اللقاء بين آدم والملائكة |
الكاتب الأستاذ الدكتور/ طه حبيشي ثم تدبر العناية الإلهية لقاءاً بين آدم والملائكة بعد أن علمه حقائق وأسماء الأشياء كلها وكان بداية اللقاء بين آدم والملائكة سؤالا من الله لملائكته حول ماهية وحقيقة وأسماء بعض الأشياء " أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" وهذه نقلة في قصة آدم تبدو وكأنها غريبة على أذهاننا ، فالله قد علم آدم حقائق الأشياء ثم يسأل الملائكة عنها مع علمه بأنهم لا يجيبون " قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " وتزداد المسألة لدينا غرابة حين ينتدب الله آدم لتعليم الملائكة ما عجزوا عنه : " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم " ويصدع آدم لهذا الأمر ويعلمهم أسماء وحقائق الأشياء والمرء حين يندهش لهذه النقلة الغريبة يحتاج إلى جواب عن سؤال مؤداه: لماذا وجه هذا السؤال إلى الملائكة : " أنبئوني بأسماء هؤلاء " ؟ ولماذا انتدب آدم إلى تعليم الملائكة وإحاطتهم بما لم يحيطوا به : " قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم " ؟ ولو تأملنا القاعدة التي صدرنا بها قصة بدء الخلق في القرآن والتي مفادها أنه من رحمة الله بالخلق أن لا يفاجئهم بأمر من الأمور حتى يعطي له تمهيداً ومقدمات تريح الكون أو بعض الكائنات اللاتي سيتعلق بها هذا التغيير أو يتصل بها على نحو من الأنحاء لفهمنا المراد من السياق. ففي هذا الإطار يجب أن نعلم أن الملائكة إلى هذا الوقت الذي سألهم الله هذا السؤال فيه لم تكن لهم أي علاقة بهذا المخلوق الجديد، وقد شاءت العناية الإلهية أن هذا العالم العلوي الملائكة ستكون لهم علاقة خدمة وعناية بهذا الكائن المرتقب، ولقد اتضح لنا في خطاب الله للملائكة وإجابة الملائكة برأيهم في هذا الكائن الجديد أنهم قد توقعوا منه الفساد والإفساد فمن المتوقع عندهم أنه سيكون مصدر الرذيلة والإثم ولم يتوقعوا منه حسن الشمائل ولا رفعة الخصال، وليس من اللائق منطقياً أن تعمل الملائكة في خدمة كائن قد تصوروه سلفاً على هذا المستوى فلابد أن يبرز لهم الله ـ على مقاس الرحمة لا على مقياس الجبر ـ الجانب المضئ والفضيلة العليا التي سوف ينطوي عليها هذا الكائن الجديد، ومن بين فضائله ومن أسماها أنه قادر على تحصيل العلم والمعرفة بأوسع معنى لهذه الكلمة، وتحصيل العلم فضيلة حين يتعلق العلم بمعرفة الله الخالق البارئ المصور وبمعرفة آثاره في كونه وبمعرفة قوانينه التي وضعها ونظمه التي أرسى قواعدها في هذا العالم، وأنه خلق من الكائنات عوالم وأجناسا وأنواعا وأفرادا لكل صفاته وشمائله، ولكل خواصه وحقائقه فلا تختلط الأجناس ولا تتداخل الأنواع ولا تختلط الأفراد بعضها ببعض، وحين يقف الإنسان على هذا السر يكون قد حقق لذاته مزية وحقق لكيانه وجوداً غير وجوده المادي الذي يشارك به غيره من الكائنات الدنيا. وقف الملائكة على هذا السر وتعرفوا على هذه الفضيلة بعد هذا اللقاء الذي أرادته العناية الإلهية فتهيأت نفوسهم إلى إكبار وتعظيم هذا المخلوق الجديد. ولا يستطيع قائل أن يقول : إن هذا المخلوق الجديد ليست له هذه المزية من ذاته، فهو حين تعلم لم يتعلم ببذل المجهود ولا بصرف الهمة ولا بإشقاء الجسد والروح، ولا بكد الفؤاد وتوجيه الإرادة وإنما كان تعليمه بتوجيه الله له وصب هذه المعاني صباً في فؤاده : "وعلم آدم الأسماء كلها ". إننا لا نصغى إلى مثل هذه الشوشرة لأن الملائكة هم الآخرون بما لهم من فضيلة تتلخص في لبابها وحقيقتها في جملة واحدة هي الطبيعة الخيرة لا يدعون أو لا يدعي غيرهم بأن هذه الطبيعة الخاصة بالملائكة قد أتتهم ببذل المجهود أو كد النفس أو توجيه القصد إلى تلك الغاية النبيلة أو الفطرة السليمة وإنما هم خلقوا هكذا عبادا مكرمين فطرتهم خيرة ولا يتأتى أن يطرأ عليها الإعوجاج ، [ وكل ما في هذا العالم على هذا النمط الفضائل كلها قد خلقها الله في الفضلاء وقد أضفى عليهم مزاياهم ثم ترك للإنسان بعد ذلك ميدان الاختيار بعد أن زلل أمامه كل صعاب ] . الملائكة إذن قد أصبحوا مهيئين إلى خدمة هذا الكائن الجديد بعد هذا التمهيد الذي دبرته العناية الإلهية. =============================== عقيدتنا |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الأحد، 11 ديسمبر 2011
اللقاء بين آدم والملائكة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق