الـعهــد إلـى الأبـنـــاء |
أصبح من المألوف منذ قيام الدولة الأموية إلى يومنا هذا عهد الآباء إلى الأبناء أو الإخوة. وقد اختلف أهل العلم في جواز ذلك إلى قولين: القول الأول: الجواز في ذلك لأنه أمير الأمة، والأعلم بالأصلح لها، وأمره نافذ عليهم ووجب عليهم السمع والطاعة له. قال ابن خلدون في «مقدمته»: «ولا يتهم الإمام في هذا الأمر، وإن عهد إلى أبيه أو ابنه؛ لأنه مأمون النظر لهم في حياته، فأولى أن لا يتحمل فيها تبعة ما بعد مماته، خلافًا لمن قال باتهامه في الولد والوالد، أو لمن خصص اتهامه بالولد دون الوالد، فإنه بعيد عن الظنة في ذلك كله، لاسيما إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو توقع مفسدة فتنـتفي الظنة عند ذلك رأسًا، كما وقع في عهد معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون سواه...إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس» . القول الثاني: عدم الجواز، وذلك لأن العهد كالشهادة فلا تقبل شهادة الرجل لأصوله ولا لفروعه. الترجيح: والذي يترجح عندي هو الرأي الثاني، فإن الخلفاء الراشدين كانوا أبعد عن هذا الأمر، فأبو بكر لم يعهد لابنه من بعده بل عهد إلى عمر ـ رضي اللَّه عنهم أجمعين ـ، وعمر لم يعهد إلى ابنه بل جعلها شورى بين الستة وجعله من أهل الشورى، وشدد على أنه ليس له من الأمر شيء فلا يتولى الخلافة، وكذلك عثمان لم يعهد إلى أحد من أقاربه، وعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه حين سأله رجل: ألا تعهد يا أمير المؤمنين؟ قال: لا؛ ولكني أترككم كما ترككم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فوجب علينا الاقتداء بهؤلاء الأعلام والسير على نهجهم، وأخذ سنـتهم رضي اللَّه عنهم، ومن أجاز العهد للأبناء إنما اشترط رجحان وتيقن المصلحة وأمن الفتنة، وإلا فإن الإمامة لا تُورث وليست حكرًا على عائلة بعينها لا تخرج منها. قال ابن خلدون: «وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ التراث على الأبناء فليس من المقاصد الدينية، إذ هو أمر من اللَّه يخصُّ به من يشاء من عباده، وينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفًا من العبث بالمناصب الدينية، والملك للَّه يؤتيه من يشاء» وشدد ابن حزم رحمه اللَّه على هذا الأمر فقال: «لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها». ============== انظر: *منهاج السنة النبوية *مقدمة ابن خلدون |
إجمالي مرات مشاهدة الصفحة
الأحد، 11 ديسمبر 2011
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق