مفاتيح سورة الفرقان |
أولاً:اسم السورة 1- تسمى بـ"الفرقان" وذلك : لافتتاحها بذكر "الفرقا،" ، فى قوله تعالى : {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الآية 1] . ويلاحظ أن كلمة "الفرقان" 00 قد وردت فى آيات القرآن الكريم – غير هذه الآية – خمس مرات ، ولكن هذه المرة هى التى افتتحت بها سورة من سور القرآن الكريم . ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها آياتها : 77 سبع وسبعون آية(2) . كلماتها : 872 ثمانمائة وثنتان وسبعون كلمة . حروفها : 3733 ثلاثة آلاف وسبعمائة وثلاثة وثلاثون حرفاً . ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول أ- فى المصحف 00 بعد : سورة "النور" ، وقبل : سورة "الشعراء" . ب- فى النزول 00 بعد : سورة "يس" ، وقبل : سورة "فاطر" . رابعاً : سبب نزول السورة لم يعثر على سبب نزول لها . خامساً : مكية السورة و مدنيتها هذه السورة مكية 00 إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة وهى : 68 ، 69 ، 70 . سادساً : فضل السورة لم نعثر على آثار خاصة فى ذلك لهذه السورة . سابعاً : صلة السورة بما قبلها نزلت بعد سورة يس . ومناسبتها لما قبلها من وجوه(3) : (1) إنه سبحانه اختتم السورة السابقة بكونه مالكاً لما فى السموات والأرض مصرفاً له على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة مع النظام البديع والوضع الأنيق ، وأنه سيحاسب عباده يوم القيامة على ما قدموا من العمل خيراً كان أو شراً ، وافتتح هذه بما يدل على تعاليه فى ذاته وصفاته وأفعاله وعلى حبه لخير عباده بإنزال القرآن لهم هادياً وسراجاً منيراً . (2) اختتم السورة السابقة بوجوب متابعة المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم مع مدحهم على ذلك وتحذيرهم من مخالفة أمره خوف الفتنة والعذاب الأليم ، وافتتح هذه بمدح الرسول وإنزال الكتاب عليه لإرشادهم سبيل الرشاد ، وذمّ الجاحدين لنبوته بقولهم : إنه رجل مسحور ، وإنه يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق إلى آخر ما قالوا . (3) فى كل من السورتين وصف السحاب وإنزال الأمطار وإحياء الأرض الجرز فقال فى السالفة : {ألم تر أن الله يزجى سحاباً الخ} ، وقال فى هذه : {وهو الذى أرسل الرياح بُشراً} الخ . (4) ذكر فى كل منهما وصف أعمال الكافرين يوم القيامة وأنها لا تجزيهم فتيلاً ولا قطميراً فقال فى الأولى : {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة الخ} وقال فى هذه : {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً} . (5) وصف النشأة الأولى للإنسان فى أثنائهما فقال فى الأولى : {والله خلق كل دابة من ماء} وفى الثانية : {وهو الذى خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً} . ثامناً : هدف السورة ويتمثل هدف هذه السورة فى النقاط التالية : 1) بيان عالمية هذا الدين . 2) تقوية دعائم الإيمان بهذا الدين . 3) عرض .... المطلوب لإتباع هذا الدين . أولاً : عالمية هذا الدين . يقول الله تعالى : {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الآية 1] . ويقول تعالى : {وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً} [الآية 56] . ثانياً : تقوية وتعميق دعائم الإيمان بهذا الدين أنظر "الوحدانية – النبوة – المعاد" بالصفحات التالية : الوحدانية : {الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الآية 1] . {الذى له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك فى الملك وخلق كل شئ فقدره تقديراً} [الآية 2] . {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شائ لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً؟} [الآيتان 45 ، 46] . {الذى جعل لكم الليل لباساً واليوم سباتاً وجعل النهار نشوراً} [الآية 47] . {الذى أرسل الرياح بشراً بين يدى رحمته وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً * لنحيى به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسى ...} [الآيتان 48 ، 49] . {الذى مرج البحرين هذا عذب فرات ، وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً} [الآية 52] . {الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل خبيراً} [الآية 59] . {الذى جعل فى السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً} [الآية 61ٍ] . {الذى جعل الليل والنهـار خلقه لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً} [الآية 62] . النبوة 1) اعترضوا على الوحى {قال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} [الآية 4]. فرد الله عليهم بقوله : {فقد جاؤا ظلماً وزوراً} [الآية 4] . {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلاً} [الآية 5] . فرد الله عليهم بقوله : {قل أنزله الذى يعلم السر فى السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً} [الآية 6] . 2) اعترضوا على بشرية الرسول وفقره ، وادعوا أنه مسجور : {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً * أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} [الآيتان 7 ، 8] . فرد الله عليهم بقوله : {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً * تبارك الذى إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجرى من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً} [الآيتان 9 ، 10] . وبقوله : {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً} [الآية 20] . 3) اعترضوا على عدم كون الرسول ملكاً فقالوا {لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا} [الآية 21] . فرد الله عليهم بقوله : {لقد استكبروا فى أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً ويوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولن حجراً محجوراً} [الآيتان 21 ، 22] . ثم بين تعالى السبب الحقيقى لاعتراضاتهم هذه كلها فقال : {بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب لمن كذب بالساعة سعيراً} [الآية 11]. 4) اعترضوا على كيفية إنزال القرآن فقالوا : {لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة} [الآية 32] . فرد الله عليهم بقوله : {كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً * ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً} [الآيتان 32 ، 33] . أولاً : فى صورة مقابلات بين المواقف أ- {... وأعتدنا لمن كذب بالساعة * إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً * وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً * لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً * قل أذلك خير أم جنة الخلد التى وعد المتقين كانت لهم جزاءً وبصيراً * لهم فيها ما يشاؤن خالدين كان على ربك وعداً مسئولاً} [الآيات 11-16] . ب- {... لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً * وقد منا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً * أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً} [الآيتان 23 ، 24] . ثانياً : فى صورة عرض بعض مشاهد يوم القيامة {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً * الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيراً * ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتنى لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلنى عن الذكر بعد إذ جاءنى وكان الشيطان للإنسان خذولاً} [الآيات 25-29] . ثالثاً : عرض الأنموذج المطلوب لاتباع هذا الدين تقديم : لما ذكر الله تعالى جهالات المشركين وطعنهم فى القرآن والنبوة ذكر عباده المؤمنين أيضاً ، وذكر صفاتهم ، وأضافهم إلى عبوديته تشريفاً لهم . فقال : {وعباد الرحمن الذين....} [الآيات 63-74ٍ] . تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا تتكون هذه السورة من : مقدمة ، ومجموعتين من الآيات فالمقدمة .. عبارة عن (3) آيات . من الآية (1) حتى نهاية الآية (3) . وفيها : الحديث عن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنزال القرآن عليه ، لينذر العالم كله . وبيان كيف كان الناس جميعاً عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم قد عبدوا غير الله ..؟ والمجموعة الأولى .. عبارة عن (28) آية . من الآية (4) حتى نهاية الآية (31) . وفيها : عرض مواقف الكافرين من القرآن الكريم ، وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والرد عليهم فى مواقفهم هذه . والمجموعة الثانية .. عبارة عن (46) آية . من الآية (32) حتى نهاية الآية (77) وهى خاتمة السورة . وفيها : عرض شبهة للكافرين حول القرآن والرد عليها . ثم عرض موقف الكافرين من الرسول ، والرد عليها . ثم عرض وضع شركى ، والرد عليه . ثم : تقرير التوحيد ، وتبيان مهمة الرسول ، وما ينبغى أن يقوله ، وما ينبغى أن يكون عليه حاله . ثم يعرض لنفور المشركين من عبادة الله ، وتعرض فى مقابل ذلك : حال عباد الله . ويختم بتوجيه كلام للكافرين . عاشراً : أبرز موضوعات السورة وأبرز موضوعات هذه السورة هى : (1) إثبات النبوة والوحدانية ، والنعى على عبدة الأصنام والأوثان ، وإثبات البعث والنشور وجزاء المكذبين بذلك مع ذكر شبهاتهم التى قالوها فى النبى صلى الله عليه وسلم وفى القرآن ثم تفنيدها . (2) قصص بعض الأنبياء السالفين وتكذيب أممهم لهم ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر . (3) العجائب الكونية من مد الظل وجعل الليل لباساً وجعل النهار معاشاً وإرسال الرياح مبشرات بالأمطار ومروج البحرين : العذب الفرات ، والملح الأجاج ، وجعل البروج فى السماء ، وجعل الليل والنهار 000 لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً . (4) الأخلاق والآداب من قوله : وعباد الرحمن إلى آخر السورة . حادى عشر : بعض الدروس المستفادة 1) فى قوله تعالى : {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً} [الآية 1] . نلاحظ أن بدء النبوة كان بعد إذ أصبح الناس كلهم كافرين ، وأن ختم النبوة كان برسالة محمد إذ أصبح الناس كلهم كافرين ، ومن حكم ختم النبوة أن البشرية لن تعود مرة ثانية إلى أن تصبح كافرة ، ففى الحديث (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتى أمر الله) ثم إن القرآن الذى يقوم بعملية النذارة والبشارة محفوظ إلى قيام الساعة ؛ ومن ثم فلا حاجة إلى بعثة جديدة ، وإنما حاجة إلى تجديد ، وهذا يقوم به أولياء هذه الأمة وعلماؤها "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها أمر دينها(6). 2) فى قوله تعالى : {وقال الرسول يا رب إن قومى اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} [الآية 30] . هذه الآية ، وإن كانت من الشمركين ، وإعراضهم هو وعدم إيمانهم ، إلا ... الكريم مما يرهب عموم المعرضين عن العمل به ، والأخذ ...، الذى هو حقيقة الهجر . لأن الناس إنما تعبدوا منه بذلك . إذ لا تؤثر تلاوته إلا لمن تدبرها، ولا يتدبرها إلا ما من يقوم بها ويتمسك بأحكامها . ومن "فوائد" الإمام ابن القيم رحمه الله . قوله فى هذه الآية : هجر القرآن أنواع : أحدهما : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه . والثانى : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به. والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه فى أصول الدين وفروعه ، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين ، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم . والرابع : هجر تدبره وتفهمه ، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه . والخامس : هجر الاستشفاء والتداوى به فى جميع الأمراض وأدوائها . فيطلب شفاء دائه من غيره ، ويهجر التداوى به . قال : وكل هذا داخل فى هذه الآية ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . انتهى . وفى "الإكليل" : إن فى الآية إشارة إلى التحذير من هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه . وكذا قال أبو السعود : فيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن ، كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم . ثم قال : وفيه من التحذير ما لا يخفى . فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم ، عجل لهم العذاب ولم يُنظروا . 3) فى قوله تعالى {ولقد صرفنا بينهم ليذكروا }000 أى المطر [الآية 50] . من معجزات الإسلام ما قاله ابن عباس وابن مسعود كما نقله عنهما ابن كثير : "ليس عام بأكثر مطراً من عام ولكن الله يصرفه كيف يشاء ، ثم قرأ هذه الآية : {ولقد صرفناه بينهم ليذّكروا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً} إن هذا المعنى الذى ذكره ابن مسعود وابن عباس هو الذى يثبته علماء الكون الآن ، إذ يقولون إن نسبة التبخر والأمطار فى العالم لا تزيد ذرة فى عام من عام لأن الحرارة التى تأخذها الأرض سنوياً لا تزيد ولا تنقص ، وإنما المطر ينزل فى مكان ما أكثر من مكان ، وهذا عين ما أثبته بن مسعود وابن عباس فى تفسيرهما للآية(4) . وفى الآية كذلك معنى عميق جداً ، وسر من أسرار كفر الكثيرين ، إن كثيرين من الناس يعللون الأشياء على أنها ظواهر طبيعية ، فالمطر ينزل بسبب مجموعة من العوامل الطبيعية ، والنبات يخرج بسبب مجموعة من العوالم الطبيعية ، ونحن لا ننفى القوانين والأسباب ، ولكنا نقول إن كل شئ يعلم الله وإرادته وقدرته ، فأن يزعم أنه لا تدخل لله فى ظواهر الكون فذلك كفر ، والآية فى شطرها الأخير تشير إلى هذا النوع من الكفر . قال عكرمة : يعنى الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ، وهذا الذى قاله عكرمة ورد فى الحديث المخرج فى صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوماً على إثر سماء أصابتهم من الليل (أتدرون ماذا قال ربكم؟) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : "أصبح من عبادى مؤمن بى وكافر ، أما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بى كافر بالكواكب ، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بى مؤمن بالكواكب") . 4) فى قوله تعالى : {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً} [الآية 63] . قال ابن كثير : "وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعاً ورياءً ، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكأنما الأرض تطوى له . وقد كره بعض السلف المشى بتضعف وتصنع ، حتى روى عن عمر أنه رأى شاباً يمشى رويداً فقال ما بالك أنت مريض ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، فعلاه بالدرة وأمره أن يمشى بقوة ، وإنما المراد بالهو هنا السكينة والوقار ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا) . وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن عمر بن المختار عن الحسن البصرى فى قوله : {وعباد الرحمن} الآية قال : إن المؤمنين قوم ذلل ، ذلت منهم والله الأسماع والأبصار والجوارح حتى يحسبهم الجاهل مرضى ، وما بالقوم من مرض ، وإنهم – والله – لأصحاء ، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة ، فقالوا : الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن . أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس ، ولا تعاظم فى نفوسهم شئ طلبوا به الجنة ، ولكن أبكاهم الخوف من النار ، إنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله نعمة إلا فى مطعم أو مشرب ، فقد قل علمه وحضر عذابه) . 5) فى قوله تعالى : {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} قال ابن كثير: "يعنى الذين يسألوه الله أن يخرج من أصلا بهم ومن ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له ، قال ابن عباس : يعنون من يعمل بطاعة الله ، أرادوا أن يكونوا مطيعين . وسئل الحسن البصرى عن هذه الآية فقال : "أن يرى الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن جميعه طاعة الله ، والله لا شئ أقر لعين المسلم من أن يرى ولداً أو ولد ولد أو أخاً أو جميعاً مطيعاً لله" . قال ابن جريج فى قوله : {هب لنا من أزوجنا وذرياتنا قرة أعين} قال : يعبدونك فيحسنون عبادتك ، ولا يجرون علينا الجرائر ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن .... : يعنى يسألون الله تعالى لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للإسلام ، وروى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن جبير بين نقير عن أبيه قال : جلسنا إلأى المقداد بن الأسود يوماً فمر به رجل فقال : طوبى لهاتين العينين اللتين رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لوددنا أنا رأينا ما رأيت ، وشهدنا ما شهدت ، فاستغضب المقداد ، فجعلت أعجب لأنه ما قال إلا خيراً ثم أقبل إليه فقال : ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضراً غيبه الله عنه ، لا يدرى أو شهده كيف يكون فيه ، والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواماً أكبهم الله على مناخرهم فى جهنم ، لم يجيبوه ولم يصدقوه ، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعروفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم ، قد كفيتم البلاء بغيركم ؟ لقد بعث الله النبى صلى الله عليه وسلم على أشر حال بعث عليها نبياً من الأنيباء ، فى فترة جاهلية ، ما يرون أن ديناً أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل ، وفرق بين الوالد وولده ، إن كان الرجل ليرى والده وولده وأخاه كافر ، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان ، يعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه فى النار ، وإنها التى قال الله تعالى : {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه(4) . ثانى عشر : مصادر المفاتيح و هوامش البحث 1- الفيروزابادى / بصائر ذوى التمييز 1/340 2- أنظر : مكى بن أبى طالب / التبصرة ص 275 السخاوى / جمال القراء 1/209 الفيروزابادى (مصدر سابق) الآلوس / روح المعانى (تفسير:سورة الفرقان) نثر المرجان 4/672 3- المراغى / تفسير المراغى (تفسير:سورة الفرقان) 4- سعيد حوى / الأساس فى التفسير ( " " " ) 5- رواه : أبو داود ..ك الجهاد . 6- أنظر : السيوطى / الجامع الكبير عن أبى هريرة 7- القاسمى / محاسن التأويل (تفسير: سورة الفرقان) 8- رواه : مسلم . 9- رواه : البخارى ..ك ...، مسلم ..ك الماجد ، أبو داود 00 ك الصلاة ، النسائى ..ك الإمامة ، ابن ماجه ..ك الماجد . فضيلة الدكتور عبد الحي الفرماوي رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الخميس، 24 نوفمبر 2011
مفاتيح سورة الفرقان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق