إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 24 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة يس

مفاتيح سورة يس
أولاً:اسم السورة
هذه السورة تسمى بما يلي:
1- سورة يس:(1)
وذلك: لافتتاحها بقوله تعالى {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}.
2- المُعـمّة (2)
3- الدافعة(2)
4- القاضية:(2)
وذلك: لما أخرجه البيهقي من حديث أبي بكرة مرفوعاً "سورة يس تدعى في التوراة.."المعمة"، تعم صاحبها بخيري الدنيا والآخرة، وتدعى "الدافعة"، "والقاضية".. تدفع عن صاحبها كل سوء، وتقضي له كل حاجة".
وقال: إنه حديث منكر.(3)
بل المدار على الإيمان وصحته بالإعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر فيها على أبلغ وجه وأحسنه،
ولذا: شبهت بالقلب، الذي به صحة البدن وقوامه.
5- القلب:(4)
وذلك: لاهتمامها، وحديثها عن البعث، الذي هو من أجل مقاصدها، والذي به يكون صلاح القلب.(4)
6- سورة حبيب النجار:(5)
وذلك: لاشتمالها على قصته(5)، في قوله تعالى {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى...} [الآية، 20].
7- العزيزة:(6)
وذلك: لما روي عن محمد بن علي أنه قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القرآن أفضل من كل شيء دون الله، وفضل القرآن على سائر الكلام.. كفضل الله على خلقه.!!
فمن وقَّر القرآن: فقد وقر الله.
وحرمة القرآن عند الله: كحرمة الوالد على ولده.
القرآن: شافع مُشفَّع، وما حل(7) مصدق!!
فمن شفع له القرآن: شفع.
ومن محل به القرآن: صُدِّق.
ومن جعله إمامه: قاده إلى الجنة.
ومن جعله خلفه: ساقه إلى النار.
وحملة القرآن: هم المحفوفون برحمة الله، المُلْبَسون نور الله، المعلمون كلام الله..!!
من والاهم: فقد والى الله..!!
ومن عاداهم: فقد عادى الله..!!
يقول الله تعالى: يا حملة القرآن..!! استجيبوا لربكم.. بتوقير كتابه، يزدكم حباً، ويحببكم إلى عبادة.
يدفع عن مستمع القرآن: بلوى الدنيا.
ويدفع عن تالي القرآن: بلوى الآخرة.
ومن استمع آية من كتاب الله: كان له أفضل مما تحت العرش
وإن في كتاب الله لسورة تدعى "العزيزة" ويدعى صاحبها "الشريف" يوم القيامة.. تشفع لصاحبها في أكثر من ربيعة ومضر، وهي "سورة يس"(6).



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

عدد آياتها:(8) (83) ثلاث وثمانون آية.(1)
وعدد كلماتها: (727) سبعمائة وسبع وعشرون كلمة.
وعدد حروفها: (3000) ثلاثة آلاف حرف.



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

أ‌- في المصحف.. بعد: سورة "فاطر"، وقبل: سورة "الصافات".
ب‌- في النزول.. بعد: سورة "الجن"، وقبل: سورة "الفرقان".



رابعاً : سبب نزول السورة

لم يعثر البحث على آثار تفيد سببا لنزول السورة كاملة.
ولكن: في نزول صدرها، ورد ما يلي..
عن ابن عباس قال:(9) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في السجدة فيجهر بالقراءة حتى تأذى به ناس من قريش حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا بهم عمي لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا ننشدك الله والرحم يا محمد، فدعا حتى ذهب ذلك عنهم، فنزلت (يس والقرآن الحكيم) إلى قوله (أم لم تنذرهم لا يؤمنون)
قال: فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.



خامساً : مكية السورة و مدنيتها

هذه السورة: مكية
سوى قوله تعالى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الآية 45].
فهي مدنية.



سادساً : فضل السورة

أولاً: انظر ما ورد من فضل لها عند ذكر أسمائها في أول هذا البحث.
ثانياً: ما ورد في حديث وائلة بن الأسقع، حيث إنها من السور المثاني.
ثالثاً: مما يجدر ذكره والتنبيه عليه هنا.. أنه قد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة وأخرى موضوعة.
ومن ذلك:
ما ورد عن أنس رضي الله عنه أنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن: يس، ومن قرأ يس: كتب له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات".
وهذا: حديث موضوع، كما بين الألباني في ضعيف الجامع ص279.
كذلك: ما ورد عن معقل بن يساد، رضي الله عنه، أنه قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرؤا يس على موتاكم".
وهو حديث ضعيف، كما بين الألباني في المشكاة 1/668.
ومن ذلك: حديث أبي بن كعب (الموضوع) [النظر: مفاتيح سورة الفاتحة، فضل السورة].



سابعاً : صلة السورة بما قبلها

1- حديث السورتين عن النذير صلى الله عليه وسلم.
حيث إنه لما ذكر سبحانه في سورة "فاطر" قوله عز وجل {وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ} [الآية 37].
وقوله تعالى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ} [الآية 42].
وأريد به: محمد صلى الله عليه وسلم..!!
وقد أعرضوا عنه، وكذبوه، صلى الله عليه وسلم..!!
فقد افتتح هذه السورة: بالإقسام على صحة رسالته، عليه الصلاة والسلام، وأنه على صــراط مستقيم، لينذر قومـــاً ما أنذر آباؤهم. [الآيات 1-6].
2- حديث السورتين عن جريان الشمس والقمر.
حيث إنه سبحانه لما قال في سورة "فاطر" {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الآية 13].
قال في هذه السورة {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [الآيتان 38، 39].
إلى غير ذلك من وجوه الترابط.



ثامناً : هدف السورة

هو: بناء أسس العقيدة الإسلامية
فهي تتعرض:
لبيان رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وحكمتها ومضمونها وموقف الناس منها ونوعيه: المستجيبين القابلين لها، وكذلك الرافضين لها، المنصرفين عنها.
وكذلك:(9) لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها، {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيم} ... وتسوق قصة "أصحاب القرية" إذْ جاءها المرسلون، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة...
كذلك تتعرض: لقضية الألوهية والوحدانية.. فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ليحاج قومه في شأن المرسلين {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي....}
والقضية التي يشتد التركيز عليها في السورة: هي قضية البعث والنشور، وهي تتردد في مواضع كثير في السورة.
وهذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها: تتكرر في السور المكية، ولكنها ـ كما هو الحال هنا ـ تعرض في كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وظلالها.



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

تتكون هذه السورة من مقطعين:(10)
الأول.. عبارة عن (30) آية.
من الآية (1) إلى نهاية الآية (30) من السورة.
وفيه:
تبيان فحوى الرسالة، ومضمونها، وحكمتها..
ومن ثمّ: يبدأ هذا المقطع بعرض موقف الكافرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن دعوته.
الثاني.. عبارة عن (53) آية.
من الآية (31) حتى نهاية الآية (83) خاتمة السورة.
وفيه:
يكون الإنذار، عن طريق التذكير بهلاك السابقين وعدم عودتهم، وبالتذكير برجوع الخلق كلهم إلى الله عز وجل.
ثم يكون التدليل على قدرته سبحانه على الإهلاك وعلى البعث، بما يقوم معه الدليل على إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي ذلك كله: حث للإنسان ليتبع رسل الله عليهم الصلاة والسلام.
وعلى هذا..
فقد بدأ هنا المقطع بلفت النظر إلى هلاك الماضيين.
ثم ثنى بلفت النظر إلى النعمة.
ثم ثلث بلفت النظر إلى ما يوجب الإيمان باليوم الآخر.



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

وهي تتجلى في النقاط التالية:(11)
1- بيان أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله حقاً، وأنه نذير للأميين وغيرهم.
2- المنذَرون من النبي صلى الله عليه وسلم صنفْان: صنف ميئوس من صلاحه، وآخر قد سعى لفلاحه.
3- أعمال الفريقين تحصى عليهم، فتحفظ أخبارهم، وتكتب آثارهم.
4- ضرب المثل لهم بأهل أنطاكية، إذ كذبوا الناصح لهم وقتلوه فدخلوا النار ودخل الجنة بما قدم من إيمان وعمل صالح وهداية وإرشاد.
5- الدليل الطبيعي والعقلي على البعث.
6- تبيان قدرة الله ووحدانيته وعلمه ورحمته الشاملة.
7- جزاء الجاحدين على كفرانهم أنعم الله عليهم وسرعة أخذهم وندمهم حين معاينة العذاب.
8- الجنة ونعيمها وما أعد للمؤمنين فيها.
9- توبيخ الكافرين على اتباعهم همزات الشياطين.
10- قدرته تعالى على مسخهم في الدنيا وطمس أعينهم.
11- الإنتفاع بالأنعام في المأكل والمشرب والملبس.
12- إثبات البعث بما أقامه من أدلة في الآفاق والأنفس.



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

1- في قوله تعالى {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن ...} [الآيتان 20، 19].
أقول:(12)
إن من محاسن التنزيل الكريم وبلاغته الخارقة، هو الإيجاز في الأنباء التي يقصها، والإشارة منها إلى روحها وسرها، حرصاً على الثمرة من أول الأمر، واقتصاراً على موضع الفائدة، وبعداً عن مشرب القصاص والمؤرخين؛ لأن القصد من قصصه الاعتبار والذكرى, وما من حاجة إلى تسمية تلك المبهمات كائنة ما كانت.
ثم إن المفسرين رحمهم الله عنوا بالبحث والأخذ والتلقي, فكان من سلف منهم يَرَوْنَ فيما يَرَوْنَ أن من العلم تفصيل مجملات التنزيل وإبانه مبهماته, حتى جعل ذلك فنّاً برأسه وألف فيه مؤلفاته.
ولا بأس في التوسع من العلم والإزدياد منه بأية طريقة كانت, لاسيما وقد رفع عنا الحرج بالتحدث عن بني إسرائيل.
إلا أنه يؤاخذ من يجزم بتعين مبدهم ما، إن كان جزمه من غير طريق القواطع.
فإن القاطع هو ما تواتر أو صحّ سنده إلى المعصوم، صحة لا مغمز فيها: وهذا مفقود في الأكثر، ومنه بحثنا المذكور, فإن تعيين أن البلدة أنطاكية وتسمية الرسل، إنما روي موقوفاً ومنقطعاً، وفي بعض إسناده متهمون.
ولذا قد يرد على من يقطع بذلك ما لا مخرج له منه.
فالمفسر أحسن أحواله أن يمشي مع التنزيل, إجمالاً فيما أجمله وتفصيلاً فيما فصله, ولا يأخذ من إيضاح مبهماته إلا بما قام عليه قاطع أو كان لا ينبذه العلم الصحيح.
وإلا فليعرض عن تسويد وجوه الصحف بذلك، بل عن تشويهها.
والذي حمل السلف على قص ما نحن فيه، هو تلقيهم له عن مثل كعب ووهب، وموافقة من في طبقتهما لهما فيه.
وهذا أولاً،
وثانياً شهرة بلدة أنطاكية في ذلك العهد، لاسيما وقد أسس فيها معبداً أحد رسل عيسى عليه السلام.
ثالثاً ما جرى في أنطاكية لما قدم ملك الرومان وتهدد كل من أبى عبادة الأوثان بالقتل, وكان في مقدمة الآبين رجل مقدم في المؤمنين, فأراده على الشرك فأبى وجهر بالتوحيد, فأرسله من أنطاكية موثقاً وأمر بأن يطعم للوحوش: فألقى في رومية على أسدين كبيرين فابتلعاه, ولما قدم لهما استبشر وتهلل لنيل الشهادة في سبيل الله.
وكذلك يؤثر عن رجل مؤمن كان يدافع عن المؤمنين في عهد الرومانيين لغيرته وصلاحه, فطلب منه الحاكم أن يرتد فأبى وجهر بوجوب عبادة الإله الواحد، ونبذ عبادة من لا يضر ولا ينفع, فهدده بأن يضربه من الرأس إلى القدم, فأجاب بأنه مستبشر بنعمة الله وكرامته الأبدية, ثم أمر به الحاكم فقتل مع رفته.
والشواهد في هذا الباب لا تحصى, معروفة لمن أعار نظره جانباً مما كتب في تواريخ مبدأ ظهور الأديان، وما كان يلاقيه من أعدائه ومقاوميه.
فللقصة الكريمة هذه مصدقات لا تحصى.
رابعاً شهرة المرسلين برسل عيسى عليه السلام، وكانوا انبثوا في البلاد لمحو الوثنية والكف عن الكبائر والشرور التي كانت عليها دولة الرومان وقتئذ.
هذا.. وما ذكره ابن كثير من وقوف عذاب الاستئصال بعد نزول التوراة يحتاج إلى قاطع, وإلا فقد خربت كثير من البلاد الأثيمة بعدها، وتدمرت بتسليط الله من شاء عليها.
والصيحة أعم من أن تكون صيحة سماوية أو صيحة أرضية.
وهي صيحة من سلط عليهم للانتقام منهم، حتى أباد ملكهم وقهر صولتهم ومحا من الوجود سلطانهم.
وإن كان عذاب الصيحة ظاهرة الأول.
وبالجملة: فنحن يكفينا من النبأ الاعتبار به وفهمه مجملاً، وأما تعيينه، بوقت ما، وفئة ما، فهو الذي ينشأ منه ما ينشأ, وما بنا من حاجة إلى الزيادة عن الاعتبار، وتخصيص مالا قاطع عليه.
الثاني ـ ذكر الرازي في قوله تعالى {إِذْ أَرْسَلْنَا} لطيفة، إن صح أن الرسل المنوه بهم هم رسل عيسى عليه السلام, وهي أن إرساله لهم كإرساله تعالى, لأنه بإذنه وأمره.
وبذلك تتمة التسلية للنبي صلوات الله عليه، لصيرورتهم في حكم الرسل.
ثم قال: وهذا يؤيد مسألة فقهية, وهي أن وكيل الوكيل بإذن الموكل، وكيل الموكل لا وكيل الوكيل. حتى لا ينعزل بعزل الوكيل إياه، وينعزل إذا عزله الموكل الأول.
الثالث ـ في قوله تعالى {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} تبصرة للمؤمنين وهداية لهم ليكنوا في النصح باذلين جهدهم كما فعل.


2- في قوله تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الآية 40]

{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أي تجتمع معه في وقت واحد، وتداخله في سلطانه فتطمس نوره {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} أي يسبقه بأن يتقدم على وقته فيدخل قبل مضيه, أو المراد بالليل والنهار آيتاهما, أي ولا القمر سابق الشمس فيكون عكساً للأول, أي ولا القمر ينبغي له أن يدرك الشمس.
والمعنى على هذا، أن كل واحد منهما لا يدخل على الآخر في سلطانه، فيطمس نوره، بل هما متعاقبان بمقتضى تدبيره تعالى،
وعليه فسر إيثار (سابق) على(مدرك) كما قبله هو أن السبق مناسب لسرعة سير القمر؛ إذ السبق يشعر بالسرعة، ولا إدراك بالبطء, وكذلك الشمس بطيئة السير تقطع فلكها في سنة, والقمر يقطعه في شهر, فكانت الشمس لبطئها جديرة بأن توصف بالإدراك, والقمر لسرعته جديراً بأن يوصف بالسبق.
ويؤخذ(12) من هذه الآية أن النهار، تابع لليل، وهو المذهب المعروف للفقهاء.
وبيانه من الآية: أنه جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل.
وإنما نفي الإدراك: لأنه هو الذي يمكن أن يقع، وذلك يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس, فإنه لا يقال (أدرك السابق اللاحق) ولكن (أدرك اللاحق السابق) وبحسب الإمكان توقيع النفي.
فالليل إذاً متبوع والنهار تابع.
فإن قيل: هل يلزم على هذا أن يكون الليل سابق النهار، وقد صرحت الآية بأنه ليس سابقاً؟
فالجواب: أن هذا مشترك الإلزام.
وبيانه: أن الأقسام المحتملة ثلاثة:
إما تبعية النهار لليل وهو مذهب الفقهاء،
أو عكسه وهو المنقول عن طائفة من النحاة،
أو اجتماعهما.
وهذا القسم الثالث منفي بالاتفاق.
فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه.
وهذا السؤال وارد عليهما جميعاً, لأن من قال إن النهار سابق الليل لزمه أن يكون مقتضى البلاغة أن يقال (ولا الليل يدرك النهار) فإن المتأخر إذا نفى إدراكه كان أبلغ من سابقه، مع أنه يتناءى عن مقتضى قوله {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} تنائبا لا يجمع شمل المعنى باللفظ, فإن لله تعالى نفى أن تكون مدركة، فضلاً عن أن تكون سابقة.
فإذا أثبت ذلك، فالجواب المحقق عنه، أن المنفي السبقية الموجبة لتراخي النهار عن الليل, وتخلل زمن آخر بينهما.
وحينئذ يثبت التعاقب، وهو مراد الآية.
وأما سبق أول المتعاقبين للآخر منهما: فإنه غير معتبر.
ألا ترى إلى جواب موسى بقوله {قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي} [طه 84]..!!؟ فقد قربهم منه عذرا عن قوله تعالى {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ}..!!؟ فكأنه سهل أمر هذه العجلة بكونهم على أثره.
فكيف لو كان متقدماً وهم في عقبه لا يتخلل بينهم وبينه مسافة..؟
فذاك لو اتفق، لكان سياق الآية: يوجب أنه لا يعد عجلة ولا سبقاً. فحينئذ يكون القول بأسبقية النهار لليل، مخالفاً صدر الآية على وجه لا يقبل التأويل.
فإن بين عدم الإدراك الدال على التأخير والتبعية، وبين السبق بوناً بعيداً، ومخالفاً أيضاً لبقية الآية, حيث أنه لو كان الليل تابعاً ومتأخراً، لكان أحرى أن يوصف بعدم الإدراك، ولا يبلغ به عدم السبق.
ويكون القول بتقدم الليل على النهار مطابقاً لصدر الآية صريحاً، ولعجزها بوجه من التأويل مناسب لنظم القرآن.
وثبوت ضده أقرب إلى الحق من حبل وريده، والله الموفق للصواب من القول وتسديده.



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

1- انظر: السخاوي / جمال القراء 1/37
القرطبي / الجامع لأحكام القرآن "تفسير سورة يس"
الفيروزابادي / بصائر ذوي التمييز 1/390
البقاعي / نظم الدرر "تفسير سورة يس"
السيوطي / الإتقان في علوم القرآن "النوع 17"
الآلوسي / روح المعاني "تفسير سورة يس"
2- انظر: القرطبي، والبقاعي، والبيضاوي، وأبي السعود، والجمل في "تفسير سورة يس" والسيوطي في الإتقان "النوع 17".
3- رواه البيهقي في: شعب الإيمان، باب : في فضل تعظيم القرآن، فصل: فضائل السور والآيات.
4- انظر: البقاعي / نظم الدرر "تفسير سورة يس"
5- انظر: الفيروزابادي / بصائر ذوي التمييز 1/390
6- انظر: القرطبي / الجامع لأحكام القرآن "تفسير سورة يس"
7- أي : خصم مجادل
8- انظر: مكي بن أبي طالب / التبصرة ص306
السخاوي / جمال القراء 1/213
الفيروزابادي / بصائر 1/390
الآلوسي / روح المعاني "تفسير سورة يس"
محمد غوث / نثر المرجان 5/548
9- انظر: الشهيد/ سيد قطب في ظلال القرآن "تفسير سورة يس"
10- انظر: سعيد حوي / الأساس في التـفسير "تفسير سورة يس"
11- انظر: المراغي "تفسير المراغي" "تفسير سورة يس"
12- انظر: القاسمي / محاسن التأويل "تفسير سورة يس"



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .