إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

سبحان الله والحمد لله والله أكبر

الثلاثاء، 24 يناير 2012

مسئولية الحاكم أمام اللَّه

مسئولية الحاكم أمام اللَّه


إن الإسلام لا يعرف للخليفة مركزًا خاصًّا يحميه من النصح والتوجيه، ويعفيه من بعض ما يكون على أبناء الأمة من واجبات فهو ليس إلا رجلاً اختارته الأمة ليكون ممثلاً لها، ويتولى الإشراف على أمورها وتدبير شئونها، وألزمته أن لا يخرج على أحكام الشريعة الإسلامية، فكان من الطبيعي تحقيقًا للعدالة والمساواة واستجابة للمنطق أن يسأل الحاكم عن كل مخالفة للشريعة الإسلامية، سواء تعمد هذا العمل أو وقع منه نتيجة إهماله ما دام كل فرد في الأمة الإسلامية يسأل عن أعماله وأقواله المخالفة للشريعة الإسلامية، فالحاكم مسئول عن أفعاله وتصرفاته أمام اللَّه في الآخرة، مثله في ذلك مثل أي فرد عادي في الأمة.

ونجد أن مبدأ المسئولية في الآخرة ظاهرًا وواضحًا في نصوص القرآن الكريم وهو قول اللَّه تعالى: { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } [الطور:21]
وقوله تعالى: { يوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَينَهَا وَبَينَهُ أَمَدًا بَعِيدًا } [آل عمران:30].
وقوله تعالى:{ لِيجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [إبراهيم:51]، وغير ذلك من الآيات التي تبين أن كل إنسان مسئول عن أقواله وأفعاله أيا كان مركزه.

وعلى قدر اتساع سلطة الإنسان وامتداد قدرته تكون مسئوليته وكذلك على قدر ضعفه وعجزه يكون إعفاؤه من الواجب.
ولذلك نرى أن مسئولية كل فرد محدودة دائمًا بحدود سلطته وإمكانياته فهي بالنسبة لمن يلي من أمور المسلمين شيئًا تتسع على قدر اتساع سلطة الإنسان وامتداد قدرته؛ ولذا فمسئولية الحاكم أكبر من مسئولية المحكوم؛ لأن التكليف المنوط به أضخم، ومطالبته بالعمل على ما يحقق للناس مصالحهم، من حيث الخطط والمشروعات، وتوفير وسائل الحياة الكريمة لكل فرد من أفراد المجتمع الذي يتولى رعاية مصالحه الدينية والدنيوية وفق شريعة الإسلام.
وكما بينت الآيات الكريمة مسئولية الحاكم عن أقواله وأفعاله أمام اللَّه في الآخرة ـ نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عظم مسئولية ولاة الأمر فقال: «ما من عبد يسترعيه اللَّه رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم اللَّه عليه الجنة» .
وقوله: «أحب الناس إلى اللَّه يوم القيامة وأدناهم منه مجلسًا: إمام عادل وأبغض الناس إلى اللَّه وأبعدهم منه مجلسًا: إمام جائر».
وغير ذلك من الأحاديث التي تبين أن الإمام أو الحاكم مسئول أمام اللَّه مسئولية يلقى نتائجها يوم الحساب والجزاء، فإن نصح للأمة وعدل فيها وأدَّى ما عليه نحوها من واجبات أوجبها اللَّه عليه: فأنصف مظلومها، وحمى ضعيفها ورعى سائر شئونها ودافع عن حوزتها ـ جازاه اللَّه أحسن الجزاء، وكان له بذلك أعلى الدرجات مما لا يكون لأعظم العباد المعتكفين على عبادة اللَّه.

وإن ظلم وغش وأساء كان له من الجزاء ما ينال مثله المجرمون والقتلة والفاسقون وسائر الخارجين على حدود اللَّه، فالحاكم عندما يخاطب بأمر من أوامر اللَّه أو رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب عليه أن يقوم بتنفيذ هذا الأمر، والخضوع له، ووضع كل القواعد اللازمة لإنفاذه، لأن ذلك مما يقتضيه الأمر أو النهي، ومما هو مسئول عنه أمام اللَّه.
وإذا أراد الحاكم أن يأتي بالمسئولية على وجهها الصحيح فعليه أن يلتزم الأمور التالية:

أولاً: التزام التقوى، والورع، والخوف من اللَّه، وحب الآخرة، وعدم اتباع الهوى، وعليه بالعفة، والعبادة، والعدالة، والمساواة، وغيرها من الصفات المحمودة لا لأنه يحكمهم، بل لأنه أقوى منهم، فكلما كان الحاكم قادرًا على أن يسوق الناس بعصاه أو يقربهم بماله وجاهه فهم من الطائعين السامعين.

وإذا ضعف الحاكم واستطاع أحد منافسيه أن يتغلب عليه فإنه يستطيع تبعًا لذلك أن يتحكم في رقاب الرعية، وكأن الرعية تُعتبر خدمًا وعبيدًا لصاحب السلطة سواء أورث سلطانه أم اكتسبه. ولما كان الحاكم يستمد سلطانه من قوته لم تكن سلطة أي حاكم تساوي سلطة الآخر، ولم تكن هناك حدود مرسومة للحكام لا يتعدونها، بل كان للحاكم أن يأتي ما يشاء ويدع ما يشاء دون حسيب أو رقيب.

فرأينا ـ مثلاً ـ في الجاهلية من الحكام من بلغ الاستبداد به إلى حد أن كل من يحل بأرضه يصير عبدًا له، يأتمر بأمره، وينتهي إذا نهاه، فبلغ من جبروت كليب وائل أنه كان لا يسمح لأحد أن يتكلم في مجلسه، وبلغ الاستعباد أن يقهر عوف كل من حل بواديه حتى صار ذلك مثلاً لدى العرب (لا أحد بوادي عوف) ولكن رحمة من اللَّه بعباده أن جاءت الشريعة الإسلامية فاستبدلت بهذه الأوضاع البالية أوضاعاً جديدة تتفق مع الكرامة الإنسانية والحاجات الاجتماعية فجعلت أساس العلاقة بين الحكام والمحكومين تحقيق مصلحة الجماعة لا قوة الحاكم أو ضعف المحكومين، وتركت للجماعة حق اختيار الحاكم الذي يرعى مصلحتها ويحفظها، وجعلت لسلطة الحاكم حدود ليس له أن يتعداها، فإن خرج عليها كان عمله باطلاً.

ثانيا: عدم الاستعلاء على الناس بالحكم، فينبغي على الحاكم أن يقدم الرحمة والحلم والعفو على الغلظة والشدة في تصرفاته وأعماله، وأن يترك الترف وإظهار الأبهة في ملبسه ومسكنه وغير ذلك، وأن يجعل ولايته للتقرب إلى اللَّه تعالى بالتواضع، وعليه الاهتمام بأمور المسلمين والعمل على اكتساب رضاهم ومحبتهم بطريق يوافق الشرع ولا يخالفه.
منقول

ليست هناك تعليقات:

« كَفَّارَةُ المَجْلِسِ »

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ في مَجْلِسِهِ ذَلِكَ » .