مزية آدم وفضيلته |
الكاتب الأستاذ الدكتور/ طه حبيشي وحين نصل بالمناقشة إلى البحث في مزية آدم وفضيلته، فإنه ينبغي أن نصدر هذه القضية بالتنبيه إلى ما يمكن أن تنزلق إليه أقلام المفكرين وأفكار العلماء. فالإنسان حين يخطئ في المقاييس يخطئ لا محالة فيما يصدره من أحكام تعتمد على هذه المقاييس الخاطئة ، وهو حين تخطئه المقدمات أو يخطئ هو في الوقوف على حقيقة المقدمات يخطئ حتماً في النتيجة والغاية التي تنتهي إليها هذه المقدمات. وقضية التكريم في آدم قد يرجع بها بعضهم إلى فضيلة العنصر وطيب الجانب المادي فيه، ويحاول أن يسطر الصفحات تلو الصفحات ليبين عن مزية في عناصر الأرض تمتاز عن كل مزية في أي عنصر آخر حتى ولو كان عنصر النار بما له من الشفافية والميل إلى العلو والرفعة. وهذا في الحقيقة مقياس خاطئ قد شقى به إبليس من قبل حين اعتمد عليه في المقارنة بين أصله الذي نزع عنه وهو النار، وأصل آدم الذي خلق منه وهو التراب فأدى به هذا المقياس إلى الاغترار بأصله والتمرد على الأمر الإلهي " أأسجد لمن خلقت طيناً " ، " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين". وأراد الله أن يلفته إلى خطأ هذا المقياس عنده : " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" ، ولكنه لم يصغ إلى هذه اللفتة واعتز بمقياسه هو الذي توصل إليه بفكره المحدود. ومن هذه العجالة الخاطفة اعتمادا على مقياس خاطئ لن يؤدي إلا إلى أحكام خاطئة ، واصطناع المقدمات الفاسدة تسقط صاحبها في مهاوي الضلال عن الحقيقة والبعد عن اليقين. ولو أننا تأملنا النص الإلهي في قصة آدم مجتمعاً لوجدنا أن قضية التكريم لا علاقة لها بالعنصر المادي من قريب أو من بعيد وإنما يتجه النص الإلهي بنا وجهة أخرى حين يحدد عناصر أربعة بها مجتمعة يكتسب آدم وبنوه ما لهم من مزية التكريم والتفضيل، وهذه العناصر الأربعة قد جاءت معظمها في فترة تالية لفترة التكوين المادي العنصري المتصل بمادة الأرض من تراب وماء. فالله قال مباشرة بعد أن انتهى من الخلق المادي : " ونفخت فيه من روحي" ونفخ الروح والإضافة إلى الله عز وجل أعطت لهذا الكائن المادي ما يميزه عن غيره من النظائر والأشباه، ثم في آية أخرى نرى القرآن يقول مخاطباً إبليس : "ما منعك أن لا تسجد لما خلقت بيدي " فالعنصر المادي وإن كان تراباً وماء إلا أن مباشرة الصانع الحكيم له جعلته ينتسب إلى الله من حيث التكوين والصنعة ونحن وإن كنا نجهل كيفية التكوين وكيفية الصنعة إلا أن العنصرين الترابي والمائي قد اكتسبا بهذه الصلة معنى جديداً لم يكن فيهما من قبل. وبعد أن استكمل آدم مرحلته المادية والروحية ابتدأت مرحلة جديدة لإطلاق أهم ما يميزه عن غيره من المعاني والوجدانات وهو العقل فأودع الله فيه حقائق العلوم وأسرار الأشياء وعلمه الألفاظ الدالة على ذلك وليس العلم في الحقيقة إلا إدراكاً فعلياً لتلك الأسماء والمسميات معاً وبكيفية الاستفادة من هذه الأشياء على نحو ما خلقت له " وعلم آدم الأسماء كلها " وتلك إشارة إلى أنه من بين مزايا الإنسان ومن عناصر تكريمه أن يحاول محاولات جادة ومستمرة الوقوف على أسرار العلوم وحقائق الأشياء بقدر الطاقة والإمكان. وباستكمال هذه العناصر الثلاثة التي أشرنا إليها كان العنصر الرابع نتيجة محتومة من الناحية المنطقية وهو إسجاد الملائكة له " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين". ============================ عقيدتنا |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الأحد، 11 ديسمبر 2011
مزية آدم وفضيلته
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق