إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 24 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة طه

مفاتيح سورة طه
أولاً:اسم السورة
لهذه السورة من الأسماء ما يلى :
1- طه(1)
وذلك – فيما روى الفيروزابادى – لافتتاح السورة .
وأما (طه) فمعناه على عدة أقوال ؛ منها(2) .
أ-أنها من المتشابه الذى لا يفهم المراد منه ، حيث استأثر الله تعالى بعلمه.
ب- أنها بمعنى يا رجل .
جـ- أنها اسم من أسماء الله وأقسم الله به .
د- أنها 0000 للنبى صلى الله عليه وسلم .
هـ أنها اسم للسورة .
و- أنها حروف مقطعة يدل كل واحد منها على معنى .
ز- أنها 00 0000 0000 00000 000 0
والصواب من هذه الأقوال .
أنها بمعنى : يا رجل . فيما يرى ابن 0000 الطبرى والواضح أن ابن كثير يميل إلى ذلك .
و00000000 الآلوس – فيما يبدو إلى القول بأن الكلمة معناها : لجأ الأرض بقدمك يا محمد لما كان يشق على أمه بالوقوف على رجل واحدة أثناء العبادة .
2- سورة الكليم(2)
والكليم : هو موسى عليه السلام .
وسميت السورة بذلك : حيث أن قصة الكليم عليه السلام تستغرق حوالى ثلثى آيات السورة .
ويذكر الإمام الفيروزابادى : اسماً ثالثاً ، وهو :
3- سورة موسى .
وذلك : لاشتمالها – كما يقول – على قصته مفصلة(4) .



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

آياتها(5) : (135) مائة وخمس وثلاثون آية .
كلماتها : (1341) ألف وثلاثمائة وإحدى وأربعمائة كلمة .
حروفها : (5242) خمسة آلاف ومائتان واثنتان وأربعون حرفاً .



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

أ‌- فى المصحف .. بعد : سورة "مريم" ، وقبل : سورة "الأنبياء" .
ب‌- فى النزول .. بعد : سورة "مريم" ، وقبل : سورة "الواقعة" .



رابعاً : سبب نزول السورة

يروى فى سبب نزولها عدة روايات .
منها :
أ- ما روى عن ابن عباس(6) : أن النبى صلى الله عليه وسلم .. كان أول ما نزل عليه الوحى ، يقوم على صدور قدميه إذا صلى .
فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) .
ب- وما روى عن ابن عباس أيضاً(6) : قال : قالوا لقد شقى هذا الرجل بربه .
فأنزل الله (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) .
جـ- وأشهرها وأبرزها(7) .. ما روى عن مقاتل :
أن أبا جهل والوليد بن المغيرة ومطعم بن عدى والنضر ابن الحارث .. قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتشقى حيث تركت دين آبائك .
فقال عليه الصلاة والسلام : بل بعثت رحمة للعالمين .
قالوا : بل أنت تشقى .
فأنزل الله تعالى (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ...) الآيات .
وذلك : رداً عليهم ، وتعريفاً لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن دين الإسلام هو السلام ، وهذا القرآن هو السبيل إلى نبل كل فوز ، وإدراك كل سعادة ، وأن ما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها .



خامساً : مكية السورة و مدنيتها

وهذه السورة : مما نزل بمكة .
ويبدو : أنها نزلت فى فترة مبكرة من العهد المكى ، ويشير إلى ذلك : ما هو مشهور فى قصة إسلام عمر بن الخطاب ، والمعروف أن إسلامه كان قبل الهجرة بخمس سنوات .
ومعنى ذلك : أنها كانت مما نزل قبل الخمس سنوات



سادساً : فضل السورة

تحفل كتب التفسير والحديث يذكر العديد من الروايات الدالة على فضل هذه السورة .
ومن ذلك :
1) سبباً فى إسلام عمر بن الخطاب(8) رضى الله عنه .
2)أسند الدارمى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله تبارك وتعالى قرأ طه و"يس" قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفى عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن ، قالت :
طوبى لأمة : ينزل عليها هذا .
وطوبى 000 : تحمل هذا .
وطوبى لألسنة : تتكلم بهذا .
3) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(أعطيت السورة التى ذكرت فيها الأنعام ، من الذكر الأول ،
وأعطيت سورة طه ، ... من ألواح موسى .
وأعطيت ... القرآن وخواتيم البقرة من تحت العرش .
وأعطيت المفصل : نافلة)(10) .
4) وأخرج ابن مردويه – أيضاً – عن أبى أمامة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال :
(كل قرآن يوضع عن أهل الجنة ، فلا يقرؤن منه شيئاً إلا سورة طه ويس، فإنهم يقرؤن بهما فى الجنة)(10) .



سابعاً : صلة السورة بما قبلها

تناسب هذه السورة مع التى قبلها واضح ، تؤكده النقاط التالية :
1) ما روى عن ابن عباس وجابر بن زيد أن طه نزلت بعد مريم(11) .
2) ما أخرجه البخارى وغيره عن ابن مسعود أنه قال :
هذه السورة – يقصد الإسراء – والكهف ، ومريم ، وطه ، والأنبياء هن: من العتاق الأول ، وهن من 000(11) .
وهذا : من أبرز وحدة الإرتباط والتناسب بينهما .
3) أن هذه السورة من السور الخمس التى احتوت على عجائب قدرة الله تعالى ، والسور – كما هو معلوم – هى :
وعجيبة هذه السورة : هى عصا موسى عليه السلام .
4)إذا كانت سورة مريم قد بدأت بالحروف المقطعة (كهيعص) .
فإن هذه – كذلك - بدأت بالحروف المقطعة (طه) .
5) إذا كان المولى سبحانه وتعالى تحدث عن القرآن وتيسيره للبشارة والإنذارة فى قوله تعالى بخاتمة مريم {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً} [مريم 97] .
6) إذا كان تعالى قد ذكر فى مريم العديد من قصص الأنبياء 00
تارة بالبسط الشديد : كقصة زكريا ، ويحيى ، وعيسى عليهما السلام .
وتارة بين البسط والإيجاز : كقصة إبراهيم عليه السلام .
وتارة بالإيجاز الشديد : كبقية الأنبياء المذكورين .
فإنه تعالى فى سورة طه :
بسط قصة موسى – التى أوجزت بمريم – غاية البسط والشرح .
ثم ... قصة آدم – نوعاً ما – بعد أن كان ذكره فى مريم مجرد إسم عابر فقط .
وثالثاً : أكمل الحديثعن باقى الأنبياء فى سورة الأنبياء التالية على نحو ما ذكر فيها(11) .



ثامناً : هدف السورة

الواضح فى آيات السورة وموضوعاتها جيداً أنها تهدف إلى أمرين(12) .
الأول : ترسيخ بعض أصول العقيدة .
الثانى : بيان سبيل الدعاة إلى الله تعالى – القويم . للوصول إلى النجاح فى مهمتهم .



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

تتكون هذه السورة من : مقدمة ، وثلاثة أقسام ، وخاتمة .
فالمقدمة : عبارة عن (8) آيات .
من الآية الأولى ، حتى نهاية الأية (8) .
وفيها :
حديث : مع النبى صلى الله عليه وسلم 00 تأنيس له ، وتخفيف عنه ، وتحديد لمهمته .
وبيان : لحكمة إنزال هذا القرآن ، بالإشارة إلى المستجيبين له ، المستفيدين منه .
وتعريف : على الله سبحانه وتعالى ، منزل هذا الكتاب ، ومرسل هذا النبى صلى الله عليه وسلم ، من خلال سعة قدرته ، وإحاطة علمه ، سبحانه
والقسم الأول : عبارة عن (90) آية .
من الآية (9) حتى نهاية الآية (98) .
وفيه :
قصة موسى عليه السلام ، وهى تعرض هنا على مراحل ثلاث :
المرحلة الأولى : جولته الأولى مع فرعون .
المرحلة الثانية : جولته الثانية مع فرعون .
المرحلة الثالثة : فترة من حياة موسى مع بنى إسرائيل .
ويلاحظ جيداً : أن ذكر قصة موسى عليه السلام بهذه الدقة ، وهذا التفصيل 00 بعد المقدمة ، التى تحدثت عن الله تعالى ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والقرآن : يشير بوضوح إلى أن ذكر هذه القصة ، هو من باب التدليل على أن هذا القرآن من عند الله ، الذى يعلم السر وأخفى ، ويعلم كل شئ ، ولو لم تكن المسألة كذلك : ما كان القرآن لينص علينا أنباء ما قد سبق بمثل هذه الدقة .
القسم الثانى : عبارة عن (16) آية .
من الآية (99) حتى نهاية الآية (114) .
وفيه :
حديث – مرة أخرى – مع النبى صلى الله عليه وسلم 00 تأنيس له ، وتذكير بمهمته ، وتهديد لمخالفته وبشارة لأتباعه صلى الله عليه وسلم ومحبيه 00 من خلال بيان بعض أحوال وأهوال يوم القيامة .
وبيان – مرة أخرى كذلك – لحكمة إنزال هذا القرآن .
وتعريف – كذلك – على الله سبحانه وتعالى منزل هذا الكتاب ، ومرسل هذا النبى صلى الله عليه وسلم ، وعلى بعض توجيهاته الربانية .
ويلاحظ جيداً : أن هذا القسم ، وإن كان يشابه المقدمة فى الموضوع والأسلوب 00 إلا أنه يؤكد بدوره على القصة حينما تعرض 00 فهى تهدف – بجانب أهدافها الكثيرة – إلى تأكيد أن هذا القرآن من عند الله تعالى ، حيث إن ما يساف فيها 00 لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى الذى يقول لحبيبه عن ذلك {كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق} تكثيراً لبيناتك ، وزيادة فى معجزاتك .
القسم الثالث : عبارة عن (13) آية .
من الآية (115) حتى نهاية الآية (127) .
وفيه :
قصة آدم عليه السلام ، والتى تكررت فى القرآن الكريم كثيراً ، وهى فى كل مرة – شأن القصص القرآنى – تنسجم مع محور السورة التى تذكر فيها ، وتؤدى دورها فى تحقيق هدف هذه السورة ، أو تلك مما تذكر فيها(19) .
وهى هنا ، تذكر : لتقليل الأشقاء الذى كتب على آدم عليه السلام ، وذريته من بعده .
كما أنها تذكر كذلك : لتصل إلى موضوع جزاء الإعراض عن كتاب الله تعالى ، فى الدنيا وفى الآخرة .
وأخيراً 00 تكون الخاتمة : وهى عبارة عن (8) آيات .
من الآية (128) حتى نهاية الآية (135) وهى خاتمة آيات السورة .
وفيها :
مناقشة : المعرضين ووعيدهم .
وأمر : المستجيبين ، وبشارتهم .
وإقامة الحجة : على المعاندين ، وتهديدهم .
ولذلك : فهى تدفع الإنسان فى الطريق المؤدى إلى الإيمان .
بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أنزل من قبل محمد صلى الله عليه وسلم .
كما تدفعهم : إلى الإيمان بالله واليوم الآخر .
كل ذلك : لتوصلهم إلى الهدى والفلاح .
ويلاحظ : أن هذه الخاتمة قد حققت هذا الغرض بأسلوب قريب مما كان فى مقدمة السورة ، حيث :
تحدثت من النبى صلى الله عليه وسلم ، آمرة له 00 بالصر ، والتسبيح ، والرضا ، وربط الأهل بالله تعالى .
وبيان : لاحتواء القرآن الكريم ، وما فى الصحف الأولى .
وتعريف على الله تعالى ، منزل هذا الكتاب ، ومرسل هذا النبى صلى الله عليه وسلم ، من خلال : سعة قدرته ، وإحاطة علمه ، سبحانه .



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

السورة تحفل بالموضوعات العديدة التى توصل هدفها إلى كل من ينعم بصره وبصيرته بتلاوة آياتها .
ومن هذه الموضوعات على سبيل الإشارة :
1) الحديث عن القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم .
وذلك : فى صدر السورة ، ووسطها ، وخاتمتها .
2) الحديث0 عن موسى عليه السلام .
وذلك : فى حوالى ثلثى آيات السورة – ويأتى هذا الحديث على جولات ثلاث :
الأولى : عن نبوة موسى عليه السلام وجولته الأولى مع فرعون .
الثانية : جولته الثانية مع فرعون .
الثالثة : الحديث عن 000 مراحل حياة موسى عليه السلام مع بنى إسرائيل.
3) الحديث عن قصة آدم عليه السلام ، وموقف الشيطان منه ، وحال ذريته من حيث الهداية والغواية إلى يوم القيامة .
4) الحديث عن بعض مشاهد يوم القيامة .
5) توضيح أسلوب الدعوة إلى الله تعالى .
6) التركيز الشديد على بعض أصول العقيدة .

وخلاصة ما تضمنته السورة الكريمة(14)

(1) إن القرآن أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم تذكرة لمن يخشى ، أنزله من خلق الأرض والسموات العلى .
(2) قصص موسى عليه السلام وتكليمه ربه فى الطور ، وحديث العصا واليد البيضاء من غير سوء ، وطلبه من ربه أن يجعل له أخاه هارون وزيراً وإجابة سؤاله على ذلك ، وامتنانه عليه بما حدث له حين وضع فى التابوت وألقى فى اليمّ وقصّ أخته ورجوعه إلى أمه ، ثم طلب ربه منه أن يبلغ فرعون دعوته وينصح له فى قبول دينه وإقامة شعائره ، وإجابة فرعون له بأنه ساحر كذاب ، وأنه سيجمع له السحرة ثم إيمان السحرة به فتوعدهم فرعون بالعذاب فلم يأبهوا له ، واستمر فرعون فى غيه حتى أوحى الله إلى موسى أن يخرج من مصر فأتبعه هو وجنوده فأغرقوا .
(3) حديث السامرى وإضلاله بنى إسرائل باتخاذه عجلاً جسداً له خوار حين كان موسى بالطور ، وحين رجع ورأى ذلك هاله الأمر وغضب من أخيه هارون وأخذ يجره من رأسه ، ثم إغلاظه القول للسامرى ودعوته عليه بأنه يعيش طريداً فى الحياة وسيعذبه الله فى الآخروة أشد العذاب ، ثم نسف إلهه وإلقاؤه فى اليمّ .
(4) بيان أن من أعرض عن القرآن فإنه سيلقى الجزاء والوبال يوم القيامة.
(5) ذكر أوصاف المجرمين حينئذ ، وأنهم يختلفون فى مدة لبثهم فى الدنيا.
(6) سؤال المشركين عن حال الجبال يوم القيامة ، وأن الأصوات حينئذ تخشع للرحمن فلا تسمع إلا همساً ، وأن الوجوه تخضع لربها القائم بأمرها .
(7) وصف القرآن الكريم بأنه عربى مبين أنزل تذكرة الناس ، وأن الله سيعصم رسوله من نسيانه ، فلا ينبغى أن يعجل بتلاوته قبل أن يتم تبليغ جبريل له .
(8) قصص آدم عليه السلام مع إبليس ، وترك آدم للعهد الذى وصاه به ربه وقبول نصيحة إبليس مما كان سبباً فى إخراجه من الجنة .
(9) بيان أن من أعرض عن ذكر ربه عاش فى الدنيا عيشة ضنكاً وعمى فى الآخرة عن الحجة التى تنقذه من العذاب ، لأنه قد كان فى الدنيا أعمى عنها تاركاً لها فتركه ربه من إنعامه .
(10) بيان أن فى الثلاث التى سلفت للأمم قبلهم بمن يمرون على ديارهم مصبحين وبالليل كعاد وثمود – ما كان ينبغى أن يكون رادعاً لهم وزاجراً لو تدبروا وعقلوا .
(11) إن كلمة الله قد سبقت بأنه سيؤخر عذاب المشركين إلى أجل مسمى وهو يوم القيامة .
(12) طلبه من رسوله تنزيهه والثناء عليه آناء يوم الليل وأطراف النهار وجاء أن يعطيه ما يرضيه .
(13) أمر رسوله بأن يأمر أهله بالصلاة ويصطبر هو عليها وهى لا تكون شاغلاً لهم عن الرزق .
(14) طلب المشركين من الرسول أن يأتيهم بآية من نوع ما أوتى الرسل الأولون .
(15) إن إنزال القرآن على رسوله ليزيح العلة ويمنع المعذرة يوم القيامة ، فلا يقولون : لولا أرسلت إلينا رسولاً وأتيتنا بكتاب نتبعه .
(16) وعيد المشركين بأنهم يتربصون ، وسيعلمون يوم القيامة لمن يكون حسن العاقبة ؟ .



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

نقتطف فى هذه العجالة بعضاً من الفوائد التى تفيض بها آيات السورة الكريمة .
ومن ذلك :
1) أن هذه السورة كانت سبباً فى إسلام عمر بن الخطاب على ما هو مشهور فى كتب السيرة .
2)فى قوله تعالى {ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى} [طه 2 ، 3] .
قال ابن كثير : ليس الأمر كما زعمه المبطلون الذين قالوا إن القرآن أنزل على محمد ليشقى ، بل من آتاه الله العلم ، فقد أراد 0000000000000000000000000000000000000000000000000
صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين) .
وبالطبع هذا رداً على من يقول :
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم
ثم قال : وما أحسن الحديث الذى روى عن النبى صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى للعلماء يوم القيامة إذا قعد على كرسيه بقضاء عباده : إنى لم أجعل علمى وحكمتى فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان منكم ولا أبالى) إسناده جيد(15) .
3) فى قوله تعالى {وما تحت الثرى} [طه 6].
قال القرطبى : ما تحت الصخرة التى لا يعلم ما تحتها إلا الله(5) .
وقال محمد بن كعب : ما تحت الأرض السابعة(16) .
وقال صاحب كتاب الأساس :
يذكر ابن كثير كلاماً مرجعه إما إلى الإسرائيليات ، وإما إلى حديث رواه مولاه من لا يساوى شيئاً ، ومن ثم أضربنا عن نقله .
إلا أننا نذكر أن علم الجيولوجيا المعاصر ، أثبت أن فى الأرض طبقات، وقد اكتشف منها حتى الآن خ مس طبقات ، كل طبقة تختلف عن الأخرى 00 إلخ.
وبما أن كلمة الثرى تعنى : التراب .
ففى لسان العرب :
الثرى : التراب الندى . وهو ما تحت الأرض .
وثريت الأرض ثرى ، فهى : تربية كثر نداها .
ويقال : ثريت بفلان فإنا ثرى به أى غنى عن الناس .
ويقال : فلان قريب الذى أى الخير(17) .
ومن هنا : فأكاد أفهم أن هذه الجملة التى جاءت بها الآية الكريمة وهى خارجة ، عن القسمة العقلية لملكوت الله تعالى حيث ما جاء به الآية السادسة من السورة .
أقول : لعل المراد بها : أن يطمئن الله عباده ، بما أودع لهم من الخير تحت تراب كل بلد من بلادهم ، بما يكفيهم أن يعيشوا فى رغد إلى آخر الزمان لو استخرجوه . والله أعلم .
4)فى قوله تعالى {وما تلك بيمينك يا موسى 00} [الآيتان 17 ، 18] .
جوز فى إيثار قوله تعالى {ما فى يمينك} على {عصاك} وجهان : أحدهما – أن يكون لها تعظيماً لها . أى لا تحتال بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة . فإن فى يمينك شيئاً أعظم منها كلها . وهذه على كثرتها أقل شئ وأنزره عنده . فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها . وثانيهما – أن يكون تصفيراً لها أى لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم . وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذى فى يمينك . فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها ، وصغره وعظمهاه . وإنما المقصود بتحقيرها فى جنب القدرة ، تحقير كيد السحرة بطريق الأولى . لأنها إذا كانت أعظم منه وهى حقيرة فى جانب قدرة الله تعالى ، فما الظن بكيدهم وقد تلقفته هذه الحقيرة الضئيلة؟
ولأصحاب البلاغة طريق فى علوّ المدح بتعظيم جيش عدوّ الممدوح ، ليلزم من ذلك تعظيم جيش الممدوح وقد قهره واستولى عليه . فصغر الله أمر العصا ، ليلزم منه كيد السحرة الداحض بها فى طرفة عين .
واعلم أنه لابد من نكتة تناسب الأمرين – التعظيم والتحقير – وتلك ، والله أعلم , هى إرادة المذكور بهما ، لأن {ما فى يمينك} أيهم من {عصاك} وللعرب مذهب فى التنكير والإبهام ، والإجمال ، تسلكه مرة لتحقير شأن ما أبهمته ، وأنه عند الناطق به أهون من أن يخصه ويوضحه . ومرة لتعظيم شأنه ، وليؤذن أنه من عناية التكلم والسامع بمكان ، يغنى فيه الرمز والإشارة . فهذا هو الوجه فى إسعاده بهما جميعاً .
ثم قال النصار : وعندى فى الآية وجه سوى قصد التعظيم والتحقير . والله أعلم . وهو ؛ أن موسى عليه السلام ، أول ما علم أن العصا آية من الله تعالى ، عندما سأله عنها بقوله تعالى {وما تلك بيمينك يا موسى} ثم أظهر له تعالى آيتها ، فما دخل وقت الحاجة إلى ظهور الآية منها ، قال تعالى {وألق ما فى يمينك} ليتيقظ بهذه الصيغة للوقت الذى قال الله تعالى له {وما تلك بيمينك} وقد أظهر له آيتها ، فيكون ذلك تنبيهاً له وتأنيساً ، حيث خوطب بما عهد أن يخاطب به وقت ظهور آيتها . وذلك مقام يناسب التأنيس والتثبيت . ألا ترى إلى قوله تعالى {فأوجس فى نفسه خيفة موسى} ؟ .
ولأبى حيان نكتة أخرى . وهى ما فى اليمين من الإشعار باليمن والبركة . ولا يقال جاء فى سورة الأعراف {ألق عصاك} والقصة واحدة . لأنه يجاب بأنه مانع من رعاية هذه النكتة فيما وقع هنا . وحكاية ما جاء بالمعنى .
5) فى قوله تعالى {قال رب اشرح لى صدرى ويسر لى أمرى واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى واجعل لى وزيـراً من أهلى هارون أخى 00}[طه 25-36].
لما أمر الله موسى بالذهاب إلى الطاغية دعا هذه الدعوات لعلمه باحتياج إليها : من شرح الصدر ، وتيسر الأمر ، وطلاقة اللسان ، 00000 على السراء والضراء .
ومن عانى أمر الدعوة إلى الله عرف أهمية هذه الدعوات .
فبدون شرح الصدر : لا يستطيع الإنسان أن يقوم : لدعوة إلى الله ، لا أن يتحمل متاعبها .
وبدون تيسير الأمر : ينكسر قلب الداعية إلى الله .
وبدون طلاقة لسان لا تقدم حجة ، ولا يوصل إلى المقصود .
وبدون 0000 فى السراء والضراء ، يستشار وتبث الشكوى إليه : يحس الداعية بغربة هائلة مجزئة(13) .
ولذلك ورد : أن رسولنا صلى الله عليه وسلم دعا ربه بهذه الدعوات .
6) فى قوله تعالى {واجعل لى وزيراً من أهلى} [طه 29] .
أدب الأخوة فى الله ، والغاية منها .
فالأدب : شد الأزر ، والاشتراك فى الأمر .
والهدف : ذكر الله وتسبيحه .
مما لم 0000 بالأخوة كثرة الذكر ، لا تكون خالصة فى البر .
وإذا كان لها هدف آخر غير ذلك : فليست أخوة فى البر(13) .
7) فى قوله تعالى {قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى}. فى تخيير السحرة بين إلقاء موسى وإلقائهم : استعمال ادب حسن معه ، وتواضع له [طه 65 ، 66] .
وخفض جناح . وتنبيه على إعطائهم النصفة من أنفسهم . وكأن الله عز وعلا ألهمهم ذلك ، وعلم موسى – صلوات الله عليه – اختيار إلقائهم ، أولاً ، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب ، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر ، ويستنقذهن أقصى طرفيهم ومجهودهم . فإذا فعلوا أظهر الله سلطانه ، وقذف بالحق على الباطل فدمغه ، وسلط المعجزة على الجسر فمحقته ، وكانت آية نبرة للناظرين ، وعبرة بينة للممترين . وقبل ذلك تأدبوا معه بقولهم {فاجعل بيننا وبينك فاجعل موعداً لا نخلفه} ففوضوا ضرب الموعد إليه . وكما ألهم الله عز وجل موسى هاهنا ، أن يجعلهم مبتدئين بما معهم ، ليكون إلقاؤه العصا ، بعد ، قذفاً بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ، كذلك ألهمه من الأول ، أن يجعل موعدهم يوم زينتهم وعيدهم ، ليكون الحق أيلج على رؤوس الأشهاد ، فيكون أفضح لكيدهم وأهتك لستر حرمهم .
8) فى قوله تعالى {ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعونى وأطيعوا أمرى} [90 وما بعدها] .
الأول – اعلم أن هارون عليه السلام ، سلك فى هذا الوعظ أحسن الوجوه . لأنه زجرهم عن الباطل ، أولاً بقوله {إنما فتنتم به} ثم دعاهم لمعرفة الله تعالى ثانياً بقوله {وإن ربكم الرحمن} ثم دعاهم ثالثاً إلى معرفة النبوة بقوله تعالى {فاتبعونى} ثم دعاه إلى الشرائع رابعاً بقوله {وأطيعوا أمرى} وهذا هو الترتيب الجيد . لأنه لابد قبل كل شئ فى إماطة الأذى عن الطريق ، وهو إزالة الشبهات . ثم معرفة الله تعالى ، فإنها هى الأصل . ثم النبوة ثم الشريعة . فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه . أفاده الرازىّ .
وقد برأ الله تعالى بهذه الآيات البينات ، هارون عليه السلام مما افتراه عليه كتبة التوراة ، من أنه هو السامرىّ الذى اتخذ العجل وأمر بعبادته ، كما هو موجود عندهم . وهو من أعظم الفرى ، بلا امترا .
الثانى – عامة المفسرين قالوا : المراد بالرسول فى قوله تعالى {فقبضت قبضة من أثر الرسول} هو جبريل عليه السلام . وأراد بأثره ، التراب الذى أخذه من موضع حافر دابته . ثم اختلفوا : أن السامرىّ متى رآه ، فقيل : إنما رآه يوم فلق البحر . وقيل : وقت ذهابه بموسى إلى الطور .
واختلفوا أيضاً فى : أن السامرىّ كيف اختص برؤية جبريل عليه السلام ، ومعرفته من بين سائر الناس ؟ فقيل إنما عرفه لأنه رآه فى صغره ، وحفظه من قتل آل فرعون له ، وكان ممن رباه . وكل هذا ليس عليه أثارة من علم ولا يدل عليه التنزيل الكريم . ولذا قال أبو مسلم الأصفهانىّ : ليس فى القرآن تصريح بهذا الذى ذكره المفسرون . فهاهنا وجه آخر وهو : أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام . وبأثره سنته ورسمه الذى أمر به ، فقد يقول الرجل : فلان يقفو أثر فلان ويقبض أثره ، إذا كان يمتثل رسمه . والتقدير ، أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامرىّ باللوم ، والمسألة عن الأمر الذى دعاه إلى إضلال القوم فى باب العجل ، فقال {بصرت بما لم يبصروا به} أى عرفت أن الذى أنتم عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ، أى شيئاً من سنتك ودينك. فقذفته ، أى طرحته . فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب فى الدنيا والآخرة . وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب ، كما يقول الرجل لرئيسه هو ومواجه له : ما يقول الأمير فى كذا ؟ وبماذا يأمر الأمير ؟
وأما دعاؤه موسى عليه السلام رسولاً ، مع جحده وكفره ، فعلى مثل مذهب من حكى الله تعالى عنه قوله(1) {يا أيها الى نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر 6] وإن لم يؤمنوا بالإنزال . انتهى .
0000 معذرتهم . فعند ذلك ، قالوا : بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ {قل} أى لأولئك الكفرة المتمردين {كل} أى منه ومنكم {متربص} أى منتظر لما يؤول إليه أمرنا وأمركم {فتربصوا فستعلمون} أى عن قرب {من أصحاب الصراط السوى} أى المستقيم {ومن اهتدى} أى من الزيع والضلالة . أى هل هو النبىّ وأتباعه ، أم هم وأتباعهم .
وقد حقق الله وعده . ونصر عبده . وأعز جنده . وهزم الأحزاب وحده ، فله الحمد فى الأولى والآخرة .
9) فى قوله تعالى (وعنت الوجوه للحى القيوم} [طه 111] .
قال تعالى {وعنت} ولم يقل {وخضعت} أو {خشعت} .
لأن هذا اللفظ يحمل ما فى هذه الألفاظ مع زيادة الإشعار بالمعاناة والإجهاد والإذلال والتعب والشقاوة .
وإلا فإن الخضوع والخشوع وأحياناً يكون مع الاقتناع والمحبة .
10) فى قوله تعالى {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه 117] .
ما يفيد أن الخروج كان لهما معاً .
وما يفيد – فى نفس الوقت – أن الشقاء بعد هذا الخروج ، أى فى الدنيا ، سيكون عليه وحده .
والشقاوة هنا : هى شقاوة البدن ؛ نظراً للكد والكسب والعمل .
وفى هذا ما يفيد : أنه لا عمل على المرأة يتعلق بكسب الرزق وأمور المعيشة ، وأن وظيفتها الأساسية : تربية الإنسان ، واستمرار وجوده .
11) فى قوله تعالى {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً 000} [طه 124] .
هذه الآية : توهم التناقض بين المفهوم منها ، وبين الواقع المشاهد لما عليه الكفار من المعيشة الرغدة وما عليه أكثر المؤمنين من المعيشة الضنك .
ويزول هذا التناقض بفهم معنى الآية كما ذكره العلماء 00000
ويذكرون فى ذلك أقوالاً منها :
أ‌- قال عكرمة : الضنك ، الكسب الحرام(6) .
ب‌- وقال الحسن : هو طعام الضربع والزقوم(16) .
وهذان القولان : لا يزيلان التوهم العالق بالأذهان فيما أرى .
جـ- أن الله تعالى جعل مع الدين التسليم والقناعة والتوكل عليه وعلى قسمته وعدله ، وصاحب الدين يتفق بسماح وسهولة ، ويعيش عيشة راضية(16).
أما الكافر – كما قال ابن كثير : فلا طمأنينية له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق فرج ؛ لضلاله وإن مُنعم ظاهرة ، وليس ما شاء ، وأكل ما شاء ، وسكن ما شاء ، فإن قلبه ما لم يخلص إلى 0000 والهدى ، فهو فى قلق وحيرة وشك ، فلا يزال فى ريبة يتردد .
د- أن المعيشة الضنك "عذاب القبر" وقال الإمام القرطبى : وهو الصحيح.
وذكر أن فى ذلك : قاله أبو سعيد الخدى ، وعبد الله ابن مسعود .
وأن أبا هريرة روى عن النبى صلى الله عليه وسلم مرفوعاً أنه قال : (يضيق على الكافر فى قبــره ، حتى تختـلف أضلاعه ، وهو المعيشة الضنك)(15).



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

1- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/37
الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/311
القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة طه)
السيوطى .. الاتقان (النوع 17)
الآلوس .. روح المعانى (تفسير سورة طه)
2- أنظر : الطبرى .. جامع البيان ( " " " )
الفخر الرازى .. مفاتيح الغيب ( " " " )
القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن ( " " " )
ابن كثير .. تفسير القرآن العظيم ( " " " )
الآلوس .. روح المعانى ( " " " )
الشوكانى .. فتح القدير ( " " " )
3- أنظر : السخاوى ، السيوطى ، الآلوس .. (مصادر سابقة)
4- الفيروزابادى .. (مصدر سابق)
5- أنظر : مكى بن أبى طالب.. التبصرة ص 258
السخاوى .. جمال القراء 1/2.7
الفيروزابادى .. بصائر 1/31.
الآلوس .. روح المعانى (تفسير سورة طه)
.. نثر المرجان 4/264
6- الواحدى .. أسباب النزول
7- أنظر : الواحدى .. تفسير
الفخر الرازى .. مفاتيح الغيب (تفسير سورة طه)
8- أنظر : قصة إسلام عمر بن الخطاب فى كتب السيرة .
9- الدارمى .. سنن الدارمى : كتاب فضائل القرآن ، باب فضل سورة طه ويس، والحديث أخرجه ابن خزيمة فى التوحيد ، والعقيلى فى الضعفاء ، والطبرانى فى الأوسط ، وابن عدى ، وابن مردويه ، والبيهقى فى الشعب .. وفيه : نكارة .
10- الشوكانى ...... .......
11- الآلوس .. روح المعانى (تفسير سورة طه)
12- د/ محمد البهى.. (تفسير سورة طه) ص 3 وما بعدها
13- أنظر : سعيد حوى .. الأساس فى تفسير القرآن(تفسير سورة طه)
14- المراغى .. تفسير المراغى ( " " " )
15- ابن كثير .. تفسير القرآن العظيم ( " " " )
16- القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن ( " " " )
17- ابن منظور .. لسان العرب (مادة : ثرا)
18- القاسمى .. محاسن التأويل (تفسير سورة طه)
19- أنظر : القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة طه) التذكرة ص168



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .