إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 2 فبراير 2012

لله ثم للتاريخ .. حتى لا يتكرر



الكاتب باسل(من الساحات)
بسم الله الرحمن الرحيم
الثاني من ربيع الأول
سنوات طوال ، وأزمانا عديدة .. وهذا اليوم يمر .. مشرقا طيبا .. هادئا ساكنا .. جميلا وادعا .. تهب خلال ساعاته أرق النسائم .. وتغرّد في صباحه ومسائه الطيور  والحمائم  .. مبتهجة بذكر الله يصدح في كل مكان .. وصوت الأذان يتردد من على رؤوس المآذن لتسمع صداه الجميل الخاشع يسامي رؤوس الجبال ، ويعانق جمال التلال ..
يشرق الصباح على غرناطة فيغدو المسلمون إلى متاجرهم وأعمالهم ، تسير في أزقتها فترى قصورا  إسلامية الطابع .. سامقة البنيان .. تكاد تذهل وأنت تنظر إليها من روعة البناء ودقة التصميم  ،  وتذهب إلى سوق غرناطة .. وقد غدا المسلمون لطلب أرزاقهم .. كلٌّ منهم يسأل الله من واسع فضله ، فهنا تاجر يفتح متجره ، وهناك نجار يستعد للعمل في منجرته  ، وهذا خيّاط قد علّق ثيابا إسلامية الطابع  عربية الهوية على باب حانوته .. وبين حين وآخر تقطع  هدوء الصباح أصوات أهل السوق وهم يحيّون بعضهم بعضا بالسلام  ..
تنتقل في نواحي غرناطة .. حيث الخضرة والجمال .. والطبيعة والهدوء .. ترى خيوط أشعة الشمس وهي تنساب على المروج الخضراء .. فلا تملك إلا أن تردد بين جوانحك قول الحق جل وعلا (( فتبارك الله أحسن الخالقين ))  .. وبينما أنت في ذهولك من روعة الطبيعة وجمالها الأخّاذ .. يشد انتباهك ذلك الراعي وقد سار بماشيته على تلك التلال الخضراء الجميلة ، وهو يحمل كتاب الله في يده ، يقرأ أطهر الكلام ، ويغذّي روحه بأصدق الحديث ..
تتجه إلى مساجد غرناطة فترى إبداعا لا نظير له في التشييد والبناء ، بأيد إسلامية خالصة ، صنعت أجمل صور الحضارة ، ورسمت أروع مظاهر الرقي والتقدم ،،
تخطو خطوات إلى داخل أحد هذه المساجد .. فترى شيخا جليلا .. وقد تحلّق حوله طلابه .. ينهلون من معين العلم ، ويستقون من أنهار الحكمة .. وقد علت جوانب المكان معاني الطمأنينة ، ومظاهر الإيمان .. تقترب منهم .. فترى علما وحلما .. وأدبا وسموا .. وإيمانا وحكمة .. عالم فاضل .. تتدفق من بين جوانحة أنهار العلم ، وينهمر عبر كلماته وابل من الحكمة واليقين .. وطلابه بين يديه .. كأن على رؤوسهم الطير .. سَمْت طلاب العلم  قد بدا على وجوههم ، وظهر في حركاتهم وسكناتهم  ..
هذه الصورة الجميلة .. وهذه المشاهد الهادئة الوادعة .. كانت تتكرر على أرض غرناطة يوما بعد يوم ، وعاما بعد عام .. على مدى قرنين ونصف من الزمان .. حتى جاء يوم  الثاني من ربيع الأول عام ( 897 ) ليكون غريبا .. غريبا .. جدا !!يوم حزين .. وما أقبح الحزن بعد السعادة .. يوم ذليل .. وما أقبح الذلة بعد السيادة . . يوم كئيب .. ليس على أهل غرناطة وحدها .. بل على أهل الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها .. يوم مزعج  مؤلم ليس على أهل ذلك العصر فحسب .. بل هو باق على صفحات الزمان .. وذكريات التاريخ ..
في ذلك اليوم .. دوّت مدافع الهزيمة .. معلنة سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس ..
نعم .. سقطت غرناطة .. سقطت ..
إن تألّم الفؤاد فحق له أن يتألم .. وإن بكت العين فحق لها أن تبكي ..
كيف لا تتألم أيها القلب .. وشمس الإسلام تغرب اليوم عن ديار الأندلس .. !!
كيف لا تتألم أيها القلب .. وغرناطة .. تلك العروس الجميلة الوادعة  .. تنتقل من عصمة الإسلام .. إلى عصمة عبدة الصلبان .. ظلما وعدوانا !!
 بعد أكثر من ثمانمائة عام رفرفت فيها رايات التوحيد على  أرض الأندلس ..وانسابت أصداء الكلمات الإيمانية الخاشعة مع كل صلاة بين حقولها وبساتينها ، وترددت في أطرافها وأرجائها ..  هاهي الآن تعلن الوداع .. وتبكي الفراق 
دخلت جيوش ( فيردناند ) ملك النصارى .. إلى غرناطة .. وتوجه إلى قصر الحمراء.. قصرنا .. الذي بناه أجدادنا بأيديهم .. ورسموا فيه إبداعهم وبراعتهم
قصرنا .. الذي  تغنى في جماله الشعراء .. وتسابق في وصفه الأدباء ..
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا ** ما أجمل اللقيا بلا ميعاد
قالت هنا " الحمراء" رمز جدودنا ** فاقرأ على جدرانها أمجادي
عانقت فيها عندما ودّعتها ** رجلا يسمى " طارق بن زياد "
هل تعلم  ما هو أول عمل قام به فيردناند ؟؟صعد فوق أعلى برج من أبراج قصر الحمراء .. و نصب فوقه صليباً فضيَّاً طويلاً عريضاً ليعلن أن لا إسلام بعد اليوم على أرض الأندلس !!
ومنذ ذلك اليوم بدأت صور المأساة تتجلّى ، وظهر الحقد الصليبي على حقيقته .. وبدأت الآلام تتوالى على المسلمين ، ولا عجب .. فالله تعالى ققد بيّن حقيقة العدو وكشف سريرته (( (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون، لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة وأولائك هم المعتدون) ..
أحرقت الكتب التي طالما ملئت علما وفاضت حكمة نورا .. ودمّرت المكتبات التي كانت مصدر إشعاع يضئ أطراف أوروبا ذاتها ..
أما المساجد التي كانت تعج بذكر الله والصلاة .. فقد حولت إلى كنائس تقرع فيها أجراس الخرافات الصليبية .. وعٌلقت في أنحائها الصور والصلبان ..
لله درّكم أيها المسلمون .. تتكالب عليكم الأمم في كل وقت .. ويتداعى عليكم الأعداء في كل زمان ..
لقد فرض الصليبيون على المسلمين من أهل الأندلس أن يعتنقوا النصرانية .. ومن يولد له طفل فهو ملزم أن يأتي به إلى الكنيسة ، منعوهم من الختان أو ذبح الأضاحي أيام العيد ، وطمسوا كل مظهر من مظاهر الإسلام .. بل بلغ الأمر أن أطلقوا على المسلمين القدماء مسميات تدل على أنهم نصارى جدد ، فسموهم بالمدجّنين .. والمورسكيين ..
 
انتهت صفحة المأساة .. ولكن الجرح باق لم يلتئم ..
فما نسينا .. ولن ننسى .. أن لنا أرضا هناك تسمى
الأندلس .. ولن ننسى أن لنا قصرا هناك يسمى الحمراء .. ولن ننسى أن لنا تاريخا مجيدا .. يسمى ( الخلافة الإسلامية في الأندلس ) ..
عزيزي القارئ ..
إن حوادث الزمان .. وعبر التاريخ .. تدل دلالة واضحة أن المسألة مسألة عقيدة .. والقضية قضية مبادئ .. والحرب في المقام الأول على الدين .. وما بعده فهو تابع له ..
لست في حاجة لأن أكتب عن نتائج هذه المأساة التي انطوت صفحتها قبل أكثر من خمسمائة عام على أرض الأندلس .. ولكن العاقل من يستفيد من الأحداث ويعتبر من عظات  الزمان ..
وها نحن نشاهد الصورة تتكرر مرة أخرى ولكن بشكل أكبر .. والمأساة تعاد كرة ثانية ولكن بتخطيط أشمل وتنظيم أدق .. يرسمها أعداء الدين من اليهود والنصارى .. ليسقطوا معاقل المسلمين واحدة تلو الأخرى .. هدفهم أن لا يقال على الأرض يوما ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ولكن ..
(( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ))
فلسطين .. الجرح النازف .. و كشمير .. و الشيشان .. و البوسنة .. و كابول..  ثم بغداد .. ثم ... ثم ماذا ؟؟ !!
ثم ماذا ؟؟؟
إذا وجد العدو الفرصة .. فلن يتردد .. ولن يتوقف حتى يقضي على معاقل المسلمين واحدة تلو الأخرى ...
ولذا .. هذه وقفات مع نهاية هذا المقال  .. عسى أن يكون فيها تنبيه لغافل .. وتذكير لناسٍ  .. وهداية لمخطئ ..
1-  الحرب ليست للنفط ولا للحرية ولا للديموقراطية ولا للدمار الشامل .. الحرب في المقام الأول على الدين والعقيدة .
2- ما أصاب المسلمين من ذل وهوان وانكسار شوكة ليس بسبب قوة عدوهم وكثرة عدته وعتاده ، بل بسبب أنفسهم ، وتقصيرهم في طاعة ربهم ، وعدم اعتزازهم بدينهم والتزامهم بأحكامه وتعاليمه ، وانصرافهم عن تطبيق شرع الله فيما بينهم .
3- الخلاف شر وبلاء ، والفرقة والاختلاف أنفذ سهام العدو التي يصل  بها إلى المقتل  .. وضرب الأمن في البلاد ومحاولة إفساد العلاقة بين الراعي والرعية ، أعظم ما يتمناه العدو ، ولا يلزمه حينئذ إلا قليل من الانتظار ليتحيّن الفرصة المناسبة للانقضاض ، ويجد العلّة التي تبرر له التدخل .. ولذا فإن الجهاد المزعوم في بلاد الحرمين ومعقل الإسلام الأول .. هو الجهاد الوحيد الذي يحب شارون وبوش وأشباههما سماع أخباره .. والتلذذ بنتائجه ..
4- العلماء هم قادة الفكر للأمة ، ينيرون دربها ، ويوضحون طريقها ، ويصححون مسارها ، ولذا فإن التسلّق على مكانتهم ، وانتقاص قدرهم ، وإشاعة الكلام والطعن فيهم وفي نياتهم وتوجهاتهم مصيبة عظيمة ، وخطر محدق  .. فلا بد أن ترجع الأمة إلى علمائها .. تحترم رأيهم .. وتأخذ بقولهم .. وتستنير بفتاواهم .. والتاريخ يشهد أن العلماء دائما - بعد الله - هم ملاذ الأمة عند حلول الفتن واضطراب الأحوال .. ولذا لزام على كل مسلم أن يجدد ثقته بالعلماء .. وأن يجعل من نفسه سدا منيعا دون أعراضهم .. فإن ظهر له خطأ عالم في مسألة أو قضية ، فلا يسارع إلى القدح والتشهير ، فباب الحوار مفتوح .. وطريق النصيحة أوسع وأسلم ..
5- الدعاة .. والناصحون .. والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر .. هم صمام الأمان للمجتمع .. ووسائل النجاة على سفينة الأمة .. وإذا رأيت شخصا يقدح في داعية .. أو يتنقص مكانة عالم .. أو يهمز ويلمز .. فاغسل يديك منه .. واعلم أنه لا خير فيه .
6- ظهور الفساد في البلاد إيذان بتسليط العدو ، ووقوع الفتن والمحن ، والعودة إلى الله وصدق اللجوء إليه ، هو حبل النجاة ، ووسيلة الإنقاذ ، وإن لنا في قصة قوم يونس عليه السلام عظة وعبرة ..
7- المناهج الدخيلة ، والأفكار الشاذة المنحرفة ، المخالفة لمنهج الإسلام ، الداعية إلى التحرر من كل خلق ، والتمرد على كل فضيلة ، معول هدم ، وأداة تدمير ، تظل تنخر في ثوابت الأخلاق ، ومقومات الإيمان في المجتمع ، حتى تجعله كبيت العنكبوت  .. لا يصمد أمام الفتن ، ولا يقاوم الضربات ..
والله أعلى وأعلم ،،،

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .