إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الخميس، 24 نوفمبر 2011

مفاتيح سورة ص


مفاتيح سورة ص
أولاً:اسم السورة
وتسمى هذه السورة بما يلي:
1- سورة ص:(1)
وذلك: لافتتاحها بها.(2)
وقيل: لأن مخرج هذا الحرف (ص) من طرف اللسان، وله من الصفات، الهمس، والرخاوة.. الخ، وذلك مناسب لذكر من فيها من الأنبياء الذين لم يكن على ايديهم إهلاك، بل ابتلوا، وصبروا، وسلمهم الله تعالى من أعدائهم، من الجن والإنس.(3)
2- سورة داود:(4)
وذلك : لاشتمال السورة على مقصد قصة داود عليه السلام،(2) في قوله تعالى {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [الآية، 3].



ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها

وعدد آياتها: (88) ثمان وثمانون آية.(5)
وعدد كلماتها: (732) سبعمائة واثنتان وثلاثون كلمة.
وعدد حروفها: (3069) ثلاثة آلاف وتسعة وستون حرفاً.



ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول

أ‌- في المصحف.. بعد: سورة "الصافات"، وقبل: سورة "الزمر".
ب‌- في النزول... بعد: سورة "القمر"، وقبل: سورة "الأعراف".



رابعاً : سبب نزول السورة

عن ابن عباس قال: مرض أبو طالب فجائته قريش وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم، فشكوه إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي: ما تريد من قومك؟ قال أريد منهم كلمة، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم العجم الجزية كلمة واحدة قال ما هي؟ قال: لا إله إلا الله، فقالوا: إلها واحداً إن هذا لشيء عجاب، فنزل فيهم ـ ص والقرآن ـ إلى قوله ـ بل لما يذوقوا عذاب.(6)



خامساً : مكية السورة و مدنيتها

هذه السورة مكية وقيل مدنية وضعف(7)



سادساً : فضل السورة

تدخل هذه السورة ضمن حديث وائلة بن الأسقع، حيث إنها من السورة المثاني.(8)
ولا يصح فيها الحديث الذي ذكره البيضاوي وأبو مسعود وغيرهما في تفسير هذه السورة، وفيه:
"كان النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة ص كان له بوزن كل جبل سخرة الله لداود عشر حسنات، وعصمه أن يصر على ذنب صغير أو كبير".
حيث إنه من حديث أبي بن كعب، الذي حكم عليه العلماء بأنه "حديث موضوع".(9)



سابعاً : صلة السورة بما قبلها

1- ص تكمل الصفات.. إذْ هما يتحدثان عن قضية التوحيد.
2- الصافات تحدثت عن "الياس" وص تحدثت عن خليفته "اليسع".
3- الصافات: تحدثت عن عباد الله المخلصين، وص: تحدثت عن الطريق {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}
4- الصافات عرضت لموضوع التوحيد، وتحدثت عن الرسل، وص: عرضت لموضوع التوحيد، وتحدثت عن المشركين وتكذيبهم للرسل.
5- الصافات عرضت لتخاصم الكافرين قبل دخولهم الكفار [الآية، 22]، وص :عرضت لذلك بعد دخولهم الكفار [الآية، 6].
6- الصافات عرضت لتساؤل المؤمنين عن الكافرين [الآية، 51]. وص: الع.... [الآية، 62].



ثامناً : هدف السورة

المقصود منها بيان ما ذكر في آخر الصافات من أن جند الله هم الغالبون ـ وإن رثى أنهم ضعفاء، وإن تأخر نصرهم ـ غلبة آخرها سلامة للفريقين، لأنه سبحانه واحد لكونه محيطاً بصفات الكمال كما أفهمه آخر الصافات من التنزيه والحمد وما معهما. وعلى ذلك دلت تسميتها بحرف "ص" لأن مخرجه من طرف اللسان، وبين أصول الثنيتين السفليتين، وله من الصفات الهمس والرخاوة والإطباق والإستعلاء والصفير، فكان دالاً على ذلك لأن مخرجه أمكن مخارج الحروف وأوسعها وأخفها وأرشقها وأغلبها، ولأن ما له من الصفات العالية أكثر من ضدها وأفخم وأعلى وأضخم، ولذلك ذكر من فيها من الأنبياء الذين لم يكن على أيديهم إهلاك، بل أبتلوا وعرفوا وسلمهم الله من أعدائهم من الجن والإنس، وإلى ذلك الإشارة بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن غيره من أن معناه: [الله ـ ...] صادق فيما وعد، أو صدق محمد صلى الله عليه وسلم، أو صاد محمد صلى الله عليه وسلم وسلم قلوب الخلق واستمالها.(3)



تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا

تتكون آيات هذه السورة، من: مقدمة، ومجموعتين، وخاتمة.(10)
المقدمة: عبارة عن (8) ىيات
من الآية الأولى، حتى نهاية الآية (8)
وفيها:
قسم: يشرف القرآن وعلومة ....، وبالتالي شرف من يؤمن عن أنزله، ويتبع من أنزل عليه، ويعمل بما أنزل فيه.
وجواب هذا القسم: الذي يفيد بيان موقف الكافرين منه، حيث أنكروا التوحيد، وكبوا النبوة، ولم ينتفعوا بما فيه من شرف ورفعة.
المجموعة الأولى: عبارة عن (56) آية
من الآية (9) حتى نهاية الآية (64)
وفيها:
رد على هؤلاء الكافرين، وموقفهم هذا.. ببيان حجمهم، وهوان شأنهم.
ثم.. رد عليهم: ببيان عاقبة المكذبين من أمثالهم في الدنيا.
وتهديد ـ لهم ـ بسبب إنكارهم لليوم الآخر، واستهزائهم باستعجال العذاب الذي ينكروه.
ثم ... أمر للنبي صلى الله عليه وسلم: بالعين إزاء هذا التعنت والاستهزاء والجحود.. يتضمن: الرد عليهم .. بيان عاقبة المتقين من أمثال محمد صلى الله عليه وسلم من النبيين، وصحبة، في الدنيا.
ثم .. رد آخر عليهم: ببيان عاقبة المتقين في الآخرة.
يعقبن كذلك: رد عليهم ببيان عاقبة المكذبين ـ منهم ومن أمثالهم ـ في الآخرة.
المجموعة الثانية: عبارة عن (21) آية
من الآية (65) حتى نهاية الآية (85)
وفيها:
تقرير: لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، التي كذبوه فيها.
وإثبات: لوحدانية الله، التي أنكروها، ولم يؤمنوا بها.
وبيان: لسر فسادهم، وأصل عواتبهم، وسوء مصيرهم.
ويلاحظ أنه في كل من هذا التقرير والإثبات والبيان: رد عليهم كذلك في كفرهم، وفضح لعنادهم، وعيد بسوء ما لهم.
والخاتمة: عبارة عن (3) آيات.
من الآية (86) حتى نهاية الآية (88) وهي خاتمة آيات السورة.
وفيها:
أمر للنبي صلى الله عليه وسلم: بإعلان صدقة في دعوته، وإخلاصه فيها، وتجرده عن الهوى والغرض، قطعاً لحجتهم، وصرفاً لسوء ظنهم.
وبيان أن شرف القرآن ـ الذي عرض عليكم ـ يناله، ويترفع به، ويلعوا قدرة بسببه، كل من سارع إليه، ودخل في رحابه، وعمل به، وعرف أنه من أهله... في العالمين، كل العالمين، على اختلاف الزمان، واختلاف المكان، والاختلاف الأجناس.
وتهديد لمن ظل على كذبه وإنكاره، ولم يؤمن بوحدانية الله، ويثق في دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصدقة وإخلاصه لربة فيها، ويكون ممن يتشرفون بهذا القرآن، وينتسبون إليه ويعملون بما فيه.



عاشراً : أبرز موضوعات السورة

هو:(11)
1- صلف المشركين وإعراضهم عن الحق، مع ضرب المثل لهم بالأمم الماضية التي حادت عن الحق فهلكت.
2- إنكارهم للوحدانية.
3- إنكارهم لنبوة محمد عليه الصلاة والسلام.
4- إنكارهم للبعث والحساب.
5- قصص داود وسليمان وأيوب وإبراهيم وإسحق ويعقوب وغيرهم من النبيين عليهم السلام.
6- وصف نعيم أهل الجنة.
7- وصف عذاب أهل النار، وتلاعن بعضهم بعضاً، وسؤالهم عن المؤمنين لِمَ لم يروهم في النار؟
8- قصص آدم عليه السلام.
9- قسم إبليس ـ ليغوين بني آدم أجمعين إلا عباد الله المخلصين.
10- أمر الله نبيه أن يقول للمشركين: ما أطلب منكم أجراً على تبليغ رسالتي ولا أنا بالذي يدعي علم شيء هو لا يعرفه.
11- إن القرآن أنزل للثقلين كافة.
12- إن المشركين بعد موتهم يعلمون حقيقة أمره.



حادى عشر : بعض الدروس المستفادة

قوله تعالى {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ...} [الآيات 21-25].
في هذه الآية الكريمة عدة فوائد:(7)
الأولى ـ للمفسرين في هذا النبأ أقوال عديدة ووجوه متنوعة. مرجعها إلى مذهبين: مذهب من يرى أنها تشير تعريضاً إلى وزر ألم به داود عليه السلام ثم غفر له. ومذهب من يرى أنها حكومة في خصمين لا إشعار لها بذلك. فمن ذهب إلى الأول ابن جرير(12) فإنه قال: هذا مثل ضربه الخصم المتسورون على داود محرابه. وذلك أن داود كانت له. فيما قيل، تسع وتسعون امرأة، وكانت للرجل الذي أغزاه حتى قتل امرأة واحدة، فلما قُتل نكح ـ فيما ذكر ـ داود امرأته، ثم لما قضى للخصمين بما قضى علم أنه ابتلى. فسأل غفران ذنبه وخر ساجداً لله وأناب إلى رضا ربه، وتاب من خطيئته. هذا ما قاله ابن جرير(1). ثم اسند قصته مطولة من روايات عن ابن عباس والسدي وعطاء والحسن وقتادة ووهب ومجاهد. ومن طريق عن أنس مرفوعاً. ويشبه سياق بعضها ما ذكر في التوراة المتداولة الآن.
قال السيوطي في (الإكليل): القصة التي يحكونها في شأن المرأة، وأنها أعجبته، وأنه أرسل زوجها مع البعث حتى قتل، أخرجها ابن أبي حاتم من حديث أنس مرفوعاً.
وفي إسناده ابن لهيعة، وحالة معروف، عن ابن صخر عن يزيد الراقشي وهو ضعيف.
وأخرجها من حديث ابن عباس موقوفاً.
أقول: أما المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يأت من طريق صحيح. وأما الموقوف من ذلك على الصحب والأتباع رضي الله عنهم، فمعولهم في ذلك ما ذكر في التوراة من هذا النبأ، أو الثقة بمن حكى عنها. وينبغي على ذلك ذهابهم إلى تجويز مثل هذا على الأنبياء. وقد ذهبت طائفة إلى تجويز ما عدا الكذب في التبليغ. كما فصل في مطاولات الكلام.
قال ابن حزم رحمه الله: وهو قول الكرامية من المرجئة، وابن الطيب الباقلاني من الأشعرية، ومن اتبعه. وهو قول اليهود والنصارى. ثم رد هذا القول، رحمه الله، رداً متيناً.
وأما المذهب الثاني، فهو ما جزم به ابن حزم في ا(الفصل) وعبارته: ما حكام تعبالى عن داود عليه السلام قول صادق صحيح، لا يدل على شيء مما قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود. وإنما كان ذلك الخصم قوماً من بني آدم، بلا شك، مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم. بغى أحدهما على الآخر على نص الآية. ومن قال إنهم كانوا ملائكة معرضية بأمر النساء، فقد كذب على الله عز وجل، وقوله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذب الله عز وجل وأقر على نفسه الخبيثة، أنه كذب الملائكة، لأن الله تعالى يقول {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة، ولا قال له أكفلنيها. فأعجبوا لم يقحمون فيه الباطل أنفسهم؟ ونعوذ بالله من الخذلان. ثم كل ذلك بلا دليل، بل الدعوى المجردة. وتالله إن كل امريء منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره، ثم يعرض زوجها للقتل عمداً، ليتزوجها. وعن أن يترك صلاته لطائر يراه. هذه أفعال السفهاء المتهوكين الفساق المترمدين، لا أفعال أهل البر والتقوى. فكيف برسول الله داود صلى الله عليه وسلم الذي أوحى إليه كتابه وأجرى على لسانه كلامه؟ لقد نزهه الله عز وجل عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله، فكيف أن يستضيف إلى أفعاله؟ وأما استغفاره وخروره ساجداً، ومغفرة الله له، فالأنبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة، والاستغفار فعل خير لا ينكر من ملك ولا من نبي، ولا من مذنب ولا من غير مذنب، فالنبي يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض، والملائكة كما قال الله تعالى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر، 7].
وأما قوله تعالى عن داود عليه السلام {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} وقوله تعالى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} فقد ظن داود عليه السلام أن يكون ما آتاه الله عز وجل من سعة الملك العظيم فتنة. فاستغفر الله تعالى من هذا الظن، فغفر الله تعالى له هذا الظن، إذ لم يكن ما آتاه الله تعالى من ذلك فتنة. انتهى كلام ابن حزم، وهو وقوف على ظاهر الآية، مجرداً عن إشارة وإيماء.
وقال البرهان البقاعي في (تفسيره): وتلك القصة وأمثالها من كذب اليهود.
ثم قال: وأخبرني بعض من أسلم منهم أنهم يتعمدون ذلك في حق داود عليه السلام.
لأن عيسى عليه السلام من ذريته، ليجدوا سبيلاً إلى الطعن فيه. انتهى.
ثم قال: وقوله تعالى {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} أي الوقوع في الحديث عن إسناد الظلم إلى أحد بدون سماع لكلامه. وهذه الدعوى تدريب لداود عليه السلام في الأحكام. وذكرها للنبي صلى الله عليه وسلم تدريب له في الأناة في جميع أموره على الدوام. ولما ذكر هذا ربما أوهم شيئاً في مقامه صلى الله عليه وسلم، فدفعه بقوله {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص، 40].
القصة لم يجر ذكرها إلا للترقية في رتب الكمال. وأول دليل على ما ذكرته، أن هذه الفتنة إنما هي بالتدريب في الحكم، لا بامرأة ولا غيرها. وأن ما ذكروه من قصة المرأة باطل وإن اشتهر. فكم من باطل مشهور، ومذكور، هو عين الزور. انتهى.
وقال ابن كثير: قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب إتباعه، ولكن روي ابن أبي حاتم هنا حديثاً لا يصح سنده، لأنه من رواية تزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، ويزيد، وإن كان من الصالحين، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة. فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل. فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضاً. انتهى.
وقال القاضي عياض في (الشفا): وأما قصة داود عليه السلام، فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيها الإخباريون على أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين. ولم ينص الله على شيء من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح. والذي نص الله عليه قوله {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} وقوله فيه {أَوَّابٌ} فمعنى {فَتَنَّاهُ} أي اختبرناه.. و{أَوَّابٌ} قال قتادة: مطيع. وهذا التفسير أولى. قال ابن عباس وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجل: انزل عن امرأتك وأكفلنيها. فعاتبه الله على ذلك ونبه عليه، وأنكر عليه شغله بالدنيا. وهذا هو الذي ينبغي أن يعول عليه من أمره. وقد قيل خطبها على خطبته، وقيل بل أحب بقلبه أن يستشهد. وحكى السمرقندي أن ذنبه الذي استغفر منه قوله {لَقَدْ ظَلَمَكَ} فظلمه بقول خصمه. وقيل: بل لما خشيه على نفسه، وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا. وإلى نفي ما أضيف في الأخبار إلى داود من ذلك ـ ذهب أحمد بن نصر وأبو تمام، وغيرما من المحققين. قال الداودي: ليس في قصة داود وأرويا خبر يثبت ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم. وقيل: إن الخصمين الذين اختصما إليه، رجلان في نتاج غنم على ظاهر الآية. وقيل: بل لما خشي على نفسه وظن من الفتنة لما بسط له من الملك والدنيا. انتهى.
وقال ابن القيم في أواخر كتابه (الجواب الكافي) في مباحث العشق: وقد أرشد صلى الله عليه وسلم المتحابين إلى النكاح. كما في سنن ابن ماجة(13) مرفوعاً: لم ير للمتحابين مثل النكاح. ونكاحه لمعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعاً وقدراً. وبه تداوى نبي الله داود صلى الله عليه وسلم ولم يرتكب نبي الله محرماً. وإنما تزوج المرأة وضمها إلى نسائه لمحبته لها. وكانت توبته بحسب منزلته عند الله وعلو مرتبته. ولا يليق بنا المزيد على هذا. انتهى.
وهذا منه تسليم ببعض القصة لابتمامها... وهو من الأقوال فيها.
وأما دعوى بعضهم أن التوراة تعدّ داود ملكاً حكيماً، لا نبياً، بدليل ذكره في أسفار الملوك منها، وما فيها من أنه بعث إليه نبي يقال له قاشان ضرب له المثل المذكور. فدعوى مردودة من وجوه: منها أن الاستدلال بالتوراة التي بين أيديهم في إثبات أو نفي لا يعول عليه، كيف لا؟ وقد أوتينا بيضاء نقية محفوظة من التغيير والتبديل بحمده تعالى. ومنها أن نبوة داود عليه السلام لا خلاف فيها عند المسلمين، فلا عبرة بخلاف غيرهم. ومنها أنه لا مانع أن تجتمع النبوة والملك لمن أراده الله واصطفاه، وقد فعل ذلك بداود وسليمان عليهما السلام.
ومنها أنه لا حاجة في كتابنا الكريم أن يتمم بما جاء في غيره، أو يحاول رده على سواه من الكتب، أو هي إليه، لاستغبا..... بنفسه، بل كونه مهيمناً على سائر الكتب، كما أخبر الله تعالى عنه. فليتأمل ذلك. والله أعلم.
وقد روي أن عمر بن عبد العزيز حد بنبأ داود على ما يرويه القصاص، وعنده رجل من أهل الحق. فكذب المحدث به، وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله، فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك. وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه فما ينبغي إظهارها عليه. فقال عمر: لسماعي هذا الكلام، أحب إلى مما طلعت عليه الشمس.
قال الناصر في (الانتصاف): وقد التزم المحققون من أ.... أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، داود وغيره، منزهون من الوقوع في صغائر الذنوب، مبرءون من ذلك، والتمسوا المحامل الصحيحة لأمثال هذه القصة. وهذا هو الحق الأبلج، والسبيل الأبهج، إن شاء الله تعال. انتهى.
الثانية ـ قال ابن الفرس: في هذه القصة دليل على جواز القضاء في المسجد (أي لظاهر المحراب. إلا أنه ليس نصاً في محراب المسجد) والتلطف في رد الإنسان عن المكروه صنعه،وأنه لا يؤاخذ بعنف ما أمكن. وجواز المعاريض من القول.
قال الزمخشري: وإنما جاءت على طريقة التمثيل والتعريض، دون التصريح، لكونها أبلغ في التوبيخ. من قبل أن المتأمل إذا أداه إلى الشعور بالم... به، كان أوقع في نفسه، وأشد تمكناً من قلبه، وأعظم أثراً فيه، وأجلب لاحتشامه وحيائه، وأدعى إلى التنبيه على الخطأ فيه، من أن يباده به صريحاً، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة، ألا ترى إلى الحكما؟ كيف أوصوا في سياسة الولد، إذا وجدت منه هنة منكرة، بأن يعرض له بإنكارها عليه، ولا يصرح، وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحالة، إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية، فاستسمج حال نفسه، وذلك أزجر له، لأنه ينصب ذلك مثالاً لحاله، ومقياساً لشأنه، فتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة، مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة.
الثالثة ـ قال ابن مسعود في قوله تعالى {إِنَّ هَذَا أَخِي}: أي على ديني. أخرجه ابن أبي حاتم. ففيه جواز إطلاق (الأخ) على غير المناسب. واستدل بقوله تعالى {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء} على جواز الشركة.
الرابعة ـ قال السيوطي في (الإكليل): استدل بقوله تعالى {وَخَرَّ رَاكِعًا} من أجاز التعويض عن سجود التلاوة بركوع. والأكثرون على أن الركوع هنا مجاز مرسل، عن السجود، لأنه لإفضائه إليه، جعل كالسبب، ثم تجوز به عنه. أو هو استعارة له، لمشابهته له في الإنحناء والخضوع.
الخامسة ـ قال ابن كثير: اختلف الأئمة في سجدة (ص) هل هي من عزائم السجود؟ على قولين: أحدهما أنها ليست من العزائم، بل هي سجدة شكر. لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنها ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها، رواه أحمد والبخاري(14) وأصحاب السنن. وعنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص)(15) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه. فلما كان يوم آخر قرأها. فلما بلغ السجدة تهيأ الناس للسجود. فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي. ولكن رأيتم ت..... فنزل وسجد، تفرد به أبو داود(16) وإسناده على شرط الصحيح.
2- في قوله تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [الآية، 26].
في الآية(7) بيان وجوب الحكم بالحق، وأن لا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل. واستدل بها بعضهم على احتياج الأرض إلى خليفة من الله.
وقال ابن كثير: هذه وصية من الله عز وجل لولاه الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله. وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد. روى ابن أبي حاتم عن أبي زراعة، أن الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسب الخليفة، فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين! أقول؟ قال: قل في أمان. قلتك يا أمير المؤمنين! أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة، ثم توعده في كتابة قال تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} الآية.
وقال الرازي: أعلم أن الإنسان خلق مدنياً بالطبع، لأن الإنسان الواحد لا تنظيم مصالحة إلا عند وجود مدينة تامة، حتى هذا يحرث وذاك يطحن وذلك يخبز وذلك ينسج والآخر يخيط. وبالجملة، فيكون كل واحد منهم مشغولاً بمهم. وينظم من أعمال الجميع مصالح الجميع.. فثبت أن الإنسان مدني بالطبع. وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات. ولابد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات ويفصل تلك الحكومات، وذلك هو السلطان ينفذ حكمه على الكل. فثبت أنه لا تنظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس. ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس، إن كان حكمه على وفق هواه ولطلب مصالح دنياه عظم ضرره على الخلق، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم ووقوع الهرج والمرج في الخلق. وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك. أما إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقيقة الإلهية، انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخير على أحسن الوجوه، فهذا هو المراد من قوله {فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} يعني لابد من حاكم بين الناس بالحق، فكن أنت ذلك، ثم قال {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} الآية، وتفسيره أنمتابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب، وفينتج أن متابعة الهوى توجب سوء العذاب. انتهى.
3- في قوله تعالى {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [الآية، 33].
{رُدُّوهَا عَلَيَّ} يعني الصافنات ........ {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أي يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعني يقطعها.
قال ابن كثير: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً، كما شغل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب. وذلك ثابت في الصحيحين(17) من غير وجه. ويحتمل أنه كان سائغاً ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو، والقتال. والخيلُ تراد للقتال. وقد أدعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعاً فنسخ ذلك بصلاة الخوف، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسا... والمضايقة حتى لا تمكن صلاة ولا ركوع ولا سجود. كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح (تس....) وهو منقول عن مكحول والأوزاعي وغيرهما، والأول أقرب. لأنه قال بعد {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قال الحسن البصري: قال: لا، والله ! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك. ثم أمر بها فعقرت. وكذلك قال قتادة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما، جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيها حبّاً لها. وهذا القول اختاره ابن جرير.(12) قال: لأنه لم يكن ليعذب حيواناً بالعر.....، ويهلك مالاً من ماله بلا سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها. وهذا الذي رجح ابن جرير، فيه نظر، لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولاسيما إذا كان غضباً لله تعالى، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة، ولهذا لما خرج عنها لله تعالى، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل. روى الإمام أحمد عن ابن قتادة وأبي الدهماء، وكانا يكثران السفر نحو البيت، قالا: أتينا على رجل من أهل البادية. فقال لنا البدوي، أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل، وقال: إنك لا تدع شيئاً إتقاء الله تعالى، إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه. انتهى ما ذكره ابن كثير.
وقال القاشاني: أي طفق يمسح السيف بسوقها، يعرقب بعضها وينحر بعضها، كسراً لأسنام النفس التي تعبدها بهواها، وقمعاً لسورتها قواها، ورفعاً للحجاب الحائل بينه وبين الحق، واستغفار وإنابة إليه بالتجريد والترك.
وقد ذهب الرازي إلى تأويل آخر استصوبه، قال: إن رابط الخيل كان مندوباً إليه في دينهم، كما أنه كذلك في دين الإسلام، ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو، فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها، وذكر أني لا أحبها لأجل الدنيا ونصيب النفس، وإنما أحبها لأمر الله وطلب تقوية دينه، وهو المراد من قوله {عَن ذِكْرِ رَبِّي} ثم أنه عليه السلام أمر بإعدائها وتسييرها حتى توارت بالحجاب أي غابت عن بصره. ثم أمرهم بأن يردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها، والغرض من ذلك المسح أمور: الأول ـ تشريفاً لها وإبانة لعزتها، لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
والثاني ـ أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.
الثالث ـ أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها، فكان يمتحنها ويمسح سوقها وأعناقها، حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض.
وقال: فهذا التفسير الذي ذكرناه ينطبق عليه لفظ القرآن انطباقاً مطابقاً موافقاً. ولا يلزمنا نسبة شيء من تلك المنكرات والمحذورات.
قال: وأنا شديد التعجب من الناي كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة، مع أن العقل والنقل يردها، وليس لهم في إثباتها شبهة فضلاً عن حجة فإن قيل: إن الجمهور فسّروا الآية بذلك الوجه، فما قولك فيه؟ فنقول: لنا ههنا مقامان: المقام الأول ـ أن ندعى أن لفظ الآية لا يدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها، وقد ظهر، والحمد لله، أن الأمر كما ذكرناه، وظهوره لا يرتاب العاقل فيه. المقام الثاني ـ أن يقال: هب أن لفظ الآية لا يدل عليه، إلا أنه كلام ذكره الناس. فما قولك فيه؟ وجوابنا أن الأدلة الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم السلام، ولم يدل دليل على صحة هذه الحكايات، ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية، فكيف الحكايات عن أقوام لا يبالي بهم ولا يلتفت إلى أقوالهم؟ والله أعلم. انتهى كلام الرازي.
وسبقه ابن حزم حيث قال: تأويل الآية على أنه قتل الخليل إذا اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة، قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها،والتمثيل بها، وإتلاف مال منتفع به بلا معنى، ونسبة تضييع الصلاة على نبي مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها، وإنما معنى الآية أنه أخبر أنه أحب حب الخير، من أجل ذكر ربه حتى توارت الشمس أو تلك الصافنات يحجبها، ثم أمر بردها، فطفق مسحاً بسوقها وأعناقها بيده، برابها وإكراماً لها، هذا هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل غيره، وليس فيها إشارة أصلاً إلى ما ذكروه من قتل الخيل وتعطيل الصلاة. وكل هذا قد قاله ........ المسلمين. فكيف ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ انتهى كلام ابن حزم.
وأقول: الذي يتجه أن هذه القصة أشير بها إلى نبأ لديهم، لأن التنزيل الكريم مصدق الذي بين يديه، إلا أنه له الهيمنة عليه. فما وقف فيه على حد من أنباء ما بين يديه، يوقف عنده ولا يتجاوز. وحينئذ، فالقصة المعروفة عندهم هي التي أشير إليها. لكن مع الهيمة عليها، إذ لا تقبل على علاتها.
4- في قوله تعالى {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [الآية، 44].
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} أي حزمة صغيرة {فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} أي في كل ما ابتليناه به {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي كثير الرجوع إلى الله تعالى، بالإنابة والإبتهال والعبادة.
يقول القاسمي رحمه الله في الآية، التنبيهات التالية:(7)
الأول ـ كان أيوب عليه السالم نبياً غنياً من أرباب العقار والماشية، وكان أميراً في قومه، وكانت أملاكه ومنزله في الجنوب الشرقي من البحر الميت، بين بلاد أدوم وصحراء العربية، وكانت إذ ذاك خصيبة رائعة التربة كثيرة المياه المتسلسلة، وكان زمنه بعد زمن إبراهيم وقبل زمن موسى عليهم السلام. هذا ما حققه بعض الباحثين. والله أعلم.
الثاني ـ يذكر كثير من المفسدين ههنا مرويات وقصصاً إسرائيلية في ابتلائه عليه السلام، ولا وثوق من ذلك كله إلا بمجمله ـ وهو ما أشار له التنزيل الكريم، لأنه المتيقن.
وهو أنه عليه الصلاة والسلام أصابته بلوى عظيمة في نفسه وماله وأهله. وأنه صبر على ذلك صبراً صار يضرب به المثل لثباته وسعة صدره وشجاعته، وأنه جوزي بحسنه صبره أضعافها المضاعفة.
الثالث ـ قال الزمخشري: فإن قلت: لم نسب المس إلى الشيطان في قوله {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [الآية، 41].
ولا يجوز أن يسلطه الله على أنبيائه، ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه. وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟
قلت: لما كانت وسوسته إليه، وطاعته له فيما وسوس، سبباً فيما مسّه الله به من النصب والعذاب ـ نسبه إليه. وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو. وقيل: أراد ما كان يوسوس به إليه في مرضه من تعظم ما نزل به من البلاء، ويغريه على الكراهة والجزع. فالتجأ إلى الله تعالى أن يكفيه ذلك بكشف البلاء، أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل.



ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث

1- انظر: السخاوي / جمال القراء 1/37
الفيروزابادي بصائر... 1/399
البقاعي / نظم الدرر "تفسير سورة ص"
الشوكاني / فتح القدير "تفسير سورة ص"
الأكوسي / روح المعاني "تفسير سورة ص"
2- انظر: الفيروزابادي / نفس المصدر
3- انظر: البقاعي / نفس المصدر
4- انظر: السخاوي / مصدر سابق
الفيروزابادي / مصدر سابق
5- انظر: مكي بن أبي طالب / التبصرة
السخاوي / جمال القراء ص311
الفيروزابادي / بصائر 1/214
الأكوسي / روح المعاني 1/399
محمد غوث / نثر المرجان "تفسير سورة ص"
النيسابوري غرائب 6/61
6- انظر: السيوطي / لباب النقول "تفسير سورة ص"
7- انظر: القاسمي / محاسن التأويل ص188
8- انظر: فضل سورة البقرة.. في مفاتيح سورة البقرة.
9- انظر: فضل سورة الفاتحة.. في مفاتيح سورة الفاتحة.
10- انظر: سعيد حوي / الأساس "تفسير سورة ص"
11- انظر: المراغي / تفسير المراغي "تفسير سورة ص"
12- انظر: الطبري / جامع البيان "تفسير سورة ص"
13- أخرجه: ابن ماجة، كتاب النكاح، باب: ما جاء في فضل النكاح.
14- أخرجه: البخاري.. كتاب .... القرآن، باب: سجدة ص.
15- السنن... كتاب الافتتاح، باب سجود القرآن، السجود في ص.
16- السنن.. كتاب السجود، باب: السجود في ص.
17 البخاري... كتاب المغازي، باب: غزوة الخندق.
ومسلم... كتاب المساجد ومواضع الصلاة.



فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي
رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .