليق بجلال الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏

كذلك حددت السوره الكريمه صفات كل من المؤمنين‏,‏ والكافرين‏,‏ والمنافقين‏,‏ وسجلت قصه الخلق البشري ممثلا في ابوينا ادم وحواء‏(‏ عليهما من الله السلام‏),‏ واشارت الي عدد من انبياء الله ورسله من مثل ابراهيم‏,‏ وولده اسماعيل‏,‏ وحفيده يعقوب‏,‏ وموسي‏,‏ وداود‏,‏ وسليمان‏,‏ وعيسي ابن مريم‏(‏ علي نبينا وعليهم من الله افضل الصلاه وازكي التسليم‏).‏

وتناولت سوره البقره اهل الكتاب باسهاب وصل الي اكثر من ثلث السوره‏,‏ وختمت باقرار حقيقه الايمان وبدعاء الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ يهز القلب والروح والعقل معا‏....!!‏ ويمكن ايجاز اهم معطيات سوره البقره فيما يلي‏:‏

اولا‏:‏ من ركائز العقيده الاسلاميه‏:‏

‏(1)‏ الايمان بالقران الكريم اخر الكتب السماويه التي انزلها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالحق‏,‏ واتمها واكملها‏,‏ ولذلك تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظ رسالته الخاتمه في ذات اللغه التي اوحيت بها‏(‏ اللغه العربيه‏),‏ وحفظها كلمه كلمه‏,‏ وحرفا حرفا علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد‏,‏ والي قيام الساعه تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ علي ذاته العليه فقال‏(‏ عز من قائل‏):‏
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون‏*.‏
‏(‏الحجر‏:9)‏

ونظرا لهذا الحفظ الدقيق للقران الكريم بصفائه الرباني‏,‏ واشراقاته النورانيه‏,‏ كان معجزا في كل امر من اموره‏,‏ وبذلك تحدي الله‏(‏ تعالي‏)‏ الجن والانس متعاضدين ان ياتوا بسوره من مثله‏,‏ ولا يزال هذا التحدي قائما دون ان يستطيع احد من العقلاء ان يجابهه‏.‏

‏(2)‏ الايمان بالغيب انطلاقا من الايمان بالله الواحد الاحد‏,‏ الفرد الصمد‏,‏ الذي لم يلد‏,‏ ولم يولد‏,‏ ولم يكن له كفوا احد‏,‏ وانطلاقا من الايمان بملائكته‏,‏ وبجميع كتبه ورسله‏,‏ بغير تمييز‏,‏ ولاتفريق‏,‏ وباليوم الاخر الذي ترجع فيه كل الخلائق الي الله خالقها‏,‏ ثم الخلود في الاخره اما في الجنه ابدا‏,‏ او في النار ابدا‏.‏
‏(3)‏ الايمان بان الله تعالي منزه عن الشبيه‏,‏ والشريك‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبه والولد‏,‏ وانه سبحانه وتعالي هو خالق كل شيء‏,‏ وانه علي كل شيء قدير‏,‏ وان من خلقه السماوات السبع والارضون السبع‏,‏ وانه‏(‏ تعالي‏)‏ احيا الخلق من العدم‏(‏ الموت‏),‏ وانه سوف يميتهم فردا فردا‏,‏ ثم يحييهم بعثا واحدا ليعودوا الي الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ الذي يعلم غيب السماوات والارض فيحاسبهم ويجازيهم وهو الرحمن الرحيم‏,‏ وانه تعالي شديد العقاب‏,‏ وقد وصف ذاته العليه بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏
{الله لا اله الا هو الحي القيوم لا تاخذه سنه ولا نوم له ما في السماوات وما في الارض من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه يعلم ما بين ايديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء وسع كرسيه السماوات والارض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم }
‏(‏ البقره‏:255).‏

‏(4)‏ الايمان بوحده الجنس البشري‏,‏ وبانتهاء نسبه الي ابوينا‏:‏ ادم وحواء‏(‏ عليهما من الله السلام‏),‏ ومن هنا العمل علي نبذ جميع اشكال العصبيات العرقيه‏,‏ والدينيه والاجتماعيه‏.‏

‏(5)‏ الايمان بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ قد علم ادم الاسماء كلها‏,‏ وبذلك يكون الانسان قد بدا وجوده عالما عابدا‏,‏ وليس جاهلا كافرا كما يدعي اصحاب الدراسات الوضعيه في علم الانسان‏.‏

‏(6)‏ الايمان بوحي السماء‏,‏ وبوحده جميع الانبياء والمرسلين الذين ارسلهم الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالاسلام الصافي‏,‏ والتوحيد الخالص لله‏(‏ تعالي‏),‏ وقد تكاملت رسالاتهم جميعا في الرساله الخاتمه التي بعث بها النبي الخاتم والرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي بعثه الله‏(‏ تعالي‏)‏ بالحق بشيرا ونذيرا للخلق كافه‏.‏

‏(7)‏ الايمان بتنزيه الله‏(‏ تعالي‏)‏ عن الشريك‏,‏ والشبيه‏,‏ والمنازع‏,‏ والصاحبه‏,‏ والولد‏,‏ وبان الشرك من ابشع صور الكفر بالله‏,‏ وان من الكفر بالله ايضا منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه‏,‏ او السعي في خرابها‏.‏

‏(8)‏ الايمان بان الشيطان للانسان عدو مبين‏,‏ وانه يامر بالسوء والفحشاء‏,‏ ويغري العباد بان يقولوا علي الله ما لا يعلمون‏,‏ ومن هنا كانت مخالفته‏,‏ ورفضه من الامور الواجبه علي كل مسلم ومسلمه‏,‏ اعتصاما بحبل الله المتين‏,‏ ونجاه من وساوس هذا اللعين‏,‏ وللتاكيد علي ذلك عرضت السوره الكريمه لقصه الشيطان مع ابوينا ادم وحواء‏(‏ عليهما السلام‏)‏ حتي تم اخراجهما من الجنه بوسوسته وغوايته‏,‏ ثم توبتهما‏,‏ وقبول الله تلك التوبه‏,‏ وان ذنب هذه المعصيه لايطول احدا من ذريتهما ابدا لان ذلك يتنافي مع العدل الالهي المطلق الذي قرره ربنا تبارك وتعالي بقوله‏(‏ عز من قائل‏):‏

{الا تزر وازره وزر اخري‏*‏وان ليس للانسان الا ما سعي‏*}‏
‏(‏النجم‏:39,38)‏

‏(9)‏ الايمان بان دين الله‏(‏ تعالي‏)‏ وهو الاسلام مبني علي السماحه واليسر ورفع الحرج وان من اصوله الثابته انه لا اكراه في الدين‏...‏

‏(‏البقره‏:256).‏

‏(10)‏ الايمان بحتميه الاخره وبضرورتها والخوف من فجائيتها واهوالها وفي ذلك يقول الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

واتقوا يوما ترجعون فيه الي الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون
‏(‏البقره‏:281)‏

ثانيا‏:‏ من اسس العباده‏:‏

‏(1)‏ اقامه الصلاه‏,‏ وايتاء الزكاه‏,‏ والانفاق في سبيل الله‏,‏ والاحسان الي الخلق بصفه عامه‏,‏ واليقين بان ذلك كله كان من متطلبات العباده في كل الشرائع السماويه السابقه وكلها كانت اسلاما لله‏.‏
‏(2)‏ الدعوه الي الجهاد في سبيل الله‏,‏ ردعا للمعتدين والغاصبين والمتجبرين‏,‏ فالقتال مشروع في الاسلام لدفع الظالمين والغائرين علي اراضي المسلمين‏,‏ المعتدين علي دمائهم واموالهم واعراضهم ومقدساتهم ودينهم وذلك صونا لكرامه الانسان واقامه لعدل الله في الارض‏,‏ واعزازا للدين الذي لا يرتضي ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ من عباده دينا سواه‏.‏

‏(3)‏ اداء الحج والعمره لمن استطاع الي ذلك سبيلا‏,‏ وقد وضحت سوره البقره اداب هاتين الشعيرتين وضوابطهما الشرعيه‏.‏

‏(4)‏ صوم رمضان‏,‏ واداب الصوم وضوابطه الشرعيه‏.‏
‏(5)‏ الدعاء الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده واوقات ذلك المفضله واداب الدعاء‏.‏

‏(6)‏ مراعاه حرمه الاشهر الحرم وتوقيرها‏,‏ واقامه السنن التي شرعها لنا رسول الله فيها‏.‏

‏(7)‏ التزام تقوي الله‏(‏ تعالي‏)‏ في كل حال‏.‏

ثالثا‏:‏ من مكارم الاخلاق التي دعت اليها سوره البقره‏:‏

‏(1)‏ الصبر في الباساء والضراء وحين الباس‏.‏
‏(2)‏ الوفاء بالعهود والمواثيق‏.‏
‏(3)‏ الشجاعه والاقدام املا في الاستشهاد في سبيل الله‏.‏
‏(4)‏ الجراه في مناصره الحق‏,‏ واعلان الراي‏,‏ وعدم كتمان الشهاده‏.‏
‏(5)‏ الجود والكرم والانفاق في سبيل الله‏.‏
‏(6)‏ الحرص علي العمل الصالح‏,‏ وقول المعروف‏,‏ والمغفره للناس‏.‏

‏(7)‏ اكرام الوالدين والاحسان الي ذي القربي واليتامي والمساكين والي الناس كافه دون من او اذي‏.‏

‏(8)‏ تجنب المال الحرام بكافه صوره واشكاله‏.‏

رابعا‏:‏ من التشريعات الاسلاميه في سوره البقره‏:‏

‏(1)‏ فصلت سوره البقره احكام الاسره المسلمه من الخطبه الي الزواج‏,‏ والطلاق‏,‏ والمتعه‏,‏ والرضاعه‏,‏ والعده وغيرها‏,‏ وامرت باعتزال النساء في المحيض ونهت عن نكاح المشركات والمشركين حتي يؤمنوا‏.‏
‏(2)‏ عددت هذه السوره الكريمه المحرمات من الطعام من مثل الميته‏,‏ والدم‏,‏ ولحم الخنزير‏,‏ وما اهل به لغير الله‏,‏ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه كما حرمت كلا من الخمر والميسر‏.‏

‏(3)‏ وشرعت للقصاص في القتلي‏.‏

‏(4)‏ وحضت علي كتابه الوصيه قبل الموت وحرمت وجرمت تبديلها او اخفاءها‏.‏
‏(5)‏ وحرمت اكل اموال الناس بالباطل‏.‏

‏(6)‏ ووضعت ضوابط للتعامل بالدين‏.‏

‏ (7)‏ وحرمت التعامل بالربا تحريما قاطعا‏.‏
‏(8)‏ وحضت علي رعايه اليتيم وحددت ضوابط الانفاق في سبيل الله‏.‏
‏(9)‏ وحرمت انكار المعلوم من الدين بالضروره‏.‏

خامسا‏:‏ من القصص القراني في سوره البقره‏:‏

جاء في سوره البقره ذكر عدد من انبياء الله ورسله‏,‏ كما جاءت الاشاره الي عدد من الاحداث للاعتبار بها واخذ الدروس منها ونوجز ذلك فيما يلي‏:‏
‏(1)‏ قصه ابوينا ادم وحواء‏(‏ عليهما من الله السلام‏).‏

‏(2)‏ قصه بني اسرائيل مع فرعون مصر وخروجهم منها مع نبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏),‏ وعبور موسي بهم البحر‏,‏ وتفجير الارض لهم بالماء الزلال‏,‏ وعصيانهم من بعد ذلك كله‏,‏ وارتدادهم الي عباده العجل‏,‏ وصعقهم ثم احياؤهم‏,‏ ومسخ الذين اعتدوا منهم في السبت الي قرده وخنازير‏,‏ ثم كفرهم بايات الله‏,‏ وقتلهم للانبياء بغير حق‏,‏ وتحريفهم للتوراه‏,‏ وعصيانهم لاوامر الله‏,‏ واعتداؤهم علي حدوده‏,‏ ورفع الطور فوقهم تهديدا لهم وتخويفا‏,‏ وقصتهم مع القتيل‏,‏ وامر الله لهم ان يذبحوا بقره ويضربوا القتيل ببعضها فيبعثه الله‏(‏ تعالي‏)‏ حتي يخبر عن قاتله ثم يموت‏,‏ وقصتهم مع كل من طالوت ملكهم وجالوت وداود‏(‏ عليه السلام‏).‏

‏(3)‏ قصص بعض انبياء بني اسرائيل من امثال كل من داود وسليمان‏(‏ عليهما السلام‏).‏

‏(4)‏ قصه نبي الله ابراهيم وولده اسماعيل‏(‏ عليهما من الله السلام‏),‏ ورفعهما لقواعد الكعبه المشرفه‏,‏ ودعوتهما الي الله‏(‏ تعالي‏)‏ ان يبعث خاتم الانبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في مكه المكرمه‏,‏ وحوار ابراهيم‏(‏ عليه السلام‏)‏ مع نمرود بن كنعان اول من ادعي الربوبيه كذبا وبهتانا‏.‏

‏(5)‏ قصه نبي الله يعقوب‏(‏ عليه السلام‏).‏
‏(6)‏ حادثه تحويل القبله‏.‏

‏(7)‏ قصه نبي الله عيسي ابن مريم‏(‏ عليهما السلام‏).‏

‏(8)‏ قصه الرجل الصالح عزير الذي مر علي بيت المقدس بعد ان خربها بختنصر‏:‏
{.‏ قال أني يحيي هذه الله بعد موتها فاماته الله مائه عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مائه عام فانظر الي طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر الي حمارك ولنجعلك ايه للناس وانظر الي العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال اعلم ان الله علي كل شيء قدير}‏
‏(‏البقره‏:259)‏

سادسا‏:‏ من الاشارات الكونيه في سوره البقره‏:‏

جاء في هذه السوره المباركه عدد كبير من الاشارات الكونيه نوجزها فيما يلي‏:‏
‏(1)‏ التفرقه الدقيقه بين الضياء والنور وهما امران متمايزان‏,‏ والمقابله بين الظلمات والنور‏,‏ وهذه من الحقائق العلميه التي لم تدرك الا مؤخرا‏.‏

‏(2)‏ تقديم حاسه السمع علي حاسه الابصار وثبت علميا سبقها في مراحل خلق الانسان‏.‏

‏(3)‏ وصف التلازم الدقيق بين هطول المطر الغزير وبين كل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق‏.‏
‏(4)‏ الاشاره الي امكانيه خطف البصر بواسطه البرق‏.‏

‏(5)‏ الاشاره الي المراحل المتتاليه في اعداد الارض لعمارتها بخلق الانسان ومن ذلك تمهيد سطحها‏,‏ وبناء السماء من حولها‏,‏ وانزال الماء عليها‏,‏ واخراج الثمرات رزقا للعباد‏,‏ واحياء الارض بعد موتها وبث كل دابه فيها‏.‏

‏(6)‏ ذكر معجزات فلق البحر لنبي الله موسي‏(‏ عليه السلام‏)‏ ونجاته ومن معه وهلاك فرعون وجنده‏,‏ وكذلك تفجير اثنتي عشره بئرا مائيه بضربه من عصي موسي‏(‏ علي نبينا وعليه من الله تعالي السلام‏)‏ وتلك الابار لاتزال موجوده حتي اليوم علي طول صدع ارضي واحد بالمنطقه الشرقيه من خليج السويس‏.‏

‏(7)‏ الاشاره الي امراض القلوب ومنها الخوف‏,‏ والوسوسه‏,‏ والشك‏,‏ وقد اثبتت الدراسات النفسيه انها حقائق علميه لم تكن معروفه وقت تنزل القران الكريم‏.‏

وتشبيه قسوه قلوب اليهود بانها اشد من قسوه الحجاره لان من الحجاره ما يلين بتفجرها بالانهار‏,‏ او بتشققها وخروج الماء منها‏,‏ او بهبوطها من خشيه الله‏(‏ تعالي‏),‏ وقسوه قلوب اليهود لا تلين ابدا‏.‏

‏(8)‏ الحديث عن المشرق الحقيقي والمغرب الحقيقي للارض مما يشير الي وسطيتها للكون‏,‏ وهي مما لايستطيع العلم الكسبي ادراكه‏.‏

‏(9)‏ الاشاره الي خلق السماوات والارض‏,‏ واختلاف الليل والنهار‏,‏ والي الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس‏,‏ وبان ذلك كله لله‏.‏

‏(10)‏ الاشاره الي تصريف الرياح‏,‏ والي السحاب المسخر بين السماء والارض وهي حقائق لم تدرك بشئ من التفصيل الا في العقود المتاخره من القرن العشرين‏.‏

‏(11)‏ وصف الاهله بانها مواقيت للناس والحج‏.‏

‏(12)‏ الاشاره الي اذي المحيض‏,‏ والنصيحه باعتزال النساء في فتره المحيض وقد اثبتت الدراسات الطبيه صحه ذلك‏.‏

‏(13)‏ التاكيد علي ما في كل من الخمر والميسر من اثام تفوق ايه منافع يمكن ان تجتني من وراء الخوض في اثامهما‏.‏
‏(14)‏ التاكيد علي حقيقه ان الجنه‏(‏ اي الحديقه ذات الاشجار الكثيفه الملتفه علي بعضها البعض‏)‏ بالربوه المرتفعه عن كل من الهضاب والسهول المحيطه بها اذا اصابها وابل‏(‏ اي مطر غزير‏)‏ اتت اكلها ضعفين لان احتمال اغراقها بماء المطر الغزير غير وارد لسرعه انحسار الماء عنها بعد اخذ كفايتها منه نظرا لارتفاعها فوق اعلي منسوب للسهول المحيطه بها‏.‏

وفي حاله عدم هطول المطر الغزير فان الطل اي رذاذ المطر الخفيف او الندي‏)‏ يكفيها لري نباتاتها وطيب ثمارها ووفره عطائها‏.‏

والمقصود بذلك ان الجنه بالربوه العاليه تزكو وتزدهر وتثمر وتجود بعطائها سواء كثر المطر عليها او قل‏.‏

وقد وصفت سوره البقره انفاق الصالحين من عباد الله‏,‏ الذين لايبغون من وراء انفاقهم الا مرضاه الله والثبات علي الحق بانه يزكو عند الله ويطيب‏(‏ زاد قدره ام قل‏)‏ تماما كما يزكو عطاء الجنه بالربوه العاليه زاد المطر عليها او قل‏.‏

وكل قضيه من هذه القضايا العلميه تحتاج الي معالجه مستقله‏,‏ ولذلك فاني سوف اقصر حديثي هنا علي النقطه الاخيره منها وهي المتعلقه بوصف الجنه بالربوه العاليه‏,‏ وقبل الدخول الي ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين القدامي والمعاصرين في تفسير تلك الايه الكريمه‏.‏

من اقوال المفسرين

في تفسير قوله‏(‏ تعالي‏):‏
{ ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنه بربوه اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير }
‏(‏البقره‏:265)‏

‏*‏ ذكر ابن كثير‏(‏ يرحمه الله‏)‏ ما مختصره‏:‏ وهذا مثل المؤمنين المنفقين اموالهم ابتغاء مرضات الله عنهم في ذلك‏(‏ وتثبيتا من انفسهم‏)‏ اي وهم متحققون ومتثبتون ان الله سيجزيهم عن ذلك اوفر الجزاء‏..‏

قال الشعبي‏:(‏ وتثبيتا من انفسهم اي تصديقا ويقينا‏).‏

وقوله تعالي‏:‏ ‏(‏كمثل جنه بربوه‏)‏ اي كمثل بستان بربوه‏,‏ وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الارض‏,‏ وزاد ابن عباس والضحاك‏:‏ وتجري فيه الانهار

وقوله تعالي‏:(‏ اصابها وابل‏)‏ وهو المطر الشديد‏...(‏ فاتت اكلها‏)‏ اي ثمرتها‏(‏ ضعفين‏)‏ اي بالنسبه الي غيرها من الجنان‏,(‏ فان لم يصبها وابل فطل‏).‏

قال الضحاك‏:‏ هو الرذاذ وهو اللين من المطر‏,‏ اي هذه الجنه بهذه الربوه لا تمحل ابدا لانها ان لم يصبها وابل فطل‏,‏ وايا ما كان فهو كفايتها‏,‏ وكذلك عمل المؤمن لا يبور ابدا بل يتقبله الله ويكثره وينميه‏,‏ كل عامل بحسبه‏,‏ ولهذا قال‏:(‏ والله بما تعملون بصير‏)‏ اي لايخفي عليه من اعمال عباده شئ

‏*‏ وجاء في تفسير الجلالين‏(‏ رحم الله كاتبيه‏)‏ ما مختصره‏:(‏ ومثل‏)‏ نفقات‏(‏ الذين ينفقون اموالهم ابتغاء‏)‏ طلب‏(‏ مرضات الله وتثبيا من انفسهم‏)‏ اي‏:‏ تحقيقا للثواب عليه‏,‏ بخلاف المنافقين الذين لا يرجونه‏,‏ لانكارهم له و‏(‏من‏)‏ ابتدائيه‏(‏ كمثل جنه‏)‏ بستان‏(‏ بربوه‏)‏ بضم الراء وفتحها‏,‏ مكان مرتفع مستو‏(‏ اصابها وابل فاتت‏)‏ اعطت‏(‏ اكلها‏)‏ بضم الكاف وسكونها‏,‏ اي‏:‏ ثمرها‏(‏ ضعفين‏)‏ مثلي ما يثمر غيرها‏(‏ فان لم يصبها وابل فطل‏)‏ مطر خفيف‏,‏ يصيبها ويكفيها لارتفاعها‏,‏ المعني‏:‏ تثمر وتزكو‏,‏ كثر المطر ام قل فكذلك نفقات من ذكر‏,‏ تزكو عند الله كثرت ام قلت‏(‏ والله بما تعملون بصير‏)‏ فيجازيكم به‏.‏

‏*‏ وذكر صاحب صفوه البيان لمعاني القران‏(‏ رحمه الله رحمه واسعه‏)‏ ما نصه‏:(‏ وتثبيتا من انفسهم‏)‏ اي كما انفقوا اموالهم في سبيل الله ابتغاء مرضاته انفقوها توطينا لانفسهم علي حفظ هذه الطاعه وترك ما يفسدها‏,‏ ف‏(‏ من‏)‏ بمعني اللام‏,‏ او تثبيتا للاسلام وتصديقا به‏,‏ وتحقيقا للجزاء الموعود به من اصل انفسهم‏,‏ فهي الدافعه له وهي المنشا والمبتدا‏.(‏ جنه‏)‏ تطلق علي الاشجار الملتفه المتكاثفه‏,‏ وهي الانسب هنا‏,‏ كما تطلق علي الارض المشتمله عليها‏.‏

‏(‏بربوه‏)‏ بمكان من الارض مرتفع عن السيل‏,‏ والعاده في اشجار الربي ان تكون احسن منظرا وازكي ثمرا‏.(‏ اكلها‏)‏ ثمرها‏.‏ وكل ماكول‏:‏ اكل‏.(‏ فطل‏)‏ فمطر خفيف يكفيها لطيبها وكرم منبتها‏.‏ والطل‏:‏ اضعف المطر وهو الرذاذ‏,‏ وجمعه طلال وطلل‏.‏
والمراد‏:‏ ان هذه الجنه تزكو وتثمر‏,‏ كثر المطر او قل‏,‏ فكذلك نفقه هؤلاء ابتغاء مرضاه الله وتثبيتا من انفسهم تزكو عند الله وتطيب‏,‏ كثرت او قلت‏.‏

‏*‏ وذكر اصحاب المنتخب في تفسير القران الكريم‏(‏ جزاهم الله خيرا‏)‏ ما نصه‏:‏ حال الذين ينفقون اموالهم طلبا لمرضاه الله وتثبيتا لانفسهم علي الايمان‏,‏ كحال صاحب بستان بارض خصبه مرتفعه يفيده كثير الماء وقليله‏,‏ فان اصابه مطر غزير اثمر مثلين‏,‏ وان لم يصبه المطر الكثير بل القليل فانه يكفي لاثماره لجوده الارض وطيبها‏,‏ فهو مثمر في الحالتين فالمؤمنون المخلصون لاتبور اعمالهم والله لا يخفي عليه شئ من اعمالكم‏.‏

وجاء تعليق الخبراء في الهامش بالنص التالي‏:‏ في تعبير القران الكريم بكلمه ربوه وهي الارض الخصبه المرتفعه اشاره الي ما كشفه العلم الحديث لانه بارتفاعها تبعد عن المياه الجوفيه ليغوص المجموع الجذري في التربه من غير ماء يضره‏,‏ ويتضاعف عدد الشعيرات الماصه لاكبر كميه من الغذاء للسيقان والمجموع الخضري فيتضاعف المحصول‏,‏ وللوابل من الامطار فائده فوق التغذيه انه يذيب بعض المواد التي لا تحتاج اليها النباتات‏,‏ ويغسلها من التربه لان وجودها مما يعطل نمو النباتات‏,‏ كما يغسلها من الافات‏.‏
‏*‏ وجاء في كل من تفسير الطبري والظلال‏(‏ رحم الله كاتبيه برحمته الواسعه‏)‏ وصفوه التفاسير‏(‏ جزي الله كاتبها خيرا‏)‏ كلام مشابه ولا اري حاجه الي تكراره هنا‏.‏

من الدلالات العلميه للايه الكريمه

من الامور المشاهده ان سطح الارض ليس تام الاستواء‏,‏ فهناك القمم السامقه للسلاسل الجبليه‏,‏ وهناك السفوح الهابطه‏,‏ لتلك السلاسل حتي تصل الي السهول المنبسطه والممتده الي ما فوق مستوي سطح البحر بقليل‏.‏
وبين القمم السامقه والسهول المنبسطه نجد الروابي او الربي‏(‏ جمع ربوه او رابيه‏),‏ والتلال جمع تل‏,‏ والاكام‏(‏ جمع اكمه‏)‏ وهي النتوءات الارضيه المختلفه دون الربوه‏,‏ ثم الهضاب‏(‏ جمع هضبه‏)‏ او النجود‏(‏ جمع نجد‏),‏ ثم السهول ومن بعد السهول ياتي كل من المنخفضات الارضيه علي اليابسه‏,‏ والمنخفضات البحريه‏(‏ المغموره بماء البحار والمحيطات‏),‏

ويرجع السبب في تباين تضاريس سطح الارض الي اختلاف التركيب الكيميائي والمعدني للصخور المكونه لها‏,‏ وبالتالي الي اختلاف كثافه تلك الصخور‏,‏ وذلك لان كتل الغلاف الصخري للارض تطفو فوق نطاق من الصخور شبه المنصهره يعرف باسم نطاق الضعف الارضي يحكمها في ذلك قانون الطفو‏:‏ تماما كما تطفو جبال الجليد في ماء المحيطات‏.‏

ويصل ارتفاع اعلي نقطه علي سطح الارض‏(‏ وهي قمه جبل افرست في سلسله جبال الهمالايا‏)‏ الي‏8848‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏,‏ بينما يقدر منسوب اخفض نقطه علي اليابسه‏(‏ وهي حوض البحر الميت‏)‏ بحوالي الاربعمائه متر تحت مستوي سطح البحر‏,‏ ويقدر متوسط منسوب سطح اليابسه بحوالي‏840‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏
وفي المقابل يصل اكثر اغوار المحيطات عمقا‏(‏ وهو غور ماريانا في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين‏)‏ الي اكثر قليلا من‏(11)‏ كيلو مترا‏,‏ بينما يصل متوسط اعماق المحيطات الي حوالي الاربعه كيلو مترات‏(3729‏ الي‏4500‏ متر‏)‏ تحت مستوي سطح البحر‏.‏

وهذا التباين في المناسيب وفر عددا هائلا من البيئات التي يتناسب كل منها مع انواع محدده من صور الحياه‏,‏ ومن ذلك ان اشجار الفاكهه والكستناء واشجار الثمار بصفه عامه تجود في الهضاب والنجود والروابي دون الالف متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ بينما يتوقف نمو الحبوب ودرنات البطاطس عند حوالي الالفي متر فوق مستوي سطح البحر‏(2160‏ مترا تقريبا‏)‏ ويصل الحد الاعلي لنمو الغابات الي حوالي‏2660‏ مترا فوق مستوي سطح البحر‏.‏

وتحديد بيئه الروابي للجنه المضروب بها المثل في الايه الكريمه التي نحن بصددها تحديد معجز لان هذه البيئه هي افضل البيئات المعروفه لنا لنمو اشجار الفاكهه ولنمو كل من اشجار الثمار الاخري كالزيتون واللوزيات والصنوبريات وغيرها وذلك لان بيئه الروابي تتميز بلطف مناخها‏,‏ ووفره مائها‏,‏ وزياده فرص تعرضها لاشعه الشمس‏,‏ ولامطار السماء‏,‏ ولرطوبه الجو‏,‏ ولحركه الرياح‏,‏ ولتجدد الهواء حولها‏,‏ وكذلك فهي انسب البيئات لنمو الاشجار بصفه عامه‏,‏ ولنمو اشجار الثمار بصفه خاصه‏.‏

فالروابي من اشكال سطح الارض المستويه والمرتفعه فوق مستوي سطح البحر ارتفاعا متوسطا يتراوح بين الثلاثمائه والستمائه متر‏.‏ لانها دون الجبل وفوق التل‏,‏ وعلي ذلك فان ماء المطر لايغرقها مهما انهمر بغزاره لاندفاعه بالجاذبيه الي المستويات الاقل في منسوبها من الربوه في المنطقه المحيطه بها وذلك بعد تشبع تربتها وصخورها بالقدر اللازم من الماء المرطب لها والمخزون فيها‏.‏ وضبط هذا المخزون المائي يساعد النبات علي القيام بجميع انشطته الحيويه بكفاءه دون اغراق او جفاف‏,‏ وذلك لان الجفاف يقضي علي النبات‏,‏ كما ان الاغراق بالماء‏,‏ او الزياده في مخزون الصخور والتربه منه يؤدي الي تعفن جذوره وتعطنها وتحللها مما يؤدي كذلك الي القضاء عليه‏.‏

وعند هطول المطر علي الربوه فان كلا من تربتها وصخورها‏,‏ والنباتات الناميه عليها ياخذ كفايته من الماء بينما يفيض الزائد عن تلك الكفايه الي المناسيب الاخفض حتي يصل الي الاوديه والسهول المحيطه بالربوه‏.‏ ويساعد انضباط كميه المخزون المائي في تربه وصخور الربوه علي امتداد المجموع الجذري للنباتات بصفه عامه‏,‏ وللاشجار منها بصفه خاصه الي ابعاد اعمق في كل من التربه والصخور مما يضاعف من كميه العناصر والمركبات التي يتاح لجذور النبات الوصول اليها وامتصاصها مع عصارته الغذائيه التي تستخلصها تلك الجذور من الارض‏,‏ كما يساعد علي زياده تثبيت النباتات بالارض ومقاومته لشده هبوب الرياح‏,‏ وغيرها من المتغيرات البيئيه‏.‏

ومن مميزات بيئه الروابي انها اذا نزلت بها الامطار هاطله تضاعف انتاجها واذا تضاءلت الرطوبه في الجو من حولها الي الرذاذ او الندي فقط فانها تعطي ثمارها وافره‏,‏ لان نباتات الربوه يمكنها الاستفاده بماء المطر مهما قل وبماء الندي الذي يتكثف من حولها بمعدلات اعلي من تكثفه في السهول او في بطون الاوديه المغلقه خاصه في المناطق الجافه‏.‏

وعلي ذلك فان اثمار كل من اشجار الفاكهه‏,‏ وغيرها من اشجار الثمار الاخري كالزيتون واللوزيات والصنوبريات يجود بشكل ملحوظ في الروابي المرتفعه فوق مستوي سطح البحر عنها في السهول المنبسطه والاوديه المغلقه‏,‏ وذلك لانها اذا اصابها المطر الغزير افادها ولم يضرها لسرعه انحسار مائه عنها بعد ريها ريا كافيا فتتحسن وتثمر ثمرا مضاعفا وان لم يصبها هذا الوابل من المطر الغزير فان الرذاذ الخفيف او الندي المتكثف حولها يمكن ان يوفيها حاجتها من الماء فتستمر في الحياه وتؤتي اكلها باذن الله‏.‏

هذا وقد شبهت الايه الكريمه المؤمنين الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله‏,‏ ابتغاء مرضاته‏,‏ وابتغاء التثبيت من انفسهم‏(‏ مهما تكن امكاناتهم الماديه‏)‏ بالجنه من الاشجار المثمره الناميه علي الربوه المرتفعه تحت ظروف بيئيه طيبه وفرت لها كل اسباب النماء والعطاء فاثمرت واعطت بسخاء شديد اذا نزل عليها ماء المطر‏,‏ وبسخاء ايضا اذا قل عليها المطر‏,‏ فعطاؤها لايتوقف ولا ينقطع تحت مختلف الظروف وكذلك المؤمنون الذين ينطلقون من منطلق الايمان الجازم بان الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الرزاق ذو القوه المتين فيبذلون في سبيله سواء كثرت امكاناتهم او قلت‏,‏ وذلك طلبا لمرضاته‏,‏ وتثبيتا من انفسهم لان من وسائل تربيه النفس الانسانيه اخراج المال في سبيل الله‏,‏ وفي ذلك يقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

{ومثل الذين ينفقون اموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من انفسهم كمثل جنه بربوه اصابها وابل فاتت اكلها ضعفين فان لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير}
‏(‏البقره‏:265)‏

وفي هذه الايه الكريمه اشاره واضحه الي تفضيل زراعه اشجار الثمار في اراضي الروابي بصفه عامه‏,‏ وهي اراض مسطحه مرتفعه‏,‏ دون الجبل‏,‏ وفوق التل‏(‏ يتراوح ارتفاعها بين ثلاثمائه وستمائه من الامتار فوق مستوي سطح البحر‏),‏ وهذه حقيقه علميه اثبتتها التجارب علي مدي عقود متتاليه‏,‏ وورودها في كتاب الله الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه علي نبي امي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين وكانت تعيش في صحراء جرداء قاحله‏,‏ لاتعرف الجنات ولا تعرف الاشجار المثمره غير نخيل التمر وبعض الاعناب الا في اماكن محدوده جدا منها‏,‏ ومن هنا ياتي هذا الوصف القراني شاهدا للقران الكريم بانه كلام الله الخالق الذي انزله بعلمه علي خاتم انبيائه ورسله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏

ولكونه الرساله الخاتمه فقد تعهد ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ بحفظه بنفس لغه وحيه‏(‏ اللغه العربيه‏)‏ فحفظه كلمه كلمه‏,‏ وحرفا حرفا‏,‏ من ايه زياده او نقص‏,‏ او تبديل او تغيير علي مدي يزيد علي الاربعه عشر قرنا والي ان يرث الله‏(‏ تعالي‏)‏ الارض ومن عليها وذلك تحقيقا للوعد الالهي الذي قال‏(‏ تعالي‏)‏ فيه‏:‏
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
‏(‏الحجر‏:9)‏

فالحمد لله علي نعمه القران‏,‏ والحمد لله علي نعمه الاسلام‏,‏ والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله‏,‏ والحمدلله في الاخره والاولي والصلاه والسلام علي خاتم الانبياء والمرسلين‏,‏ وعلي اله وصحبه‏,‏ ومن تبع هداه‏,‏ ودعا بدعوته الي يوم الدين‏.‏


بقلم: أد. زغلول النجار

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .