إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

سورة الممتحنة وترسيخ الانتماء الدسني والوطني

سورة الممتحنة وترسيخ الانتماء الدسني والوطني 

الكاتب: د./ عادل فهمي

  تعاني الأمة اليوم من ضعف الانتماء وما نتج عنه من تفشي السلبية والأنانية والشعور بالغربة داخل الوطن، وإعانة البعض لأعداء الأمة أو الاستعانة بهم، ومرد ذلك ما أصيبت به الأمة  من الاستبداد السياسي والفساد الاقتصادي.

وسورة الممتحنة تعالج هذه الظواهر السلبية، وترسخ الانتماء وتحقق وحدة الأمة علي اختلاف أجناسها ومذاهبها وأديانها، وتقيم العدل بين أبنائها، وذلك عبر الوسائل التالية: 



1 -  عقيدة راسخة

العقيدة الراسخة هي أساس الحياة الحقة، وهي الباعثة علي التضحية والإقدام، بها تتحدد العواطف والولاءات والانتماءات قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ * إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)[الممتحنة:1-2].

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)[الممتحنة:13]. 

رسوخ العقيدة حماية للأمة من أخطار الطائفة والعرقية:

قال تعالي: (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الممتحنة:3].

فالانتماء الحقيقي للمسلم هو لدينه ولجماعة المؤمنين ، يقول برنارد لويس: " من الطبيعي أن تكون أفغانستان ـ إذا عُرفت بحسب هويتها العرقية، فإنها يمكن أن تمثل جارًا خطرًا قد يثير مطالب تتعلق بتحرير واتحاد الأقاليم الناطقة بلغة (الباشتو) الواقعة في شمال غربي باكستان، بل ربما تحالفت كذلك مع الهند"([1]).

العقيدة وموقف المسلم من قضايا الإسلام والمسلمين:

 العقيدة هي التي تحدد موقف المسلم فردًا ومجتمعًا ودولة، من القضايا التي تمر بها الأمة قال تعالي: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة:8-9].

ولقد بينت ذلك لجنة الفتوى بالأزهر الشريف برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم، مفتي مصر ، في فتوى لها عام نكبة فلسطين، جاء فيها:"لا شك أن من يعملون علي إيذاء المسلمين في دينهم، ويتخذون مختلف الوسائل للتسلط عليهم بالقوة أو الحيلة بإغراء الضعفاء بالمال وغيره من عرض الدنيا وتجريدهم من أرضهم ودورهم توصلاً إلي إذلالهم وإخضاعهم لسلطان غير سلطان دينهم هم من شر من يحادون الله ورسوله، كما لا شك أن بذل المعونة لهؤلاء وتيسير الوسائل التي تساعدهم علي تحقيق غايتهم التي فيها إذلال المسلمين، وتبديد شملهم ومحو دولتهم، أعظم إثمًا وأكبر ضررًا من مجرد موالاتهم وموادتهم التي حكم الله بمنافاتها لخالص الإيمان ، فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين ، إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة، وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يُعد من أهل الإيمان ولا ينتظم علي سلكهم بل هو بصنيعه حرب عليهم، منخلع من دينهم وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين، فعلي المسلمين أن يتبينوا أمرهم ويأخذوا حذرهم ويثوبوا إلي رشدهم فيصلحوا شأنهم، ويتبعوا هدي القرآن في حفظ كيانهم، وتقوية دولتهم،وأن تكون شؤون دينهم وأوطانهم أحب إليهم من كل شيء"([2])،

"فيوالوا المؤمنين، ويبروا المسالمين من غير المسلمين، ويعادوا من عادي الله، ومكر بأهل دينه، وسعي في إيذائهم والتضييق عليهم في أوطانهم وعمل علي تفريق وحدتهم وتمزيق جماعتهم.

وعلي المسلمين : أن يعادوا هؤلاء وينبذوهم ويقاطعوهم في متاجرهم ومصانعهم  ومساكنهم ومجتمعاتهم ، وأن يصنعوا هذا الصنيع من كل من يوالي هؤلاء الأعداء أو يعنيهم علي ما مآربهم"([3]).

العقيدة وبناء المجتمع:

العقيدة هي التي تبني المجتمع الفاضل وتحقق العدل والبر بين أبنائه علي اختلاف أديانهم لقوله تعالي (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة:8]. 

وهي التي تقضي علي عوامل الفساد والاستبداد عبر البيئة الفاضلة والتحديد الواضح للحقوق والواجبات قال تعالي : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الممتحنة:12]. 

2 -  تربية خلقية رفيعة 

حرصت سورة الممتحنة علي تربية المسلمين علي مجموعة من الأخلاق الرفيعة التي تدعم الانتماء وتقوية مثل: الإخلاص، ووسطية الفكر والمشاعر والسلوك، ومراقبة الله (عز وجل)  المطلع علي خائنة الأعين وما تخفي الصدور، والثقة في رحمة الله وقدرته ، والحذر والحيطة من الأعداء، والتضحية ، والبر، والعدل، وصلة الأرحام ولو كانت مشركة، والنصرة والنجدة، والتكافل والمواساة، والتأسي بالصالحين، والجهر بالحق، والطاعة في المعروف، والجهاد لإعلاء كلمة الله. 

كما نهت السورة الكريمة عن بعض الأخلاق المدمرة للانتماء والمقوضة لبنيان المجتمع والمهددة لأمنه وسلامته، مثل:موالاة الأعداء، التجسس والتعاون مع العدو، تقديم الانتماء الأسرى أو الطائفي علي الانتماء لدين الله،الشرك بالله، السرقة، الزنا، القتل، البهتان، الفساد والاستبداد إلي غير ذلك من سقيم الأخلاق. 

  3 - مشروع قومي تجتمع حوله الأمة 

لابد للأمة في كل مرحلة من مراحل تاريخها من مشروع قومي وهدف أعلي يتحدد به الانتماء ، وتكتشف به معادن الناس وحقيقة توجهاتهم ، مشروع تلتف حوله القلوب، وتشحذ من أجله الهمم،وتنزوي أمامه دواعي العرقية والطمأنينة وتحقق به مصالح الدين والوطن.

وقوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)ُ[الممتحنة:1]

يبين لنا أن المشروع القومي والهدف الأعلى للمسلمين في عهده (صلي الله عليه وسلم) : كان هو الجهاد لنشر هذا الدين ، ومقاومة طغيان قريش التي أخرجت المسلمين من ديارهم وأموالهم وشنت عليهم حروبا متعددة لاستئصالهم ، وفرضت عليهم حصارًا سياسيًا واقتصاديا ، وتحالفت مع قبائل العرب واليهود ضدهم ، ونقضت عهدها معهم.

ولقد كان المشروع القومي للأمة في عهد الخلافة الراشدة : هو تثبيت دعائم الدولة ، ومواجهة الأخطار الداخلية التي تتهددها مثل خطر المرتدين والبغاة والخوارج،وحماية حدودها الخارجية من خطر الدولتين الفارسية والرومية،ووضع النظم الفاعلة لإدارة الأمصار المفتوحة، وإقامة العدل بين الناس علي اختلاف أديانهم وأجناسهم وأقطارهم. 

أما في عصر الدولتين الأموية والعباسية ودولة الإسلام في الأندلس، فقد كان مشروعنا القومي : هو بناء الحضارة ، وتحقيق تقدم الأمة كمنارة للنور والهداية والعلم والمعرفة.

 وفي العصر العباسي الثاني كان مشروعنا القومي : هو درء الخطر الماحق الذي يريد أن يستأصل  شأفة الإسلام والمسلمين، ممثلا في الحملات الصليبية والغزو المغولي للعالم الإسلامي. 

أما اليوم؛ فإن المشروع القومي الذي يجب أن تتضافر من أجله الجهود وتبذل في سبيله الأرواح والأموال : فهو تحرير الأمة داخليًا وخارجياً.

داخليا: من الاستبداد السياسي والفساد،ودعاوى الطائفية والعرقية والمذهبية. 

وخارجيًا: من كل سلطان أجنبي يتسلط عليها بالغزو  الفكري أو الهيمنة العسكرية السياسية والاقتصادية. 

4 - قدوة صالحة ومثل أعلى 

القدوة الصالحة عنصر مهم من عناصر بناء الانتماء الفاعل للدين والوطن، قال تعالي: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[الممتحنة:4-6]. 

وما أكثر القدوة الصالحة في تاريخنا في كافة مجالات الحياة وعلي اختلاف الأعمار والأوضاع الاجتماعية. 



5 - عقد اجتماعي منظم للحقوق والواجبات 

إن مما يدعم الانتماء ويرسي أركانه أن يعيش المرء في وطنه في ظل عقد اجتماعي ينظم الحقوق والواجبات، ويكفل لأبناء الوطن العيش الحر الكريم، ويوسع دائرة المشاركة المجتمعية  ويشعر كل فرد فيه بقيمة وجوده وبدوره الفاعل في صياغة حاضر أمته ومستقبلها، وبدون هذه العقد يفقد المواطن انتماءه لوطنه، وينزوي علي ذاته، وتغلب عليه السلبية والأنانية، وتسود أمراض التمييز والطائفية والرشوة والمحسوبية ، وبدون هذا العقد أيضا ينمو الاستبداد والفساد، وتنتهك الحرمات وتهدر كرامة الإنسان. 

وسورة الممتحنة تقدم لنا صياغة جامعة لعناصر هذا العقد الاجتماعي قال تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الممتحنة:12]. 

فهو عقد يقوم علي ما يلي: 

1-                   الإدارة الحرة، (إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) فهن يبايعن مختارات لا مجبرات.

2-             توسيع دائرة المشاركة من غير إقصاء ولا تمييز: قال تعالي: (إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)وهنا نلحظ هذه التكريم العظيم للمرأة، إذ لم ترد بنود هذه البيعة إلا في هذه السورة ، والمبايع فيها هن النساء، لذا سميت بيعة النساء ؛ تشريفا لهن، وتعظيما لشأنهن، وبيانا لدورهن في بناء المجتمع وصياغة مصيره، وقضاء علي دعاوى الجاهلية التي همشت النساء واعتبرتهن مخلوقات أدني من الرجال.

3-             ذمة سياسة مستقلة للمرأة عن الرجل: فهي تأتي بنفسها لتبايع دون أن توكل عنها أحدًا من الناس، ولو كان من أقرب الناس إليها، وهي من أهل الاختيار،ولها حق إبداء الرأي ، ولها حق الاعتراض علي أي قرار أو قانون يخالف الشريعة قال تعالي :( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)فالطاعة في المعروف فقط، ولا طاعة لمخلوق كائنًا من كان في معصية الخالق.

4-             بنود هذا العقد هي أمهات الحقوق والواجبات التي تنبثق منها بقية الحقوق والواجبات التي يطلق عليها فقهاؤنا كليات الشريعة التي جاءت لإقامتها وصيانتها وهي: الحرية ، والدين، والنفس ، والمال ، والعرض: 

ا لحرية: حرية الاختيار في قوله تعالي: (إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ)وحرية الفعل والرأي والنقد البناء والمعارضة السياسية  النزيهة في قوله تعالي:( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)قال الجصاص (رحمه الله):"قد علم الله أن نبيه لا يأمر إلا بمعروف ، إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة الله تعالي"([4]) فالنقد البناء والمعارضة السياسية ليست حقا فقط، وإنما فريضة شرعية. 

الدين: لقوله تعالي:( عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا) فعلي الأفراد والمجتمع والدولة حماية الدين وصيانته من التحريف والتبديل أو التشويه والتعديل أو الانتقاص والتعطيل ؛ لذا قال العلماء في تعريفهم للخلافة: إنها "خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به"([5]). 

المال: حفظ المال والأمانات ، والقضاء علي المفاسد الاقتصادية .. يجملها قوله تعالي :( وَلَا يَسْرِقْنَ)وفي هذا أيضا توجيه للدولة والمجتمع بتدبير فرص العمل والاستثمار وتيسير العيش الكريم وتوفير حد الكفاية لا الكفاف لمواطني الدولة حتى لا يضطر أحد إلي مد يده إلي أموال الناس، وعليهما أيضا محاربة الفساد والرشوة والمحسوبية والاحتكار والغش والتلاعب بأقوات الناس وأموالهم. 

العرض: قال تعالي: (وَلَا يَزْنِينَ) فأحد وظائف الفرد والمجتمع والدولة في الإسلام هي صيانة الأعراض وضبط الغرائز ومنع دواعي الفاحشة والفجور وتسير أسباب العفة والطهارة، كما حرم الإسلام قذف  الأعراض،ونشر الباطل  والخنا بين الناس، والافتراء عليهم في قوله تعالي : (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ). 

النفس: قال تعالي: (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) فحماية الوجود البشري، واستمرار العمران أحد مقاصد الشريعة، لذا حرم الإسلام صور القتل المادي والمعنوي. 

5-    مرجعية هذا العقد : هي شرعه تعالي لقوله (عز وجل) :(وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) والمعروف هو ما وافق الشرع الحنيف كتابًا وسُنة ، أو ما أجمع عليه المسلمون، أو ما كان مصلحة مرسلة فيها تحقيق لمقاصد الشريعة ومصالح العباد، أو ما يقرره علماء الأمة وممثلوها مبنية علي أصول الشريعة، محققة لمقاصدها وأهدافها ، وملبية لاحتياجات الأمة ومتطلبات تطورها.

6-    عقد ملزم: قال تعالي ( فَبَايِعْهُنَّ) فلا يجوز للحاكم أن يخرج علي بنود العقد، وإلا سقطت مشروعية بقائه ، قال أبو بكر الصديق: "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله ، فلا طاعة لي عليكم"([6]).

7-    عقد يقوم علي الاحترام المتبادل : فالشعب يطيع حاكمه وينصره ، ولا يخرج عليه .. قال تعالي : (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)وعلي الحاكم احترام شعبه،والسهر علي تحقيق مصالحه: لقوله تعالي : (فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). 

6 - تنشئه سليمة 

بناء الأمم يبدأ من بناء الأطفال، وحسن تربيتهم وتنشئتهم ، فلا انتماء لطفل أهمله والداه، أو قصر في رعايته مجتمعه، أو لفظه من حوله، فمثل ذلك الإنسان يكون معول هدم لا بناء، وعنصر تدمير لا تعمير ورأس حربة ضد دينه ووطنه. 

وسورة الممتحنة تقدم ميثاقا إسلامي لحقوق الطفل يتضمن عناصر هذه التنشئة السلبية ويحمي الطفولة من العدوان عليها أو التقصير في حقها، وتجعله من بنود العقد بين الحاكم والمحكوم. 

1-             حسن اختيار الأم: قال تعالي : (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)حرم الله تعالي الإمساك بعصم الكوافر، ذلك أن الأم  هي التي تشكل وعي ووجدان الصغير وعواطفه وانتماءاته.

2-                   حق الطفل في العيش في محضن آمن: قال تعالي (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ)

        فالمحضن الآمن للطفل : هو أن يكون مجيئه للحياة من نكاح لا من سفاح ، وأن يعيش في أسرة قامت عبر زواج شرعي ينال فيها حقوقه الكاملة في الرعاية والمكانة الاجتماعية.

3-             حماية حق الطفل في الوجود وحقه في الحياة : قال تعالي  (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) حرم الله تعالي كافة صور قتل الطفولة والاعتداء علي حقها في الحياة ، مثل: الإجهاض، والوأد، والتعقيم..إلي غير ذلك من صور العدوان.

4-             حماية حق الطفل في الرعاية الكاملة والتربية الحسنة : قال تعالي (وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ)فالقتل نوعان: قتل مادي ، وقتل معنوي: أما القتل المادي، فقد تحدثنا عنه في الفقرة السابقة وأما القتل المعنوي ، فيشمل كل إهمال للطفل،أو إساءة إليه؛ فسلبه حريته ببيعه كرقيق قتل معنوي، وإهمال تربيته وتعليمه قتل معنوي ،وإهمال صحته وبنيته قتل معنوي ،وحرمانه من حقه في الحياة كطفل مثل باقي أقرانه قتل معنوي. 

5-        حماية حق الطفل في صيانة عرضه وكرامته : لقد جاء قوله تعالي ( وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ) بين صورتين من النكاح والنسب الفاسد، بين قوله تعالي :( وَلَا يَأْتِينَ)وقوله : (وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) فمجيء الطفل من سفاح ، أو إلحاقه بأب مدعى قتل معنوي له، وامتهان لكرامته وتحقير لشأنه بين الناس.






[1] -  برنارد لويس ، الإسلام وأزمة العصر، ترجمة: أحمد هيكل، مكتبة الأسرة، 2004م،القاهرة، ص46.



[2] - جواد رياض، فتاوي الأزهر في جوب الجهاد، وتحريم التعامل مع الكيان الصهيوني 1948م ـ 1998م ،ص:45-46



[3] - المصدر السابق ص:46-47



[4] - الجصاص: أبو بكر احمد بن علي الرازي الجصاص، أحكام القرآن تحقيق : عبد السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولي 1415هـ ، 1994م 3 : 590



[5] - ابن خلدون: عبد الرحمن بن خلدون المغربي ، مقدمة ابن خلدون، دار ابن خلدون الإسكندرية مصر ص:134



[6] - ابن كثير عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، البداية والنهاية تحقيق: محمد عبد العزيز النجار، دار الغد العربي الطبعة الأولي، القاهرة 1411هـ ـ 1991م. 3/743

======================================

الرسالة - العدد26 السنة السابعة ذو الحجة 1428هـ - يناير2007م



ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .