إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الثلاثاء، 24 يناير 2012

طريقة العهد والوصية أو الاستخلاف

طريقة العهد والوصية أو الاستخلاف


وهو أن يعهد الإمام لشخص آخر بالإمامة بعد موته بعد مشاورة أهل الحل والعقد في ذلك، كما عهد أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده، وكما عهد عمر ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة للنفر الستة ليختاروا واحدًا منهم.

فقد ذكر ابن الجوزي في مناقب عمر بن الخطاب عن الحسن بن أبي الحسن رضي الله عنه قال: لما ثقل أبو بكر ـ رضوان الله تعالى عليه ـ واستبان له من نفسه، جمع الناس فقال: إنه قد نزل بي ما ترون، ولا أظني إلا لمأتي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمَّرتم عليكم في حياة مني كان أجدر ألاَّ تختلفوا بعدي، فقاموا في ذلك وحلوا عنه فلم تستقم لهم، فقالوا: أمِّر لنا يا خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: فلعلكم تختلفون؟ قالوا: لا، قال: فعليكم عهد الله على الرضا؟ قالوا: نعم، قال: فأمهلوني أنظر لله ولدينه ولعباده، فأرسل أبو بكر إلى عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ، فقال: أشر علي برجل، والله إنك عندي لها لأهل موضع، فقال: عمر، فقال: اكتب فكتب حتى انتهى إلى الاسم فغشي عليه ثم أفاق، فقال: اكتب عمر» .

وهذه الطريقة هي التي اختارها كثير من العلماء منهم: أبو محمد علي بن حزم حيث قال: «إن عقد الإمامة يصح بوجوه:

أولها وأفضلها:
أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إمامًا بعد موته،وسواء فعل ذلك في صحته أو في مرضه أو عند موته إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر، وكما فعل أبو بكر بعمر، وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز، وهذا هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره، لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة، وانتظام أمر الإسلام وأهله، ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى، ومن انتشار الأمر، وارتفاع النفوس، وحدوث الأطماع» .

قلت: وقوله كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر ـ يعني: أن رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عهد بالخلافة لأبي بكر الصديق من بعده، وهذا محل خلاف بين العلماء سأحققه فيما بعد.

هذا وإن صنيع ابن خلدون يدل على أنه يفضل عقد الإمامة بالعهد على غيرها من الطرق الأخرى قال في مقدمته:
«اعلم أنا قدمنا الكلام في الإمامة ومشروعيتها، لما فيها من المصلحة، وأن حقيقتها النظر في مصالح الأمة لدينهم ودنياهم، فهو وليهم والأمين عليهم ينظر لهم ذلك في حياته ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد مماته ويقيم لهم من يتولى أمورهم، كما كان هو يتولاهم ويثقون بنظره لهم في ذلك، كما وثقوا به فيما قبل، وقد عرف ذلك من الشرع بإجماع الأمة على جوازه وانعقاده، إذ وقع بعهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ لعمر بمحضر من الصحابة وأجازوه وأوجبوا على أنفسهم به الطاعة لعمر ـ رضي الله عنه، وكذلك عهد عمر في الشورى إلى الستة بقية العشرة وجعل لهم أن يختاروا للمسلمين ففوض بعضهم إلى بعض حتى أفضى ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف فاجتهد ونظر في المسلمين فوجدهم متفقين على عثمان وعلي، فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لموافقته إياه على لزوم الاقتداء بالشيخين في كل ما يعن دون اجتهاده، فانعقد أمر عثمان لذلك وأوجبوا طاعته والملأ من الصحابة حاضرون للأولى والثانية ولم ينكر أحد منهم، فدل على أنهم متفقون على صحة هذا العهد عارفون بمشروعيته.

والإجماع حجة كما عُرف ولا يتهم الإمام في هذا الأمر، وإن عهد إلى أبيه أو ابنه لأنه مأمون على النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يتحمل فيها تبعة بعد مماته خلافًا لمن قال باتهامه في الولد والوالد، أو لمن خصص التهمة بالولد دون الوالد فإنه بعيد عن الظِّنة في ذلك كله، لاسيما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو وقوع مفسدة فتنتفي الظنَّة عند ذلك رأسًا كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد، وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في الباب، والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذٍ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلبة منهم فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع.

وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه، وفرار عبد اللَّه بن عمر من ذلك ـ أي: البيعة ليزيد ـ إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من الأمور مباحًا كان أو محظورًا، كما هو معروف عنه ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير وندور المخالف معروف».

أما تولية عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ فقد روى البخاري في «صحيحه» عن عمرو بن ميمون حـديـثًا طـويلاً ثـم ذكـر: ...فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين! استخلف فقال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض: فسمى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد اللَّه بن عمر وليس له من الأمر شيء، فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذلك وإلا فليستعن به أيكم ما أُمِّر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة...إلى أن قال الراوي: فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه واللَّه عليه والإسلام لينظرن أفضلكم في نفسه، فسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إلي واللَّه علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فاللَّه عليك لئن أمَّرتك لتعدلن ولئن أمَّرتُ عُثمان لتسمعن ولتطيعن.

ثم خلا بالآخر فقال مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك أبايعك يا عثمان فبايعه، فبايعه علي وولج أهل الدار فبايعوه .

وقد أجمع الصحابة على جواز العهد، ولم يذكر عن أحد منهم خلاف ذلك. وروى الإجماع كثير من العلماء منهم: الماوردي في «الأحكام السلطانية» حيث قال: «وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته» .

قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: «حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر ـ رضي اللَّه تعالى عنه ـ، وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف» .

====================
انظر :
*مناقب أمير المؤمنين ، لابن الجوزي 
* البداية والنهاية
*الفصل في الملل والأهواء والنحل
*الأحكام السلطانية ، للماوردي
*شرح النووي لمسلم
* مقدمة ابن خلدون
 منقول

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .