البناء الإجتماعى فى سورة الحجرات |
الكاتب: د./ عادل فهمي |
ترسم لنا سورة الحجرات صورة محددة المعالم لمجتمع إسلامى : ربانى فى غايته ومنهجه ، إنسانى وعالمى فى طبيعة تكوينه ، مجتمع تسمو فيه المشاعر ، وتصان فيه الأعراض والحرمات، مجتمع تعالج فيه الانحرافات بسلطان الشريعة وبروح الأخوة الإسلامية الجامعة ، مجتمع يصونه من الداخل فريضة النصيحة والشورى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويحميه من الخارج فريضة الجهاد والبذل فى سبيل الله ، مجتمع تنظم حركته مجموعة من المبادئ فى كافة مجالات الحياة. ولقد أشتملت السورة على الوسائل التى تعين على بناء هذا المجتمع ، وتحقيق هذه المبادئ ، وإخراجها من نطاق القول إلى مجالات العمل ، ومن سطور الكتاب إلى دروب الحياة. المبدأ الأول : الكتاب والسنة مصدرا التشريع للأمة : تؤكد سورة الحجرات على أنه لا مصدر للتشريع ، أو وضع المناهج والنظم ، ولا دستور للحياة المسلمة إلا الكتاب والسنة ، مما يضمن ثبات المفاهيم والقيم ، وعدم اختلال الموازين ، قال تعالى : { يا أ يها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم } (الآية:1)، وقال: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم لا تشعرون} (الآية :2). والنهى فى قوله تعالى : { لا تقدموا }، وقوله : { لا ترفعوا } عام ، يشمل المخاطبين فى المدينة وما حولها من المدن والأمصار ، ويشمل المخاطبين فى عصر النبوة وما تتلوه من أزمنة وعصور ، ويشمل أفراد الأمة كلها حكاماً ومحكومين ، وهو عام أيضاً ليشمل جميع أمور الدنيا والآخرة، وذلك يعنى: 1- وجوب التطبيق الكامل للشريعة تطبيقاً يجعل " تعاليم الإسلام هى الموجهة لكل نواحى الحياة ، والقائد لكل مؤسسات المجتمع فلا يكفى أن تأخذ المحاكم ببعض القوانين التشريعية الإسلامية ، على حين تجد أجهزة التربية والتعليم والثقافة والإعلام توجهها أفكار غير إسلامية ، وقيم غير إسلامية. ذلك أن تعاليم الإسلام كُلٌّ لا يتجزأ ، يسند بعضها دون بعض يعوق البعض المأخوذ نفسه عن إيتاء ثمراته كاملة ، وربما أرهق الناس من أمرهم عسرا" (1). 2- صلاحية الشريعة للتطبيق فى كل زمان ومكان: فما من حادثة تنزل رسوله صلى الله عليه وسلم إما نصاً أو دلالة بما يواكب تطور الأمة ، ويرفع الحرج عنها ، ولها فى القواعد التشريعية كالقياس والاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة مرونة تشريعية كبيرة. 3- الشريعة ضمانة أساسية ضد الاستبداد ، فالحاكم مثله مثل أى فرد فى الأمة ملزم بتطبيق الشريعة ، فإن حاد عنها ، أو خرج عليها وجب على الأمة رده إليها وإلا صارت مقدمة بين يدى الله ورسوله ، رافعة لصوتها فوق صوت النبى إن هى رضيت بهذا الخروج وتابعته فيه. المبدأ الثانى : الأخوة الإسلامية الجامعة : الرباط الذى يربط المسلمين جميعاً وهو رباط الأخوة الإسلامية الجامعة، بحيث تصير جنسية المسلم عقيدته ، ويصير المسلمون أمة واحدة من دون الناس ، يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم، قال تعالى : { إنما المؤمنون أخوة } (الآية : 10)، هذه الأخوة تدفع المسلمين إلى الإصلاح بين إخوانهم بالعدل ، فلا ميل ولا جور وتدفعهم إلى الوقوف بجوار المظلوم حتى يؤخذ الحق له ، وتدفعهم إلى الوقوف بجوار المظلوم حتى يؤخذ الحق له، وتدفعهم إلى الوقوف بجوار المظلوم حتى يؤخذ الحق له، وتدفعهم إلى الوقوف ضد الظالم ـ كائنا من كان ـ حتى يؤخذ الحق منه ، قال تعالى : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) }. هذه الأخوة تمنع المسلم من إيذاء أخيه، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} (الحجرات). بل إن السياق القرآنى ليرتفع بهذه الأخوة ليشعر المسلم أنه عندما يؤذى نفسه ويسئ إليها ، قال تعالى : {ولا تلمزوا} (الآية :11). المبدأ الثالث : وجوب النصيحة والعمل على إصلاح الأمة : هذا المبدأ يعبر عنه فى الدساتير المعاصرة بحق إبداء الرأى ، وحق النقد البناء ، وحق المشاركة فى السياسة والعمل العام. ولقد كفل الإسلام هذه الحقوق لأبنائه بشرط أن تكون منضبطه فى غاياتها ووسائلها بشريعة الله عز وجل ، قال تعالى : { فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} (الآية:9)قال الرازى ـ رحمه الله : " أى الظالم يجب عليه دفعه عنه ، ثم إن الظالم إن كان هو الرعية ، فالواجب على الأمير دفعهم ، وإن كان هو الأمير فالواجب على المسلمين منعه بالنصيحة فما فوقها ، و شرطه أن لا يثير فتنة مثل التى فى اقتتال الطائفتين أو أشد". المظاهر العملية لهذا المبدأ: من المظاهر العملية لتطبيق هذا المبدأ : حق الأفراد فى رفع دعاوى الحسبة رعاية لحقوق الله والمجتمع والأفراد ، حرية الصحافة وأدوات ووسائل الكتابة والتعبير، حرية تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات، حق الترشيح والانتخابات للمجالس النيابية على اختلاف أنواعها ودرجاتها. سورة الحجرات وضوابط حرية الرأى وحرية العمل فى الإسلام : اشتملت سورة الحجرات على الضوابط التى تكفل حرية الرأى، وتحدد ضوابط المشاركة الإيجابية فى العمل العام، وتضمن حسن تطبيق هذا المبدأ ، وتحقيق الثمرة المرجوة منه: 1- عدم الخروج على شرع الله (عز وجل) كتاباً وسنة: فحرية الرأى لا تعنى حرية الخروج على الشريعة أو تشكيك الناس فى عقيدتهم وأحكام دينهم. والحرص على العمل العام لا يعنى المجاراة فى باطل ، أو المداهنة فى حق ، أو التنازل عن مبدأ. 2- مراعاة مقاصد الإسلام وأخلاقه: قال تعالى : { وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)} (الحجرات)، فحرية الرأى أو العمل العام لا تعنى حرية الخروج على قيم المجتمع وأخلاقه تحت ستار الحرية الشخصية ، أو حرية الإبداع الأدبى أو الفنى. 3- التثبيت فى تلقى الأخبار ونقلها قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}. 4- عدم استخدام القوة فى فرض الرأى أو مواجهة آراء الآخرين: قال الجصاص (رحمه الله) فى قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} (الآية:8): وفى هذه الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغى لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا، لأنه قال: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفئ إلى أمر الله} ، فإنما أمر بقتالهم إذا بغوا على غيرهم بالقتال، وكذلك فعلى بن أبى طالب (رضى الله عنه) مع الخوارج ؛ وذلك لأنهم حين اعتزلوا عسكره ، بعث إليهم عبد الله بن عباس فدعاهم ، فلما أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجهم فرجعت منهم طائفة على أمرها ، فلما دخل الكوفة خطب فحكمت الخوارج من نواحى المسجد ، وقالت : لا حكم إلا لله، فقال على (رضى الله عنه) : كلمة حق أريد بها باطل ، أما إن لهم ثلاثاً : أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه، وأن لا نمنعهم حقه من الفىء ما دامت مع أيدينا ، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا.(3) 5- التزام الموضوعية والبعد عن الإسفاف: لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) }. 6- تجنب الإضرار بوحدة المة، وإثارة النعرات الطائفية والعرقية: لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (الآية:13). المبدأ الرابع : إن الإسلام يقيم مجتمعه الفاضل على العدل : ومن العدل التثبت والاستيثاق، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} ولهذا المبدأ أهمية كبرى فى النظام الإسلامى وفى بنائه الاجتماعى، إذ يحمى المجتمع من التفكك ، ويمنع اقتتال أبنائه. كما يحمى الأمن الشخصى لمواطنى الدولة المسلمة ـ مسلمين وغير مسلمين ـ فلا يكونون عرضة للملاحقة والمحاسبة، إلا إذا ثبت عليهم ارتكاب جريمة ، أو مخالفة للقانون العام للدولة. كما يرتقى هذا المبدأ بأخلاقيات المجتمع بإغلاقه أبواب الكذب ، والنميمة، والبهتان ، والافتراء ، ويعلم الأمة أدب التثبيت ، وأدب التأنى فى إصدار القرارات والأحكام. المبدأ الخامس : الأخذ على يد الخارجين على نظام المجتمع المسلم : قال تعالى :{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}. هذا المبدأ يبين دور الأمة فى صيانة أمنها ، ووحدة صفها ، وحقن دماء أبنائها، وتطبيق شريعة الله عز وجل ومنع أى عدوان عليها ، والوقوف ضد من يخرج على أئمة العدل ، ونصرة المظلوم ، وكف الباغى. كما يرسم هذا المبدأ طريق حل المنازعات التى تنشأ بين الأفراد بعضهم البعض ، وبين طوائف المسلمين المختلفة. المبدأ السادس : العدل : قال تعالى : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الآية : 9) العدل سمة أساسية لهذا الدين ، عدل تمتد مظلته لتشمل القريب والبعيد، والصديق والعدو ، والقوى والضعيف ، والشريف والوضيع ، والحاكم والمحكوم، والمسلم وغير المسلم. عدل يتعبد به المسلمون لربهم، ويتقربون إليه ، وبه يسبغ عليهم محبته ورضوانه وبه تقام دولتهم ويحمى مجتمعهم : { إن الله يحب المقسطين} (الآية:9). المبدأ السابع : المساواة : قال تعالى : {إنما المؤمنون أخوة} (الآية:10)، وقال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)}فالمسازاة قيمة عليا من قيم الإسلام ، ومعلم بارز من معالمه ، لا تخضع لأهواء البشر، بل هى تشريع من الله العليم الخبير : مساواة فى القيمة الإنسانية ، مساواة فى الواجبات والحقوق ، مساواة فى توفير الكرامة للناس جميعاً ، مساواة أمام القانون ، مساواة بين رعايا الدولة المسلمة مسلين وغير مسلمين. المبدأ الثامن : صيانة كرامة المسلم وحرمة حياته الخاصة : لقد شددت السورة النكير على من يعتدون على كرامة إخوانهم ، ويحطون من شأنهم وينتهكون خصوصياتهم ، أياً كان الفاعل حاكماً أو محكوماً ، آمراً أو مأموراً ، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) } . هذا المبدأ تحقيق لما ينشده الإسلام من المساواة بين الناس، فالناس لآدم وآدم من تراب ، وأكرم الناس أتقاهم ، وتحقيق أيضاً للعدل بين الناس ، فمن العدل أن تصان الحرمات ، وتحفظ الأعراض وأن تحمى كرامة الناس وخصوصياتهم . كما يحرم هذا المبدأ التعذيب المعنوى بكافة صوره وأشكاله ، ولعل هذا النوع من التعذيب أشد إيلاماً للنفس الحرة الأبية من التعذيب الجسدى لذى حرمه الإسلام أيضاً أشد التحريم ، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس فى الدنيا" (4)، كما يؤكد هذا المبدأ على دور الأمة فى الحفاظ على حقوق أفرادها ، وحماية كرامتهم وأعراضهم ، لقوله تعالى : {إنما المؤمنون أخوة} (الآية:10) . وإهدار هذا المبدأ يفسد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وبين أفراد المجتمع بعضهم البعض، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الأمير إذا ابتغى الريبة فى الناس أفسدهم" (5) ، أى إذا كانت القاعدة هى أخذ الناس بالشبهات والظنون وإقامة العيون عليهم فسدت العلاقة بين أفراد المجتمع ، وفشا الظلم بين الناس وخربت الذمم والضمائر ، وكثر الإفتراء والبهتان . المبدأ التاسع : الإسلام هو معيار الكفاءة الإجتماعية بين المسلمين : قال تعالى { إنما المؤمنون أخوة} (الآية : 10) ، وهم من أصل واحد ، فلا تفاضل بينهم إلا بالتقوى ، ولا تمييز بينهم بحسب أو نسب ، أو لون أو جنس ، أو مال أو سلطان ، فالنسب الحقيقى هو نسب التقوى، والشرف الحقيقى هو أن يكون المسلم عنواناً لدينه : طاعة وامتثالاً ، بذلاً وجهاداً ، عبادة ومعاملة ، خلقاً وسلوكاً ، قولاً وعملاً ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} ، ولقد طبق المسلمون هذا المبدأ فى واقع حياتهم فضربوا للبشرية المثل الأوفى فى المساواة واحترام كرمة الإنسان ، وأخرجوا لنا نماذج نتيه بها على مر الزمان : فلقد كانت عائشة تقول : " ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فى سرية إلا أمره عليهم ، ولو بقى بعد لاستخلفه" (6) ، وتزوج بعض الموالى من قريش: تزوج المقداد بن الأسود أخت الزبير بن العوام حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، وتزوج سالم مولى أبى حذيفة من فاطمة بنت الوليد بن عتبة، وتزوج بلال الحبشى عتيق أبى بكر الصديق (رضى الله عنهما) من أخت عبد الرحمن بن عوف(7). وقال أبو موسى (رضى الله عنه ) عن عبد الله بن مسعود : " قدمت أنا وأخى من اليمن ، وما كنا نظن إلا أن ابن مسعود وأمه من أهل بيت النبى (صلى الله عليه وسلم) لكثرة دخولهم بين النبى ( صلى الله عليه وسلم) " (8) ، و لقد ظل هذا المبدأ سمة مميزة للمجتمعات الإسلامية حتى عصر قريب وما شهد به جوستاف لوبون فقال : ( حال الأرقاء فى الشرق أفضل من حال الخدم فى أوروبا، فالأرقاء فى الشرق يؤلفون جزءاً من الأسر، ويستطيعون الزواج ببنات سادتهم أحياناً كما رأينا ذلك سابقاً ، ويقدرون أن يتسنموا أعلى الرتب"(9). المبدأ العاشر : العامل وعمله : ترسى سورة الحجرات مبدأ ( العامل وعمله ) ، بما يدفع المسلمين إلى التنافس فى الخير : فى إصلاح أنفسهم وتهذيبها ، وفى العمل على رقى الأمة وسعادتها ، وهداية البشرية وإرشادها، وبذل النفس والمال لإعلاء كلمة الله، قال تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (الآية:13)، وقال : {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} ( الآية:14)، أى لا ينقصكم أجر أعمالكم ، وقال : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} ، ولا مجال لأن يمن أحد العاملين على المسلمين بعمله ، بل لله المن والفضل ، قال تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هدأكم للإيمان إن كنتم صادقين} (الآية:17). المبدأ الحادى عشر: وحدة الأصل البشرى وحماية كرامة الإنسانية : قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} ، والحكمة من جعل الناس شعوباً وقبائل كما يقول الإمام الرازى رحمه الله فى تفسيره: هى التعارف ، وفيه وجهان: أحدهما: أن فائدة ذلك التناصر لا التفاخر. ثانيهما: أن فائدته التعارف لا التناكر (10) ،هذا المبدأ يمثل "القاعدة التى يقوم عليها المجتمع الإنسانى العالمى، الذى تحاول البشرية فى خيالها المحلق أن تحقق لوناً من ألوانه فتخفق، لأنها لا تسلك إليه الطريق إلى الله .. ولأنها لا تقف تحت الراية الواحدة المجمعة .. راية الله" (11)، ولكى يصبح هذا المبدأ واقعاً حياً فى حياة المسلمين ـ باعتباره قاعدة للمجتمع الإنسانى العالمى الذى يريد الإسلام إقامته. ولقد بنى الإسلام نظامه الأخلاقى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى والعسكرى على مجموعة من القواعد الهامة هى: 1- إرادة الخير للناس جميعاً. 2- حماية حرية الإنسان وكرامته. 3- حماية مقومات الحياة الإنسانية والحق فى الحياة. 4- البر والقسط مع المسالمين من غير المسلمين. 5- كفالة حرية العقيدة، وحرية العبادة. 6- تحقيق التكافل الاجتماعى والتوازن الاقتصادى بين الأفراد وبين الدول. 7- تحقيق التكافل السياسى بين البشرية جمعاء. المبدأ الثانى عشر : التواصل والتعارف مع أمم الأرض : دعوة الإسلام دعوة عالمية للبشرية جمعاء قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} ، لذلك فإن الآية الكريمة تدعو الأمة المسلمة إلى التواصل والتعارف بين أمم الأرض إعلاءً لقيمة التقوى ، وبما يقدم النموذج الإسلامى القدوة إلى البشرية، ويدعوها إليه بصورة عملية ، ولبناء المجتمع الإنسانى العالمى. المبدأ الثالث عشر : الجهاد فى سبيل الله : الجهاد هو ذروة سنام الإسلام ، وشعار الأنبياء والمرسلين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والسياج الواقى لحماية المجتمع من الداخل والخارج، وهو الدليل الحى ، والشاهد الذى لا يكذب على رسوخ العقيدة فى قلب المسلم، وعلى أنه قد باع لله أثمن ما يملكه المرء: الروح والمال ، قال تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون} ( الآية : 15) وقوله تعالى { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم } يبين طبيعة الجهاد فى الإسلام، إذ إن سبيل الله هو سبيل الحق، المنضبط بشريعة الله ، الهادف إلى مرضاته ، وإعلاء كلمته. وسائل تحقيق هذه المبادئ : سلكت السورة الكريمة ـ في بنائها لهذا المجتمع وفي تحقيقها لهذه المبادئ – الوسائل التالية : ـ 1ـ بيان المعنى الحقيقي للإيمان، وعلامات الإيمان الصادق في : * انقياد وتسليم لله ورسوله، وتحكيم للشريعة – كتابا وسنة – في كل شأن من شئون الحياة . * حب وتوقير للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) . * حكمة تغمر أنوارها القلوب، فتدفعها إلى التأني في اتخاذ القرارات، والحكم على الأشخاص. * نعمة كبرى يقذفها الله في قلوب عباده فتحجزهم عن الكفر والفسوق والعصيان، وتجعلهم من الراشدين، فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم. * نسب رباني، وآصرة جامعة تربط المسلمين برباط واحد وثيق، تجعل كبير المسلمين لهم أبا، وأوسطهم أخا، وصغيرهم ابنا، فيستحي المسلم أن يسئ إلى أحد منهم. * قوة دافعة لإرساء العدل والأمان في المجتمع، وحراسة الدين، وسياسة الدنيا به، وحماية الحقوق، وردع البغاة والظالمين. * خلق رفيع، وأدب جم، وصيانة للمشاعر، وتهذيب للنفوس، وارتقاء بلغة الحوار، وحماية للأعراض والحرمات. * دعوة صادقة عنوانها إيمان راسخ في القلوب، وعلامتها بذل النفس والمال لإعلاء كلمة الله، دون تعلق بدنيا فانية أو عرض زائل. 2ـ بيان حقيقة التقوى وعلامات المتقين : التقوى كما بينتها سورة الحجرات : منهاج شامل لتربية النفس المسلمة في كافة المجالات، ومشاركة فعالة فيما يعود على الأمة المسلمة وعلى البشرية جمعاء بالخير العميم : * تطبيق شرع الله (عز وجل) في كافة مجالات الحياة، ومنع الخروج عليه أو الانحراف به. * الأدب مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المبلغ عن ربه (عز وجل) بغض الصوت عنده غضا ماديا بخفض الصوت بين يديه حيا وميتا، وعند سماح حديثه الشريف، وغضا معنويا بألا يعلو صوت أو فكر على ما جاء به (صلى الله عليه وسلم) من كتاب وسنة. * العمل على إصلاح المجتمع، وحماية وحدته وترابطه، وإزالة أسباب الخلاف والشقاق بين أفراده وطوائفه، وإلزامهم منهج الله تعالى، والقيام بواجب النصيحة للحكام والمحكومين. * حسن العلاقة مع المسلمين واجتناب كل ما يكدر صفو الأخوة، وعدم الاعتداء على كرامة المسلم، أو انتهاك حرمة حياته الخاصة. * التواصل والتعارف مع أمم الأرض لإعاء قيمة التقوى، ودعوة البشرية إلى هذا الدين بصورة عملية. 3ـ تربية الضمير الإسلامي الخاص والعام : إذ تستجيش فيه حقيقة الإيمان وتشعره أن تطبيق هذه المبادئ والنظم الأخلاقية والسياسية والاجتماعية واجب ديني ووظيفة اجتماعية، يراقبه الله (عز وجل) فيها، ويجزيه على قدر بذله وعطائه لتحقيقها، فآيات السورة تختم بالأمر بتقوى الله السميع العليم، الغفور الرحيم، العليم الحكيم، التواب الرحيم، الذي امتحن قلوب المؤمنين للتقوى، الذي حبب إليهم الإيمان وزينة في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين فضلا منه ونعمة. 4ـ تربية المسلمين على الإيجابية والبعد عن السلبية : وذلك في مثل قوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنين إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } (الآيتان 9 -10). ولقد بين القرطبي (رحمه الله) أهمية هذه الوسيلة لاستقرار الأمة، وصيانة أمن المجتمع ووحدته، وتطبيق الشريعة، فقال : "وقال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل، لما أقيم حد، ولا أبطل باطل، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم، بأن يتحزبوا عليهم، ويكف المسلمون أيديهم عنهم؛ وذلك مخالف لقوله (صلى الله عليه وسلم) : "خذوا على أيدي سفهائكم" (12). 5ـ فتح باب التوبة أمام البغاة والعصاة والمذنبين : تفتح السورة الكريمة باب التوبة حتى للبغاة الذين حملوا السلاح على المسلمين، وتأمرهم بتقوى الله الذي يغفر الذنوب جميعا، قال تعالى : {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} (الآية:10)، كما تفتحها أيضا للذين يسيئون إلى إخوانهم { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} (الآية:12)، إن التوبة منهج إسلامي متفرد لتهذيب النفس البشرية، والارتقاء بها، وتطهيرها مما يعلق بها من ذنوب وآثام. وهي أيضا تربية للمجتمع، فلا يعير مسلم أخاه بذنب ارتكبه، ولا يقف المجتمع من التائبين ـالذين تطهروا مما ارتكبوه، وتابوا من ذنوبهم وفق شروط التوبة الشرعية ـ موقف الملاحق والمطارد، بل يتخلق بخلق الله تعالى معهم {إن الله تواب رحيم} (الآية:12)، وينظر إليهم بما يمليه عليه مبدأ الأخوة بين المؤمنين، من خفض الجناح، وترفع عن التشفي أو الانتقام. 6ـ تربية المسلمين على البذل والعطاء في سبيل الله : قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون} (الآية:15). يبين الحق (تبارك وتعالى) أن الإيمان الصادق هو الذي يدفع صاحبه إلى بذل أنفس ما يملكه في سبيل الله : نفسه التي بين جنبيه، وماله الذي أفاء الله به عليه، من غير من على المسلمين، {أولئك هم الصادقون} في إيمانهم، وفي حبهم لله (عز وجل) ونبيه (صلى الله عليه وسلم). 7ـ التربية بالوعد والوعيد : إن الإسلام في تشريعاته وأوامره وأحكامه يقرنها دائما بالوعد والوعيد ترغيبا للمسلمين في رحمة الله (عز وجل)، وواسع كرمه، وعظيم جوده وعفوه وإحسانه؛ وفي الوقت ذاته يخوفهم من غضبه وانتقامه، بحيث يزن المسلم الصادق في إسلامه الأمور دائما بميزان الآخرة. وآيات الحجرات تسير على نفس القاعدة، فمن التربية بالوعد قوله تعالى : {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} (الآية:3)، {وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} (الآية:9) ، {واتقوا الله لعلكم ترحمون} (الآية:10)، {واتقوا الله إن الله تواب رحيم} (الآية:12). أما التربية بالوعيد كقوله تعالى : { ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}(الآية:3) ، {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}(الآية:11). 8ـ تربية المسلمين على الأخلاق العالية والآداب الفاضلة : سورة الحجرات قمة سامقة من الأدب الرفيع؛ فلقد اشتملت على جملة من الآداب الفاضلة، والأخلاق العالية الرفيعة، إما نصا وإما دلالة؛ كما نهت أيضا عن بعض الأخلاق المذمومة، هذه الآداب والأخلاق نذكرها لضيق المقام إجمالا فيما يلي : * من الآداب التي تناولتها السورة : الأدب مع الله (تعالى)، ومع رسوله المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، ومع كل فرد من أبناء الأمة، ومع غير المسلمين، أدب للمسلمين عند اختلافهم، وأدب عند بذلهم وجهادهم. * من الأخلاق الإيجابية التي تناولتها السورة إما نصا وإما دلالة : الصدق، الإخلاق، التواضع، الزهد، الصبر، الحياء، التثبت، النصرة والنجدة، الإصلاح بين الناس، العدل، التآخي في الله، احترام الناس وتوقيرهم، حسن الظن، ستر المسلم على أخيه، البذل والسخاء، التعارف والتآلف، بر الوالدين، صلة الأرحام. * من الأخلاق السلبية التي نهت عنها السورة إما نصا أو دلالة : الرياء، الكذب، البغي، السخرية والاستهزاء، اللمز، التنابز بالألقاب، الغيبة، سوء الظن، التجسس، الكبر والعجب، المن . هذا هو المجتمع الإسلامي الذي تبنيه سورة الحجرات وتلك معالمه، وهذه هي المبادئ والوسائل التي يقوم عليها. وما أحوجنا أن نصوغ حياتنا، وأن نبني مجتمعاتنا، وفق هذه السورة الكريمة، وهذا الهدى الرباني،والله من وراء القصد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين الحواشي : ـ 1ـ د. يوسف القرطاوي ت مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ـ ص 282، طبعة مكتبة وهبة ،القاهرة 1990م. 2ـ الرازي ـ مفاتيح الغيب ـ 14 : 381 طبعة دار الغد العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1414هـ ـ 1993. 3ـ الجصاص ـ أحكام القرآن ـ 3: 533، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت، 1415هـ ـ 1994م. 4ـ السيوطي ـ الجامع الصغير ـ 1: 76، رواه أحمد ومسلم وأبو داود عن هشام بن حكيم، مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني، القاهرة، بدون تاريخ نشر. 5ـ المصدر السابق 1: 87، رواه أبو داود والحاكم في مستدركه، ورمز له السيوطي بالحسن. 6ـ ابن كثير ـ البداية والنهاية ـ 2: 702، دار الغد العربي، الطبعة الثانية، القاهرة، 1411هـ ـ 1990م. 7ـ انظر القرطبي ـ الجامع لأحكام القرآن ـ 8: 5456، دار الغد العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1409هـ ـ 1989م. 8ـ ابن كثير، مصدر سابق، 4: 214. 9ـ غنوستاف لوبون ـ حضارة العرب ـ ترجمة عادل زعيتر، ص 376، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مشروع مكتبة الأسرة، القاهرة، 2000م. 10ـ الرازي، مصدر سابق، 14: 397. 11ـ سيد قطب ـ في ظلال القرآن ـ 3349، 6: 3348، دار الشروق، بيروت والقاهرة، الطبعة الشرعية الثالثة، 1397هـ ـ 1977م. 12ـ القرطبي مصدر سابق، 6368، 9: 6367. =========== المصدر:مجلة الرسالة (العدد15) |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الاثنين، 21 نوفمبر 2011
البناء الإجتماعى فى سورة الحجرات
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق