المناسبة فى القرآن |
الكاتب: أ./ أحمد حسن |
تعريف المناسبة في اللغة: المشاكلة والقرابة. في الاصطلاح: عرفه البقاعي بقوله: "علم تعرف منه علل الترتيب". وموضوعه: أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب. وثمرته: الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له وما وراءه وما أمامه، من الارتباط والتعلق الذي هو كلحمة النسب، هذا بالنسبة لعلم المناسبة بشكل عام؛ أما: علم مناسبات القرآن: فهو علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة، لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتوقف الإجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب من ذلك فيها، ويفيد ذلك المقصود من جميع جمله. ونسبته من علم التفسير، نسبة البيان من علم النحو[1]. وعلم المناسبة على نوعين: أولاً: مناسبة الآي بعضها لبعض وهي بيان ارتباطها وتناسقها كأنها جملة واحدة، ومرجعها إلى معنى رابط بينها عام أو خاص، عقلي أو حسي، أو غير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب، والعلة والمعلول، والنظيرين والضدين ونحوه [2]. ثانيًا: مناسبة السور بعضها لبعض، وهو ثلاثة أنواع: أحدها: تناسب بين السورتين في موضوعهما، وهو الأصل والأساس. ثانيهما: تناسب بين فاتحة السورة والتي قبلها كالحواميم. ثالثها: مناسبة فاتحة السورة لخاتمة ما قبلها، مثل (وإدبار النجوم … والنجم إذا هوى). ويوجد نوع رابع من المناسبة، وهو مناسبة فاتحة السورة لخاتمتها، أفرده السيوطي بالتأليف كتب فيه جزءا صغيرا سماه (مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع)[3]. شرف هذا العلم وفائدته المناسبة علم شريف، متحرر نبه العقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول. وفائدته: جعل أجزاء الكلام بعضها آخذ بأعناق بعض، فيقوى بذلك الارتباط، ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم، المتلائم الأجزاء[4]. قال الإمام فخر الدين الرازي: "أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط"، وقال بعض الأئمة: "من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض لئلا يكون منقطعا، وهذا النوع يهمله بعض المفسرين أو كثير منهم وفوائده غزيرة". قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين: "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني علم عظيم". وقال الشيخ العز بن عبد السلام: " المناسبة علم حسن، ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر". وقال البقاعي: " … وبهذا العلم يرسخ الإيمان في القلب، ويتمكن من اللب، وذلك لأنّ يكشف أن للإعجاز طريقين: أحدهما: نظم كل جملة على حيالها.، بحسب التركيب. والثاني: نظمها مع أختها بالنظر إلى الترتيب. والأول أقرب تناولاً، وأسهل ذوقًا؛ فإن كل من سمع القرآن من ذكي وغبي يهتز لمعانيه، ويحصل له عند سماعه روعة بنشاط، ورهبة مع انبساط ، لا تحصل عند سماع غيره، ولكلما دقق النظر في المعنى عظم عنده موقع الإعجاز، ثم إذا عبر الفطن من ذلك إلى تأمل ربط كل جملة بما تلته وما تلاها خفي عليه وجه ذلك، ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متباينة المقاصد؛ فظن أنّها متنافرة، فحصل له من القبض والكرب أضعاف ما كان حصل له بالسماع من الهز والبسط، فربما شككه ذلك، وتزلزل إيمانه، وزحزح إيقانه. وربما وقف كثير من أذكياء المخالفين عن الدخول في هذا الدين، بعدما وضحت إليه دلائله، وبرزت له من جمالها دقائقه وجلائله لحكمة أرادها منزله، وأحكمها بجمله ومفصله، فإذا استعان الله، وأدام الطرق لباب الفرج بإنعام التأمل وإظهار العجز، والوثوق بأنّه في الذروة من إحكام الربط، كما في الأوج من حسن المعنى واللفظ، لكونه من جلّ عن شوائب النقص، وحاز صفات الكمال إيمانا بالغيب، وتصديقا بالرب، قائلاً ما قال الراسخون في العلم: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}، فانفتح له ذلك الباب ولاحت له من ورائه بوارق أنوار تلك الأسرار، رقص الفكر فيه طربا، وسكر والله استغرابا وعجبا، وطاش لعظمة ذلك جنانه، فرسخ من غير ريبة إيمانه، ورأى أن المقصود بالترتيب معان جليلة الوصف بديعة الرصف، عليَّة الأمر، عظيمة القدر، مباعدة لمعاني الكلام على أنّها منها أخذت، فسبحان من أنزله وأحكمه وفصله، وغطّاه وجلاّه، وبينه غاية البيان وأخفاه، وبذلك أيضا يوقف على الحق من معاني آيات حار فيها المفسرون لتضييع هذا الباب من غير ارتياب… وبه تتبين لك أسرار القصص المكررات، وأنّ كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنى أدعى في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له في السورة الثانية السابقة، ومن هنا اختلفت الألفاظ بحسب تلك الأغراض، وتغيرت النظوم بالتأخير والتقديم، والإيجاز والتطويل، مع أنّه لا يخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكونت به القصة، وعلى قدر غموض تلك المناسبات يكون وضوحها بعد انكشافها". أول من تكلم بالمناسبة قال الشيخ أبو الحسن الشهراباني: "أول من أظهر علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري[5]، وكان غزير العلم في الشريعة والأدب، وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه: لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه الآية؟ وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟ وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة". من أفرده بالتصنيف لقد أفرده بالتصنيف الأستاذ أبو جعفر بن الزبير[6] شيخ الشيخ أبي حيان في كتاب سماه: (البرهان في مناسبة ترتيب القرآن) ، والشيخ برهان الدين البقاعي في كتابه: (نظم الدرر في تناسب الآي والسور)[7]، والسيوطي في كتابه: (أسرار التنزيل)، و(تناسق الدرر في تناسب السور)، و(مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع)، وأبو الفضل عبد الله محمد الصديق الغماري في كتابه: (جواهر البيان في تناسب سور القرآن)، وللمولوي أشرف علي التهانوي كتاب أسماه: (سبق الغايات في نسق الآيات)، وللمعلم عبد الحميد الفراهي كتاب أسماه:(دلائل النظام)، وإن كان النظام عنده أعم من المناسبة كما سيأتي. من عرض له من المفسرين ممن اعتنى بالمناسبة من المفسرين الإمام الرباني أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن البخيبي اليمني الحرّالي، نزيل حماة من بلاد الشام في تفسيره الذي يقول فيه البقاعي:"… فرأيته عديم النظير، وقد ذكر فيه المناسبات، وقد ذكرت ما أعجبني منها وعزوته إليه". وابن النقيب الحنفي في تفسيره، وهو في نحو ستين مجلدا، يذكر فيه المناسبات بالنسبة إلى الآيات لا جملها وإلى القصص لا جميع آياتها. والفخر الرازي في كتابه: (التفسير الكبير)، وأبو السعود في تفسيره، والمراغي في تفسيره، والزمخشري في الكشاف، والسيد رشيد رضا في تفسير المنار، والمخدوم المهايمي الهندي في تفسيره: (تبصير الرحمن وتيسير المنان)، وسيد قطب في كتابه: (في ظلال القرآن). وممن عرض له من الكتاب الدكتور محمد عبد دراز في كتابه: (النبأ العظيم)، والمعلم الفراهي[8] في كتابه: (فاتحة نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان)، (ودلائل النظام)، هذا بالإضافة إلى ما كتبه الزركشي في (البرهان)، والسيوطي في (الإتقان)، وإن كان ما قاله السيوطي لا يختلف كثيرا عما قاله الزركشي. =============== المراجع [1] راجع مقدمة تفسير البقاعي: نظم الدرر في تناسب الآي والسور. [2] انظر الإتقان للسيوطي ص108، من الجزء الثاني. [3] انظر الجواهر البيان في تناسب سور القرآن للغماري: ص14 ،16. [4] توهم عبارة الزركشي أن علم المناسبة هو الذي يجعل أجزاء الكلام بعضها آخذ بأعناق بعض، في حين أن الارتباط قائم وموجود في الأصل، ولكن علم المناسبة هو الذي يكشف هذا الارتباط ويميط عنه اللثام فيبدو بعد أن كان خافيًا. [5] هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري الفقيه الشافعي الحافظ، رحل في طلب العلم إلى العراق والشام، ومصر وقرأ على المزني، ثم سكن بغداد، وصار إماما للشافعية بالعراق, وتوفي عام 324هـ، انظر: اللباب:2/252، طبقات القراء:1/449، شذرات الذهب:2/302. [6] هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم الزبير الأندلسي النحوي الحافظ صاحب كتاب: الذيل على الصلة، توفي عام807 هـ، انظر ترجمته في الدرر الكامنة:1/84ـ86. [7] مخطوط بدار الكتب المصرية ومنه نسخة مصورة بالمكتبة الأزهرية. [8] هو حميد الدين بن أحمد عبد الحميد الأنصاري الفراهي ولد رحمه الله 1280هـ في قرية فريها من قرى مديرية أعظم كره في الهند، له مؤلفات كثيرة في علوم القرآن وهو صاحب التفسير:نظام القرآن، ودلائل النظام، والتكميل في أصول التأويل، ومفردات القرآن، وجمهرة البلاغة، وغيرها توفي عام 1349هـ. ========== |
![]() |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الاثنين، 19 ديسمبر 2011
المناسبة فى القرآن
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق