الخلافة حقيقتها ومعناها
الخلافة حقيقتها ومعناها |
|
الكاتب الأستاذ الدكتور / طه حبيشي الخلافة حقيقتها ومعناها
ومن الأشياء الواردة في خطاب الله للملائكة أنه قد تحدث عن المخلوق الجديد بوصفه خليفة، والخليفة :من يخلف غيره ويقوم مقامه، وهذا الوصف إنما يعبر عن وظيفة الكائن الجديد وتحديد مهمته التي خلق من أجلها، إن هذا الكائن الذي تعلقت الإرادة به ستكون الخلافة هي مهمته الحقيقية على هذا الكوكب الأرضي ، ولقد ذكر الله هذه الكلمة ـ خليفة ـ بإطلاقها فهي غير مقيدة ولا محددة.
وللإنسان حيال هذا الإطلاق أن يقف وقفتين :
أولاهما : أن يقف على معنى كلمة خليفة من حيث هي، أعني ما هي المهمة الحقيقية التي سوف تتضمنها هذه الكلمة وستكون علماً عليها أو اسماً لها؟
وثانيتهما : هذا المخلوق الجديد إذا كان خليفة فإنه من حقنا أن نسأل عن المخلوف أي الذي سوف يخلفه آدم ويحل محله أو ينوب عنه.
وسنحاول فهم النقطتين معاً فنقول : إن للعلماء هنا آراء متعددة واقتراحات ومفاهيم متنوعة ، " فآدم حين سيكون خليفة إنما سيخلف جنساً بأكمله هو جنس الجن، ولقد نسب هذا الرأي لابن عباس ، على أن هذا الرأي لا يكاد يكون مفهوماً إذ إن الجن ما يزال موجوداً إلى اليوم وبعد اليوم في الأرض يابسها ومائها (1). ونستطيع أن نفهم هذه الخلافة باعتبار أنها سوف تكون خلافة عن الله عز وجل بمعنى أن الله قد انتدب الإنسان لنشر شريعته في الأرض فيوحي بها لبعض أبناء آدم ومعهم الوثائق الكاملة والبراهين القاطعة التي تقنعهم أنها من عند الله، وهنا يجب على النوع الإنساني أن يطبق شريعة الله بشكل عام إذا كانت الشريعة عامة، أو على بعض أفراده إذا كانت الشريعة خاصة.
وهذه الخلافة على هذا النحو من التخريج إنما تحدد مهمة الإنسان التي خلق من أجلها، وهذا التخريج على هذا النحو أيضاً حين يكون مقبولاً في العقل إنما يعتبر صيحة قوية لتلفت النوع البشري من غفلته لتنبهه إلى أن الإنسان حين يغفل عن تطبيق الشريعة الإلهية لا يكون قد ارتكب جرماً على أعلى درجات التجريم التي تستوجب المساءلة والعقاب فحسب، وإنما يكون قد تعدى ذلك إلى مسخ شخصيته وسلب أهم عناصر وجوده، وإلغاء جانب كبير من ماهيته، والتنازل عن مقدار لا يستهان به من كرامته الاجتماعية والأخلاقية والدينية، فإذا لم يكن للإنسان من وظيفة على الأرض إلا تحقيق العبودية بتطبيق شرع الله في العقائد والاجتماعيات والأخلاق والعبادات، فإنه حين يلغي ذلك أو بعضه يكون قد ألغى مهمته ووظيفته الحقيقية وتخبط في دياجير الإهمال، وتاه في بيداء الظلمة والحيرة بغير هدف يقصده أو بغية ينتهي إليها.
وربما يتسع معنى الكلمة ليشمل أن يكون أفراد النوع الإنساني الذي تعلقت الإرادة بإيجاده لن يكون لهم البقاء ولن يتمتعوا بالخلود، وإنما سيحيا الواحد منهم إلى أجل مرسوم ثم يعود تراباً كما بدأ ، وبهذا فإن أفراد النوع الإنساني سوف يخلف بعضهم بعضاً ويكون بعضهم خليفة عن البعض إلى أن يقضي الله أمره بانتهاء هذه الحياة.
وعلى هذا التخريج يكون الله قد نعى النوع الإنساني قبل وجوده وأعلمهم بأنهم لا بقاء لهم في هذه الدنيا إلا ريثما يستوفي الواحد منهم أجله ثم يتركها إلى الحياة البرزخية وما يتلوها.
وهذا الإعلان كاف وحده لكي يلتفت النوع الإنساني أفراداً وجماعات إلى تحقيق العبودية لله في أنفسهم بتحقيق الواجب الذي يطلب منهم والقيام بأعباء المهمة التي كلفوا بها من تحقيق شرع الله في الأرض.
ومن هنا يظهر الترابط بين التخريجين الأول والثاني، فالإنسان خليفة عن الله لتنفيذ شرعه وأفراد الإنسان لا بقاء لهم فوق الآجال المحددة لهم فهم يخلفوا بعضهم بعضاً.
ولو تأملنا أسلوب القرآن لوجدناه يستخدم الخلافة بالمعنيين معاً، فهو يتحدث عن الخلافة بمعنى تنفيذ شرع الله في الأرض فيقول : " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " . ويستخدم القرآن الخلافة بمعنى أن بعض أفراد النوع الإنساني يخلف بعضاً فيقول : "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض" ، "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً " ، " ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون".
والترابط بين التخريجين ظاهر واللفظ الوارد في خطاب الملائكة (خليفة) من العموم والشمول بحيث يتسع لهما ولما يمن الله به على الأجيال القادمة من فهم يضيفونه إلى هذه المعاني.
===========================
عقيدتنا |
 |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق