إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 24 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة مريم

مفاتيح سورة مريم
أولاً:اسم السورة
تسمى هذه السورة بـ :
1) سورة مريم :
وذلك لاشتمالها على قصتها ونبئها الجارف ، وتشريعاً للسيدة العذراء ، البتول ، مريم إبنة عمران ، وتخليداً لتلك المعجزة الباهرة فى خلق إنسان بلا أب ، ثم انطاق الله للوليد وهو طفل فى المهد ، وما جرى من أحدث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام .
وقال المهايمىَّ : لأن قصتها تشي إلى أن من اعتزل من أهله لعبادة الله ، وطلب بها إشراف نوره 00 يرجى أن يكشف له عن صفات الحق ، وعن عالم الملكوت ، وتظهر له الكرامات العجيبة(4) .
هذا 00
ولم تذكر امرأة باسمها صريحاً فى القرآن الكريم 00 إلا "مريم" ، عليهما السلام(5) .
وقد ذكر صاحب الفتوحات الإلهية أنها ذكرت فى القرآن الكريم فى ثلاثين موضعاً(5) .
وبالمراجعة تبنى أنها ذكرت فى القرآن الكريم أربعاً وثلاثين مرة(6) .
2) سورة "كهيعص"(7)
وذلك لافتتاحها بها(8)
وقد جاء ذلك فيما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما(9) .
قال القـرطبى : هو اختيار القشبرى فى أوائل الحروف – يعنى بصفة عامة –
وعلى هذا قيل : تمام الكلام عند قوله "كهيعص" كأنه إعلام باسم سورة ، كما تقول : كتاب كذا أو باب كذا ثم تشرع فى المقصود(6) .



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

آياتها(11) : (98) ثمان وتسعون آية .
كلماتها : (1192) ألف ومائة واثنتان وتسعون كلمة .
حروفها : (3802) ثلاثة آلاف وثمانمائة وحرفان .



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

أ‌- فى المصحف .. بعد : سورة "الكهف" ، وقبل : سورة "طه" .
ب‌- فى النزول .. بعد : سورة "فاطر" ، وقبل : سورة "طه" .



رابعاً : سبب نزول السورة

لا يوجد
وقد ورد أنها نزلت ليلاً .
فقد أخرج الطبرانى ، وأبو نعيم ، والديلمى ، من 000 أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم الغسانى عن أبيه عن جده قال : "أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقلت : ولدت لى الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت على سورة مريم(9) .
وفى الاتقان للسيوطى : روى الطبرانى وأبو عبيد فى فضائله عن ابن عباس ، قال : "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ولدت لى الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت على سور ةمريم ، سمها مريم(12) .



خامساً : مكية السورة و مدنيتها

السورة : مكية باتفاق .
وقيل : مكية إلا آية رقم 58 ، وآية رقم 71 فهما مدنيتان .



سادساً : فضل السورة

لم نعثر على آثار فى ذلك .



سابعاً : صلة السورة بما قبلها

إن الصلة بين هذه السورة وسورة الكهف قوية جداً ، وذلك واضح فى النقاط التالية :
1) احتواء السورتين على أعاجيب قدرة الله تعالى ..
فإذا كانت سورة الكهف تحدثت عن أعجوبة عن فتية الكهف الذين آووا إليه وقالوا {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشداً} [الكهف 10] .
والذين قال تعالى عنهم {فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً} [الكهف 11] .
وقال {ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً} [الكهف 25] .
فإن سورة مريم قد تحدثت عن أعجوبة غلام زكريا فى قوله تعالى {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً * قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقراً وقد بلغنى من الكبر عتياً * قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} [مريم 7-9] .
كما تحدثت عن أعجوبة الأعاجيب وهى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب .
فى قوله تعالى {فأرسلنا إليك روحنا فتمثل لها بشراً سوياً * قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً * قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً * قال كذلك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً} [مريم 17-21] .
الحديث عن عيسى عليه السلام وبعض أتباعه .
2) إذا كن قد ورد أن أصحاب الكهف كانوا من أتباع عيسى عليه السلام ، كما روى عن وهب بن منية(10) .
فإن مجئ هذه السورة التى تحتوى على تفصل قصة عيسى عليه السلام بعدها : فيه غاية المناسبة .
الحديث عن الأنبياء والمرسلين فى السورتين .
2) إذا كان تعالى قد ذكر فى الكهف المرسلين إجمالاً فى قوله تعالى {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} [الكهف 56] .
3)فقد ذكر سبحانه فى مريم بعض المرسلين تفصيلاً ، حيث ذكر فيها : زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وإسماعيل وإدريس على سبيل المثال .
4) إذا كانت سورة الكهف : قد اشتملت على أعاجيب القصص ، مصل : قصة أصحاب الكهف ، وقصة موسى وفتاه ، وقصة ذى القرنين !!
فإن سورة مريم : قد اشتملت على الأعاجيب من ذلك كذلك ، مثل : قصة ولادة يحيى عليه السلام ، وقصة ولادة عيسى عليه السلام ولهذا ذكرت مريم بعد الكهف(9) .
5) قيل : إن أصحاب الكهف يبعثون قبل الساعة ، 0000 مع عيسى عليه السلام ، حين ينزل .
ولذلك : ففى ذكر هذه السشورة بعد الكهف – إن ثبت ذلك ما لا يخفى من المناسبة ، ويقوى ذلك : أنهم – أى أصحاب الكهف – من قوم عيسى عليه السلام(9) .
6) الحديث عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهما .
فإذا كانت الكهف قد ختمت بقوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [الكهف 107 ، 108] .
فإن مريم قد ختمت بقوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} [مريم 96] .



ثامناً : هدف السورة

تدور سورة مريم حول إبراز عدة أهداف تريد آياتها ترسيخ فى القلوب وتبتها فى الأذهان وهى :
1) إثبات وحدانية الله تعالى :
وهى إذ تعنى بهذا الهدف ، وتحاول إثباته ، تواجه :
أ- أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، الذين يجعلون لله الولد بصفة خاصة.
فى مثل قوله تعالى {ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} [مريم 34 ، 35] .
ب-المشركين من أهل مكة الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى على وجه العموم .
سواء أكان ذلك عن طريق اتخاذ الله الولد ، فى مثل قوله تعالى {وقالوا اتخذ الله ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * أن دعوا للرحمن وداً * وما ينبغى الرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيهم يوم القيامة مرداً} [مريم 88-95] .
أم كان ذلك عن طريق الند لله تعالى عن ذلك – والنظير ، فى مثل قوله تعالى {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً} [مريم 81 ، 82] .
2) إثبات وحدة الرسالة
ولتأكيد هذا الهدف وإثباته وتوضيحه :
تسوق السورة من القصص ستاً ، لتثبت أن أصحابها من الأنبياء جميعاً كانت رسالتهم واحدة ، وأنهم جميعاً دعواً إلى توحيد الله تعالى .
والقصص الست هى :
قصة زكريا ويحيى .
قصة مريم وعيسى .
قصة إبراهيم .
قصة موسى .
قصة إسماعيل .
قصة إدريس .
ثم تعقب على قصصهم بقوله تعالى {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} [مريم 58] .
وفى هذا التعقيب ما يقطع أن هؤلاء الرسل الذين أنعم الله عليهم بالرسالة ، قاموا بتبليغ الدعوة إلى وحدانية الله خير قيام .
إذ هم كانوا من الخضوع لله بحيث إذا تليت عليهم آياته فى آية رسالة : خروا سجداً وبكياً ، من فرط إيمانهم بالله وطاعتهم له .
3) إثبات بنزلة القرآن الكريم
وذلك واضح فى التركيز على أن ... الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يعطى المعلومات من القرآن الكريم .
إذ هو المحفوظ بحفظ الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وغيره لا حفظ له ولا انضباط فيه .
ولذا : لا يؤخذ إلا منه ، ولا يعتمد إلا عليه .
اقرأ قوله تعالى :
{واذكر فى الكتاب مريم ..} [الآيات 16-40] .
{واذكر فى الكتاب إبراهيم ..} [الآيات 41-5.] .
{واذكر فى الكتاب موسى ..} [الآيات 51-53] .
{واذكر فى الكتاب إسماعيل ..} [الآيات 54 ، 55] .
{واذكر فى الكتاب إدريس ..} [الآيات 56 ، 57] .
ثم اقرأ قوله تعالى {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً} [مريم 97] .
فهو المصدر ولا مصدر سواه .
كما أنه مصدر ميسر يبشر وينذر .
4) إثبات البعث بطريق عرض بعض مشاهد القيامة(16) .
فى مثل قوله تعالى {ويقول الإنسان أئذا مت لسوف أخرج حياً}
{أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً * فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً * ثم لننزعن كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً * ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً * وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً} [مريم 66-72] .
5) الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بغياً بينهم
إن سورة مريم تعد نموذجاً للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بغياً .
فلقد اختلف اليهود والنصارى حول المسيح بغياً .
قال اليهود عليهم اللعنة : إنه ابن زنى .
وقالت النصارى : إنه ابن الله .
وغير ذلك .
فجاءت سورة مريم تحسم هذا الخلاف .
حيث قال تعالى {ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبجانه إذا قصى أمراً فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراطى مستقيم * فاختلف الأحزاب من بينهم ..} [مريم 34-37] .
ولقد اختلف العرب واليهود والنصارى ، حول دين إبراهيم بغياً .
فجاءت السورة تحسم هذا الخلاف .
فخبره عنه أنه قال لوالده {سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كاان بى حفياً * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربى عيسى ألا أكون بدعاء ربى شقياً} [مريم 47-48] .
وتحدثت السورة عن بعض أنبياء الله تعالى .
{ذكر رحمة ربك عبده زكريا} [مريم 2] .
{واذكر فى الكتاب مريم} [مريم 16] .
{واذكر فى الكتاب إبراهيم} [مريم 41] .
{واذكر فى الكتاب موسى} [مريم 51] .
{واذكر فى الكتاب إسماعيل} [مريم 54] .
{واذكر فى الكتاب إدريس} [مريم 56] .
وبلغت أنهم من الرسل المبشرين المنذرين المؤمنين الذين هداهم الله ، وهدى الخلق بهم .
ولقد اختلف قومهم من بعدهم بغياً .
ومن ثم أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن – ومنه سورة مريم – ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .
6) بيان منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبى(16) (26) .
ويتضح منهج الضالين فى
أ- تحذير إبراهيم عليه السلام لأبيه بقوله :
{يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً} ؟ [مريم 42] .
{يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً} [مريم 44] .
ب-وصف الله تعالى لبعض خلائف الأنبياء بقوله :
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم 59] .
فهم : يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ، ولا يغنى عنهم من عذاب الله شيئاً .
وهم : يطيعون الشيطان ويتبعون خطواته لدرجة كأنها العبادة .
وهم – تبعاً لذلك – أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات .
وكلها صفات الضالين .
وهذا هو منهجهم .
كما يتضح منهج المهتدين فى :
أ- قوله تعالى {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} [مريم 60] .
ب- قوله تـعالى {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقياً} [مريم 63].
فهم : يتوبون إلى الله تعالى من كل دعوى باطلة ومن كل عقيدة فاسدة .
وهم : يتقون فى هذا الدين وفى النبى الذى جاء به وفى الكتاب الذى احتوى تشريعاته ، وفى صلاحيته لانقاذ البشرية ، واخراجها – دائماً – من الظلمات والنور .
وهم : يعملون الصالحات التى يعجز من الكون وينصلح بها حال الدنيا وتسلم قيادها لهم ولريادتهم .
وهم فى كل ذلك وبعد كل ذلك وفوق كل ذلك يتقون الله ويراقبونه فى كل تصرفاتهم – وخلجات نفوسهم .



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

هذه السورة تتكون من قسمين(17) :
القسم الأول : عبارة عن (58) آية
من الآية الأولى ، وحتى نهاية الآية (58) .
وفيه : قصة يحيى وزكريا عليهما السلام ، وقصة مريم وعيسى عليهما السلام ، ثم قصة إبراهيم عليه السلام ومجموعة من رسل الله عليهم السلام ، فى حديث هادف إلى بيان قدرة الله تعالى ، وتأكيد عبوديتهم له ، وتعريف بالرسل الذين بعثهم الله مبشرين ومنذرين .
والقسم الثانى : عبارة عن (40) آية
من الآية (59) حتى نهاية الآية (98) .
وفيه : تذكير بالحال الذى عليه العرب ، والناس بعد الرسل ، وهى – فى ذات الوقت – تبشر وتنذر .
كما أن فيه توضيح لما خلف الأقوام به رسلهم من المخالفة ، والكون والملائكة لا تتنزل إلا بأمر الله ، وموقف الكافرين من اليوم الآخر ، ولادعائهم أن لله ولداً ، والرد عليهم .



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

موضوعات هذه تنسال فى رفق وهدوء عبر القصص الوارد فيها .
ويلاحظ : أن القصص مادة رئيسية فيها ، وهذه المادة تستغرق حوالى ثلثى السورة .
إذ تبدأ بقصة زكريا ويحيى . فقصة مريم ، ومولد عيسى ، 000 من قصة إبراهيم مع أبيه ، ثم تعقبها إشارات إلى النبيين : إسحق ويعقوب ، وموسى وهارن ، وإسماعيل ، وإدريس ، وآدم ، ونوح .
والثلث الأخير يستعرض بعض مشاهد القيامة ، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث(16) .
ويسير سياق السورة – كما يقول سيد قطب – مع موضوعاتها فى أشواط ثلاثة :
الشوط الأول : "من آية 1 إلى آية 40" 40 آية .
يتضمن : قصة زكريا ويحيى ، وقصة مريم وعيسى .
والتعقيب على هذه القصة بالفصل فى قضية عيسى التى كثر فيها الجدل ، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى .
والشوط الثانى : "من آية 41 إلى آية 65" 25 آية .
يتضمن : حلقة من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه ، واعتزاله لمادة الشرك ، وما عوضه الله من ذرية نسلت بعد ذلك أمة ، ثم إشارات إلى قصص النبيين ، ومن اهتدى بهم ، ومن خلفهم من العداوة ، ومصير هؤلاء وهؤلاء .
وينتهى بإعلان الربوبية الواحدة التى تعبد بلا شريك {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً} [مريم 65] .
والشوط الثالث والأخير : "من آية 66 إلى آية 98" 33 آية .
ويبدأ بالجدل حول قضية البعث .
ويستعرض بعض مشاهد القيامة .
ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك .
وينتهى بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً} [مريم 98] .
وخلال هذه الأشواط الثلاثة .
تكون الموضوعات الأساسية فى السورة :
1) وحدة الألوهية(15) :
وإبطال إدعاء بعض أهل الكتاب بأن لله ولداً هل تعلم له سمياً} [مريم 65].
والشوط الثالث والأخير "من آية 66 إلى آية 98" 33 آية .
ويبدأ بالجدل حول قضية البعث .
ويستعرض بعض مشاهد القيامة .
ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك .
وينتهى بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزاً} [مريم 98] .
وخلال هذه الأشواط الثلاثة :
تكون الموضوعات الأساسية فى السورة :
1) وحدة الألوهية
وإبطال إدعاء بعض أهل الكتاب بأن لله ولداً .
وذلك : برسالة موسى وعيسى ذاتها .
وكذلك : برسالة من هم آباؤهم وأصول لهم من الرسل السابقين .
وثانياً : بإبطال نفس الإدعاء من المشركين الوثنيين بحجة واضحة ، وهى: أن الله تعالى ليس فى حاجة إلى نسل ، إذ كل ما فى السماوات والأرض من خلق الله وعباده .
2) مسألة البعث(15)
وإبطال إنكار المشركين له ، إن هم وحدهم الذين ينكرون الآخرة بخلاف أهل الكتاب .
ويكفى لإبطال إنكارهم – كما توضح الآيات – أن يتذكر الإنسان نشأته ، فإذا عرف أنه خلق من عدم أى من لا شئ ، فيجب عليه أن يعرف بالتالى :
أن البعث ليس أمراً جديداً يختلف عن الخلق وليس يشق أمره ، بحيث يعجز عنه المولى سبحانه وتعالى .
وإذا كانت قضية الألوهية ، وقضية البعث هى أبرز ما تعنى به السورة : فهناك من الموضعات الفرعية التى تعرضت لها السورة الكثير والكثير .
وتشير إلى بعضها إجمالاً على النحو التالى .
3) أسلوب الدعوة إلى الله تعالى .
وذلك فى قصة إبراهيم عليه السلام مع ابنه وقومه .
4) إبراز المقابلة بين صورة المؤمنين وصورة الكافرين .
وذلك فى قوله تعالى :
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً * فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً} [مريم 96 ، 97] .
مع مقابلة قوله تعالى
{وكم أهلكنا قبلهم من قربن هل تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزاً} [مريم 98] .
إلى غير ذلك من الموضوعات التى حفلت بها هذه السورة .
وكذلك : مع عدم إغفالنا لما ذكر فى الحديث عن أهدافها .


وخلاصة ما تحتويه السروة الكريمة من المقاصد

(1) دعاء زكريا ربه أن يهب له ولداً سرياً مع ذكر الأسباب التى دعته إلى ذلك .
(2) استجابة الله دعاءه وبشارته بولد يسمى يحيى لم يسم أحد من قبله بمثل اسمه .
(3) تعجب زكريا من خلق ذلك الولد من أبوين : أم عاقر وأب شيخ هرم .
(4) طلبه العلامة على أن امرأته حامل .
(5) إيتاء يحيى النبوة والحكم صبياً .
(6) ما حدث لمريم من اعتزالها لأهلها ، وتمثل جبريل لها بشراً سوياً ، والتجائها إلى الله أن يدفع عنها شر هذا الرجل ، وإخباره لها أنه ملك لا بشر .
(7) حملها بعيسى عليه السلام وانتباذها مكاناً قصياً حتى لا يراها الناس وهى على تلك الحال .
(8) نداء عيسى لها حين الولادة ، وأمرها بهز النخلة حتى تساقط عليها رطباً جنياً .
(9) مجيئها بعيسى ومقابلتها لقومها وهى على تلك الحال وقد انهال عليها اللوم والتعنيف بأنها فعلت ما لم يسبقها إليه أحد من تلك الأسرة الشريفة التى اشتهرت بالصلاح والتقوى .
(10) كلام عيسى وهو فى المهد تبرئة لأمه ووصفه نفسه بصفات الكمال من النبوة والبركة والبر بوالديه وأنه لم يكن جباراً على خالقه .
(11) اختلاف النصارى فى شأنه .
(12) قصص إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر ووصفه له بالجهل وعدم التأمل فى المعبودات التى يعبدها من دون الله ثم تحذيره إياه بسوء مغبة أعماله ، وردّ أبيه عليه مهدداً متوعداً .
(13) هبة الله إسحق ويعقوب ، وإيتاؤهما الحكم والنبوة .
(14) قصص موسى ومناجاته ربه فى الطور ، والامتنان عليه بجعل أخيه هارون وزيراً ونبياً .
(15) قصص إسمايعل ووصف الله له بصدق الوعد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة .
(16) قصص إدريس عليه السلام ووصف الله بأنه صديق نبى رفيع القدر ، عظيم المنزلة عند ربه .
(17) مجئ خلف من بعد هؤلاء الأنبياء أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات .
(18) وعد الله لمن تاب وآمن وعمل صالحاً بجنات لا لغو فيها ولا تأثيم .
(19) إن جبريل لا ينزل إلى الأنبياء إلا بإذن ربه .
(20) إنكار المشركين للبعث استبعاداً له ، ورد الله عليهم بأنه خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئاً .
(21) الإخبار بأن الله يحشر الكافرين يوم القيامة مع قرنائهم من الشياطين ثم يحضرهم حول جهنم جثياً ، ثم بدئه بمن هو أشد جُرماً والله أعلم بهم .
(22) الإخبار بأن جميع الخلق ترد على النار ثم يجئ الله الذين اتقوا وينذر الظالمين فيها جثياً .
(23) بيان أن المشركين إذا سموا القرآن فخروا على المؤمنين بأنهم خير منهم مجلساً وأكرم منهم مكاناً .
(24) تهديدهم بأنه أهلك كثيراً ممن كان مثلهم فى العتو والاستكبار ، وأكثر أثاثاً ورياشاً .
(25) بيان أن الله يُمد الظالم ويمهله ، ليجترح من السيئات ما شاء ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر .
(26) النعى على المشركين باتخاذ الشركاء ، وأنهم يوم القيامة سيكونون لهم أعداء .
(27) نعى النبى صلى الله عليه وسلم عن طلب تعجيل هلاك المشركين ، إذ أن حياتهم مهما طالت فهى محدودة معدودة .
(28) التفرقة بين حشر المتقين إلى دار الكرامة ، وسوق المجرمين إلى دار الخزى والهوان .
(29) النعى الشديد على من أدعى أن لله ولداً .
(30) بيان أن الله قد أنزل كتابه بلسان عربى مبين ، ليبشر به المتقين ، وينذر به الكافرين ذوى اللدد والخصومة .



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

1) لما قرئ صدر هذه السورة على النجاشى ملك الحبشة من المسلمين المهاجرين إليها . بكى حتى أخضل لحيته ، وبكى أساقفته حتى أخضلوا إلحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} [المائدة 85] .
وقد كانت هذه السورة واستجارة المسلمين سبباً فى إسلامه .
2) حرف (ص) لم يرد فى فواتح السور إلا فى ثلاث منها فقط .
أول الأعراف (المص) .
أول مريم (كهيعص) .
أول ص (ص) .
ويلاحظ : أن كل سورة من هذه السور الثلاث جاءت فى ثلث من أقسام القرآن الكريم الثلاثة .
3) فى قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً * وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً} [مريم 12-14] .
نقاط هامة فى تربية الأطفال (17)
فقوله تعالى {خذ الكتاب بقوة} .
فيه : وجوب تربية الطفل على أخذ العلم بجد وعزم .
وقوله {وآتيناه الحكم صبياً} .
فيه ك وجوب تربية الطفل على فهم الحكمة والتحقق بها ، والتحلى بها ، كى يكون عاقلاً حكيماً .
وقوله {وحناناً من لدنا وزكاة} .
فيه : وجوب تربية الطفل على الأخلاق الفاضلة وضرورة توافر صفة الحنان عنده ، والتقوى والطهارة فى أخلاقه والإستقامة فى سلوكه .
وقوله {وكان تقياً} .
فيه : وجوب تربية الطفل على التقوى من الله تعالى ، والإسلام ، والطاعة له .
وقوله {براً بوالديه} .
فيه : وجوب تربية الطفل على البر بوالديه وصلة أرحامه ومودة أقاربه ، وتجنبيه العقوق .
وقوله تعالى {ولم يكن جباراً عصياً}
فيه : وجوب تربية الطفل على التواضع والطاعة .
4) من حصيلة تعرض السورة إلى الخلاقات التى وقعت بين الناس بغياً ، وحسمت السورة فيها الموقف .
يلوح أمر لهذه الأمة .
وهو : أن عليها أن تحذر ما وقعت فيه الأمم الأخرى بعد رسلها من خلافات .
أملاً فى : نجاتها من مغبة هذه الخلافات .
وتوصلاً : لأن تكون من المهتدين .
5) ورد فى هذه السورة بعض ألفاظ
يرى من تمام الفائدة أن توضح معانيها(20)
وهذه الألفاظ :
"الصادق – الصديق – المخلِص – المخلَص" .
أ‌- فالصادق : هو المستقيم فى الأفعال .
وقال إبراهيم الخواص : الصادق لا تراه إلا فى فرض يؤديه ، أو فضل يعمل فيه .
وقيل : ثلاثة لا تخطئ الصادق : الحلاوة ، والهيبة ، والملاحة .
وقال أحمد بن خضروية : من أراد أن يكون الله تعالى معه ، فليلزم الصدق ، فإن الله تعالى قال {إن الله مع الصادقين} [البقرة 153] .
ب‌- والصديق : هو الذى يزيد على ذلك استقامته على الصدق فى جميع أقواله ، وأفعاله وأحواله ، وهى تلى درجة النبوة .
ففى الحديث (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)(21) .
وفى القرآن الكريم {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} [النساء 69] .
جـ- والمخلِص : هو الذى يعمل لله ولا يجب أن يحمده أحد .
وقال ذو النون المصرى : ثلاث من علامات الإخلاص : استواء المدح والذم بين الناس ، ونسيان رؤية الأعمال فى الأعمال ، ونسيان اقتضاء ثواب العمل فى الآخرة .
د- والمخلَص : من أخلصه الله له فلم يبق فيه حظ بغير الله .
قال أبو بكر الدقاق : إذا أراد الله تعالى أن يخلص إخلاص عبد اسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه ؛ فيكون مخلَصاً لا مخلِصاً .
وعلى كل :
فإن العلاقة بين الصدق والإخلاص : قوية جداً .
فقد قال ذو النون :
الإخلاص : لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه .
والصدق : لا يتم إلا بالإخلاص فيه ، والمداومة عليه .
يقول تعالى {واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً} [مريم 51] .
ويقول تعالى {واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً} [مريم 54] .
ويقول تعالى {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً} [مريم 56] .



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

1- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/37
الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/305
القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة مريم)
الآلوس .. روح المعانى ( " " " )
القاسمى .. محاسن التأويل ( " " " )
السيوطى .. الاتقان 1/6.
2- الفيروزابادى .. (مصدر سابق)
3- أنظر : الآلوس .. (مصادر سابقة)
4- القاسمى .. (مصدر سابق)
5- سليمان الجمل .. الفتوحات الإلهية (تفسير سورة مريم)
6- محمد فؤاد عبد الباقى .. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم
7-أنظر : السخاوى ، الفيروزابادى ، القرطبى ، الآلوس (مصادر سابقة)
8- الفيروزابادى .. (مصدر سابق)
9- الآلوس .. (مصدر سابق)
10- القرطبى .. (مصدر سابق)
11- أنظر : ... .. التبصرة ص 255
السخاوى .. جمال القراء 1/2.6
الآلوس .. روح المعانى (تفسير سورة مريم)
نثر المرجان 4/201
12- السيوطى .. (مصدر سابق)
13- أنظر: الآلوس .. (مصدر سابق)
المراغى .. تفسير المراغى (تفسير سورة مريم)
14- أنظر : سيد قطب .. فى ظلال القرآن ( " " " )
د/ محمد البهى.. تفسير سورة مريم ص 3 وما بعدها .
15- د/ محمد البهى.. (مصدر سابق)
16- سيد قطب .. (مصدر سابق)
17- سعيد حوى .. الأساس فى التفسير (تفسير سورة مريم)
18- المراغى .. تفسير المراغى ( " " " )
19- أنظر الموضوع بتوسع فى :
القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة مريم)
ابن كثير .. تفسير القرآن العظيم ( " " " )
ابن هشام .. السيرة النبوية 1/334
20- أنظر : الإمام الزمشرى.. الرسالة .... 2/44. وما بعدها
سعيد حوى مصدر سابق
21- رواه : مسلم .. كتاب البر ، باب فتح الكذب ، وحسن الصدق .



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .