إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الثلاثاء، 31 يناير 2012

من أحب بالوصف

من أحب بالوصف

الكلام في ماهية الحب
الحب - أعزك الله - أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف،
فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة،
إذ القلوب بيد الله عز وجل وقد أحب من الخلفاء المهدبين والأئمة الراشدين كثير،


ومن غريب أصول العشق أن تقع المحبة بالوصف دون المعاينة،

وهذا أمر يترقى منه إلى جميع الحب، فتكون المراسلة والمكاتبة والهم والوجد والسهر على غير الإبصار، فإن للحكايات ونعت المحاسن ووصف الأخبار تأثيراً في النفس ظاهراً.

وأن تسمع نغمتها من وراء جدار، فيكون سبباً للحب واشتغال البال. و

هذا كله قد وقع لغير ما واحد، ولكنه عندي بنيان هار على غير أس، وذلك أن الذي أفرغ ذهنه في هوى من لم ير لا بد له إذ يخلو بفكره أن يمثل لنفسه صورة يتوهمها وعيناً يقيمها نصب ضميره،
لا يتمثل في هاجسه غيرها، قد مال بوهمه نحوها،

فإن وقعت المعاينة يوماً ما فحينئذ يتأكد الأمر أو يبطل بالكلية، وكلا الوجهين قد عرض وعرف، و

أكثر ما يقع هذا في ربات القصور المحجوبات من أهل البيوتات مع أقاربهن من الرجال، وحب النساء في هذا أثبت من حب الرجال لضعفهن وسرعة إجابة طبائعهن إلى هذا الشأن، وتمكنه منهن. وفي ذلك أقول شعراً، منه:

 

ويا من لامني في حبمن لم يـره  طرفـي
لقد أفرطت في وصفكلي في الحب بالضعف
فقل هل تعرف  الجنةيوماً بسوى الوصـف


وأقول شعراً في استحسان النغمة دون وقوع العين على العيان منه:

 

قد حل جيش الغرام سمعيوهو على مقلتـي  يبـدو


وأقول أيضاً في مخالفة الحقيقة لظن المحبوب عند وقوع الرؤية:

 

وصفوك لي حتى إذا أبصرت ماوصفوا علمـت بأنـه  هذيـان
فالطبل جلـد فـارغ  وطنينـهيرتاع منـه ويفـرق الإنسـان


وفي ضد هذا أقول:

 

لقد وصفوك لي حتى  التقينافصار الظن حقاً في  العيان
فأوصاف الجنان  مقصراتعلى التحقيق عن قدر الجنان


وإن هذه الأحوال لتحدث بين الأصدقاء والإخوان، وعني أحدث.

خبر: إنه كان بيني وبين رجل من الأشراف ود وكيد وخطاب كثير، وما تراءينا قط. ثم منح الله لي لقاءه، فما مرت إلا أيام قلائل حتى وقعت لنا منافرة عظيمة ووحشة شديدة متصلة إلى الآن، فقلت في ذلك قطعة، منها:

 

أبدلت أشخاصنا كرهاً وفرط قلىكما الصحائف قد يبدلن بالنسـخ


ووقع لي ضد هذا مع أبي عامر بن أبي عامر رحمة الله عليه، فإني كنت له على كراهة صحيحة وهو لي كذلك، ولم يرني ولا رأيته، وكان أصل ذلك تنقيلاً يحمل إليه عني وإلي عنه، ويؤكده انحراف بين أبوينا لتنافسهما فيما كانا فيه من صحبة السلطان ووجاهة الدنيا، ثم وفق الله الاجتماع به فصار لي أود الناس وصرت له كذلك، إلى أن حال الموت بيننا. وفي ذلك أقول قطعة؛ منها:
 

أخ لـي كسبنيـه  اللـقـاءوأوجدني فيه علقـاً شريفـاً
وقد كنت أكره منه الجـواروما كنت أرغبه لـي أليفـاً
وكان البغيض فصار الحبيبوكان الثقيل فصار  الخفيفـا
وقد كنت أدمن عنه  الوجيففصرت أديم إليه  الوجيـف

ـا

وأما أبو شاكر عبد الرحمن بن محمد القبري فكان لي صديقاً مدة على غير رؤية، ثم التقينا فتأكدت المودة واتصلت وتمادت إلى الآن.


طوق الحمامة ابن حزم 
منقول

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .