مفاتيح سورة سبأ
مفاتيح سورة سبأ |
|
أولاً:اسم السورة
وهذه السورة.. تسمى بـ:
سورة سبأ:(1)
وذلك: لتضمن قصتها آية { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} [الآية: 15]
تدل على نعيم الجنة.. في السعة، وعدم الكلفة، والخلو عن الآفة، وتبدلها بالنقم لمن كفر بالنعم.(2)
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
عدد آياتها:(3) (54) أربع وخمسون آية.
وعدد كلماتها: (880) ثمانمائة وثمانون كلمة.
وعدد حروفها: (4512) أربعة آلاف وخمسمائة واثنتا عشرة حرفا.
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
أ- في المصحف.. بعد: سورة "الأحزاب"، وقبل: سورة "فاطر".
ب- في النزول.. بعد: سورة "لقمان، وقبل: سورة "الزمر".
رابعاً : سبب نزول السورة
لم نعثر على سبب لنزول السورة.
ولكن توجد رواية.. توحي بجو نزولها, وتعد سبباً لنزول بعض آياتها.
إذْ يروي:
أن أبا سفيان قال لكفار مكة(4)، لما سمعوا قوله تعالى { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 73]: كأن محمداً يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت، ويتخوفنا بالبعث..!!
واللات والعزى.. لا تأتينا الساعة أبداً، ولا نبعث.
فقال تعالى: قل يا محمد { بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3].
وباقي السورة: تهديد لهم وتخويف.
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
هذه السورة: مكية، سوى قوله تعالى { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [الآية: 6]. فهي مدنية.
سادساً : فضل السورة
هذه السورة جليلة القدر، عظيمة الشأن.
حيث إنها تدخل ضمن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه: وائلة بن الأسقع.
وذلك: لأنها عن قسم المثاني.
ومما ينبغي التنبيه عليه: أن حديث أبي بن كعب ....
الذي فيه (من قرأ سورة سبأ لم يبق نبي ولا رسول إلا كان له يوم القيامة رفيقاً وصاحباً).
هو: حديث موضوع [أنظر: مفاتيح سورة الفاتحة، فضل سورة الفاتحة].
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
1- قال تعالى في آخر الأحزاب {.... لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...} [الآية: 73].
وذكر في مطلع هذه صفات لله تعالى تناسب هذا الحكم السابق، إذ يقول {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الآيتان: 1، 2].
2- في الأحزاب: سؤال الكفار عن الساعة على سبيل الاستهزاء.. في قوله { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ ....} [الآية: 63].
وهنا: حكى عنهم إنكارهم صريحا، وطعنهم على من يقول بالمعاد.. في قوله { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ...} [الآية: 3].
ثامناً : هدف السورة
بيان: أن الدار الآخرة ـ التي أشار إليها آخر الأحزاب بالعذاب والمغفرة، بعد أن أعلم أن الناس يسألون عنها ـ كائنة لا ريب فيها، لما في ذلك من الحكمة، وله عليها من القدرة، وفي تركها من عدم الحكمة، والتصوير بصورة الظلم.(5)
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون هذه السورة من: مقدمة، وثلاثة أقسام.(6)
ويلاحظ: أن كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يبدأ بقوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}
المقدمة.. عبارة عن (آيتين)
من الآية الأولى... وحتى نهاية الآية الثانية.
وفيها:
الإخبار عن استحقاق الله عز وجل للحمد، لأنه المالك، والعليم، والحكيم، والخبير، والرحيم، والغفور.
فموضوع وجوده عز وجل ـ إذن ـ بديهة.
وموضوع حمده وشكره كذلك: بديهة.
ويلاحظ: أن هذه المقدمة التي تأتي بين يدي مناقشة أقوال الكافرين، كما سنرى: تشعر أن كفر الكافرين وعدم شكر الجاحدين، في غير محله.
وهي بهذا تبين: ما يستحقه الله عز وجل، لكماله وإنعامه.
والقسم الأول.. عبارة عن (4) آيات.
من الآية (3) حتى نهاية الآية (6).
وفيه:
ذكر كفر الكافرين بالآخرة، والرد عليهم
وذكر حكمة مجيء اليوم الآخر.
والقسم الثاني.. عبارة عن (24) آية.
من الآية (7) حتى نهاية الآية (30).
وفيه:
يلاحظ جيداً: الحديث في بدايته ونهايته بشكل صريح عن اليوم الآخر.
كما يلاحظ: أنه بين هذه البداية وتلك النهاية لهذا القسم جاء الحديث:
عن داود وسليمان عليهما السلام.
وعن سبأ.
وعن أوامر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيها كلاماً يتساءل به تارة، ويقرر من خلاله أخرى.
وقد أقام هذا القسم: الحجة على منكري البعث من خلال لفت النظر إلى قدرة الله تعالى على العذاب في الدنيا، بإنزال الكسف من السماء، وبالخسف في الأرض.
حيث إن القادر على ذلك: قادر على التعذيب في اليوم الآخر، وقادر بالتالي على إيجاد اليوم الآخر.
القسم الثالث.. عبارة عن (24) آية.
من الآية (31) حتى نهاية (54) وهي خاتمة السورة.
وفيه:
علاج موضوع الكفر: بالقرآن، وباليوم الآخر.
تارة من خلال: عرض مشاهد، من مشاهد يوم القيامة. [الآيات 31-33].
وتارة من خلال: الرد المباشر على فكرة خاطئة [الآيات 34-39].
وتارة من خلال: الدلالة على طريق الهداية [الآيات 40- 42].
وتارة من خلال: البيان للواقع [الآيات 43-45].
ثم ينتهي القسم بمجموعة أوامر موجهه للرسول صلى الله عليه وسلم، بصيغة (قل) [الآيات 46-54].
عاشراً : أبرز موضوعات السورة
ومجمل ما اشتملت عليه السورة الكريمة من حكم وأحكام(7)
1- حمد الله والثناء عليه بما هو أهله.
2- مقال المشركين في إنكار البعث والرد عليهم بأنه آتٍ لا شك فيه.
3- الاستهزاء بالرسول وحكمهم عليه بأنه إما مفتر وإما مجنون.
4- النعم التي آتاها الله تعالى سبحانه داود وسليمان عليهما السلام.
5- ما كان لسبأ من النعم ثم زوالها لكفرانهم بها وإتباعهم وسوسة الشيطان.
6- النعي على المشركين لعبادتهم الأوثان والأصنام مع بيان أنها لا تفيدهم يوم القيامة شيئاً.
7- الحجاج والجدل بين الأتباع والمتبوعين من الكافرين يوم القيام وإلقاء كل منهم التبعة على الآخر.
8- بيان أن المترفين في كل أمه هم أعداء الرسل، لإعتزازهم بأموالهم وأولادهم، وإعتقادهم أنهم ما آتاهم ربهم ذلك إلا لرضاه عنهم ثم رده سبحانه عليهم.
9- سؤال الملائكة أمام المشركين بأنهم هل طلبوا منهم عبادتهم؟ ليكون في ردهم ما يكفي في تبكيتهم.
10- مقال المشركين عند سماع القرآن وإدعاؤهم أنه ليس بوحي من عند الله بل الداعي مفتر ليصدّ الناس عن دين الآباء والأجداد.
11- عظتهم بما حل بمن قبلهم من الأمم.
12- أمرهم بالتأمل والتدبر في الأدلة التي أمامهم لعلهم يرعوون عن غيهم.
13- إثبات أن الرسول نذير مبين، لا مفتر ولا مجنون.
14- الرسول لا يطلب أجراً على دعوته، بل أجره على الله.
15- طلب المشركين يوم القيامة أن يرجعوا إلى الدنيا ليؤمنوا بالرسول ويعملوا صالح الأعمال، ثم الرد عليهم بأن ذلك قد فات أوانه وأن لا سبيل إلى تحقيقه.
حادى عشر : بعض الدروس المستفادة
الدرس الأول:(6)
في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [الآية 3]
قال ابن كثير: .... هذه إحدى الآيات الثلاث التي لا رابع لهنّ مما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد لمّا أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد.
فإحداهن في سورة يونس عليه السلام وهي قوله تعالى:
{وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الآية 53]
والثانية هذه {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ 3].
والثالثة في سورة التغابن وهي قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الآية 7]
الدرس الثاني
قوله تعالى:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الآية 19]
قال ابن كثير: (روى الإمام أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبت من قضاء الله تعالى للمؤمن؛ إن أصابه خير حَمَد ربه وشكر، وإن أصابته مصيبة حَمَد ربه وصبر، يؤجر. المؤمن في كل شيء حتى في اللقمة يرفعها إلى في امرأته".
وقد رواه النسائي في اليوم والليلة، من حديث أبي إسحاق السبيعي به، وهو حديث عزيز من رواية عمر بن سعد عن أبيه ولكن له شاهد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه "عجباً للمؤمن لا يقضي الله تعالى له قضاء إلا كان خيراً له، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له؛ وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".
قال عبد: حدثنا يونس عن سفيان عن قتادة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} قال: كان مطرف يقول: نعم العبد الصبّار الشكور، الذي إذا أعطى شكر، وإذا ابتلي صبر.
في قوله تعالى {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [الآية 20] قال ابن كثير: قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: هذه الآية كقوله تعالى إخباراً عن إبليس حين امتنع من السجود لآدم عليه الصلاة والسلام ثم قال: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء 62] وقال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف 17] والآيات في هذا كثيرة.
وقال الحسن البصري لما أهبط الله آدم عليه الصلاة والسلام من الجنة، ومعه حواء، هبط إبليس فرحاً بما أصاب منهما، وقال: إذا أصبت من الأبوين ما أصبت فالذرية أضعف وأضعف، وكان ذلك ظناً من إبليس، فأنزل الله عز وجل {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} فقال عند ذلك إبليس: لا أفارق ابن آدم مادام فيه الروح، أعده وأمنية وأخدعه، فقال الله تعالى: "وعزتي وجلالي لا أحجب عنه التوبة ما لم يغرغر بالموت، ولا يدعوني إلا أجبته، ولا يسألني إلا أعطيته، ولا يستغفرني إلا غفرت له" [رواه ابن أبي حاتم].
الدرس الرابع:(6)
في قوله تعالى {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الآية 33] قال ابن كثير: روى ابن أبي حاتم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جهنم لمّا سيق إليها أهلها تلقاهم لهبا، ثم لفحتهم لفحة فلم يبق لحم إلا سقط على العرقوب" وروى أيضاً عن الحسن بن يحيى الخشني قال: ما في جهنم دار ولا مغار، ولا غل ولا قيد ولا سلسلة، إلا اسم صاحبة عليها مكتوب قال: فحدثته أبا سليمان ـ يعني الداراني رحمة الله عليه ـ فبكى، ثم قال: ويحك فكيف به لو جمع هذا كله عليه، فجعل القيد في رجلية، والغل في يديه، والسلسلة في عنقه، ثم أدخل النار، وأدخل المغار؟ اللهم سلّم).
الدرس الخامس
في قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [الآية 34] قال ابن كثير: (روى ابن أبي حاتم.. عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكان، خرج أحدهما إلى الساحل، وبقى الآخر، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبة يسأله ما فعل؛ فكتب إليه: أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال: فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلني عليه ـ قال وكان يقرأ الكتب أو بعض الكتب ـ قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إلام تدعو؟ قال: "أدعوى إلى كذا كذا" قال أشهد أنك رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: "وما علمك بذلك؟" قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه أراذل الناس ومساكينهم، قال فنزلت هذه الآية {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} الآية، قال فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل قد أنزل تصديق ما قلت".
وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها: وسألتك أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم؟ فزعمت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل.
الدرس السادس(6)
في قوله تعالى{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى} قال ابن كثير: روى الإمام أحمد.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
الدرس السابع(7)
في قوله تعالى {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [الآية 37] قال ابن كثير: روى ابن أبي حاتم.. عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة لغرفاً، ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها" فقال أعرابي: لمن هي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لمن طّيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلّى بالليل والناس نيام".
الدرس الثامن(6)
في قوله تعالى:
{وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [الآية 39]
قال ابن كثير:
ثبت في الحديث "يقول الله تعالى أنفق أنفق عليك"
وفي الحديث أن ملكين صبحان كل يوم يقول أحدهما: اللهم أعط ممسكاً تلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط منفقاً خلقاً"
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انفق بلالاً، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً"
وروى ابن أبي حاتم.. عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن بعد زمانكم هذا زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يده؛ حذار الإنفاق" ثم تلا هذه الآية {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
الدرس التاسع(6)
في قوله تعالى:
{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [الآية 49]
قال ابن كثير: أي جاء الحق من الله، والشرع العظيم، وذهب الباطل زهق واضمحل كقوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء 18]
ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة، جعل يطعن الصنم منها بسيفه قوسه ويقرأ {وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء 81]
{قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي] أي لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة.
نعم...
إن الدعوات الإلحادية في عصرنا قد عمّت وطمّت، وقد ظهر الفكر المادي بأفظع صور الزخرفة والزيف، واستعمل لذلك من أساليب الغواية ووسائل الإعلام الكثير والكبير، وأصبح الإنسان يسمع ويقرأ ألفاظ الهزء والسخرية بالعقلية الغيبية، وبالغيوب التي تحدّث عنها الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ولقد أصبح الآن من المعلوم بالبديهة أن عشرات الألوف من الأجهزة تسهر ليلاً ونهاراً لتحطّم الإسلام ولتنهيه.
إن من أدرك هذا الواقع
ثم قرأ قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ...} [سبأ 33]
وقرأ قوله تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ 53]
إن من عرف الواقع وتملى مثل هذه النصوص 1/1100 فإنه لابد أن يحس بالإعجاز القرآن بشكل واضح، فالإحاطة، والبلاغة، ودقة التصوير، وسلاسة التعبير، واجتماع ذلك كله يجعل الإحساس واضحاً بمظاهر الإعجاز.
تأمل قوه تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}
إنها تفهم على أوجه متعدّدة: فهناك ناس يرجمون الغيب من مكان بعيد، فلا تصل إليهم قذائفهم؛ لأن الغيب محفوظ، وهم أحق من أن يصلوا إليه بأذى، فهؤلاء يدخلون في الصورة التي تحدّثت عنها الآية، وإنك لتراهم في كل مكان.
وهناك ناس يحاولون أن يمسكوا بالغيوب كلها ـ في زعمهم ـ ليرموها إلى آخر درك يستطيعونه ليتخلصوا منها، وهيهات لهم ذلك، أمثال هؤلاء يدخلون في الصورة، وإنك لتجدهم في كل مكان.
فأن تجد النص على مثل هذا الاختصار، وعلى مثل هذا التصوير للواقع، وعلى مثل هذه البلاغة.
ثم أن تجده في محلة من السياق الجزئي والعام للقرآن، يؤدي دوره بمثل هذا الانسجام الرفيع، وهذه السلاسة العذبة.
إن ذلك لشيء يدل على أن هذا القرآن من عند الله.
فالحمد لله على نعمة الإيمان.
ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث
1- انظر: السخاوي / جمال القراء 1/37
الفيروزابادي / بصائر ذوي التمييز 1/382
البقاعي / نظم الدرر "تفسير سورة سبأ"
القاسمي / محاسن التأويل "تفسير سورة سبأ"
2- انظر: القاسمي نفسه
3- انظر: مكي بن أبي طالب / التبصرة ص300
السخاوي / جمال القراء 1/212
الفيروزابادي / بصائر 1/382
الآلوسي / روح المعاني "تفسير سورة سبأ"
محمد غوث / نثر المرجاني 5/445
4- انظر: الآلوسي / روح المعاني "تفسير سورة سبأ"
5- انظر: البقاعي /نظم الدرر "تفسير سورة سبأ"
6- انظر: سعيد حوي / الأساس "تفسير سورة سبأ"
7- انظر: المراغي / تفسير المراغي "تفسير سورة سبأ"
فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر
|
 |
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق