إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الأحد، 11 ديسمبر 2011

طريقة الاختيار والانتخاب

طريقة الاختيار والانتخاب

فأما الطريقة الأولى وهي الاختيار للإمام يقوم بها أهل الحل والعقد، وهي الطريقة التي تمت بها تولية أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما.
فقد روى البخاري في «صحيحه» عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه قال: «..وأنه قد كان من خبرنا حين توفى اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر:
انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟
فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم اقضوا أمركم، فقلت: واللَّه لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمّل بين ظهرانيهم>
فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ فقالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فنحن أنصار اللَّه وكتيبة الإسلام، وأنتم رهط، وقد دفَّت دافَّة من قومكم _فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر_، فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت أداري منه بعض الحسد فلما أردت أن أتكلم .
قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه فتكلم فكان هو أحلم مني وأوقر، واللَّه ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت.
فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبًا ودارًا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم.
فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة عامر بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، كان واللَّه أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني من ذلك إثم أحب إلي من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر، اللَّهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن، فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار» .

فهؤلاء أهل الفضل والحل والعقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، وبايعوا أبا بكر ـ رضي اللَّه عنه ـ ثم تلتها بيعة عامة في المسجد لباقي الناس كما أورده البخاري في «صحيحه» عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه.

أما قصة تولية علي بن أبي طالب ـ رضي اللَّه عنه ـ فقد أوردها ابن كثير في «البداية والنهاية» فقال:
«ذكر سيف بن عمر عن جماعة من شيوخه، قالوا: بقيت المدينة خمسة أيام بعد مقتل عثمان وأميرها الغافقي بن حرب يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر، والمصريون يلحون على علي وهو يهرب منهم إلى الحيطان، ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه، والبصريون يطلبون طلحة فلا يجيبهم، فقالوا فيما بينهم: لا نولي أحدًا من هؤلاء الثلاثة، فمضوا إلى سعد بن أبي وقاص .
فقالوا: إنك من أهل الشورى فلم يقبل منهم، ثم راحوا إلى ابن عمر فلم يقبل منهم، فحاروا في أمرهم، ثم قالوا: إن نحن رجعنا إلى أمصارنا بقتل عثمان من غير إمرة اختلف الناس في أمرهم ولم نسلم، فرجعوا إلى علي بن أبي طالب فألحوا عليه، وأخذ الأشتر النخعي بيده فبايعه، وذلك يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة، وذلك بعد مراجعة الناس لهم في ذلك، وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي، فلما كان يوم الجمعة وصعد المنبر بايعه من لم يبايعه بالأمس .

وقد اختلف في كيفية هذه الطريقة على أقوال:

القول الأول: أن الإمامة لا تصح إلا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد.

القول الثاني: أن الإمامة تصح بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة.

القول الثالث: وإليه ذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أن الإمامة لا تصح بأقل من عقد خمسة رجال.

وقد ناقش أبو محمد علي بن حزم هذه الآراء فقال:
«أما من قال: إن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل؛ لأنه تكليف ما لا يطاق، وما ليس في الوسع، وما هو أعظم الحرج، واللَّه تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج:78].
ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تصرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مِهره إلى عدن إلى أقاصي المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية إلى جبل الفتح إلى أسمار وفرغانة وأسروشنة إلى أقاصي خراسان إلى الجورجان إلى كابل المولتان، فما بين ذلك من المدن والقرى، ولابد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد، فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكنًا لما لزم؛ لأنه دعوى بلا برهان».

وأما قول الجبائي وهو: «أن الإمامة لا تنعقد إلا بخمسة»، فقد ناقشه ابن حزم أيضًا حيث قال: «أما قول الجبائي فإنه تعلق بفعل عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ في الشورى، إذ قلدها ستة رجال، وأمرهم أن يختاروا واحدًا منهم، فصار الاختيار منهم بخمسة فقط، وهذا ليس شيئًا لوجوه:

أولها: أن عمر لم يقل: إن تقليد الاختيار أقل من خمسة لا يجوز، بل قد جاء عنه أنه قال: إن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد، فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فقد أجاز عقد ثلاثة.

ووجه ثان وهو: أن فعل عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة، وعمر كسائر الصحابة ـ رضي اللَّه عنهم ـ لا يجوز أن يخصه وجوب اتباعه دون غيره من الصحابة رضي اللَّه عنهم.

والثالث: أن أولئك الخمسة رضي اللَّه عنهم قد تبرءوا من الاختيار، وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلاً للإمامة، وهو عبد الرحمن بن عوف وما أنكر ذلك أحدٌ من الصحابة الحاضرين ولا الغائبين إذ بلغهم ذلك، فقد صحَّ إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بعقد واحد.

فإن قال قائل: إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلدوه قيل له: إن كان هذا عندك اعتراضًا فالتزم مثله سواء بسواء فمن قال لك: إنما صح عقد أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلَّدهم ذلك، ولولا ذلك لم يجز عقدهم، وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الاختيار منهم لا من غيرهم، فلو اختاروا من غيرهم لما لزم الانقياد لهم، فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلا إذا قلدهم الإمام ذلك، أو من قال لك: إنما صح عقد أولئك الخمسة لإجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا بمن اختاروه، ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عقدهم، وهذا مما لا مخلص منه أصلاً فبطل هذا القول بيقين.

قلت: وما ذكره أبو محمد من أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه كغيره من الصحابة بالأخذ بقوله غير صحيح، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر».
ولما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بسنتي وسنـة الخلفاء الراشدين المهديين من بعـدي تمسكوا بها» .

وقد روي عن أبي هاشم المعتزلي أنه يرى انعقاد الإمامة بواحد، مستدلاًّ بظاهر قصة مبايعة عمر ـ رضي الله عنه ـ لأبي بكر الصديق حيث قام وقال: اُمدد يدك أبايعك، وبأن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ هو الذي عقد الإمامة لعثمان ـ رضي الله عنه ـ كما أيد رأيه هذا بأن قال: من المحتمل أن يموت إمام المسلمين ويفاجئهم العدو أو ينفتح عليهم ثغر، فلو عمدوا إلى التشاور والتداول والبحث عن أهل الفضل والصلاح والسير الحميدة ليعقدوا للإمام، لغلبهم العدو قبل أن يفرغوا من التداول والتشاور وتعيين الإمام، وهذا ليس بشيء؛ لأن مبايعة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأبي بكر الصديق كانت بموافقة جُل الصحابة الحاضرين في السقيفة، أما مبايعة عبد الرحمن بن عوف لعثمان فكانت برضا أعضاء الشورى حيث وكلوا الأمر إليه وفوضوه في أن يختار الإمام الذي يرى فيه المقدرة على تحقيق مصالح المسلمين.

====================
انظر :
 * البداية والنهاية
*الفصل في الملل والأهواء والنحل
* الأحكام السلطانية ، للماوردي

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .