مفاتيح سورة مريم |
أولاً:اسم السورة تسمى هذه السورة بـ : 1) سورة مريم : وذلك لاشتمالها على قصتها ونبئها الجارف ، وتشريعاً للسيدة العذراء ، البتول ، مريم إبنة عمران ، وتخليداً لتلك المعجزة الباهرة فى خلق إنسان بلا أب ، ثم انطاق الله للوليد وهو طفل فى المهد ، وما جرى من أحدث غريبة رافقت ميلاد عيسى عليه السلام . وقال المهايمىَّ : لأن قصتها تشي إلى أن من اعتزل من أهله لعبادة الله ، وطلب بها إشراف نوره 00 يرجى أن يكشف له عن صفات الحق ، وعن عالم الملكوت ، وتظهر له الكرامات العجيبة(4) . هذا 00 ولم تذكر امرأة باسمها صريحاً فى القرآن الكريم 00 إلا "مريم" ، عليهما السلام(5) . وقد ذكر صاحب الفتوحات الإلهية أنها ذكرت فى القرآن الكريم فى ثلاثين موضعاً(5) . وبالمراجعة تبنى أنها ذكرت فى القرآن الكريم أربعاً وثلاثين مرة(6) . 2) سورة "كهيعص"(7) وذلك لافتتاحها بها(8) وقد جاء ذلك فيما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما(9) . قال القـرطبى : هو اختيار القشبرى فى أوائل الحروف – يعنى بصفة عامة – وعلى هذا قيل : تمام الكلام عند قوله "كهيعص" كأنه إعلام باسم سورة ، كما تقول : كتاب كذا أو باب كذا ثم تشرع فى المقصود(6) . ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها آياتها(11) : (98) ثمان وتسعون آية . كلماتها : (1192) ألف ومائة واثنتان وتسعون كلمة . حروفها : (3802) ثلاثة آلاف وثمانمائة وحرفان . ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول أ- فى المصحف .. بعد : سورة "الكهف" ، وقبل : سورة "طه" . ب- فى النزول .. بعد : سورة "فاطر" ، وقبل : سورة "طه" . رابعاً : سبب نزول السورة لا يوجد وقد ورد أنها نزلت ليلاً . فقد أخرج الطبرانى ، وأبو نعيم ، والديلمى ، من 000 أبى بكر بن عبد الله بن أبى مريم الغسانى عن أبيه عن جده قال : "أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فقلت : ولدت لى الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت على سورة مريم(9) . وفى الاتقان للسيوطى : روى الطبرانى وأبو عبيد فى فضائله عن ابن عباس ، قال : "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : ولدت لى الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت على سور ةمريم ، سمها مريم(12) . خامساً : مكية السورة و مدنيتها السورة : مكية باتفاق . وقيل : مكية إلا آية رقم 58 ، وآية رقم 71 فهما مدنيتان . سادساً : فضل السورة لم نعثر على آثار فى ذلك . سابعاً : صلة السورة بما قبلها إن الصلة بين هذه السورة وسورة الكهف قوية جداً ، وذلك واضح فى النقاط التالية : 1) احتواء السورتين على أعاجيب قدرة الله تعالى .. فإذا كانت سورة الكهف تحدثت عن أعجوبة عن فتية الكهف الذين آووا إليه وقالوا {ربنا آتنا من لدنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشداً} [الكهف 10] . والذين قال تعالى عنهم {فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عدداً} [الكهف 11] . وقال {ولبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً} [الكهف 25] . فإن سورة مريم قد تحدثت عن أعجوبة غلام زكريا فى قوله تعالى {يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمياً * قال رب أنى يكون لى غلام وكانت امرأتى عاقراً وقد بلغنى من الكبر عتياً * قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً} [مريم 7-9] . كما تحدثت عن أعجوبة الأعاجيب وهى ولادة عيسى عليه السلام من غير أب . فى قوله تعالى {فأرسلنا إليك روحنا فتمثل لها بشراً سوياً * قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً * قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً * قالت أنى يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً * قال كذلك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً} [مريم 17-21] . الحديث عن عيسى عليه السلام وبعض أتباعه . 2) إذا كن قد ورد أن أصحاب الكهف كانوا من أتباع عيسى عليه السلام ، كما روى عن وهب بن منية(10) . فإن مجئ هذه السورة التى تحتوى على تفصل قصة عيسى عليه السلام بعدها : فيه غاية المناسبة . الحديث عن الأنبياء والمرسلين فى السورتين . 2) إذا كان تعالى قد ذكر فى الكهف المرسلين إجمالاً فى قوله تعالى {وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين} [الكهف 56] . 3)فقد ذكر سبحانه فى مريم بعض المرسلين تفصيلاً ، حيث ذكر فيها : زكريا ويحيى وعيسى وإبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى وإسماعيل وإدريس على سبيل المثال . 4) إذا كانت سورة الكهف : قد اشتملت على أعاجيب القصص ، مصل : قصة أصحاب الكهف ، وقصة موسى وفتاه ، وقصة ذى القرنين !! فإن سورة مريم : قد اشتملت على الأعاجيب من ذلك كذلك ، مثل : قصة ولادة يحيى عليه السلام ، وقصة ولادة عيسى عليه السلام ولهذا ذكرت مريم بعد الكهف(9) . 5) قيل : إن أصحاب الكهف يبعثون قبل الساعة ، 0000 مع عيسى عليه السلام ، حين ينزل . ولذلك : ففى ذكر هذه السشورة بعد الكهف – إن ثبت ذلك ما لا يخفى من المناسبة ، ويقوى ذلك : أنهم – أى أصحاب الكهف – من قوم عيسى عليه السلام(9) . 6) الحديث عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهما . فإذا كانت الكهف قد ختمت بقوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [الكهف 107 ، 108] . فإن مريم قد ختمت بقوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} [مريم 96] . ثامناً : هدف السورة تدور سورة مريم حول إبراز عدة أهداف تريد آياتها ترسيخ فى القلوب وتبتها فى الأذهان وهى : 1) إثبات وحدانية الله تعالى : وهى إذ تعنى بهذا الهدف ، وتحاول إثباته ، تواجه : أ- أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، الذين يجعلون لله الولد بصفة خاصة. فى مثل قوله تعالى {ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} [مريم 34 ، 35] . ب-المشركين من أهل مكة الذين يجعلون مع الله آلهة أخرى على وجه العموم . سواء أكان ذلك عن طريق اتخاذ الله الولد ، فى مثل قوله تعالى {وقالوا اتخذ الله ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * أن دعوا للرحمن وداً * وما ينبغى الرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من فى السماوات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً * لقد أحصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيهم يوم القيامة مرداً} [مريم 88-95] . أم كان ذلك عن طريق الند لله تعالى عن ذلك – والنظير ، فى مثل قوله تعالى {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً} [مريم 81 ، 82] . 2) إثبات وحدة الرسالة ولتأكيد هذا الهدف وإثباته وتوضيحه : تسوق السورة من القصص ستاً ، لتثبت أن أصحابها من الأنبياء جميعاً كانت رسالتهم واحدة ، وأنهم جميعاً دعواً إلى توحيد الله تعالى . والقصص الست هى : قصة زكريا ويحيى . قصة مريم وعيسى . قصة إبراهيم . قصة موسى . قصة إسماعيل . قصة إدريس . ثم تعقب على قصصهم بقوله تعالى {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً} [مريم 58] . وفى هذا التعقيب ما يقطع أن هؤلاء الرسل الذين أنعم الله عليهم بالرسالة ، قاموا بتبليغ الدعوة إلى وحدانية الله خير قيام . إذ هم كانوا من الخضوع لله بحيث إذا تليت عليهم آياته فى آية رسالة : خروا سجداً وبكياً ، من فرط إيمانهم بالله وطاعتهم له . 3) إثبات بنزلة القرآن الكريم وذلك واضح فى التركيز على أن ... الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يعطى المعلومات من القرآن الكريم . إذ هو المحفوظ بحفظ الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وغيره لا حفظ له ولا انضباط فيه . ولذا : لا يؤخذ إلا منه ، ولا يعتمد إلا عليه . اقرأ قوله تعالى : {واذكر فى الكتاب مريم ..} [الآيات 16-40] . {واذكر فى الكتاب إبراهيم ..} [الآيات 41-5.] . {واذكر فى الكتاب موسى ..} [الآيات 51-53] . {واذكر فى الكتاب إسماعيل ..} [الآيات 54 ، 55] . {واذكر فى الكتاب إدريس ..} [الآيات 56 ، 57] . ثم اقرأ قوله تعالى {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً} [مريم 97] . فهو المصدر ولا مصدر سواه . كما أنه مصدر ميسر يبشر وينذر . 4) إثبات البعث بطريق عرض بعض مشاهد القيامة(16) . فى مثل قوله تعالى {ويقول الإنسان أئذا مت لسوف أخرج حياً} {أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً * فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثياً * ثم لننزعن كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً * ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً * وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً} [مريم 66-72] . 5) الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بغياً بينهم إن سورة مريم تعد نموذجاً للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه بغياً . فلقد اختلف اليهود والنصارى حول المسيح بغياً . قال اليهود عليهم اللعنة : إنه ابن زنى . وقالت النصارى : إنه ابن الله . وغير ذلك . فجاءت سورة مريم تحسم هذا الخلاف . حيث قال تعالى {ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذى فيه يمترون * ما كان لله أن يتخذ من ولد سبجانه إذا قصى أمراً فإنما يقول له كن فيكون * وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراطى مستقيم * فاختلف الأحزاب من بينهم ..} [مريم 34-37] . ولقد اختلف العرب واليهود والنصارى ، حول دين إبراهيم بغياً . فجاءت السورة تحسم هذا الخلاف . فخبره عنه أنه قال لوالده {سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كاان بى حفياً * وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربى عيسى ألا أكون بدعاء ربى شقياً} [مريم 47-48] . وتحدثت السورة عن بعض أنبياء الله تعالى . {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} [مريم 2] . {واذكر فى الكتاب مريم} [مريم 16] . {واذكر فى الكتاب إبراهيم} [مريم 41] . {واذكر فى الكتاب موسى} [مريم 51] . {واذكر فى الكتاب إسماعيل} [مريم 54] . {واذكر فى الكتاب إدريس} [مريم 56] . وبلغت أنهم من الرسل المبشرين المنذرين المؤمنين الذين هداهم الله ، وهدى الخلق بهم . ولقد اختلف قومهم من بعدهم بغياً . ومن ثم أرسل الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن – ومنه سورة مريم – ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . 6) بيان منهج المهتدين ومنهج الضالين من أتباع النبى(16) (26) . ويتضح منهج الضالين فى أ- تحذير إبراهيم عليه السلام لأبيه بقوله : {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً} ؟ [مريم 42] . {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً} [مريم 44] . ب-وصف الله تعالى لبعض خلائف الأنبياء بقوله : {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} [مريم 59] . فهم : يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر ، ولا يغنى عنهم من عذاب الله شيئاً . وهم : يطيعون الشيطان ويتبعون خطواته لدرجة كأنها العبادة . وهم – تبعاً لذلك – أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات . وكلها صفات الضالين . وهذا هو منهجهم . كما يتضح منهج المهتدين فى : أ- قوله تعالى {إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} [مريم 60] . ب- قوله تـعالى {تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقياً} [مريم 63]. فهم : يتوبون إلى الله تعالى من كل دعوى باطلة ومن كل عقيدة فاسدة . وهم : يتقون فى هذا الدين وفى النبى الذى جاء به وفى الكتاب الذى احتوى تشريعاته ، وفى صلاحيته لانقاذ البشرية ، واخراجها – دائماً – من الظلمات والنور . وهم : يعملون الصالحات التى يعجز من الكون وينصلح بها حال الدنيا وتسلم قيادها لهم ولريادتهم . وهم فى كل ذلك وبعد كل ذلك وفوق كل ذلك يتقون الله ويراقبونه فى كل تصرفاتهم – وخلجات نفوسهم . تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا هذه السورة تتكون من قسمين(17) : القسم الأول : عبارة عن (58) آية من الآية الأولى ، وحتى نهاية الآية (58) . وفيه : قصة يحيى وزكريا عليهما السلام ، وقصة مريم وعيسى عليهما السلام ، ثم قصة إبراهيم عليه السلام ومجموعة من رسل الله عليهم السلام ، فى حديث هادف إلى بيان قدرة الله تعالى ، وتأكيد عبوديتهم له ، وتعريف بالرسل الذين بعثهم الله مبشرين ومنذرين . والقسم الثانى : عبارة عن (40) آية من الآية (59) حتى نهاية الآية (98) . وفيه : تذكير بالحال الذى عليه العرب ، والناس بعد الرسل ، وهى – فى ذات الوقت – تبشر وتنذر . كما أن فيه توضيح لما خلف الأقوام به رسلهم من المخالفة ، والكون والملائكة لا تتنزل إلا بأمر الله ، وموقف الكافرين من اليوم الآخر ، ولادعائهم أن لله ولداً ، والرد عليهم . عاشراً : أبرز موضوعات السورة موضوعات هذه تنسال فى رفق وهدوء عبر القصص الوارد فيها . ويلاحظ : أن القصص مادة رئيسية فيها ، وهذه المادة تستغرق حوالى ثلثى السورة . إذ تبدأ بقصة زكريا ويحيى . فقصة مريم ، ومولد عيسى ، 000 من قصة إبراهيم مع أبيه ، ثم تعقبها إشارات إلى النبيين : إسحق ويعقوب ، وموسى وهارن ، وإسماعيل ، وإدريس ، وآدم ، ونوح . والثلث الأخير يستعرض بعض مشاهد القيامة ، وبعض الجدل مع المنكرين للبعث(16) . ويسير سياق السورة – كما يقول سيد قطب – مع موضوعاتها فى أشواط ثلاثة : الشوط الأول : "من آية 1 إلى آية 40" 40 آية . يتضمن : قصة زكريا ويحيى ، وقصة مريم وعيسى . والتعقيب على هذه القصة بالفصل فى قضية عيسى التى كثر فيها الجدل ، واختلفت فيها أحزاب اليهود والنصارى . والشوط الثانى : "من آية 41 إلى آية 65" 25 آية . يتضمن : حلقة من قصة إبراهيم مع أبيه وقومه ، واعتزاله لمادة الشرك ، وما عوضه الله من ذرية نسلت بعد ذلك أمة ، ثم إشارات إلى قصص النبيين ، ومن اهتدى بهم ، ومن خلفهم من العداوة ، ومصير هؤلاء وهؤلاء . وينتهى بإعلان الربوبية الواحدة التى تعبد بلا شريك {رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً} [مريم 65] . والشوط الثالث والأخير : "من آية 66 إلى آية 98" 33 آية . ويبدأ بالجدل حول قضية البعث . ويستعرض بعض مشاهد القيامة . ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك . وينتهى بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً} [مريم 98] . وخلال هذه الأشواط الثلاثة . تكون الموضوعات الأساسية فى السورة : 1) وحدة الألوهية(15) : وإبطال إدعاء بعض أهل الكتاب بأن لله ولداً هل تعلم له سمياً} [مريم 65]. والشوط الثالث والأخير "من آية 66 إلى آية 98" 33 آية . ويبدأ بالجدل حول قضية البعث . ويستعرض بعض مشاهد القيامة . ويعرض صورة من استنكار الكون كله لدعوى الشرك . وينتهى بمشهد مؤثر عميق من مصارع القرون {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزاً} [مريم 98] . وخلال هذه الأشواط الثلاثة : تكون الموضوعات الأساسية فى السورة : 1) وحدة الألوهية وإبطال إدعاء بعض أهل الكتاب بأن لله ولداً . وذلك : برسالة موسى وعيسى ذاتها . وكذلك : برسالة من هم آباؤهم وأصول لهم من الرسل السابقين . وثانياً : بإبطال نفس الإدعاء من المشركين الوثنيين بحجة واضحة ، وهى: أن الله تعالى ليس فى حاجة إلى نسل ، إذ كل ما فى السماوات والأرض من خلق الله وعباده . 2) مسألة البعث(15) وإبطال إنكار المشركين له ، إن هم وحدهم الذين ينكرون الآخرة بخلاف أهل الكتاب . ويكفى لإبطال إنكارهم – كما توضح الآيات – أن يتذكر الإنسان نشأته ، فإذا عرف أنه خلق من عدم أى من لا شئ ، فيجب عليه أن يعرف بالتالى : أن البعث ليس أمراً جديداً يختلف عن الخلق وليس يشق أمره ، بحيث يعجز عنه المولى سبحانه وتعالى . وإذا كانت قضية الألوهية ، وقضية البعث هى أبرز ما تعنى به السورة : فهناك من الموضعات الفرعية التى تعرضت لها السورة الكثير والكثير . وتشير إلى بعضها إجمالاً على النحو التالى . 3) أسلوب الدعوة إلى الله تعالى . وذلك فى قصة إبراهيم عليه السلام مع ابنه وقومه . 4) إبراز المقابلة بين صورة المؤمنين وصورة الكافرين . وذلك فى قوله تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً * فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لداً} [مريم 96 ، 97] . مع مقابلة قوله تعالى {وكم أهلكنا قبلهم من قربن هل تحس منهم من أحد أو تسمع له ركزاً} [مريم 98] . إلى غير ذلك من الموضوعات التى حفلت بها هذه السورة . وكذلك : مع عدم إغفالنا لما ذكر فى الحديث عن أهدافها . وخلاصة ما تحتويه السروة الكريمة من المقاصد (1) دعاء زكريا ربه أن يهب له ولداً سرياً مع ذكر الأسباب التى دعته إلى ذلك . (2) استجابة الله دعاءه وبشارته بولد يسمى يحيى لم يسم أحد من قبله بمثل اسمه . (3) تعجب زكريا من خلق ذلك الولد من أبوين : أم عاقر وأب شيخ هرم . (4) طلبه العلامة على أن امرأته حامل . (5) إيتاء يحيى النبوة والحكم صبياً . (6) ما حدث لمريم من اعتزالها لأهلها ، وتمثل جبريل لها بشراً سوياً ، والتجائها إلى الله أن يدفع عنها شر هذا الرجل ، وإخباره لها أنه ملك لا بشر . (7) حملها بعيسى عليه السلام وانتباذها مكاناً قصياً حتى لا يراها الناس وهى على تلك الحال . (8) نداء عيسى لها حين الولادة ، وأمرها بهز النخلة حتى تساقط عليها رطباً جنياً . (9) مجيئها بعيسى ومقابلتها لقومها وهى على تلك الحال وقد انهال عليها اللوم والتعنيف بأنها فعلت ما لم يسبقها إليه أحد من تلك الأسرة الشريفة التى اشتهرت بالصلاح والتقوى . (10) كلام عيسى وهو فى المهد تبرئة لأمه ووصفه نفسه بصفات الكمال من النبوة والبركة والبر بوالديه وأنه لم يكن جباراً على خالقه . (11) اختلاف النصارى فى شأنه . (12) قصص إبراهيم عليه السلام مع أبيه آزر ووصفه له بالجهل وعدم التأمل فى المعبودات التى يعبدها من دون الله ثم تحذيره إياه بسوء مغبة أعماله ، وردّ أبيه عليه مهدداً متوعداً . (13) هبة الله إسحق ويعقوب ، وإيتاؤهما الحكم والنبوة . (14) قصص موسى ومناجاته ربه فى الطور ، والامتنان عليه بجعل أخيه هارون وزيراً ونبياً . (15) قصص إسمايعل ووصف الله له بصدق الوعد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة . (16) قصص إدريس عليه السلام ووصف الله بأنه صديق نبى رفيع القدر ، عظيم المنزلة عند ربه . (17) مجئ خلف من بعد هؤلاء الأنبياء أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات . (18) وعد الله لمن تاب وآمن وعمل صالحاً بجنات لا لغو فيها ولا تأثيم . (19) إن جبريل لا ينزل إلى الأنبياء إلا بإذن ربه . (20) إنكار المشركين للبعث استبعاداً له ، ورد الله عليهم بأنه خلقهم من قبل ولم يكونوا شيئاً . (21) الإخبار بأن الله يحشر الكافرين يوم القيامة مع قرنائهم من الشياطين ثم يحضرهم حول جهنم جثياً ، ثم بدئه بمن هو أشد جُرماً والله أعلم بهم . (22) الإخبار بأن جميع الخلق ترد على النار ثم يجئ الله الذين اتقوا وينذر الظالمين فيها جثياً . (23) بيان أن المشركين إذا سموا القرآن فخروا على المؤمنين بأنهم خير منهم مجلساً وأكرم منهم مكاناً . (24) تهديدهم بأنه أهلك كثيراً ممن كان مثلهم فى العتو والاستكبار ، وأكثر أثاثاً ورياشاً . (25) بيان أن الله يُمد الظالم ويمهله ، ليجترح من السيئات ما شاء ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر . (26) النعى على المشركين باتخاذ الشركاء ، وأنهم يوم القيامة سيكونون لهم أعداء . (27) نعى النبى صلى الله عليه وسلم عن طلب تعجيل هلاك المشركين ، إذ أن حياتهم مهما طالت فهى محدودة معدودة . (28) التفرقة بين حشر المتقين إلى دار الكرامة ، وسوق المجرمين إلى دار الخزى والهوان . (29) النعى الشديد على من أدعى أن لله ولداً . (30) بيان أن الله قد أنزل كتابه بلسان عربى مبين ، ليبشر به المتقين ، وينذر به الكافرين ذوى اللدد والخصومة . حادى عشر : بعض الدروس المستفادة 1) لما قرئ صدر هذه السورة على النجاشى ملك الحبشة من المسلمين المهاجرين إليها . بكى حتى أخضل لحيته ، وبكى أساقفته حتى أخضلوا إلحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم وهم الذين نزل فيهم قوله تعالى {ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} [المائدة 85] . وقد كانت هذه السورة واستجارة المسلمين سبباً فى إسلامه . 2) حرف (ص) لم يرد فى فواتح السور إلا فى ثلاث منها فقط . أول الأعراف (المص) . أول مريم (كهيعص) . أول ص (ص) . ويلاحظ : أن كل سورة من هذه السور الثلاث جاءت فى ثلث من أقسام القرآن الكريم الثلاثة . 3) فى قوله تعالى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً * وحناناً من لدنا وزكاة وكان تقياً * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصياً} [مريم 12-14] . نقاط هامة فى تربية الأطفال (17) فقوله تعالى {خذ الكتاب بقوة} . فيه : وجوب تربية الطفل على أخذ العلم بجد وعزم . وقوله {وآتيناه الحكم صبياً} . فيه ك وجوب تربية الطفل على فهم الحكمة والتحقق بها ، والتحلى بها ، كى يكون عاقلاً حكيماً . وقوله {وحناناً من لدنا وزكاة} . فيه : وجوب تربية الطفل على الأخلاق الفاضلة وضرورة توافر صفة الحنان عنده ، والتقوى والطهارة فى أخلاقه والإستقامة فى سلوكه . وقوله {وكان تقياً} . فيه : وجوب تربية الطفل على التقوى من الله تعالى ، والإسلام ، والطاعة له . وقوله {براً بوالديه} . فيه : وجوب تربية الطفل على البر بوالديه وصلة أرحامه ومودة أقاربه ، وتجنبيه العقوق . وقوله تعالى {ولم يكن جباراً عصياً} فيه : وجوب تربية الطفل على التواضع والطاعة . 4) من حصيلة تعرض السورة إلى الخلاقات التى وقعت بين الناس بغياً ، وحسمت السورة فيها الموقف . يلوح أمر لهذه الأمة . وهو : أن عليها أن تحذر ما وقعت فيه الأمم الأخرى بعد رسلها من خلافات . أملاً فى : نجاتها من مغبة هذه الخلافات . وتوصلاً : لأن تكون من المهتدين . 5) ورد فى هذه السورة بعض ألفاظ يرى من تمام الفائدة أن توضح معانيها(20) وهذه الألفاظ : "الصادق – الصديق – المخلِص – المخلَص" . أ- فالصادق : هو المستقيم فى الأفعال . وقال إبراهيم الخواص : الصادق لا تراه إلا فى فرض يؤديه ، أو فضل يعمل فيه . وقيل : ثلاثة لا تخطئ الصادق : الحلاوة ، والهيبة ، والملاحة . وقال أحمد بن خضروية : من أراد أن يكون الله تعالى معه ، فليلزم الصدق ، فإن الله تعالى قال {إن الله مع الصادقين} [البقرة 153] . ب- والصديق : هو الذى يزيد على ذلك استقامته على الصدق فى جميع أقواله ، وأفعاله وأحواله ، وهى تلى درجة النبوة . ففى الحديث (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً)(21) . وفى القرآن الكريم {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين} [النساء 69] . جـ- والمخلِص : هو الذى يعمل لله ولا يجب أن يحمده أحد . وقال ذو النون المصرى : ثلاث من علامات الإخلاص : استواء المدح والذم بين الناس ، ونسيان رؤية الأعمال فى الأعمال ، ونسيان اقتضاء ثواب العمل فى الآخرة . د- والمخلَص : من أخلصه الله له فلم يبق فيه حظ بغير الله . قال أبو بكر الدقاق : إذا أراد الله تعالى أن يخلص إخلاص عبد اسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه ؛ فيكون مخلَصاً لا مخلِصاً . وعلى كل : فإن العلاقة بين الصدق والإخلاص : قوية جداً . فقد قال ذو النون : الإخلاص : لا يتم إلا بالصدق فيه والصبر عليه . والصدق : لا يتم إلا بالإخلاص فيه ، والمداومة عليه . يقول تعالى {واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً} [مريم 51] . ويقول تعالى {واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً} [مريم 54] . ويقول تعالى {واذكر فى الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً} [مريم 56] . ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث 1- أنظر : السخاوى .. جمال القراء 1/37 الفيروزابادى .. بصائر ذوى التمييز 1/305 القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة مريم) الآلوس .. روح المعانى ( " " " ) القاسمى .. محاسن التأويل ( " " " ) السيوطى .. الاتقان 1/6. 2- الفيروزابادى .. (مصدر سابق) 3- أنظر : الآلوس .. (مصادر سابقة) 4- القاسمى .. (مصدر سابق) 5- سليمان الجمل .. الفتوحات الإلهية (تفسير سورة مريم) 6- محمد فؤاد عبد الباقى .. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم 7-أنظر : السخاوى ، الفيروزابادى ، القرطبى ، الآلوس (مصادر سابقة) 8- الفيروزابادى .. (مصدر سابق) 9- الآلوس .. (مصدر سابق) 10- القرطبى .. (مصدر سابق) 11- أنظر : ... .. التبصرة ص 255 السخاوى .. جمال القراء 1/2.6 الآلوس .. روح المعانى (تفسير سورة مريم) نثر المرجان 4/201 12- السيوطى .. (مصدر سابق) 13- أنظر: الآلوس .. (مصدر سابق) المراغى .. تفسير المراغى (تفسير سورة مريم) 14- أنظر : سيد قطب .. فى ظلال القرآن ( " " " ) د/ محمد البهى.. تفسير سورة مريم ص 3 وما بعدها . 15- د/ محمد البهى.. (مصدر سابق) 16- سيد قطب .. (مصدر سابق) 17- سعيد حوى .. الأساس فى التفسير (تفسير سورة مريم) 18- المراغى .. تفسير المراغى ( " " " ) 19- أنظر الموضوع بتوسع فى : القرطبى .. الجامع لأحكام القرآن (تفسير سورة مريم) ابن كثير .. تفسير القرآن العظيم ( " " " ) ابن هشام .. السيرة النبوية 1/334 20- أنظر : الإمام الزمشرى.. الرسالة .... 2/44. وما بعدها سعيد حوى مصدر سابق 21- رواه : مسلم .. كتاب البر ، باب فتح الكذب ، وحسن الصدق . فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الخميس، 24 نوفمبر 2011
مفاتيح سورة مريم
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق