سورة الأحقاف ومنهج الدعوة إلي الله |
الكاتب: د./ عادل فهمي |
سورة الأحقاف : هي الدرة السابعة في عقد آل حم ، وتدور السورة الكريمة حول الدعوة إلى الله تعالى: طبيعتها ، الغاية منها، محاورها ، الضوابط التي تحكمها ، وسائلها ، مواقف الناس منها، والعقبات التي تعترض طريقها، صفات الدعاة إليها، جزاء من آمن بها ودعا إليها ، وعاقبة الصدود عنها. هذه الدعوة : لها خصائص وسمات تميزها عن أي منهج بشري أو دعوة أرضية ؟ وسورة الأحقاف : تبين طبيعة هذه الدعوة وخصائصها التي تنفرد بها، فهي: 1- دعوة ربانية: لا تخضع لعلم البشر القاصر وأهوائهم المتعددة، قال تعالي :( حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)). (الْعَزِيزِ) : الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، ينصر أولياءه ويذل أعداءه. (الْحَكِيمِ): الذي لم يخلق الناس هملا، ولم يتركهم سدى ، بل أنزل إليهم كتابا فيه سعادتهم وعزهم في الدنيا والآخرة، إن هم آمنوا به وعملوا بأحكامه. (الحكيم) الذي ينظم أمر الكون كله وفق حكمته المطلقة وعلمه المحيط، وينظم حياة البشر بما يناسب فطرتهم، وبما يتوافق مع بيئاتهم المختلفة واستعداداتهم المتباينة. (الحكيم) : المنزه عن الهوى، الذي لا يحابي أحدًا ولا يظلم عنده أحد، ولا يضيع عنده عمل عامل من ذكر أو أنثى. 2- منهاج عادل: قال تعالي:( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الآية:19]، فهو منهاج : يحقق العدل والمساواة بين الناس جميعا بدون تفرقة بينهم. 3- إمتداد للرسالات السابقة: فهي امتداد لما سبقها من دعوات نزل بها الوحي الأمين من رب العالمين، فحرى بالناس جميعا، مشركين وأهل كتاب ، أن يؤمنوا بها، وأن يتبعوا هذا الكتاب المنزل من الحق تعالى علي عبده ومصطفاه ؛ ليخرج الناس من الظلمات إلي النور، ومن جور الأديان إلي عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة، قال تعالي:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)[الآية:12]. 4- دعوة عامة: ليست لقريش وحدها أو للعرب وحدهم ، بل هي دعوة عامة للثقلين : الإنس والجن،قال تعالي:( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10))[الآية :10]. وقال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29))[الآية:29]. ولذلك فهي : دعوة تحقق الإخاء الإنساني والتواصل بين الأمم ، وترسي أسباب السلام والوئام في الأرض. 5- دعوة إصلاحية: ذلك أنه : لا صلاح للحياة إلا بالإيمان ولا فلاح ولا سعادة للبشرية إلا باتباع منهج الله، أما الكفر والعصيان والتمرد على أوامره تعالي ففيه تفشى المظالم (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)[الآية:20] 6- بشرى لمن آمن بها،واستقام عليها،ونذيرًا لمن كذب بها وصدف عنها: قال تعالي:( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)[الآية:12]،وقال: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)[الآية:34]. الغاية الأساسية من رسالة النبي صلي الله عليه وسلم هي : إفراد الله تعالي بالعبودية، ووحدة الاتجاه إليه والتلقي منه، وخلع كل ما يعبد أو يطاع من دونه، قال تعالي (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6))[الآيات:4-6] وسورة الأحقاف : ترينا كيف أن إفراد الله تعالى بالعبودية والطاعة والاتباع فيه سعادة البشرية، وفيه الحرية الحقيقية لبني الإنسان، فبالتوحيد واتباع منهجه تعالى تتبدل أحوال الناس وينتقلون : (أ) من ظلمات الكفر والجهالة إلى أنوار المعرفة والإيمان واليقين،قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5))[الآيات:4-5]. (ب) ومن أسر التقاليد البالية والأفكار الموروثة إلى انطلاقة العقل ورحابة الفكر والوجدان:وذلك للآيتين السابقتين ، ولقوله تعالى حكاية عن قوم هود:( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23))[الآياتين :22-23]، وقوله:( فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28))[الآية:28] (ت) ومن التمييز العنصري والطبقي إلي المساواة بين الناس، فلقد عاب الله تعالي على المشركين أزدراءهم للمؤمنين واستصغارهم لشأنهم الكاذب بأحقيتهم في نيل الخير منه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11))[الآية: 11] (ث) ومن الجاهلية الضيقة إلي آفاق الإنسانية الرحبة والتواصل مع الأمم والمجتمعات، قال تعالي:( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10))[الآية:10]. وقال : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12))[الآية:12]. (ج) ومن جور الأديان والمذاهب الوضعية إلي عدل الإسلام قال تعالي (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الآية:19]. (ح) ومن ذل المعصية إلي عز الطاعة ، ومن التهافت على الشهوات الدنيا والتكالب علي متاعها الزائل إلي عوالي الأموروالغابات قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14))[الآيتان:13-14]. وقال (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20))[الآية:20]. (خ) ومن الأثرة والفردية السلبية إلي روح الإيجابية وخدمة المجتمعات والأوطان. ولعل أوضح مثال علي ذلك : قصة الجن الذين آمنوا عند سماعهم القرآن من رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ثم ولوا إلي قومهم منذرين عاملين على هدايتهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم داعين إياهم إلى ما فيه مغفرة ذنوبهم واستنقاذ أرواحهم من النار. هذه الغاية السامية لهذه الرسالة الخاتمة كي تصير واقعا حيا في دنيا الناس، لابد لها من المحاور التالية ؛ لتعمل من خلالها: 1- النفس: بإقامتها علي منهج الله تعالي خشوعا وخضوعا طاعة وامتثالا خوفا ورجاء رغبة ورهبة ظاهرًا وباطناً سرًا وعلانية قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الآية:13] وأيضا بتهذيب النفس بالتوبة والإنابة إلي الله تعالي والتضرع والدعاء بين يديه والتوسل إليه (عز وجل) بصالح الأعمال وأفضلها عنده وأرجاها لديه: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[الآية:15]. 2- البيت: بإصلاحه وتقويمه فأولى الناس بأن يستنقذهم الداعي من النار أهله وقرابته . وسورة الأحقاف ترينا لذلك مثلين أختلفت فيهما الوسييلة واتحدت فيهما الغاية : دعاء العبد الصالح لذريته بالصلاح: (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[الآية:15] ودعوة الأبوين الصالحين لآبنهما أن يكون من المؤمنين (وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)[الآية:17]. 3- المجتمع والبشرية: بالعمل على هداية الناس وإرشادهم والأخذ بأيديهم إلي طريق الله تعالى، والرد علي ما يعتمل في صدورهم من تساؤلات وشبهات، وبيان محاسن الدعوة لهم، وطبيعتها وأهدافها: كدعوة النبي صلي الله عليه وسلم لمشركى مكة،وكدعوة هود عليه السلام لعاد، ودعوة الجن لقومهم. من خلال السورة الكريمة نستطيع أن نرى الضوابط التي تحكم الدعوة إلي الله تعالى وتضبط حركتها،وتكون عونا على نشرها واستمرارها وتحميها من الانحراف بها عن غاياتها وأهدافها، وتصونها من التبديل والتشويه والتغيير وتحميهامن غوائل أعدائها: 1- بيان كامل لا نقص فيه: قال تعالي : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الآية :9] . وقال حكاية عن هود عليه السلام (وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ)[الآية:23]. فالدعوة المنقوصة لهذا الدين : ليست منه في شيء، وضررها عليه كبير، إذ تقدم صورة مشوه عن الإسلام وتخرج مسلمين انحصر فهمهم للإسلام في إطار الشعائر التعبدية والطقوس الاجتماعية وتفصل بين الدين والحياة . يقول الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) الدعوة إلي الإسلام بالعلمانية - عن سياسة الدولة وشئون العمران - هي قطع لإحدى ساقيه، وتعطيل لإحدى رئتيه،وكفران ببعض آيات كتابه. 2- مراعاة التدريج في الخطاب الدعوى: هذا البيان الكامل يقتضي ترتيب أولويات الخطاب الدعوي ومراعاة سنة التدرج في إصلاح الفرد والمجتمع فالقضية الأساسية التي عرضتها سورة الأحقاف هي قضية التوحيد وإرساؤها في القلوب، ودحضت الشبهات التي تثار حولها،وربطها بالوعد والوعيد،وهي القضية التي إن سلم الناس بها سهل قبولهم لما يترتب عليها من تشريعات وتكاليف وأحكام ولم تتناول السورة أي حكم تكليفي أخر، اللهم إلا الأمر بالإحسان إلي الوالدين، الذي يدخل في دائرة الأخلاق التي حرص الإسلام علي بثها منذ فجر الدعوة، إذ لا دين لمن لا خلق له، لهذا يجب علي الدعاة أن يركزوا على دعوتهم على علاج المشاكل الأساسية التي يعاني منها المجتمع والأمراض التي تنخر في جسده والأخطار التي تهدد وجوده وعليهم أن يدعوا الناس إلي تطبيق الأصول قبل الفروع، والفرائض قبل النوافل وفروض العين والكفاية قبل السنن والمندوبات واجتناب الكبائر قبل الصغائر. 3- الجمع بين القول والعمل: قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الآية:13]، فالدعوات لا يكتب لها البقاء والانتشار إلا إذا تحولت إلي واقع عملي ملموس يجذب الناس لخيرها، ويكون عنوانا على صدقها ودليلا علي حاجتهم إليه، وبرهانا على مدى الشقاء الذي يعيشون فيه لبعدهم عنها وإعراضهم عن منهجها. 4- اتباع لا ابتداع معه: فهم في دعوتهم مقيدون بحدود المنهج الإلهي لا يخرجون عليه ولا يحيدون عنه، بل يلتزمون شرائعه وأحكامه ويسيرون على هدى مقاصده وأهدافه، كما قال تعالى آمرا نبيه صلي الله عليه وسلم أن يقولها ردًا على المشركين: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الآية:9]،وقول هود عليه السلام لقومه (أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ) [الآية:23]،ـ فلا يملك بشركائنا من كان أن يغير أو يعطل حكما أنزله الله تعالى في كتابه، أو أمرًا أمر به خلقه علي لسان أنبيائه . 5- إقناع لا إكراه فيه: فلا إكراه لأحد علي اعتناق الإسلام وسورة الأحقاف مثل عملي على ذلك إذ قامت على الحجة والبرهان وإيراد الدليل العقلي،وعرض البرهان التاريخي والاستعانة بالواقع والملموس لإثبات ضرورة الإيمان وبطلان الكفر ولقد منع الإسلام أتخاذ الإكراه وسيلة لنشر دعوته وحمل الناس على الإيمان به وذلك للأسباب الآتية: 1- الإكراه يخلق أمة من الخائفين والجبناء والإسلام إنما يريد أمة من الأحرار لا من العبيد، فلا يستبد بالرأي دونها طائفة أو حاكم، ولا يرهبها طاغية أو ظالم، ولا يغتصب أرضها عدو أو غاصب. 2- الإكراه يولد النفاق والمنافقون في أي مجتمع معاول هدم لا بناء وخطرهم علي الأمة أقوي بكثير من العدو الظاهر ولذلك بين القرآن صفاتهم وحذر المسلمين من خطرهم في سور كثيرة. 3- كما أن الإكراه ينتج عنه أمة كارهة لما أكرهت عليه، وسرعان ما تنقلب على من أكرهها عندما تحين أمامها الفرصة لذلك : أما الإسلام فإنه يريد أمة مؤمنة عن عقيدة صادقة ويقين جازم تبذل لدينها عن طواعيه واختيار وتفديه بكل ما لديه من غال ونفيس تزول الجبال ولا يزول إيمانها بالله (عزوجل) مهما تألبت عليها الأعداء،وأحاطت بها الدسائس والمؤامرات. 6- انتشار لا تقوقع: نشر الدعوة هو قيام بما افترضه الله تعالي على الدعاة من إبلاغ كلمته للعالمين وهو أيضا حماية للدعوة نفسها من الحصار والاستئصال فإن حوريت بمكة وجدت ملاذًا آمنا لها في المدينة وان رفضها السادة قبلها الأرقاء والمستضعفون فرب أشعث أغير ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره وتاريخنا الإسلامي خير شاهد على الدور العظيم الذي قام به الأرقاء والموالي في خدمة الإسلام والدفاع عنه ونشر علومه في العالمين والسورة الكريمة تبين مدى الجهد الذي بذله النبي صلي الله عليه وسلم في إبلاغ دعوة الله تعالى إلى الناس كافة سادة وأرقاء ،أشرافا وضعفاء رجالاً ونساء قرشيين وغير قرشيين مشركين أو أتباع ديانات أخرى قال تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ)[الآية:11]، ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية ستة أقوال: الأول: أن أبا ذر الغفاري دعاه النبي صلي الله عليه وسلم إلى الإسلام بمكة فأجاب واستجار به قومه فأتاه زعيمهم فأسلم ثم دعاهم الزعيم فأسلموا فبلغ ذلك قريشا فقالوا: غفار الحلفاء لوكان هذا خيرا ما سبقونا إليه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو المتوكل. الثاني: أن زنيرة أسلمت فأصيب بصرها فقالوا لها: أصابك اللات والعزي: فرد الله عليها بصرها فقال عظماء قريش: لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقتنا إليه زنيرة، فانزل الله تعالي هذه الآية ، قال عروة بن الزبير. الثالث: أن الذين كفروا هم بنو عامر وغطفان وتميم وأسد وحنظلة وأشجع قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وجهينة ومزينة وخزاعة لوكان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقتنا إليه رعاة البهم إذ نحن أعز منهم قاله الكلبي والزجاج، وحكاه القشيري عن أبن عباس. الرابع: قال قتادة : نزلت في مشركي قريش، قالوا: لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرًا ما سبقنا إليه بلال وصهيب وعمار وفلان وفلان. الخامس: أن الذين كفروا من اليهود قالوا للذين آمنوا، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه لو كان دين محمد حقا ما سبقونا إليه قاله أكثر المفسرين حكاه الثعلبي. السادس: قال مسروق : إن الكفار قالوا: لو كان خيرًا ما سبقتنا إليه اليهود؛ فنزلت هذه الآية. 7- ربط قلوب المدعوين بالله لا بالأشخاص: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الآياتين:31-32].فالدعاة لا يطلبون من الناس أن يتبعوهم هم لذواتهم وأشخاصهم، وإنما يطلبون منهم أن يستجيبوا لله تعالى ويتبعوا منهجه ويطيعوا رسله بصفتهم مبلغين عن الله تعالي وأهمية ذلك ما يلي: - توحيد القصد والاتجاه إلى الله تعالى والبعد عن أي مصلحة ذاتية أو شهوة قلبية. - دفع ما قد يعتمل في صدور المدعوين من رغبة الدعاة في التحكم والرياسة. - استمررار الدعوة إذ ا غاب الداعي من كان يعبد محمدًا فإن محمدً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. - البعد عن تقديس الأشخاص وصنع الهالات حولهم. - وحدة المؤمنين؛ فلا تفرقهم عرقية أو طائفية أوطبقية. 8- صبر لا استعجال فيه وأمل لا يأس معه: قال تعالي : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ)[الآية:35]، فسبيل أصحاب الدعوات هي سبيل أولي العزم من الرسل ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين،وطريقهم محفوفة بالابتلاءات والمكاره والصعاب والعقبات،ولكن الغلبة في النهاية لهم، والنصر حليفهم، فما من ابتلاء إلا ويعقبه نصر وتمكين، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ونهج التغيير كما بينته السورة الكريمة هو تغيير النفوس أولاً ، وبناء الشخصية المؤمنة الفاهمة لدينها، العاملة على نشر دعوتها المستمسكة بالحق المقاومة للباطل الساعية في اصلاح النفس والبيت والمجتمع والأمة والبشرية جمعاء..المتوكلة على الله في تحقيق النصر وبلوغ الغاية الصابرة على الأذى، المحتسبة في سبيل الله ما تلاقي، هذا هو منهج التغيير، وتلك هي سبيله ولا سبيل للمؤمنين غيرها لأنها سبيل أولي العزم من الرسل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهي السبيل الموصلة إلى نصر الله ورحمته ورضوانه. 9- إن عليك إلا البلاغ: فهم ليسوا مطالبين بتحقيق نتيجة، فلا يحزنهم قلة المؤمنين، ولا يقنطهم كثرة المعرضين ولا يصرفهم عن دعوتهم استهزاء المستهزئين وحمق الكافرين؛ فجزاؤهم عند ربهم ليس مرتبطًا بالنتيجة قال تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14))[الآيتان:13-14]كما أن أمر الهداية بيده سبحانه، يصرف القلوب كيف يشاء، قال تعالي: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ)[الآية :29]. نشر هذه الدين لا يكون بقهر الناس، ولا بالتسلط علي رقابهم وعقولهم، وإنما من خلال استثارة القلب،وإعمال العقل، وضرب المثل، وتقديم القدوة، والاستفادة من الواقع المعاش وشواهد التاريخ إلي غير ذلك من الوسائل وسورة الأحقاف نموذج عملي للدعوة إلى الله تبارك وتعالى، تزخر بالوسائل المعينة علي بلوغ الغاية وتقريب القلوب. 1- بيان طبيعتها والغاية منها: وقد تقدم بيانه. 2- استثارة الوجدان والدعوة إلى إعمال العقل: تدعو السورة الكريمة إلى التأمل في كتاب الله المنظور- وهو الكون - كشاهد صدق علي وحدانية الله (عز وجل) وألوهيته على خلقه، وعلى أن هذا الكون مخلوق لأجل مسمى مثل قوله تعالي: (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الآية:3]، وكشاهد صدق أيضًا علي بطلان عقائد الكافرين قال تعالي:( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الآية:4]. 3- ضرب المثل من الواقع المحيط وسير السابقين: مقل قوله تعالي: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[الآية:10]، وقوله: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[الآيتان:27-28]. 4- دحض الشبهات: هناك شبهات كثيرة قد تجول بخواطر المدعوين وسورة الأحقاف تفند هذه الشبهات التى جالت بأذهان المشركين وخواطرهم مثل: شبهة أن تكون آلهتهم المزعومة لها يد في خلق الكون أو تصريف أمره أو إجابة الدعاء أو كشف الضر،قال تعالي:( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ)[الآيات:4-6]. وشبهة أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم قد افترى هذا القرآن،أو جاء بأمر لم يسبقه إليه أحد من العالمين (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الآيتان:8-9]. وكذلك شبهة أن يكون الخير الديني مرتبطا بالخير الدنيوي قال تعالي(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ)[الآيتان:11-12]. وشبههم حول البعث والمعاد: قال تعالي: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الآية:33]. 5- الترغيب والترهيب: رغب الحق ـ تبارك وتعالي ـ الناس في إجابة رسله، واتباع منهجه مثل قوله تعالي :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الآيتان:13-14]ومثل قوله تعالى تعقيبا علي دعاء العبد المؤمن: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)[الآية:16]وقوله تعالى علىلسان الجن: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الآية:31]. كما خوف الله تعالى الناس من غضبه وانتقامه في الدنيا ومن العذاب في الآخرة، زجرًا لهم عن الوقوع في الكفر والمعاصي والمنكرات، مثل قوله تعالى تعقيبا علي رفض الابن العاق طاعة والديه والانقياد للحق: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20))[الآيات:18-20] وكقوله تعالى تعقيبا علي قصة عاد: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)[الآية:26]. 6-الثبات علي الدعوة: قال تعالي: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الآية:35]، فثبات أصحاب الدعوة وتحملهم للأذى وصبرهم على مشاق الطريق يجذب لدعوتهم الأنصار ويرسي دعائمها ويعمق جذورها، فلا يؤثر فيها كيد كائد أو مكر ماكر. طريق الدعوة مليء بالأشواك والعقبات والمشاق والصعاب، التي تحتاج من الداعي أن يعلمها ويصبر عليها، ويحاول أن يتخطاها وألا تكون سببا في القعود والانزواء أو اليأس والقنوط أو التهور والاستعجال: 1-حمق المدعوين وجعلهم: مثل قوله تعالي عن المشركين (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الآية:5]، وقوله تعالي عن قوم عاد: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[الآية:22]، وقال تعالي: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)[الآيتان:27-28]. 2-كذبهم وافتراؤهم: قال تعالي: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ)[الآيتان:7-8]وقال أيضا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)[الآية:11]. فالكافرون لا يكتفون بكفرهم وإنما يشنون حربا نفسية ودعائية على الدعوة وأهلها لتبرير كفرهم وصرف الناس عن الدعوة وفتنة المؤمنين في دينهم وتشويه صورتهم أمام الناس. 3-كبرهم وظلمهم: قال تعالى :( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)[الآية:11]، يقصدون بذلك من أسلم من الضعفاء والعبيد. 4-فسقهم وانكبابهم على الشهوات: قال تعالي : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)[الآية:20] 5-إهمالهم للعقل وتمسكهم بالتقاليد البالية: قال تعالي : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الآيات:4-7]، وقال أيضا: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[الآية:22] 6-اغترارهم بقوتهم وقدراتهم: قال تعالي: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)[الآية:26] |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الاثنين، 21 نوفمبر 2011
سورة الأحقاف ومنهج الدعوة إلي الله
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق